من الجبال الأفغانية إلى شواطئ باب المندب.. خيوط التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة والحوثي

من الجبال الأفغانية إلى شواطئ باب المندب.. خيوط التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة والحوثي

تعد دراسة تنظيم القاعدة أحد المفاتيح الأساسية لفهم جذور الإرهاب المعاصر وأبعاده الإقليمية والدولية، فمنذ تأسيسه في أواخر الثمانينيات، تطور التنظيم من مجموعة صغيرة من المقاتلين “الجهاديين” خلال الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، إلى شبكة إرهابية عالمية تمثل تهديدًا مستمرًا للأمن الدولي.

وهذه الدراسة تأتي لتقديم رؤية تحليلية معمقة حول تنظيم القاعدة، تستعرض أصوله، ومراحل تطوره، وآليات عمله، إضافة إلى إستراتيجياته في التوسع والتأثير على الصراعات الإقليمية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق فهم شامل لدوافع نشأة التنظيم، بداية من جذوره الأيديولوجية المتطرفة وحتى تحوله إلى كيان عابر للحدود، يعمل وفق إستراتيجية طويلة الأمد لاستهداف الأنظمة السياسية، وبث الفوضى في مناطق مختلفة من العالم.

كما نسعى من خلال هذه الدراسة إلى توضيح الدور الذي لعبته الأطراف الدولية والإقليمية، سواء في نشوء التنظيم أو استخدامه كأداة لتحقيق أهداف سياسية خلال فترات معينة.

كما نلقي الضوء على تأثير تنظيم القاعدة في زعزعة الاستقرار، من خلال دراسة أنشطته في مناطق النزاع مثل العراق، واليمن، وأفغانستان، وكذلك في مناطق أخرى مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

علاقة إيران بتنظيم القاعدة ودلائل ذلك وما ترتب عليه:

بعد الكشف عن مأوى زعيم القاعدة «الجديد» في إيران، أصبح جليًّا أن إيواء المتطرفين هو ديدن النظام الإيراني، رغم اختلاف الفكر العقدي بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة، إلا أن النظام الإيراني دأب على التحالف مع هذا التنظيم، والشواهد كثيرة ليس آخرها إيواء سيف العدل الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة وخليفة الظواهري، ولا أولها بعد مقتل القيادي في التنظيم أبو محمد المصري، ثاني أعلى مسؤول في «القاعدة»، على الأراضي الإيرانية، على يد إسرائيليين، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

العلاقة المركبة تؤكد أن النظام الإيراني و«القاعدة» تجمعهما قاعدة مشتركة وهي الإرهاب واستغلال الدين ومحبيه، فحقيقة علاقة النظام الإيراني مع القاعدة استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، وأكدها الوزير السابق مايك بومبيو، وأيضًا مدير مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية، ناثان سيلز، الذي قال: «إن إيران تسمح لـ(القاعدة) بالتحرك، ونقل المقاتلين والأموال إلى دول الجوار بحرية تامة».

ولعل اعتراف الجنرال المتقاعد في الحرس الثوري، سعد قاسمي، الذي قال هو الآخر: «قاتلنا إلى جانب (القاعدة)» يؤكد ذلك. فالنظام الإيراني كان ولا يزال يؤوي القياديين من تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان، التي كانت تؤوي تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، ولكن النظام الإيراني يؤوي أبناء أسامة بن لادن وزوجاته وأحفاده وغيرهم من القيادات، ووفقًا لمعلومات وزارة الخزانة الأمريكية، فإن ياسين السوري، كان المسؤول عن انتقال قيادات القاعدة وعوائلها إلى إيران.

وتوظيف إيران لتنظيم القاعدة هو مبرر العلاقة الميكافيلية والإستراتيجية والتي تعلو على العلاقة العدائية بين تنظيم القاعدة والنظام الإيراني، فبرغم الاختلاف والخلاف العقدي، إلا أن كلا الطرفين استخدما السياسة البراغماتية في التعاطي مع بعضهما بعضًا، مما يؤكد أن الإرهاب هو ما يجمعهما وهو نقطة التقاطع بينهما، فالعلاقة بينهما حكمتها المصلحة المشتركة، بالإضافة إلى أن كليهما يرفع شعار الإسلام والخلافة.

لعل إحدى الوثائق التي أفرجت عنها السلطات الأمريكية والتي عثرت عليها في مخبأ بن لادن قبل مقتله، تؤكد بقاء أبناء بن لادن وبعض قيادات تنظيم القاعدة في إيران لأكثر من ثماني سنوات، منذ فرارهم من أفغانستان عام 2001. فالنظام الإيراني حاول توظيف تنظيم القاعدة لصالحه، كإحدى أذرع الملالي خاصةً بعد توفير المأوى والتدريب وبعض السلاح لعناصر التنظيم.

ووزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو أشار إلى أن تنظيم القاعدة يتخذ من إيران قاعدة جديدة لعملياته، وكانت بدايات العلاقة بين القاعدة وطهران قبل هجمات 11 سبتمبر، وأنها أصبحت «بيت تنظيم القاعدة الجديد»(4).

تحالفات القاعدة وانتشارها العالمي:

شهدت القاعدة اندماجًا مع عددٍ من التنظيمات المسلحة؛ مثل: حركة الجهاد الإسلامي في مصر والجماعة الإسلامية:

– الجماعة الإسلامية المسلحة: وهي “جماعة إسلامية جهادية” تأسست عام 1992، وتنشط في الجزائر ودول مجاورة، وأعلنت مسؤوليتها عن معظم الاغتيالات التي استهدفت الصحفيين والمفكرين والنشطاء السياسيين المعارضين خلال ما تعرف بعشرية الدم في تسعينيات القرن الماضي بالجزائر.

– لشكر طيبة: وهي جماعة تأسست في باكستان، وتصنف ضمن “الجماعات الجهادية”، تأسست بين عامي 1993 و1995، وتسعى إلى “تحرير” منطقة كشمير مما تعتبره “احتلالًا هنديًّا”، ويرى فيها البعض جناحًا عسكريًّا لـ”جماعة مركز الدعوة والإرشاد” التي تأسست عام 1989، والتي كانت تجند المقاتلين لدعم الجماعات المسلحة، بما فيها حركة طالبان الأفغانية.

– عصبة الأنصار: ظهرت في 1987 على يد هشام الشريدي الذي كان عضوًا في حزب التحرير وكان أحد القادة الفلسطينيين الذين واجهوا الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 في مخيم عين الحلوة جنوبي البلاد، وبرزت هذه العصبة بعد وصول مجموعات من خارج المخيم إلى منطقة عين الحلوة هربًا من المخابرات السورية.

– جيش محمد: جماعة مقرها باكستان، تشكلت عام 2000، وتقاتل الوجود الهندي في إقليم كشمير.

هذه التحالفات عززت قوتها العملياتية وقدرتها على تنفيذ هجمات كبيرة، مثل:

1. تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا (1998).

2. الهجوم الانتحاري على المدمرة الأمريكية كول في اليمن (2000).

3. هجمات 11 سبتمبر (2001)، التي غيرت موازين العلاقات الدولية(2).

قيادات القاعدة البارزة: أدوارهم وتأثيرهم:

– سيف العدل زعيم تنظيم “القاعدة الجديد”:

أكدت الأمم المتحدة، عبر التقرير الذي نشر في 15 فبراير الفائت (2023)، أن سيف العدل “محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان” أصبح زعيم تنظيم “القاعدة”، وهو ما أيدته الولايات المتحدة الأمريكية في اليوم التالي، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “إن تقييمنا يتوافق مع تقييم الأمم المتحدة، بأن الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة سيف العدل، وهو موجود في إيران”، وقد أصبح زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري في يوليو 2022(3).

– سيف العدل: المصري المقيم في إيران:

بعد مقتل أيمن الظواهري عام 2022، أصبح سيف العدل، واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، الزعيم الفعلي للقاعدة.

– دوره في التنظيم:

  – الإشراف على هجمات 11 سبتمبر.

  – تدريب الكوادر على المتفجرات والأسلحة.

  – بناء قدرات التنظيم العملياتية.

– علاقاته مع إيران:

  – أقام تحالفًا إستراتيجيًّا مع الحرس الثوري الإيراني، ما أتاح له ملاذًا آمنًا لقادة التنظيم.

  – لعب دورًا محوريًّا في توفير الدعم اللوجستي لعناصر القاعدة عبر إيران.

– خالد باطرفي: زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية:

تولى خالد باطرفي قيادة القاعدة في اليمن عام 2020 بعد مقتل قاسم الريمي.

– دوره في التنظيم:

  – تعزيز علاقات التنظيم مع القبائل اليمنية.

  – تنسيق العمليات الخارجية وشبكات التجنيد.

  – فر من السجن في المكلا عام 2015 في عملية أثارت جدلًا واسعًا.

– خالد العدل: خليفة سيف العدل في اليمن:

ابن سيف العدل المصري، نشأ في بيئة قاعدية خالصة.

– أنشطته في اليمن:

  – التنسيق مع الحوثيين بدعم إيراني.

  – إدارة العمليات الخارجية وتنظيم شؤون التنظيم في شبه الجزيرة العربية.

  – لعب دورًا رئيسيًّا في توسيع نفوذ القاعدة في المناطق اليمنية المحررة.

إيران بيت الحوثيين الأول والأخير:

طموحات إيران التوسعية وخطتها بتصدير الفكر الشيعي إلى المنطقة، عقب نجاح الثورة الخمينية، قاد طهران إلى نسج علاقة مع جماعة الحوثي في صعدة شمال اليمن، حيث دعمتها ماليًّا وعسكريًّا بعد تبني الجماعة المتمردة لفكر إيران الطائفي الدخيل على اليمن.

علاقة جماعة الحوثي بإيران تكشَّفت خيوطها شيئًا فشيئًا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدءًا من استقطاب قيادات الحركة ومناصريها وإرسالهم إلى قم الإيرانية للتعليم الديني، مرورًا بالدعم العسكري والمالي للجماعة المتمردة التي أرادت تحويلها إلى ذراع لها في جنوب الجزيرة العربية والسيطرة على مضيق باب المندب أحد أهم ممرات الملاحة في العالم(5).

وتُصنف بعض المصادر الحركة بأنها شيعية اثنا عشرية، وهو ما ينفيه الحوثيون الذين يؤكدون أنهم لم ينقلبوا على المذهب الزيدي رغم إقرارهم بالالتقاء مع الاثنى عشرية في بعض المسائل كالاحتفال بذكرى عاشوراء.

ولعبت المساعدات الخارجية المستمرة والدعم المادي والعسكري واللوجستي لحركة المتمردين الحوثيين من دولة إيران دورًا كبيرًا، فهي دولة “اثنا عشرية” تجتهد بكل وسيلة لنشر مذهبها، وتدفع حركة الحوثيين إلى السيطرة على الحكم في اليمن؛ لأن ذلك سيصبح نصرًا لإيران، خاصةً أنها ستحاصر أحد أكبر الدول المنافسة لها وهي السعودية.

وقد عززت الطبيعة الجبلية لليمن، والتي تجعل سيطرة الجيوش النظامية على الأوضاع أمرًا صعبًا من وجود وتمدد حركة الحوثي الراع الإيراني؛ وذلك لتعذر حركة الجيوش، ولكثرة الخبايا والكهوف، ولعدم وجود دراسات علمية توضح الطرق في داخل هذه الجبال، وضعف سلاح الجو اليمني، وهو السلاح الوحيد الذي تتميز به الحكومة على التنظيم الحوثي، وعدم قدرته على تحديد الأهداف، وافتقاد تكنولوجيا الأقمار الصناعية وما شابهها، في تحديد الأهداف.

كما عمل الحوثيون على استخدام أساليب وشعارات براقة تجذب الشباب المتحمس، وكذلك وجهاء القبائل المختلفة الكارهين لإسرائيل وأمريكا وتدخلاتهما السلبية في المنطقة العربية(6).

الاتفاق بين الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن:

أبرم الحوثيون اتفاقًا مع تنظيم القاعدة في اليمن، برعاية إيران وسيف العدل، وبحسب القبائل والمخابرات اليمنية، وقالت المصادر إن طهران أفرجت عن عدد من قيادات تنظيم القاعدة مقابل إطلاق سراحهم الملحق الثقافي الإيراني في صنعاء.

بنود الاتفاق بين الحوثي واليمن:

  • عدم مشاركة تنظيم القاعدة في الحرب ضد الحوثيين.
  • عدم تنفيذ أي عمليات انتحارية في مناطق سيطرة الحوثيين.
  • تعليق أي مشاركة في القتال ضد الحوثيين في مختلف جبهات القتال.
  • يركز تنظيم القاعدة في اليمن على التجنيد والتدريب والتسليح.
  • توسيع سيطرة تنظيم القاعدة في المناطق اليمنية المحررة.
  • استهداف مصالح السعودية والإمارات باعتبارهما حليفتين لأمريكا.

وشهد خالد العدل، الذي كان يقيم مع والده في إيران حتى عام 2015م، أول صفقة تبادل أسرى بين إيران وتنظيم القاعدة في اليمن، أفرجت بموجبها طهران عن عدد من قيادات القاعدة المعتقلين في إيران، مقابل إفراج تنظيم القاعدة عن الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية في اليمن المدعو نور أحمد نكباخت، الذي اختطف في عام 2013م، حسبما أفادت مصادر استخباراتية إقليمية.

وكان هذا هو الإطلاق الأول للتحالف بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم القاعدة في اليمن. وكان الفضل في نجاح هذه الصفقة للمقيم في إيران سيف العدل، عن طريق نجله خالد، بعد أن انتقل من إيران بحرًا إلى اليمن منتصف عام 2015م، بعد سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا وعدد من مديريات محافظة حضرموت.

وبحسب مصادر استخباراتية يمنية؛ فإن خالد العدل انتقل من إيران إلى اليمن برفقة قيادات في تنظيم القاعدة أفرجت عنهم إيران في صفقة تبادل الأسرى، هم:

  • مبشر القحطاني، قيادي في تنظيم القاعدة، سعودي الجنسية.
  • أبو يوسف الكويتي، قيادي في تنظيم القاعدة، كويتي الجنسية، متزوج من شقيقة خالد سيف العدل.
  • أحمد بن عبد الله الزهراني، المكنى/ أبو مريم الأزدي، سعودي الجنسية، تم إعدامه بتهمة الجاسوسية.
  • الزبير المغربي، قيادي في تنظيم القاعدة.

بالإضافة إلى أن عددًا من قيادات تنظيم القاعدة في اليمن توجهوا إلى إيران للقاء بسيف العدل، ثم عادوا إلى اليمن عن طريق البحر مع خالد سيف العدل.

وترجح مصادر استخباراتية أن نقل خالد العدل إلى اليمن جاء بعد الاتفاق الذي تم بين والده والحرس الثوري. وأرسل سيف العدل ابنه خالد إلى اليمن للقيام بمهمة إقناع القيادات العليا لتنظيم القاعدة بضرورة العمل على تنفيذ الاتفاق.

وانعكست هذه التغييرات الجديدة بشكل واضح على أنشطة تنظيم القاعدة في اليمن على الأرض منذ عام 2017م، عندما أوقف تنظيم القاعدة في اليمن قتال الحوثيين في مختلف جبهات القتال، كما أوقف أي عمليات إرهابية في مناطق سيطرة الحوثيين.

بل على العكس من ذلك، دأب تنظيم القاعدة على استهداف القوات والقيادة المدعومة من التحالف العربي بشكل مكثف، بالإضافة إلى محاولة تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك التخطيط لاستهداف السفن، والسفن الأمريكية في بحر العرب وخليج عدن.

وفي عام 2016م، بعد انسحاب تنظيم القاعدة من المكلا، انتقل خالد العدل مع قيادة التنظيم إلى محافظة الجوف واستقر هناك مع عائلته. وفي عام 2020م انتقل إلى حضرموت. وخلال السنوات الخمس الأولى، عمل خالد في عدة قطاعات في التنظيم، فكان يعمل في الجناح الأمني للتنظيم الذي يقوده إبراهيم البنا (مصري الجنسية). كما عمل منسقًا في مجلس شورى التنظيم، وكان عضوًا في لجنة العمليات الخارجية للتنظيم. بالإضافة إلى ذلك، عمل في اللجنة الإعلامية للتنظيم. بحسب مصادر استخباراتية.

وخلال هذه الفترة، كان خالد العدل يمارس عمله بالقرب من الهرم القيادي للتنظيم، ممثلًا بأمير التنظيم، وأعضاء مجلس الشورى، ومسؤولي اللجان. وقد أتاح ذلك له الوصول إلى العديد من الأسرار والجوانب الخفية للتنظيم، مما أكسبه خبرة قيادية كبيرة.

كما أتيحت له فرصة التعرف على العديد من القادة ومنهم شخصيات بارزة؛ مثل:

  • إبراهيم البناء (مسؤول الجناح الأمني للتنظيم) – خالد باطرفي (مسؤول اللجنة الإعلامية للتنظيم).
  • عبد الله المبارك، (مسؤول اللجنة الشرعية والقضائية للتنظيم).

كما تمكن من استمالة عمار الصنعاني (أمير الجناح العسكري لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب من 2015 – 2022م)،  كما عمل على فتح قناة تواصل مباشرة بين الصنعاني ووالده سيف العدل حيث استطاع الأخير إقناع الصنعاني بعدم تنفيذ أي عمليات انتحارية أو تفجيرات أو اغتيالات في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي،  وكذلك عدم المشاركة في أي مواجهات مسلحة ضد الحوثيين في كافة جبهات القتال في اليمن(7).

مكاسب إيران من دعم الميليشيات المسلحة: الحوثيون وتنظيم القاعدة:

ولا شك أن إيران من أبرز الدول التي تلعب دورًا كبيرًا في دعم الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وهو ما يعكس إستراتيجيتها التوسعية وتعزيز نفوذها في المنطقة. من بين هذه الجماعات، تبرز حركة “أنصار الله” (الحوثيون) في اليمن وتنظيم القاعدة كأبرز الأمثلة على الدعم الإيراني المستمر؛ رغم أن إيران تنفي بشكل رسمي دعمها لتنظيم القاعدة؛ إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى تداخلات إستراتيجية تعزز من النفوذ الإيراني في مختلف المناطق.

من خلال هذا الموضوع، سنناقش المكاسب الإيرانية من وراء دعم هذه الجماعات المسلحة وكيف تستفيد إيران من هذه التحالفات في صراعات المنطقة.

1. تعزيز النفوذ الإقليمي:

إيران تعمل على خلق حزام أمني يمتد من إيران إلى البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي، عن طريق دعمها لميليشيات؛ مثل: الحوثيين في اليمن.

الحوثيون يشكلون تهديدًا إستراتيجيًّا للعديد من الدول الخليجية؛ خصوصًا السعودية والإمارات، مما يجعلهم حليفًا مهمًّا بالنسبة لطهران في معركتها ضد النفوذ السعودي والأميركي في المنطقة. وفي هذا السياق، يُعد اليمن نقطة إستراتيجية مهمة لإيران حيث يمكنها من خلالها تهديد الملاحة البحرية في باب المندب ومنطقة الخليج، مما يوفر لإيران ورقة ضغط على القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط.

2. ورقة الضغط على السعودية وحلفائها:

السعودية تعتبر الخصم الرئيسي لإيران في الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، والنزاع في اليمن هو أحد أوجه هذه المواجهة.

دعم إيران للحوثيين يعطيها قدرة على تهديد الأمن السعودي من خلال استهداف الأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة. من خلال هذا الدعم، تعمل إيران على إضعاف السعودية وتحجيم قوتها العسكرية والاقتصادية في المنطقة، بينما تخلق فوضى مستمرة في اليمن يصعب التوصل إلى حل سلمي أو سياسي فيه.

3. تحقيق أهداف أيديولوجية وطائفية:

إيران كدولة شيعية تستخدم ورقة الطائفية لتعزيز موقفها في المنطقة. دعمها للحوثيين الذين يتبعون المذهب الزيدي الذي يتشابه إلى حدٍّ بعيدٍ مع المذهب الشيعي الاثني عشري، يهدف إلى نشر الفكر الشيعي في اليمن ومنطقة الخليج العربي بشكل عام؛ كما أن دعمها لهذه الجماعات المسلحة يشكل جزءًا من استراتيجية إيران لتعزيز تواجدها داخل المجتمعات السنية وتوسيع نطاق تفاعلها مع الحركات الشيعية في العالم العربي.

4. دعم تنظيم القاعدة: التكتيك الإيراني المتناقض:

رغم أن إيران تقف بشكل رسمي ضد الجماعات السنية المتطرفة؛ مثل: تنظيم القاعدة وداعش؛ إلا أن هناك دلائل على أن إيران استفادت من بعض عناصر تنظيم القاعدة في سياقات معينة. في السنوات الأخيرة، خصوصًا خلال الحرب في سوريا والعراق، يُعتقد أن إيران قد استغلت بعض الفصائل المتشددة التابعة للقاعدة لتقويض النفوذ السني في المنطقة أو لمحاربة خصومها؛ مثل: القوات الأميركية في العراق.

من خلال هذا التكتيك قد تحصل إيران على دعم غير مباشر لبعض الحركات السنية المتشددة والتي قد تساهم في إضعاف الدول التي تمثل تهديدًا لإيران في المنطقة.

5. استخدام الحوثيين كأداة لمهاجمة مصالح الغرب:

إيران تدعم الحوثيين عسكريًّا وتقنيًّا في حربهم ضد الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وهو ما يتيح لطهران فرصة للانتقام من الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، التي تتدخل في منطقة الخليج العربي. الحوثيون يمثلون أداة ضغط إيرانية يمكن من خلالها تهديد مصالح الغرب في المنطقة، خاصة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي؛ كما أن الهجمات الحوثية على منشآت النفط السعودية في السنوات الأخيرة قد أثبتت قدرة إيران على استهداف البنية التحتية الحيوية للمملكة، مما يعزز من مكاسبها في سياق تقويض الهيمنة الأميركية في المنطقة.

6. تحالفات مرنة مع مجموعات جهادية وأيديولوجيات متباينة:

دعم إيران لتنظيم القاعدة، رغم التناقض الأيديولوجي بين النظام الإيراني والجماعات السنية المتطرفة، يعكس جانبًا من الاستراتيجية الإيرانية المرنة التي تهدف إلى تحقيق أهداف تكتيكية. في بعض الأحيان، قد تتعاون إيران مع جماعات مثل القاعدة لتحقيق أهداف مشتركة، مثل مهاجمة القوات الأميركية في المنطقة أو ضرب المصالح الغربية. هذه التحالفات المؤقتة تُظهر كيف أن إيران مستعدة للتعاون مع أي طرف إذا كان ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

7. التأثير على الساحة الأفغانية والعراقية:

في العراق، استطاعت إيران من خلال دعم الميليشيات الشيعية، والتي تشترك في بعض الأحيان مع جماعات جهادية سنية، أن تضمن لنفسها نفوذًا واسعًا على الأرض. هذا النفوذ يشمل القدرة على التأثير في قرارات الحكومة العراقية، وهو ما يمنح إيران منفذًا لتحقيق أهدافها الأمنية والإستراتيجية في العراق. من جهة أخرى، يتداخل دعم إيران لتنظيمات في أفغانستان مع سياسة إيران في تقويض الوجود الأميركي في المنطقة، مما يساعد على استكمال إستراتيجيتها الإقليمية في مواجهة الخصوم في كلٍّ من سوريا والعراق.(8).

الخلاصة:

دعم إيران للميليشيات المسلحة، سواء في اليمن من خلال الحوثيين أو في مناطق أخرى عبر تحالفات مع تنظيمات مثل القاعدة، يهدف إلى تحقيق مكاسب إستراتيجية على مستوى تعزيز النفوذ الإقليمي وتوسيع دائرة التأثير الإيراني في الشرق الأوسط.

فمن خلال هذه المجموعات، تسعى إيران إلى تقويض خصومها الإقليميين والدوليين، وزيادة قوتها في الساحة الدولية كقوة عظمى إقليمية. رغم التناقضات الأيديولوجية بين إيران والجماعات السنية المتطرفة مثل القاعدة، فإن إيران تبرر تحالفاتها التكتيكية على أساس المصلحة السياسية والاقتصادية، وهو ما يعكس الطبيعة المرنة لسياساتها في التعامل مع الحركات الإرهابية في المنطقة.

ويبقى تنظيم القاعدة تهديدًا عالميًّا رغم الضربات التي تلقاها على مدى العقود الماضية. تعكس علاقته مع إيران تقاطع المصالح بين الأطراف المتناقضة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة. إن فهم هذا التحالف واستراتيجية التنظيم يظل أمرًا ضروريًّا لمواجهة هذا التهديد المستمر.

ويظل تنظيم القاعدة لاعبًا مؤثرًا في معادلة الإرهاب العالمي، مستفيدًا من التحالفات الإقليمية مع إيران والحوثيين لتعزيز نفوذه. ومع بقاء قياداته البارزة؛ مثل: سيف العدل وخالد باطرفي في مواقعهم، يبدو أن التنظيم سيستمر في إعادة تشكيل إستراتيجياته بما يخدم أهدافه طويلة الأمد.

التحذير الأهم: استمرار هذه العلاقات قد يؤدي إلى زيادة تعقيد الأوضاع في اليمن والمنطقة، ما يتطلب تعاونًا دوليًّا مكثفًا لمواجهة هذه التهديدات المتزايدة.

المصادر:

1_ ويكبيديا

2_ الجزيرة

3_ مركز المستقبل للدراسات

4_ الشرق الأوسط

5_ العربية

6_ مركز المستقبل

7_ مركز المستقبل اليمني

8_ ميدل إيست

إيرانالاتحاد السوفيتيالجبال الأفغانيةالحوثيباب المندبتنظيم القاعدة
Comments (0)
Add Comment