مأساة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا.. كيف تتجاهل إديس أبابا معاناتهم بل وتساهم في زيادتها؟

 مأساة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا.. كيف تتجاهل إديس أبابا معاناتهم بل وتساهم في زيادتها؟

بعد ما كانت السودان أحد أكبر الدول التي تستضيف ملايين اللاجئين، بات السودانيين بعد أكثر من 5 سنوات على سقوط نظام البشير أحد أكبر أزمة نزوح ولجوء في العالم، فمنذ بداية الحرب في إبريل 2023 فرَّ أكثر من 10 ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج السودان، هرب منهم إلى إثيوبيا قرابة 125 ألف سوداني يعيشون أوضاعًا مأساوية، ومعاناة في كل أشكال الحياة، ويتعرضون لجميع أنواع العنف والمضايقات وهجمات العصابات، والأمراض والجوع وسوء التغذية، وتردي الأوضاع الصحية والطبية والطبيعية داخل المخيمات ووسط الغابات.

هذا بجانب جرائم المليشيات الإثيوبية تجاه اللاجئين السودانيين بدايةً من النهب والسرقة حتى الاختطاف والقتل؛ كل هذا تحت مرأى ومسمع الحكومة الإثيوبية التي لم تحسن استقبالهم وتركتهم فريسة للميليشيات والجوع والأمراض والأوبئة، بل وفرضت الحكومة الإثيوبية الفيدرالية على اللاجئين السودانيين مزيدًا من الأموال والرسوم، في ظل انشغال الحكومة السودانية بحربها على ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وتقاعس البعثة الدبلوماسية السودانية داخل إثيوبيا من نجدة اللاجئين وحمايتهم أو حتى زيارة معسكراتهم التي تشهد كثيرًا من المعاناة والألم.

معسكرات المعاناة:

فر إلى إثيوبيا أكثر من 125 ألف سوداني منذ إبريل 2023 ينتشرون في عدة أماكن ومخيمات، ووسط الغايات القريبة من الحدود الإثيوبية السودانية، ويعيش أغلب هؤلاء اللاجئين السودانيين في معسكرات الكومة  وكومر وأولالا، ومعسكر للعبور في منطقة المتمة الحدودية بإقليم الأمهرا المجاور لولاية القضارف، بجانب معسكر استقبال ومعسكر ثابت رابع في إقليم قمز بني شنقول الإثيوبي المجاور لإقليم النيل الأزرق، ووفقًا للأمم المتحدة يوجد 20 ألف لاجئ في إقليم قمز بني شنقول، ويقيم 27 ألف لاجئ وطالب لجوء سوداني في إقليم أمهرا، منهم 9 آلاف لاجئ في معسكر كومر وقرابة 3 آلاف في معسكر أولالا، وتقبع أغلب معاناة اللاجئين في كلا المعسكرين بجانب معسكر الكومة داخل إقليم أمهرا، ويعيش الآلاف بينهم أكثر من 4 آلاف طفل وامرأة أوضاع قاسية وانتهاكات لا تنتهي رغم إطلاق اللاجئين العديد من المناشدات والاستغاثات عبر المنصات الرقمية بسبب غياب الأمن في المعسكرات؛ ولذلك سوف نحاول توضيح مأساة اللاجئين السودانيين داخل الأراضي الإثيوبي -تحت أنظار وبمشاركة الحكومة الإثيوبية- في نقاط كالآتي:

– يعيش اللاجئون السودانيين في إثيوبيا وسط نقص كبير في المواد الغذائية والدواء ونقص حاد في مياه الشرب النظيفة.

– يتعرض اللاجئون السودانيين إلى عمليات قتل واغتصاب، واختطاف وترهيب من قِبَل مسلحين مجهولي الهوية.

– يواجه اللاجئون هجمات عصابات الشفتة الإثيوبية بهدف اختطاف رهائن وطلب فدية لإعادتهم، بجانب عمليات السرقة والنهب، ووفقًا للإحصاءات السودانية وقع أكثر من 1700 حادث على اللاجئين من المليشيات الإثيوبية بين قتل ونهب وسرقة واختطاف وتعدٍّ آخرها نهب 6 خيام تحت تهديد السلاح وطرد قاطنيها على يد المليشيات الإثيوبية.

– تؤكد الأمم المتحدة وقوع 743 جريمة منذ إنشاء معسكر كومر في مايو 2023، منها: التهديد بالبنادق والتفتيش القسري 280 حادثة، وتضمنت الجرائم الاختطاف طلبًا للفدية والقتل والأذى الجسيم والنهب والتهديد بالقتل وإطلاق النار العشوائي.

– وفقًا لتنسيقية النازحين في أمهرة: “يضطر الناس للذهاب إلى الوادي للاستحمام وغسل الملابس، لكنهم إما يتعرضون للسرقة أو الضرب أو الاختطاف يوميًّا”.

– تفتقد مخيمات معسكرات إقليم أمهرة التي يعيش فيها آلاف اللاجئين إلى أدنى مقومات الحماية تزامنًا مع دخول فصل الخريف وهطول الأمطار داخل الغابات ما يهدد حياة اللاجئين.

– تشهد المخيمات أوضاع صحية كارثية ونقص الأدوية وانتشار الأمراض؛ مثل: الكوليرا والكلازار، وتكاثر البعوض والذباب وفق إفادات سكان الخيام.

– تفشي وباء الكوليرا في المخيمات التي تؤوي اللاجئين السودانيين في ولاية أمهرة الإثيوبية، وأصيب ما لا يقل عن 2500 حالة إصابة بالكوليرا في 25 مقاطعة في أمهرة.

– يفضل اللاجئون الهرب من المعسكرات والبقاء في العراء داخل الغابات ومواجهة خطر الحيوانات المفترسة والثعابين والحشرات السامة، والحيوانات المفترسة على العودة إلى المعسكر.

– الوضع الأمني المتدهور في إقليم أمهرة أغرى الميليشيات على مهاجمة معسكرات اللاجئين في منطقتَي كومر وأولالا عدة مرات دون أن تتصدى لهم القوات الحكومية؛ ما دفع اللاجئين إلى التوجه إلى مدينة غوندر ثاني أكبر مدن الإقليم بعد عاصمته بحر دار.

– رغم نهب المواد الغذائية والأموال والهواتف الذكية، تمنع القوات الحكومية اللاجئين من الخروج من المعسكرات أو الغابات وتحتجزهم داخل غابة في ظروف لا إنسانية لمنعهم من الوصول إلى مدينة قوندر، رغم إضرابهم عن الطعام للتعبير عن احتجاجهم على احتجاز السلطات لهم في الغابة.

– تتدهور الحالة النفسية لعدد كبير من اللاجئين نتيجة الوضع البائس والمروع الذي يعيشونه.

– تنتشر في معسكرات كومر وأولالا العديد من الأمراض بسبب سوء التغذية، ومنها الإسهال ونزلات البرد بسبب الاعتماد على نوع واحد من الغذاء.

– لا تتوفر المواد الغذائية إلا في قرى بعيدة عن المعسكرات بأسعار مضاعفة.

الأطفال والنساء:

يؤكد تقرير لجنة تنسيق اللاجئين السودانيين في إقليم أمهرة، أن أكثر من 2000 طفل تبدأ أعمارهم من 3 أشهر يعانون من سوء التغذية والإسهال ونزلات البرد بسبب اعتمادهم على نوع واحد من الغذاء، وأشار التقرير إلى وفاة 45 طفلًا خلال الأشهر الماضية نتيجة سوء التغذية في نقطة استقبال اللاجئين في ترانزيت المتمة، بجانب إصابة 1000 لاجئ، بينهم أطفال وكبار في السن بعدة أمراض؛ بالإضافة إلى حاجة 2135 إلى رعاية طبية طارئة، ومعاناة أكثر من 30 شخصًا من أمراض مزمنة، بما في ذلك السرطان وضغط الدم وأمراض القلب، وحاجتهم السريعة إلى الدواء والفحص الطبي المستمر، وأن 10 أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من بين 76 آخرين، بحاجة ماسة للعلاج والرعاية الصحية خاصةً بعد توقفهم عن الحركة كالمعتاد قبل موسم الأمطار؛ مما فاقم أزمتهم وجعل نقلهم إلى مكان آخر صعب في ظل الظروف الحالية، وإجهاض 20 امرأة بسبب تردي الأوضاع الطبية في المخيم وسوء التغذية، ونبَّه التقرير إلى إصابة 50 شخص بالملاريا كل أسبوع، كما يصاب نحو 800 شخص بنزلات البرد، ويصاب 100 طفل بالإسهال بسبب تناول الأغذية والمياه الملوثة. وي

تم نقل عدَّة حالات خطيرة إلى مستشفى كومر قرب منطقة أولالا، وتعرضت بعض النساء للقتل وآخرون للسرقة والنهب والاعتداء، ويظل آلاف الأطفال والنساء والمرضى وعشرات الأطفال من ذوي الهمم بينهم مرضى وحوامل ومرضعات، وسط الغابات في حاجة عاجلة إلى رعاية صحية وتغذية؛ بالإضافة إلى انتشار الحميات بين الأطفال وإصابة 400 طفل.

الحكومة الإثيوبية:

رغم مرارة الأزمة القاسية التي يعيشها اللاجئون السودانيون داخل المخيمات والغابات الإثيوبية في إقليم أمهرة أو بالقرب من الحدود السودانية، لم تحاول الحكومة الفيدرالية الإثيوبية تخفيف الأزمة على اللاجئين، بل ساهمت في زيادة المأساة عبر فرض مزيد من القوانين والرسوم ومنعهم من العمل أو التحرك داخل الولايات أو الخروج من المعسكرات التي ينتشر فيها الجوع والمرض والحشرات واعتداءات الميليشيات، وسوف نتعرض للمارسات وتضيقات الحكومة الإثيوبية على اللاجئين السودانيين في نقاط كالآتي:

– تفرض إثيوبيا قوانين تلزم المهاجرين بسداد مائة دولار شهريًا لكل فرد لتجديد الإقامة من أجل العيش فقط داخل معسكرات غير أمنة.

– يحاول اللاجئون التواصل مع مفوضية اللاجئين الأممية في أديس أبابا، ولكنها منعتهم من الدخول إلى مقراتها وحولتهم إلى مكاتب أخرى، في الوقت الذي تستقبل فيه المفوضية طلبات الإرتريين والجنوب سودانيين ولا تتعامل مع طلبات السودانيين.

– الإقامة الشهرية التي تفرضها الحكومة الإثيوبية لا تتيح للسودانيين حق العمل مما يفاقم الأوضاع المعيشية.

– تشترط إثيوبيا تجديد الإقامات شهريًّا رغم طلبات اللاجئين بالتخلي عن الشروط الخاصة بضرورة تقديم اللجوء شهريًّا وأن تكون سنويًّا، وألَّا يُشترط أن تكون في المتمة أو أصوصا بسبب سوء الأوضاع الأمنية، وأن يُمنح السودانيين في المدن كرت إقامة سنوي إلى حين تحسن الأوضاع.

-لا تتعامل الحكومة الإثيوبية مع السودانيين كلاجئين ورغم إلزامهم بالتجديد الشهري للإقامة، يواجهون ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف الإيجارات والتمييز بين الأجانب والإثيوبيين في وسائل النقل والسكن في ظل منع السودانيين من العمل أو التنقل.

– يواجه اللاجئون السودانيون خطر عدم تجديد الإقامة بسبب عدم توفر المال مما يعرضهم للغرامات الباهظة والتي تصل إلى ثلاث دولارات لكل يوم بجانب 50 دولار.

مطالب اللاجئين:

ناشد اللاجئون السودانيون في المخيمات خاصةً في معسكري كومر وأولالا بإقليم أمهرا السلطات الإثيوبية بحل أزمات ضعف الرعاية الصحية، وعدم توفر الأدوية الكافية وعدم وجود الكوادر المؤهلة، وحل معضلة عدم توفر الإيواء الكافي، بجانب التصدي لانتشار الحيوانات والحشرات والأمراض المعدية الناتجة عن سوء التغذية، وحل معضلة انعدام الأمن ومواجهة عنف الميليشيات وجرائم القتل والنهب، لافتين إلى عدم توفر أي أكفان في حالة الوفاة وعدم استخراج شهادة للمتوفين، وقلة مواد الإيواء مثل الخيام والمشمعات وإنهم يضطرون لجمع الحطب والأخشاب لتشييد المساكن والخيام.

وفي ظل التجاهل الإثيوبي لمعاناة ومطالب اللاجئين السودانيين، طالب اللاجئين بنقلهم إلى بلد ثالث حتى يتمكنوا من العيش في مخيم تتوفر فيه الحماية والخدمات، واتهموا المجتمع الدولي والإقليمي بإهمالهم وتجاهل قضيتهم، فيما طالبت ثلاث منظمات حقوقية نهاية يونيو السطات الإثيوبية بالتحقيق حول حوادث الاختطاف وتوفير الحماية للاجئين، كما طالبت وكالات الأمم المتحدة بتوفير الحماية والدعم الإنساني للاجئين ومساعدتهم على إيجاد حلول دائمة وآمنة، واتخاذ إجراءات فورية لحماية هؤلاء اللاجئين، وخاصة النساء والفتيات، وفقا لاتفاقية اللاجئين لعام 1951 بشأن عدم الإعادة القسرية، ومع تكرار مناشدات واستغاثات اللاجئين السودانيين في ظل التجاهل الإثيوبي والدولي التام، طالب اللاجئين بإعادتهم إلى السودان، مؤكدين أن أوضاع الحرب في بلادهم قد تكون أفضل حالًا ممن يعانوه داخل إثيوبيا.

الخلاصة:

مأساة جديدة يعانيها السودانيين وهذه المرة خارج ديارهم لدى الجارة الإثيوبية التي لم يشفع عندها ويلات الحرب التي نالت من حياة السودانيين التي كانت آمنة، وأجبرتهم على الفرار إلى الحدود، ليجدوا أنفسهم أمام مرارة أكبر ألمًا، ومعاناة لا تنتهي، وحكومة إثيوبية تضاعف مأساتهم، وتُحصل منهم رسوم التجديد الشهري ليعيشوا في غابات الجوع والعطش والمرض والقتل والنهب، ويمنعوهم من العمل أو التنقل أو الخروج من معسكرات العذاب ليتركوهم عنوة في مواجهة ميليشيات مسلحة تفتك بهم وتسرق غذائهم وتختطف صغارهم، وتزامنًا مع جرائم الحكومة الإثيوبية، يتزايد الاستياء والسخط إزاء تقاعس وإهمال السفارة السودانية في أديس أبابا لأزمة اللاجئين، وغياب البعثة الدبلوماسية برئاسة السفير المُعين حديثًا عن متابعة أوضاع اللاجئين أو تقديم أي مساعدة لهم، أو حتى زيارة المعسكرات النائية ولا لمرة واحدة خلال عام كامل من الانتهاكات والجرائم والألم.

المصادر:

نون بوست-عالقون في متاهات الغابات.. آلاف اللاجئين السودانيين محاصرون في إثيوبيا- 31 مايو 2024.

سودان تربيون-1700 حالة اعتداء على معسكرات اللاجئين السودانيين بإثيوبيا وشكاوى من تفاقم الأوضاع- 30 مايو 2024.

bbc-ما قصة آلاف السودانيين العالقين في إثيوبيا؟- 5 يونيو 2024.

دبنقا-اختفاء لاجئ سوداني في اثيوبيا يجدد المخاوف حول مصير اللاجئين- 7 يوليو 2024.

دبنقا-ترحيل آلاف اللاجئين السودانيين من الكرمك الإثيوبية إلى منطقة أخرى- 15 يوليو 2024.

الميادين-تفاقم معاناة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا نتيجة تصاعد المعارك في إقليم أمهرة- 11 مارس 2024.

سكاي نيوز-من الخرطوم إلى أمهرة.. المآسي تلاحق السودانيين في إثيوبيا- 7 يونيو 2024.

الجزيرة- تفاقم معاناة اللاجئين السودانيين العالقين بإثيوبيا- 3 يونيو 2024.

الحرَّة-اللاجئون السودانيون في إثيوبيا.. مصير غامض وسط الرصاص والأدغال- 17 يونيو 2024.

سودان تربيون-تزايد الوفيات وسط اللاجئين السودانيين في إثيوبيا وشكاوى من أوضاع مزرية- 24 يونيو 2024.

سودان تربيون-تفشي الحميات وسط الأطفال السودانيين اللاجئين في إثيوبيا- 11 يوليو 2024.

إثيوبياالبرهانالسودانجميدتيدارفور