مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد تصعيد السنوار رئيسًا لحماس

مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد تصعيد السنوار رئيسًا لحماس

 يعدّ اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس “نقطة فارقة” في تحول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث الحركة القائدة للجهاد والنضال بجانب الحركات الإسلامية الفلسطينية الأخرى ضد الاحتلال الصهيوني الذي حوّل غزة إلى بركان من الرماد، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد.

ومع تصعيد يحيى السنوار “مهندس عملية طوفان الأقصى”، بعد اغتيال هنية؛ الأمر الذي قد يزيد من حدة الصراع وزيادة القتال المستعر من المقاومة انتقامًا لقائدها الشهيد من جهة، ولشعب غزة الأعزل الذي يموت بسلاحي بالقاذفات أو الطائرات الأمريكية والجوع من جهةٍ أخرى، وهو ما أحدث مزيدًا من الخوف والقلق والربكة داخل الأروقة الصهيونية – وبالأخص في هيئة الأركان الإسرائيلية – لطالما أن السنوار يعرف خفايا كثيرة عن الاحتلال والداخل الإسرائيلي الذي اُعتقل في سجونه لأكثر من 23 عامًا، بجانب إجادته للغة العبرية بطلاقة.

تستعرض هذه الورقة، في مركز “رواق” للأبحاث والدراسات، العديد من الطروحات والسيناريوهات المهمة والمتوقعة على الساحة الإقليمية والدولية في ظل استمرار العدوان على غزة، منها سيناريوهات الحرب في غزة بعد اغتيال إسماعيل هنية، تصعيد يحيى السنوار بالأخص رئيسًا للحركة – العدو اللدود- للاحتلال الصهيوني، وهل سلمت إيران “هنية” للموساد أم ضعف وهشاشة واختراق أمني؟ وما الرسائل التي أرادت حماس إرسالها لإسرائيل في تصعيد السنوار؟ وهل هذه التحركات ستجبر تل أبيب على التفاوض وإنقاذ الأسرى ووقف إطلاق النار؟ ماذا في جعبة حماس أو السنوار لمواجهة جرائم الاحتلال في غزة والضفة خلال المرحلة المقبلة؟ كيف ستكون علاقة الحركة في الداخل الفلسطيني مع باقي الحركات المناضلة بعد تصعيد السنوار وخصوصًا “فتح”؟ وهل تعود غزة مركزًا لصنع القرار في حماس بدلًا من الخارج بعد تنصيب السنوار رئيسًا. (الجزيرة).

مَن هو يحيى السنوار قائد حماس الجديد؟ وما شخصيته؟ إن اختيار يحيى السنوار له بعض الدلالات، أما الدلالة الأولى إنه يدل على أن الحركة تدرك طبيعة المرحلة المقبلة والحرجة في ذات التوقيت، كما أن تدرج السنوار منذ سنوات شبابه في مواقع عديدة داخل الحركة جعله مؤهلًا لقيادتها في هذه المرحلة، بجانب أن سيكون حوله فريق في قيادة الحركة مساعدين ومستشارين له.

الدلالة الثانية: إنه ورغم كل معاناة شعب غزة الأعزل تحديدا والشعب الفلسطيني على وجه العموم جراء الإرهاب الذي يمارسه الاحتلال والمجازر والإبادات الجماعية اليومية المرتكبة؛ إلا أن الحركة لا تزال وحدها صامدة في الميدان بمعداتها البدائية وأيضًا لا تزال صامدة في ملف السياسة الخارجية. (مصراوي).

أضف إلى ذلك: أن السنوار يحظى بقبول كبير ربما من كافة أعضاء وقيادات الحركة وهو “محل إجماع”، وبالتالي فليس مستغربًا أن تتم جملة من الترتيبات ستتم بعد اختياره رئيسًا للحركة، ومن المعتقد أن فريق التفاوض الذي كان يعمل تحت الراحل هنية سوف يعمل كما هو تحت قيادة وإشراف السنوار.

السنوار: من مواليد عام 1962، اعتقلته إسرائيل عدة مرات وحكمت عليه بـ4 مؤبدات قبل أن تحرره المقاومة في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، التي عرفت بصفقة جلعاد شاليط، وقد عاد بعدها إلى نشاطه في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، ثم انتخب رئيسًا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021؛ هذا وقد بيَّنت حركة حماس في بيان لها إن اختيار السنوار جاء بعد مشاورات ومداولات عميقة وموسعة في مؤسسات الحركة القيادية بالداخل والخارج، كما رحبت بشكل واضح أن يكون السنوار قائدًا لها في مرحلة حساسة وحرجة، وفي ظل ظروف محلية وإقليمية بالغة الصعوبة، داعية الله سبحانه وتعالى أن يوفقه ويسدد خطاه، وأن يكتب النصر المؤزر المبين لشعب غزة وكل فلسطين.

هل سلَّمت إيران “هنية” للموساد الإسرائيلي؟ بعد اغتيال الراحل إسماعيل هنية، أعلنت حركة حماس تعيين قائدها في قطاع غزة يحيى السنوار رئيسًا جديدًا لمكتبها السياسي، خلفًا لـ هنية، الذي اغتيل في 31 يوليو / تموز الماضي في طهران، والتي كانت بمثابة مفاجأة غير متوقعة للبعض؛ ليس لأنها تمت على الأراضي الإيرانية؛ لأنها بالطبع دولة ضعيفة أمنيًّا، وبها عملاء كثيرين للموساد الإسرائيلي، ولكن لشخصية كبيرة ومهمة بالنسبة لحماس ولحركات المقاومة في الداخل الفلسطيني.

ولمَ لا وإيران دولة شيعية تنكِّل بكل ما هو سنّي على أراضيها؟! وبالتالي ليس مستغربًا أن تكون هناك أيادٍ عابثة وخبيثة وراء اغتيال هنية على أراضيها، حيث الوضع الأمن المزري المخترق على الدوام وكمّ من الاغتيالات التي نفذها الموساد الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، سواء من الخبراء العسكريين أو علماء في البرنامج النووي، مما يؤكد أنها عملية تمت بتواطؤ كبير من عملاء في إيران أو لضعف الأجهزة الأمنية هناك.

مباركات فلسطينية وقلق صهيوني.. لماذا؟

بعد تصعيد السنوار خلفا للشهيد إسماعيل هنية، تلقت حركة حماس مباركات من الفصائل الفلسطينية باختياره رئيسا للحركة، بما فيها حركة فتح التي طالما كانت على خلاف معها، إذ قال أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، إن هذا القرار يعتبر “ردًّا منطقيًّا ومتوقعًا على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية”. (الجزيرة).

وفي ردود الفعل الفلسطينية، أعربت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن تمنياتها للسنوار بالتوفيق في حمل المسؤولية العظيمة خلفًا لهنية، وأكدت الجبهة ثقتها في قدرة حماس على تجاوز المحنة والمصاب الجلل باستشهاد القائد إسماعيل هنية، ومواصلة مسيرته ومسيرة كل الشهداء القادة.ونقلت وسائل إعلام فلسطينية عن أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) جبريل الرجوب قوله: إن السنوار “شخصية براغماتية ورجل واقعي ومنطقي، وهكذا عرفته في الأسر وخارج الأسر”. وقالت حركة فتح: إن قرار اختيار السنوار “رد منطقي ومتوقع على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية.

وقالت حركة الجهاد الإسلامي: إنها تبارك للإخوة في حماس اختيار القائد السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة. وأضافت في بيان أن نجاح حركة حماس “في إجراء مشاورات داخلية وملء الفراغ في رئاسة المكتب السياسي بعد اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية، رحمه الله، بهذا المستوى من السرعة ورغم كل الحرب عليها هو رسالة قوية للعدو الصهيوني بأن حركة حماس لا تزال قوية ومتماسكة وبأن العدو لم ينل من هيكليتها شيئًا رغم حرب الإبادة”.

من جهتها قالت لجان المقاومة الفلسطينية: إن اختيار السنوار “صفعة كبيرة للمخططات الخبيثة للعدو، ورد على اغتيال القائد هنية”. وأضافت: أن المقاومة وفي مقدمتها حماس “ستبقى وفية لدماء الشهداء وعنوانا للتمسك بحقوقنا وثوابتنا”. (الجزيرة).

إن يحيى السنوار الذي لطالما تعهدت إسرائيل بملاحقته وتصفيته، هو أحد العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل ردًّا على سياسات القمع والقتل والاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. كالعادة ولسياسة القتل والغدر الذي ينتهجها الاحتلال على مرِّ التاريخ، فقد دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى “تصفية سريعة” للسنوار، وكتب كاتس على منصة إكس أن تعيين “السنوار على رأس حماس خلفًا لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعا ومحو هذه المنظمة من الخارطة. (الجزيرة).

كما تلقى إسرائيليون باستياء خبر تعيين السنوار، وقال مدير شركة خدمات لوجستية يدعى حنان، فضل عدم الكشف عن اسم عائلته للوكالة الفرنسية، إن “الخيار يتحدث عن نفسه. يعني أنهم اختاروا السنوار، ولم يروا أنه من الأنسب البحث عن شخص أقل تطرفًا، شخص يتبنى مقاربة أقل دموية”. وللأسف قد تناسى هذا المدعو حجم الإرهاب والتطرف الذي يُمارس في أعلى درجاته من جيش الاحتلال الإرهابي ضد شعب غزة أعزل بأكمله.

رسائل مهمة من حماس في اختيار يحيى السنوار:

هناك رسائل مهمة وراء اختيار السنوار؛ أولها: أن حماس أثبتت أنها لا تزال قادرة على أن تتخذ قرارات مناسبة في ظل هذه الظروف؛ إذ نجحت في اختيار الشخص المناسب بالإجماع الكامل، وهذا يعني أن الحركة تقف موحدة”. (بي بي سي).

والرسالة الثانية هي أن “الحركة ستمضي قدمًا للأمام، وأن هناك قيادات قادرة على أن تكمل المسيرة”. والثالثة: وهي أن جميع الضغوط لا يمكن أن تُثني حماس عن مبادئها وثوابتها الراسخة، في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ مما يعني أن اختيار يحيى السنوار تعد رسالة قوية من حماس، كما أن اختيار قيادي سياسي وعسكري ميداني بارز، ويعني أن حماس مصرّة على النضال العسكري، وأنها لن تتراجع تحت وطأة الضغوط والضربات التي تلقتها من الكيان المحتل.

هل اختيار يحيى السنوار لاعتبارات براغماتية؟

ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها انتخاب رئيس لحماس يقيم داخل القطاع، فإسماعيل هنية انتخب رئيسًا للحركة وقضى قرابة عامين من ولايته داخل القطاع قبل أن يغادره متوجها إلى قطر، وبالتالي فإن إدارة حركة حماس لم تتعثر في أي وقت من الأوقات، سواء كان رئيسها يقيم داخل أو خارج قطاع غزة، لكن السنوار يختلف عن إسماعيل هنية، إذ هددت إسرائيل بـ”اصطياده”، محمّلة إياه المسؤولية عن هجوم السابع من أكتوبر، ورصد الجيش الإسرائيلي مبلغ 400 ألف دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه.لذا فإن اختيار يحيى السنوار مهندس طوفان الأقصى جاء لاعتبارات براغماتية، فمثلما استهدفت إسرائيل هنية يمكن أن تستهدف أي قائد مقيم خارج القطاع، وبكل الأحوال السنوار موجود في غزة وإسرائيل منذ زمن تسعى للقضاء عليه ولم تستطع رغم الدبابات والطائرات التي تحاصر غزة برًّا وجوًّا وبحرًا بمساعدة الغرب عموما وأمريكا على وجه الخصوص.

علاقة الحركة مع الداخل الفلسطيني بعد تصعيد السنوار:

بداية ومن الملاحظ أن حركة حماس أرادت أن تعطي إشارة بأنها قادرة على ملء الفراغ القيادي في أسرع وقت ممكن، وربما طبيعة المرحلة الحالية فرضت أن يكون السنوار، الذي يُدير المعركة من داخل غزة، على رأس الحركة. (بي بي سي)كما أن تعيين السنوار سيكون له انعكاسات إيجابية على النضال ضد العدو الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة؛ فهو قادر على التواصل مع كل الفصائل الفلسطينية وكان من مؤيدي إنهاء الخلافات مع حركة “فتح” التابعة للسلطة الفلسطينية؛ حيث سعى لإصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح وحماس؛ لا سيما وأن السنوار انتهج خلال فترة رئاسته لمكتب حماس في قطاع غزة سياسة “تصفير الخلافات” على المستويين الداخلي والإقليمي. حيث تمكن من التصالح والتقارب مع النظام المصري، وأنهى سنوات من القطيعة بين الحركة والنظام السوري وحاول دفع حماس للتقارب مع السعودية.ويعتبر منصب رئيس المكتب السياسي العام أعلى مرتبة تنظيمية في الحركة وتجري الحركة انتخاباتها العامة كل أربع سنوات، تنتخب خلالها مجلس الشورى الذي يضم أعضاء المكتب السياسي والذين يَنتخبون بدورهم رئيس المكتب ونائبه.

سيناريوهات الحرب في غزة بعد اغتيال “هنية:

كل التوقعات تشير تغيير شكل الحرب أو الصراع في غزة بعد تنصيب السنوار؛ لأنه بات يملك كافة الأدوات بيده عسكريًّا وسياسيًّا مما قد يفضي إلى ارتفاع وتيرة القتال وربما تكون ورقة ضغط على الحكومة الصهيونية مما قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار في حال تراجع نتنياهو عن موقفه المتشدد.

وتشهد الأوساط السياسية في تل أبيب أو داخل أراضي الاحتلال رعبًا وقلقًا بالغًا حيث تصف إسرائيل السنوار بـ”الأكثر صعوبة وراديكالية”، ويقول عنه الضابط السابق بجهاز الأمن الداخلي ميخا كوبي، الذي استجوب السنوار لأكثر من 150 ساعة عندما كان سجينًا إنه “صارم” وخال من المشاعر، ولكنه “ليس سيكوباتيًّا”، وفقًا للواشنطن بوست. (بي بي سي).

ومن الملاحظ أيضًا: وبعد اغتيال إسماعيل هنية فقد أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدموي في “مواجهة ندية” مع السنوار الذي يفهم جيدًا طبيعة العقلية الإسرائيلية وإجادته الجيدة للغة العبرية. وبالتالي على “الشارع الإسرائيلي أن يتحمل هذه المعادلة” الذي يضعه فيها رئيس حكومته الذي لا يرغب في الرحيل على حساب دماء الأبرياء الفلسطينيين وأيضا الأسرى لدى حماس.

ورسالة قوية للكيان الصهيوني تؤكد بأن السنوار حي وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة وستبقى، على عكس ما يروجه الإعلام الإسرائيلي أو قادة الحكم في إسرائيل؛ لا سيما وأن الأحاديث الدائرة في الأوساط الإسرائيلية تُحمل نتنياهو أولًا مسؤولية الإفراج عن السنوار عام 2011 مرورًا بهجوم السابع من أكتوبر، ومن ثم اغتيال هنية الذي أفضى إلى قيادة السنوار للحركة؛ خاصة وأن أهالي الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة يرون في تعيين السنوار بـ “الضربة القاضية”، وعلى نتنياهو أن يجلس للتفاوض ويعقد الصفقة مع حماس من أجل أسراهم وإلا مصيرهم سيكون الموت جراء القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة كما حدث من قبل مع بعضهم.

مصير مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة:

لقد أدى الراحل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس السابق دورًا رئيسًا كمفاوض خلال أشهر من المحادثات غير المباشرة بوساطة مصرية وقطرية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يتيح عملية تبادل سجناء فلسطينيين ورهائن إسرائيليين.

وبالطبع لم يكن يحيى السنوار بعيدًا عن هذه المفاوضات بل كان حاضرًا في تفاصيلها”، ومن المعتقد أن عملية التفاوض سوف تستمر بالرغم من أن تعثر المفاوضات ومماطلتها خلال الفترة الماضية بسبب الجانب الإسرائيلي وليست حماس؛ لذا فإن السنوار سيتابع مسار التفاوض وفق الثوابت والشروط المعروفة سابقًا، وهي وقف العدوان بشكل نهائي والانسحاب الكامل من قطاع غزة إلى جانب فتح المعابر وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع. (بي بي سي).

لا شك أن التعنت والتشدد صفتان يتمسك بهما رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لاستمرار في منصبه على حساب دماء الفلسطينيين؛ لأنه بالتأكيد يفاوض بهدف إطالة أمد الحرب وتحقيق مصالحه الشخصية. وفي المقابل، من المرجح أن السنوار سيصر على إطلاق سراح بعض القيادات الفاعلة في المقاومة الفلسطينية.ولكن ربما لن يقبل الشارع الإسرائيلي أن يمر عام على عملية السابع من أكتوبر، وما زال أكثر من 115 رهينة داخل قطاع غزة، ما يعني أن نتنياهو مضطر للعودة إلى طاولة المفاوضات عاجلًا أم آجلًا ويواجه السنوار.

وبالتالي فإن المراهنة الأكبر الآن هي أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغطًا حقيقيًّا على رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ لأنها من تقصف الأبرياء في غزة لدعمها إسرائيل بكافة أنواع الأسلحة والعتاد في الحرب.

وفي المقابل: تصر تل أبيب على أنها لن تتوقف عن القتال ما لم تتحقق أهدافها الحربية المزعومة، بما في ذلك تدمير حماس عسكريًّا وسياسيًّا وإعادة الرهائن، في حين ذكرت واشنطن إن إسرائيل وحركة حماس ما زالتا قريبتين من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من تزايد المخاوف من نشوب حرب إقليمية في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران على أيدي رجال الموساد. (بي بي سي).

دلالات اختيار “رجل الأنفاق” زعيمًا لحماس:

لقد أثار إعلان حركة حماس تعيين زعيمها في غزة يحيى السنوار رئيسًا لمكتبها السياسي، خلفًا لإسماعيل هنية، تساؤلات بشأن دلالات الخطوة في هذا التوقيت الذي يشهد تصعيدًا بالمنطقة، حيث إن اختيار السنوار كان مفاجأة للكثيرين إقليميًّا ودوليًّا، ومن المتوقع أن يغير من قواعد اللعبة خلال المرحلة المقبلة سواء في الصراع الدائر أو على صفقة الهدنة في قطاع غزة؛ حيث كان اختيار السنوار بعيدًا عن الشخصيات المطروحة لاختيار رئيس جديد للمكتب السياسي لحماس بعد اغتيال القائد إسماعيل هنية، في حين كانت الترشيحات تدور في فلك عدد من قادتها على رأسهم: خالد مشعل؛ الذي سبق أن شغل المنصب عقب اغتيال عبد العزيز الرنتيسي، وخليل الحية نائب رئيس الحركة في غزة، وموسى أبو مرزوق، وهو أحد كبار مسؤولي المكتب السياسي، وزاهر جبارين الذي يتولى منذ فترة طويلة إدارة الشؤون المالية للحركة؛ إضافة للقيادي محمد إسماعيل درويش.

وبالتالي فإن الصراع سيشهد تغييرًا نوعيًّا خلال المرحلة المقبلة؛ كون السنوار قائد عمليات في المقام الأول قبل أن يكون سياسيًّا؛ خصوصًا أنه يوصف بأنه “رجل الأنفاق” في قطاع غزة، والذي يعيش داخلها منذ 10 أشهر حين اندلعت شرارة الحرب بين إسرائيل وحماس، كما بات على رأس الأهداف التي تسعى إسرائيل للوصول إليها منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي. (سكاى نيوز).

وأمضى زعيم حماس 23 عامًا في السجون الإسرائيلية قبل الإفراج عنه في 2011، ثم انتخابه رئيسًا للحركة في غزة في 2017، وبات مطلوباً ومدرجاً على قائمة “الإرهابيين الدوليين” الأمريكية، وتتناسى واشنطن على الدوام أنها الداعم الأكبر للإرهاب حول العالم “وفي فلسطين بالتحديد” للاحتلال الإرهابي والدموي.

ماذا في جُعبة حماس لمواجهة جرائم الاحتلال في غزة والضفة؟

إن اختيار السنوار يعتبر رسالة موجهة لإسرائيل أولًا وأخيرًا، إذ جاء مخالفًا لكل التوقعات خلال الأيام الماضية وبعد شد وجذب بين قيادات حماس، وهو ما مثَّل صدمة للمتابعين ولإسرائيل بالأخص؛ لأنه إن أراد نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتفاوض بعد ذلك فعليه أن يتفاوض مع رجل يقيم تحت الأرض حيث باتت أوراق اللعبة برمتها مع يحيى السنوار، وسيتم التفاوض وفق شروطه على الأغلب وبشكل كبير؛ لأن تصعيد السنوار يأتي ردًّا على تعنت نتنياهو الذي اغتال إسماعيل هنية رغم المرونة التي قدمها بشكل كبير خلال المحادثات الماضية؛ إذ كان يطرح أفكارًا جديدة ويسعى للوصول إلى اتفاق بكل الطرق، ولكن كان التعنت الصهيوني يقف حائلاً. وبالتالي فإن اغتيال هنية ليس في صالح إسرائيل لأن التواصل أو التفاوض مع السنوار سيتسم بالصعوبة، وحينما تحتاج لرسالة سيكون مطلوبًا الانتظار لعدة أيام، ومن ثم ربما بات الأمر صعبًا على الوسطاء أنفسهم وعلى الاحتلال. (سكاي نيوز).

الأمر الذي يعني بأن خطوة حماس تعتبر متغيرًا جديدًا في مسار الحرب وسيربك المشهد بأكمله؛ إذ ستسير الأمور بطريقة أصعب مما كانت عليه. وبالتالي سيقوم السنوار في ظل ضعف الموقف العربي والانحياز الغربي للكيان المحتل بإعادة هيكلة الحركة سواء على المستوى العملياتي في الحرب أو على مستوى القادة السياسيين، إذ أظهر بأنه رجل قيادي ميداني يستطيع أن يقود حتى في ظل هذا الوضع الصعب والمتأزم بالنسبة لحماس.

مصير الأسرى الإسرائيليين في ظل تعنت نتنياهو:

تسعى إسرائيل منذ بداية الحرب لاستهداف السنوار شخصيًّا لمسؤوليته المباشرة عن هجوم السابع من أكتوبر، ولا تكف عن البحث عنه داخل الأنفاق، وفي قلب غزة ذاتها؛ لأن الاختيار كان مفاجأة؛ لا سيما أن حماس نجحت في تصفير الخلافات بين جناحيها السياسي في الدوحة والعسكري في غزة حول اختيار رئيس المكتب السياسي، لكن لا يعتقد أن مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ستتأثر بهذا الاختيار؛ لأن السنوار لم يعارض عقد صفقة مع الاحتلال، لكن شريطة وقف إطلاق النار وكان هناك تفاؤل خلال الأيام الماضية بإمكانية التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.

وربما يأتي تعيين السنوار ليسهل هذا الأمر ويحسمه سريعًا خاصة أن هناك ضغوطًا أمريكية على الأطراف كافة لإنجاز هذا الاتفاق. وأعلن البيت الأبيض أن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس قد وصلت للمراحل النهائية، فيما أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالين هاتفيين مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمناقشة الجهود المبذولة لتهدئة التوتر في الشرق الأوسط والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق الرهائن. (سكاي نيوز).

السنوار ونتنياهو.. هل يريدان الصمود وقتًا أطول في الحرب؟

في ظل المشهد المعقد والخسائر الفادحة لكلا طرفي الحرب وحتى الكيان المحتل، لكن من الواضح أن نتنياهو والسنوار لديهما حوافز قوية لإنهاء الحرب، لكن كلاهما يعتقد أنه سيستفيد من الصمود لفترة أطول قليلاً وخصوصًا نتنياهو؛ لأنه من يعرقل أي اتفاق ويعتقد أحدهما أو كلاهما أن الحرب أفضل من التوصل إلى اتفاق لا يلبي مطالبه.

إن المحادثات الأخيرة بوساطة مصرية قطرية أمريكية لوقف إطلاق النار في غزة والخلافات حول النقاط الشائكة والمناشدات باتت كلها أمور مألوفة الآن حول العالم وحتى في الأمم المتحدة التي ليس لها دور سوى الشجب والإدانة؛ إلا أنها تحجب حقيقة قاتمة حول الجهود التي استمرت شهورًا لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وتحرير الأسرى؛ حيث إن أي اتفاق يتطلب توقيع رجلين، وهما: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعيم حماس يحيى السنوار، فهما عدوان لدودان ومفاوضان شديدا التعنت يعلمان جيدًا أن نتائج المحادثات سوف تسجل في تاريخهما السياسي بشكل عميق. وفي حالة السنوار قد يعني ذلك حياة أو موتًا. (العربية).

 وفيما يلي إلقاء نظرة على زعيما طرفي الصراع، والقيود السياسية والعسكرية التي تواجههما أمام وقف الحرب.

ماذا يريد نتنياهو من السنوار؟

لقد وعد نتنياهو الشعب في دولة الاحتلال بتحقيق النصر الكامل على حماس وإعادة جميع الأسرى المحتجزين من غزة وربما القضاء على السنوار، وهما هدفان يعتقد أنهما غير متوافقين ومن الصعب أيضًا تحقيقهما بشكل جذري في ظل صمود حماس لهذه الدرجة.

وفي الوقت نفسه، يتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة من عائلات الأسرى وقطاع كبير من الإسرائيليين لحمله على التوصل إلى اتفاق لإعادة الأسرى، حتى لو كان ذلك يعني استمرار وجود حماس. وبدورها تضغط واشنطن ولكن ليس بالقدر المطلوب، التي قدمت مساعدات عسكرية ودعمًا دبلوماسيًا كبيرًا لإسرائيل، من أجل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، لكن الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه نتنياهو الدموي يعتمد على وزراء يمينيين متطرفين يريدون إعادة احتلال غزة بشكل دائم، وقد هددوا بإسقاط الحكومة في حال قدم نتنياهو تنازلات كبيرة؛ لأنه إذا سقطت الحكومة فستُجرى انتخابات مبكرة قد يضطر نتنياهو بموجبها إلى التخلي عن السلطة في وقت يحاكم فيه بتهم فساد؛ كما أن من شأن ذلك أيضًا أن يسرع عملية محاسبة بشأن الإخفاقات الأمنية المحيطة بهجوم 7 أكتوبر وقضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو، حين قتل مسلحون بقيادة حماس حوالي 1200 شخص في جنوب إسرائيل، واحتجزوا حوالي 250 آخرين كأسرى، وذلك ردًّا على جرائم الاستيطان في الضفة.

كما يرفض نتنياهو دعوات لإجراء تحقيق في هذه الإخفاقات حتى تنتهي الحرب، حيث كلما طال أمد الحرب، تريد تل أبيب تحقيق لما يشبه الانتصار وهو قتل السنوار وتحرير المزيد من الأسرى وهو أمر صعب تحقيقه؛ لا سيما أن نتنياهو يريد فرصة أكبر لإصلاح وضعه السياسي المتأزم داخليًّا.

ولا ننسى أن طول أمد الحرب ليس في صالح الأسرى الذي يموت بعضهم نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، ويحمل معه أيضًا مخاطر كبيرة، حيث يرتفع عدد الجنود القتلى يوميًّا تقريبًا، وتتزايد عزلة إسرائيل دوليًّا بسبب وحشية تعاملها مع الفلسطينيين، كما يشي بتوسيع رقعة الصراع إقليميًّا.

لقد اختلف نتنياهو مع وزير دفاعه بشأن نهاية اللعبة، وضجت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير نقلًا عن مسؤولين أمنيين بارزين لم تسمهم يعبرون عن إحباطهم من طريقة تعامل نتنياهو مع الحرب، خاصة مطلبه بالسيطرة الدائمة على محورين استراتيجيين في غزة، وذهب البعض إلى حد اتهامه بإفساد المفاوضات.

ماذا يريد السنوار من نتنياهو؟

إن يحيى السنوار يريد إنهاء الحرب، ولكن بشروط معقولة؛ فقد أدى الهجوم الصهيوني إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، وفق مسؤولي صحة محليين، ونزوح 90% من سكان غزة، وتدمير شبه كامل لمدنها؛ كما فقدت حماس آلاف المقاتلين والكثير من بنيتها التحتية المسلحة.إن ورقة المساومة الوحيدة التي يملكها السنوار الآن هي حوالي 110 أسرى ما زالوا محتجزين في غزة، يعتقد أن حوالي ثلثهم قد مات. وهو بحاجة إلى أكثر من مجرد توقف مؤقت للقتال إذا كان يأمل في تحقيق ما يشبه الانتصار جراء هجوم 7 أكتوبر الذي ساهم في التخطيط له.

تبدأ مطالب السنوار بضمانات حقيقية بألا تستأنف إسرائيل الحرب بمجرد إطلاق سراح بعض أو جميع الأسرى، وهو مطلب مشروع في أي حرب؛ كما يطالب بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة بأكمله لضمان ألا تكون نتيجة هجوم 7 أكتوبر هي إعادة احتلال دائم للقطاع؛ كذلك فإن إطلاق سراح الشخصيات البارزة بين الأسرى الفلسطينيين هو قضية مقدسة بالنسبة للسنوار، الذي كان هو نفسه سجينًا قضى فترة طويلة في سجون إسرائيلية وأطلق سراحه في صفقة تبادل؛ كما يطالب بضمانات بأن يتمكن الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم وإعادة بنائها.

كما من الواضح أن السنوار مهتم للغاية بتحقيق المفاوضات لنتائج سواء كانت تتعلق بوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى، لأنه في كلتا الحالتين سيكون هو الفائز. إلا أن ثمّة مخاطر بالنسبة للسنوار في حال طال أمد المفاوضات؛ إذ من المرجح أن يلقى المزيد من الأسرى الإسرائيليين حتفهم أو أن تستعيدهم إسرائيل بطريقتها، لكن في توابيت نتيجة القصف المستمر؛ كما سيظل الموت والدمار والمعاناة في غزة.

نقول هنا: إن السنوار نفسه الذي يتصدر قائمة المطلوبين في إسرائيل قد يُقتل في أي وقت، ولكن نظرًا لمكانة الاستشهاد في تاريخ حماس وأيديولوجيتها؛ فقد يشعر أن هذه النتيجة حتمية، بل ومفضلة على اتفاق يبدو وكأنه هزيمة.

ضغوط مصرية قطرية أمريكية.. هل تنجح؟

لقد لعبت مصر وقطر ولا تزالا دور وساطة رئيسي مع حماس، لكن من غير المرجح أن يكون لأي ضغط على قيادة حماس تأثير كبير على السنوار الذي تم تعيينه زعيمًا لحماس بعد مقتل إسماعيل هنية في إيران.ويعتقد أن السنوار قضى معظم الأشهر العشرة الماضية في أنفاق تحت الأرض في غزة؛ لذا فمن غير الواضح مدى اتصالاته مع العالم الخارجي.

أضف إلى ذلك: أن السنوار معني بالدرجة الأولى بوقف الحرب نهائيًّا، وخروج قوات الاحتلال من غزة، وبذلك سيكون قد حقق انتصارًا كبيرًا.

وفي المقابل لا يريد نتنياهو هذه النتيجة حتى لا يُسحق داخليًّا وتتم محاسبته على إخفاقاته.

ومنذ أشهر قليلة قد أوقف الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤقتًا شحنة بمئات القنابل التي تبلغ زنة كل منها 900 كيلوغرام للضغط على إسرائيل حتى لا تغزو مدينة رفح جنوبي القطاع – وهو ما قامت به إسرائيل على أية حال في نهاية المطاف؛ لأن الضغط الأمريكي ليس نابعًا عن قناعة بوقف الحرب والاحتلال يعلم جيدًا مدى الدعم الذي لا يتوقف طويلاً من حليفه واشنطن، لكن من المرجح أن يكون أكثر إرضاءً لنتنياهو كما كان خلال فترة رئاسته، وتراجع احتمال أي حظر أمريكي على الأسلحة؛ لا سيما أن الولايات المتحدة قدمت حتى كتابة هذه السطور دعمًا عسكريًّا كبيرًا لإسرائيل طوال فترة الحرب وقامت بحمايتها من دعوات دولية لوقف إطلاق النار. (العربية).

الكيان المحتل ومهندس طوفان الأقصى وجهًا لوجه:

تعتبر دولة الاحتلال الصهيوني السنوار مهندس عملية طوفان الأقصى التي وقعت يوم 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، والتي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم؛ فأعلنت أن تصفيته أحد الأهداف الرئيسية لحربها الحالية على غزة.

ومن المعلوم أنه بدون الدعم الأمريكي الغربي اللا محدود لما كانت إسرائيل لتصمد شهرًا واحدًا أمام “حماس” حركة مسلحة تدافع عن أرضها في وجه جيش نظامي يمتلك كافة المعدات والتقنيات الحديثة؛ بل وأن الدعم مستمر منذ عملية طوفان الأقصى وحتى كتابة هذه السطور. (مصراوي).

 وبالتالي تريد تل أبيب القضاء على السنوار منذ فترة طويلة، ولا سيما بعد ما تم تنصيبه زعيمًا لحماس، فهو سبب آخر لمحاولة اغتياله بشكل غادر مثلما حدث مع إسماعيل هنية. فاليهود دومًا هم أهل غدر وخيانة؛ لا ميثاق ولا عهد لهم، وقد نقضوا العهود والمواثيق في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تنظر دولة الاحتلال الآن وما يدور في أروقتها وأجهزتها إلى أن تعيين السنوار رئيسًا لحركة حماس هو رسالة مفاجئة وقوية لإسرائيل، وتوحي بأنه حي وأن قيادة حماس في غزة قوية وقائمة وستبقى، وأن الحديث عن قتله عدة مرات مجرد أكاذيب لرفع الروح المعنوية للجنود والصفوف في جيش الاحتلال.

من جهة أخرى: ترى تل أبيب أن حماس اختارت شخصًا يمثل خطرًا عليها؛ لأنه يعلم جيدًا قواعد اللعبة، وما يدل على ذلك أنه عندما تم الإعلان عن اختيار السنوار رئيسًا لحركة حماس، قد دوَّت صفارات الإنذار في عسقلان وسديروت إلى الشمال من قطاع غزة، وهذا ما أورده موقع “والا” الإسرائيلي نفسه. (مصراوي).

هل تتأثر حركة حماس بعد اغتيال هنية؟

لا شك أن ثمة تأثير قد يحدث داخل حركة حماس، ولكنه ليس متوقعًا أن يكون كبيرًا، لا سيما وأن الحركة نجحت في اختيار قائد جديد لها في ظروف أيام أو ساعات فقط؛ لذا ستنجح الحركة في إعادة أوراقها مرة أخرى، وبالتالي فإن تأثر الحركة باغتيال هنية سيكون بسيطًا على المدى القريب، وليس على المستوى العملي.

كما أن “حماس” تعتبر من الحركات العقائدية التي تتكون من عدة كوادر على المستوى السياسي والعسكري وكوادر للتثقيف والدعم السياسي والمدني وكوادر للقيادات السياسية التي تجمع الأموال والسلاح، وكل فريق له مهام خاصة به يعمل على إكمالها بغض النظر عن القيادة المشرفة عليه؛ كما أن السنوار سيكون مثل هنية في بعض الخطوات وليس كلها، حيث لا يتخذ القرار بمفرده؛ كالمفاوضات أو تغيير أوراق اللعبة، بل سيكون بالتنسيق والتشاور فيها مع مختلف قيادات الحركة، مثل خالد مشعل، وحمدان والضيف، وغيرهم في الحركة. (مصراوي).

غزة تعود مركزًا لصنع القرار في حماس:

إن قرار اختيار السنوار خلفًا لإسماعيل هنية يحمل دلالات سياسية عميقة تهدف إلى إرسال رسائل متعددة على الصعيدين المحلي والدولي؛ أبرزها: تعزيز موقف الحركة وإبراز تماسكها في وجه الضغوطات والتهديدات الإسرائيلية، حيث يأتي كرد مباشر على اغتيال إسماعيل هنية بهدف تجريد إسرائيل من أي إنجاز باغتيال هنية يمكن أن تتفاخر به؛ فاختيار السنوار يعني رسالة لإسرائيل بأنه إذا قتلتم رجلًا معتدلًا فإن البديل أكثر تشددًا من وجهة نظركم.

كما أن اختيار السنوار يؤكد عودة غزة كمركز لصنع القرارات في حركة حماس، ويعكس انحيازًا لنهجه الذي يتميز بالاستعداد والاشتباك. وربما لقرب الحركة من إيران، ووفق ما تردد أنه لم يكن بالانتخاب بل كان بالاختيار لقطع الطريق على أي جدل داخلي قد ينشأ في الحركة بين جميع الأفكار والتوجهات والفئات؛ لذا حسم اختياره الكثير من الجدل الداخلي.

تصعيد يحيى السنوار يحمل في طياته رسالة للدول الإقليمية والعربية، بحيث تظهر حركة حماس من خلال هذا الاختيار تحررها من أي ضغوط سياسية قد تمارس عليها بشأن مكتبها السياسي وقيادتها، كأنها تؤكد أن قرارها الرئيسي يتخذ في قطاع غزة. (القدس).

وهناك رسالة أخرى تتعلق بالمنهج الذي يتبعه السنوار، بحيث يظهر الاختيار التماهي بين الموقفين السياسي والعسكري لحركة حماس، ما يعكس التوجه نحو الدمج بين الجانبين، لكن من الواضح فإن تأثيره على رؤية حماس ومنهجها السياسي لن يكون كبيرًا؛ إذ إن حركة حماس تعتمد على مؤسساتها وبرامجها وليس على الأفراد فقط. كما أن اختيار السنوار يعزز العلاقة مع محور المقاومة ويعزز وحدة الساحات مع الفصائل الأخرى، لكن يبقى التحدي الأكبر لحماس وهو يكمن في قدرة السنوار على إدارة نافذته السياسية وتعزيز العلاقات الخارجية، لكن يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال مؤسسات الحركة وأعضاء مكتبها السياسي في الخارج.

اختيار يحيى السنوار لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس يحمل دلالات استراتيجية وتكتيكية مهمة:

فمن الناحية التكتيكية، فإن حماس تسعى من خلال تعيين السنوار إلى إرسال رسالة قوية مفادها بأن الاغتيالات لن تؤثر على الحركة وأنها تستمر في عملها المؤسسي. (القدس).

السنوار شخصية ملهمة للشباب.. ورسالة لأمريكا:

وبما أن الجانب الإسرائيلي ينظر للسنوار على أنه متشدد؛ فإن الرسالة تهدف إلى التأكيد على أن التصعيد الإسرائيلي لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التشدد من قبل حماس ويعيد الحركة إلى الميدان؛ لأن الاختيار يمثل تحولًا في سياسة حماس التي حافظت على فصل العمل السياسي عن العسكري منذ عام 1994.

إن يحيى السنوار يمثل قائدًا ونموذجًا يراه شباب المقاومة في غزة أو فلسطين ويعتبرونه الهيبة لحماس في الأوساط الشعبية الإسلامية والعربية؛ كما يرون أنه قادر على قيادة حركة حماس بكافة أذرعها، خصوصًا في مرحلة يهيمن فيها العمل العسكري على الأنشطة الأخرى؛ لا سيما أن اختيار السنوار أكد أن حماس تتمتع بآلية سريعة وفعالة في اتخاذ القرارات بفضل وجود مجلس شورى ومؤسسات قيادية جاهزة للتعامل مع التغييرات؛ كما أن الحركة تعتمد على برنامج عمل مستمر ولا تركز على الأفراد فقط.

وجاء القرار استجابة لطبيعة المرحلة الراهنة باعتبارها مرحلة صدام وقتال. وهذا يعكس إصرارًا على نهج المقاومة والثبات على المواقف؛ كما جاء قرار حماس بالإجماع بمثابة رسالة واضحة وقاطعة لأمريكا بالتحديد التي تدعم الاحتلال بقوة شديدة على حساب دماء الأبرياء، فـأمريكا بكل المقاييس دولة مارقة تتحدث عن وقف لإطلاق النار في غزة وفي ذات الوقت مستمرة في إرسال العدة والعتاد بكافة أشكاله وأنواعه لدولة الاحتلال.

,هناك رسالة أخرى خاصة لنتنياهو الذي يرفض وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، وكأن حماس تقول: “إنه مقابل هذا العناد نحن نقدم رجل الحرب وهو السنوار ليكون العنوان للحرب”. (القدس).

رسالة لإسرائيل: اغتلتم هنية.. فجاءكم السنوار:

 يرى سياسيون ونشطاء فلسطينيون: أن حماس مؤسسة قوية، فهي رغم الحصار الصهيو أمريكي والحرب والقصف، تجري مشاورات بين مؤسساتها وتنتخب قائداً لها، والرسالة الثانية لإسرائيل مفادها: أنكم اغتلتم هنية، فجاءكم السنوار، وما لهذا الاسم من أثر كبير على الاحتلال؛ وهو تأكيد على أهمية طوفان الأقصى والخيار العسكري مع الاحتلال، في ظل تراجع خيارات التسوية بسبب حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة.

وعزا مراقبون بالقول إن السنوار تربطه علاقات قوية مع محور المقاومة، وإن هذه المرحلة تتطلب شخصاً مثل السنوار في ظل إشراك هذا المحور في القتال ضد إسرائيل.

وعن علاقة حماس مع باقي الدول الإقليمية، فربما يكون من أبرز التحديات أمام السنوار وعلى حماس أن تراجع وتراعي شبكة علاقاتها الخارجية في المنطقة، وأن تكون هناك مرحلة جديدة لها في توازن العلاقات، عبر شبكة علاقات قوية للسنوار بشكل أكبر مع الدول العربية؛ لا سيما الخليجية ومع مصر على وجه التحديد حيث الشريك الأكبر والأهم في الحدود مع غزة، كما ينبغي أن يكون هناك دوراً فاعلا للدول العربية والإسلامية لوقف هذا العدوان الصهيوني البربري الذي يقتل شعبًا أعزل. (القدس).

الخلاصة:

  • نستخلص من هذا التقرير: أن تصعيد السنوار جاء بمثابة ضربة قوية للكيان الصهيوني وأمريكا أيضًا، وكأن حماس تقول: “قتلتم الرجل المعتدل فجئناكم بالرجل المتشدد من وجهة نظركم”.
  • بعد ما كان قرار حماس من خارج غزة حيث الراحل هنية والقادة المعنيون بحماس معه في العواصم العربية والإسلامية، ولكن تصعيد السنوار يعني أن القرار سيكون من داخل غزة وبعيدًا عن الضغط العربي والغربي في القرارات.
  • لكن من الواضح أن القرار وخصوصًا في المفاوضات سيستغرق وقتًا أطول في الرد مع الكيان الصهيوني؛ نظرًا لتحركات السنوار المحدودة، ولا سيما في الحصار المميت المفروض على غزة برًّا وبحرًا وجوًّا.
  • الشباب الفلسطيني -وربما العربي والإسلامي- يرى في السنوار بعد عملية طوفان الأقصى، نموذجًا للمجاهد والقائد ويعتبرونه الهيبة لحماس في الأوساط الشعبية الإسلامية، كما يعتبرونه رجل المرحلة خصوصًا في فترة يهيمن فيها العمل العسكري على العمل السياسي.
  • ثمّة تأثيرات بسيطة قد تحدث داخل تحركات وسياسات حركة حماس داخليًّا، ولكنها لن تكون كبيرة، لا سيما وأن الحركة نجحت في اختيار قائد جديد لها في ظروف صعبة ووقت قياسي؛ كما نجحت في إعادة ترتيب أوراقها مرة أخرى.
  • إن تصعيد يحيى السنوار بالأخص رئيسًا للحركة – العدو اللدود – للاحتلال الصهيوني، ربما زاد من الرعب والقلق وخلط الأوراق داخل حكومة نتنياهو؛ وهو ما تحدث عنه الإعلام العبري بصراحة لأكثر من مرة، ولا سيما داخل هيئة الأركان في ظل الروح المعنوية المتدنية للغاية للجنود والصف.
  • اغتيال “هنية” يعني إما أن إيران سلمته للموساد الإسرائيلي كونه شخصية سنية، أو نتج الاغتيال عن تغلغل كبير لعملاء الموساد داخل الأراضي الإيرانية؛ ومن ثم التأكيد على حجم الضعف والهشاشة والاختراق الأمني داخل أجهزة الأمن في طهران. ولا شك أنها في مأزق شديد، وعليها أن تقوم بالرد الفاضح المتفق عليه مسبقًا دون إحداث خسائر أو التزام الصمت وهو الأقرب.
  • ثمّة تحدٍّ أمام حماس يكمن في قدرة السنوار على إدارة نافذته السياسية وتعزيز العلاقات الخارجية، لكن يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال مؤسسات الحركة وأعضاء مكتبها السياسي في الخارج، ولا سيما استمرار التواصل الجيد مع مصر بالتحديد وبعض الدول العربية؛ مثل: قطر، والسعودية.
  • بالأخير.. تطورات وأحداث سوف تفرضها وتكشف عنها المرحلة المقبلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ كما أن اختيار يحيى السنوار يحمل رسائل مهمة أمام الاحتلال؛ وهي أن الحركة لا تزال قادرة على اتخاذ قرارات مناسبة في ظل هذه الظروف الصعبة وحتى بعد اغتيال هنية، وأنها ستمضي قدمًا للأمام، وأن هناك قيادات قادرة على أن تكمل المسيرة.

كما أن اختيار قيادي سياسي وعسكري ميداني بارز كالسنوار يعني أن حماس مستمرة في النضال العسكري وأنها لن تتراجع تحت وطأة الضغوط والضربات التي تلقتها من الكيان المحتل مغتصب الأرض.

السنوارحماس
Comments (0)
Add Comment