هدنة اليمن … مناورة سياسية أم نهاية حرب؟

هدنة اليمن … مناورة سياسية أم نهاية حرب؟

يتطلع العديد من أبناء الأمة الإسلامية والعربية إلى تجفيف منابع النزاع اليمني، وعودة الاستقرار إلى هذا الوطن العربي والمسلم؛ لا سيما أن عاث فيه أحفاد المجوس واليهود، وأصحاب المصالح والأموال، على غرار هذه التطلعات والآمال توجهت الأنظار حول الهدنة الإنسانية الراهنة في اليمن، لتعطي بصيص أمل في نهاية محتملة لحرب عبثية خلقها أتباع إيران، أكلت أخضر اليمن ويابسه، ودعمته قوى إقليمية وعالمية متعددة، في ظلِّ انقسام حادٍّ في المشهد الداخلي.

فقد لا يكون من السهل التعويل على الهدنة المؤقتة، التي تم تبنيها من قِبَل الحكومة وجماعة الحوثيين برعاية الأمم المتحدة، فإن أول ما يلفت النظر في هذه الهدنة، أنها ليست تقليدية في مدتها؛ إذ يحمل تحديد هذه المدة بشهرين، تأكيدًا ضمنيًّا، على أن الملتزمين بها والراعين لها يأملون ألا تحمل هذه الهدنة طابعًا إنسانيًّا محضًا، أو أنها ستنتهي فور انتهاء الظرف الإنساني والديني الذي يحكمها.

فهي بخلاف سوابق في نزاعات عربية، لم يرتبط إطلاقها بشهر رمضان، بشكل واضح، وكانت إرهاصاتها والحديث عنها قبل حلول الشهر الفضيل، حتى لو كان بدء سريانها متزامنًا مع حلول الشهر المبارك، لعام 2022.

الأمم المتحدة وإعلان الهدنة:

دخلت اليمن في هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد، وذلك في أول أيام شهر رمضان لعام 2022، ما يشكِّل بصيص أمل في حرب طاحنة أودت بمئات الآلاف ودفعت الملايين إلى شفا المجاعة، بحسب ما أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ.

وقال غروندبرغ في بيان: إن أطراف النزاع تجاوبوا بإيجابية مع مقترح للأمم المتحدة لإعلان هدنة مدتها شهران”، مشيرًا إلى أنها قابلة للتجديد بعد مدة الشهرين بموافقة الأطراف”(1).

الإرادة السياسية:

قد تكون هدنة الشهرين اليمنية بداية النهاية للحرب، إذا ما توافرت الإرادة السياسية للأطراف للشروع في مفاوضات تقود نحو الحل السياسي الذي لا بديل منه إلا دوامة صراع ليس فيه منتصر، ويبدو الجميع خاسرًا.

ولولا أن ثمة توافقًا إقليميًّا على ضرورة وضع حدٍّ للحرب، لما كان في وسع المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ تحقيق هذا الاختراق في الجهود الدبلوماسية. ويفترض أن تتيح أجواء التهدئة الدخول في نقاش جدي حول السبل التي يمكن أن تدفع نحو بلورة تسوية سياسية يتوافق عليها الجميع.

وعلى أهمية التوافق الإقليمي، لا يمكن إلغاء الدور الذي يتعيَّن أن يلعبه اليمنيون أنفسهم في إعادة بناء الثقة فيما بينهم، والشروع في حوار داخلي في شأن الرؤية المستقبلية لبلد مزَّقته الحروب والفقر والمجاعة.

لا أحد يتصور أن التوصل إلى حل سياسي مقبول من أطراف النزاع يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، لكن تبقى التهدئة في الميدان وصمت المدافع عاملين مساعدين، على تقديم التنازلات المتبادلة التي ستكون مطلوبة في مرحلة معينة من أجل التوصل إلى هذا الحل.

وعندما يرحب جميع أطراف النزاع بالهدنة ويلتزمونها، فهذا يعني أنهم قد اقتنعوا بضرورة إفساح المجال للجهود الدولية التي يبذلها المبعوث الأممي، كي يتمكن من ابتداع الصيغ التي يمكن أن تعزز الهدنة، وتقنع الأطراف بالدخول في حوار مباشر، يبدو أن لا غنى عنه في مرحلة معينة لوضع خريطة طريق نحو الحل المستدام.

منذ عام 2011 واليمنيون يعيشون في ظل الانقسامات والصراعات الأهلية، التي أودت بحياة عشرات الآلاف، ودمّرت ثروات البلد ودفعته إلى حافة الجوع والعيش على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية، في وقت يمكن اليمن لو كان يؤمه السلام والاستقرار، أن يكفي نفسه بنفسه ويعيش من موارده، وأبرزها النفط(2).

هدنة من طرف واحد:

يعتقد الصحفي والمحلل السياسي مأرب الورد، أن: “ما هو معلن ما هو إلا هدنة إعلامية أكثر مما هو هدنة بالمعنى المعروف للكلمة”.

وذكر للأناضول: أن “التحالف أوجد صيغة لإخراج هدنة بحيث لا تبدو بأنها استجابة لمبادرة الحوثيين”.

وأشار إلى آلية الهدنة التي أعلنها التحالف العربي، وبدأت بطلب من مجلس التعاون الخليجي لإعلان هدنة خلال شهر رمضان، “الأمر الذي استجاب له التحالف سريعًا”.

واعتبر أن هذه الطريقة “تخريجة” للتحالف، وأهم مبرراتها هو تهيئة الأجواء للمشاورات اليمنية التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي في الرياض.

وأوضح أن شروط الحوثيين التي أعلنوها مع هدنتهم واضحة ومختلفة، معتبرًا “هذه الشروط لا تقترب من مفهوم الهدنة”.

ولفت أن “مفهوم الحوثيين للهدنة مختلف، ويقتصر فقط على توقف الضربات الجوية للتحالف التي لم تعد بنفس الكثافة في بداية تدخل التحالف؛ إضافة إلى مقتضيات أخرى تتعلق بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وغيرها من الشروط”.

وأفاد بأن “الهدنة من طرف واحد”، مردفًا: أن “الحوثي دفع بتعزيزات ضخمة باتجاه مأرب لتعزيز مكاسب ميدانية عشية عقد مشاورات الرياض، في محاولة لاستغلال الوضع”.

وأشار إلى “دور التحالف بتعزيز صمود محافظة مأرب ومساندتها بالغارات الجوية”، مستبعدًا أن تكون هناك أي هدنة، وإعلان التحالف لهدنة هو ربط غير دقيق بالمشاورات الجارية”(3).

تشكيل جبهة موحدة ومخرج سعودي:

وَفْق تقرير مجلة «The Economist»، فإن الحرب اليمنية انخفض العنف فيها من أعلى مستوى له منذ ما يقرب من أربع سنوات؛ مما منح اليمنيين بعض الراحة خلال رمضان، حيث يأمل بعض الدبلوماسيين في أن يتم تمديد الهدنة، وأن تؤدي إلى سلام أكثر ديمومة”.

وتابع: لا يزال هذا يبدو غير مرجَّح، إذ يهدف المجلس الرئاسي إلى تشكيل جبهة موحدة، إما لمحاربة الحوثيين بشكل أكثر فعالية أو للتوسط في اتفاق سلام، لكنَّ أعضاءه لا يحبون بعضهم البعض ولا يمكنهم الاتفاق على الكثير”.

ويرى تقرير المجلة البريطانية: “إن تقديم السعوديين للمجلس على أنه أمر واقع يشير إلى أنهم متشوقون لإيجاد مخرج سريع من حرب مدمرة”، لكنه خلص إلى القول بأن الصفقة التي من شأنها أن تنشئ دولة يمنية قابلة للحياة “تبدو أبعد من أي وقت مضى”(4).

فرص السلام بعد استنزاف مأرب وشبوة:

على الورق تبدو فرص السلام سانحة في الوقت الراهن؛ نظرًا لمعطيات عدة، على رأسها: الإنهاك الشديد الذي تعرَّضت له أطراف النزاع في معارك استنزاف غير مسبوقة في محافظتي: مأرب وشبوة، وبعدها مديريات محافظة حجة، فضلًا عن تدهور الأوضاع المعيشية في كافة مدن اليمن.

وبما أن التفوق العسكري وفرض خيارات الحل من الميدان باتا مستحيلين مع انقضاء سبع سنوات من الحرب، سيكون على الأطراف اليمنية الاقتناع أيضًا بأن المناورات الهادفة لتحقيق نصر سياسي وَفْقًا للمعطيات الميدانية المتوفرة، غير مجدية أيضًا، وليس أمامها سوى تقديم تنازلات، والانخراط في حوار غير مشروط، كما تطمح لذلك الأمم المتحدة.

وعلى مدار الأعوام الماضية، اصطدمت الجهود الدولية بجملة من التعقيدات التي وضعها أطراف النزاع؛ إذ تتمسك الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا بمرجعيات ثلاث هي المبادرة الخليجية والقرار الأممي 2216 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وجميعها تؤكِّد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.

في المقابل: ظل الحوثيون يطرحون شروطًا بدت تعجيزية، مثل: إجراء مشاورات مباشرة مع السعودية وتهميش باقي الأطراف اليمنية، وذلك في خطوة تهدف من ورائها الجماعة لأن تصبح الطرف المهيمن، وتحكم اليمن باعتراف دولي، وليس كما هو حاصل الآن.

وبعيدًا عن المصالح الضيقة لكلِّ طرف، والشفافية في طرح المخاوف من وقف الحرب، يؤكد خبراء: أن السلام في اليمن لن يتحقق سوى بولادة مقاربات أممية ودولية وإقليمية مختلفة للنزاع اليمني، تختلف عن التحركات الشكلية التي تجري حاليًا في الرياض وعمّان ومسقط(5).

مراوغة وإعادة ترتيب الصفوف:

من جانبه: علَّق رئيس مؤسسة بناء حياة للتنمية والحقوق والحريات اليمنية كامل الخوداني على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تصفحته “العين الإخبارية”: أن إعلان مليشيات الحوثي “مراوغة واضحة لتهدئة غضب السعودية بعيد الهجمات، وكذا والمجتمع الدولي”.

وكتب الحقوقي والسياسي اليمني: إن مليشيات الحوثي حال مررت إعلانها فهي ترمي إلى “تهدئة ردة الفعل والغضب؛ لاستهداف المنشآت النفطية، وإفشال المشاورات المقبلة المتوقع انعقادها في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي”.

أما بالنسبة للناشط التهامي اليمني محمد صغير لـ”العين الإخبارية”، فإن المليشيات على الأرض تحضر لمعركة واسعة غربي البلاد في وقتٍ تنشغل الأطراف الدولية والمحلية للترويج للإعلان الحوثي.

وكشف صغير: أن مليشيات الحوثي تستمر في حشد واستقدام المقاتلين من الحديدة وإب وذمار وحجة، إلى تخوم جبهات الساحل الغربي؛ استعدادًا للهجوم البري على مديرية الخوخة، عاصمة الحديدة المؤقتة الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، مؤكدًا رصد مجاميع كبيرة.

وأشار إلى أنه لا هدنة على الأرض من قبل مليشيات الحوثي، وعلى التحالف العربي الاستعداد لكل خيارات التصعيد بما فيه دعم القوات اليمنية للرد في عمليات جراحية لاستئصال سرطان الانقلاب في جسد البلد.

ويأتي إعلان مليشيات الحوثي للتهدئة الوهمية عقب هجماتها الإرهابية على منشآت النفط في السعودية، والتي نفذتها بإيعاز من نظام طهران مستغلة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الطاقة العالمية، حسب صغير(6).

الخلاصة:

لا بد من الحذر وعدم الإغراق في التفاؤل، ولا بد اعتبار الاختراق الذي حققه غروندبرغ مجرد بداية يتعين البناء عليها بزخم بحراك دبلوماسي، وإجراءات عملية على الأرض، كي تتعزز الهدنة ويمكن تجديدها بعد انتهاء مهلة الشهرين.

ويبقى أن اليمن اليوم أمام فرصة يتعين ألا تضيع؛ لأن البديل لا يعني سوى الاستمرار في دائرة الاقتتال، وتفاقم المآسي والكوارث على أنواعها.

فالمشهد اليمني دخل مساحة جديدة من مسار الأزمة، على نحو قد يعيد هيكلتها بشكل عام، لكن لا يزال من المبكر ترجمة نقاط التحول فى المشهد اليمني إلى نقاط اختراق تحوله من مسار الصراع إلى عتبة مسار الاستقرار التي تبدأ بعملية وقف شامل لإطلاق النار، والانخراط في عملية تسوية شاملة.

ولكن ربما تحقق اختراقًا جزئيًّا، على صعيد منظور السعودية لهذه الحرب وتغير دورها المستقبلي في الأزمة، وربما تسجل نقطة اختراق في تقويض أو احتواء الأزمات الفرعية، مثل: القضية الجنوبية.

وإجمالًا: تمثِّل عملية خفض التصعيد المسلح -ولو جزئيًّا- في إطار الهدنة، نقطة الاختراق النوعية ضمن مشهد إعادة هيكلة الأزمة اليمنية، والتي تمثِّل التطورات التي تشهدها حاليًا عتبة تحول فارقة بين ما قبلها وما بعدها.

1_ فرانس 24

2_ عدن الغد

3_ رأي اليوم

4_ The Economist

5_ العربي الجديد

6_ العين