حدود الصراع المستقبلي بين إيران وإسرائيل وتبعاته على الاستقرار في الشرق الأوسط

حدود الصراع المستقبلي بين إيران وإسرائيل وتبعاته على الاستقرار في الشرق الأوسط

بالرغم مما حدث من سياسة الاغتيالات التي قامت بها دولة الاحتلال الصهيوني ضد قيادات بارزة تتبع إيران، مثل ما طالَت به القيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر، وحسن نصر الله زعيم الحزب، بجانب اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها؛ إلا أن الواقع لا يجزم بوقوع أو نشوب حرب حقيقية بين إيران ودولة الاحتلال؛ لا سيما أن ثمَّة ما يربطهم من علاقات اقتصادية وشراكات كبيرة وفق صحف عبرية قد نشرتها منذ سنوات وتتجدد خلال هذه الأيام.

كما أنهما يحاولان التوازن بألا ينخرط الصراع أو يتوسع بشكل أكبر، فكلاهما حريص ألا تصل الأوضاع فيما بينهما إلى حرب كبيرة.

من هذا المنطلق نذهب في مركز “رواق” للأبحاث والدراسات إلى البحث والتحليل والتدقيق والقراءة في انعكاسات هذه التطورات على الأرض، حيث من الضروري فهم حدود هذا الصراع المستقبلي بين إيران ودولة الكيان الصهيوني وهل تتسع رقعته من عدمه، ومتابعة تحركات القوى الكبرى الفاعلة في المشهد، وفهم أبعاد تحركات كل منها، لتقدير احتمالات توسُّع الحرب أو إنهائها التي لطالما زادت من حدَّة التوتر في الإقليم. كذلك قراءة في دوافع نتنياهو في استمرار الحرب العدوانية والمجازر بغزة، وهل نعيش الأيام الأخيرة للمشروع الإيراني أم سيعمل على حماية ما تبقى من نفوذه لحين انتهاز الفرصة مرة أخرى؟

إن المنافسة على النفوذ الإقليمي بين إيران وإسرائيل تعتبر عاملًا مهمًّا يزيد من حدَّة الصراع في المنطقة، ولا شرط أن تكون الحرب بينهما بشكل مباشر، فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر دعم حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في محاولة لبناء ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”.

من ناحية أخرى: إسرائيل تعمل أو تحاول إقامة تحالفات مع دول الخليج العربية؛ مثل: الإمارات والبحرين والسعودية، وذلك لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي، وهذه التحالفات تُعزِّز من عزلة إيران على المستوى الإقليمي.

كذلك فالبرنامج النووي الإيراني هو من بين أكثر القضايا إثارة للجدل بين إيران وإسرائيل؛ فإيران تقول إن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية، ولكن إسرائيل والعديد من الدول الغربية يشكُّون في أن إيران تسعى لتطوير سلاح نووي، بينما ترى إسرائيل في امتلاك إيران للسلاح النووي تهديدًا لا يمكن قبوله تحت أي ظرف، وقد قامت بعمليات سرية، بما في ذلك اغتيال علماء نوويين، لتعطيل هذا البرنامج.

إن قوة احتمالات توسُّع الصراع العسكري بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي لم تُحسم بعد، فكلاهما له مشروعه الخاص في الشرق الأوسط، وهو ما يعني أنه لا يوجد تعارض لأن دولة الاحتلال وحليفتها واشنطن تريدان استمرار التواجد الإيراني المزعوم للدول العربية، خصوصاً بعد اغتيال إسماعيل هنية، وبالأخص بعد اغتيال حسن نصرالله زعيم حزب الله ذراع إيران في لبنان، حيث من جهة، تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم فصائل مسلحة؛ مثل: الحوثيين وحزب الله اللبناني، ومن جهة أخرى: تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الحفاظ على تفوقها الأمني ولو على حساب شعب بأكمله في الشعب الفلسطيني.

هل تتصاعد المواجهات بين إيران وإسرائيل؟

لقد شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في المواجهات بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية، تبادل الطرفان فيها الضربات عبر الحدود بشكل محدود ومدروس بحيث لا يؤدي إلى حرب واسعة. لاسيما أنه خلال تصعيد القصف المستمر مع إسرائيل منذ عشرة أشهر، تكبد حزب الله خسائر كبيرة شملت قياديين عسكريين مبرزين ومئات من المقاتلين، وقد أسفر التصعيد عن نزوح عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود وتدمير واسع النطاق.

في ظل هذه التصعيدات، قامت إسرائيل في إبريل الماضي بقصف السفارة الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، من بينهم محمد رضا زاهدي، الذي كان ثاني أعلى رتبة عسكرية في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، فردَّت طهران على هذا الهجوم بقصف الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يعكس تصعيدًا ملحوظًا في النزاع. (مركز رؤيا).

وبعد ذلك، فقد تواصلت حملة الاغتيالات الجديدة التي تستهدف مناهضي ومعارضي إسرائيل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ومن أبرز هذه الاغتيالات، قتل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في 31 يوليو الماضي، أثناء زيارته لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إذ كان هنية يقوم بدور رئيس في المفاوضات بين إسرائيل وحماس؛ كونه رئيس الحركة آنذاك، وقبل ذلك بيوم، استهدفت غارة إسرائيلية حي الضاحية في بيروت، مما أسفر عن مقتل فؤاد شكر، المسؤول العسكري المبرز في حزب الله ومستشار حسن نصر الله، رئيس الحزب.

وفي 20 يوليو 2024، نفذت إسرائيل غارة على ميناء الحديدة اليمني، ردًّا على هجوم بطائرة مسيرة من الحوثيين استهدف تل أبيب، الهجوم الإسرائيلي على هذا الميناء الذي يُعدُّ شريان الحياة الاقتصادي للحكومة الحوثية، أدى إلى تدمير خزانات النفط وتسبب في خسائر بلغت ما يزيد على 20 مليون دولار أمريكي ومقتل ستة أشخاص وجرح نحو 80 آخرين، مما زاد من معاناة المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. (مركز رؤيا).

الموساد وعملية تفجير أجهزة (البيجر) في لبنان وردّ حزب الله:

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة من حيث حجم الخسائر في شهر سبتمبر المنصرم، انفجرت آلاف أجهزة النداء (البيجر) في لبنان، ما أسفر عن مقتل عدد من الأفراد التابعين لحزب الله وإصابة ما يقرب من ثلاثة آلاف آخرين، من ضمنهم السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، جراء انفجار جهاز بيجر كان يحمله.

كان حزب الله قد لجأ إلى استخدام هذه الأجهزة من أجل تنسيق الأنشطة بين أفراد الحزب، تجنُّبًا للمراقبة الإسرائيلية عبر الهواتف الذكية، وذلك في إطار تصعيد إسرائيل لهجماتها ضد قادته وجنوده منذ ما يقارب العام.

في المقابل: استهدف حزب الله قاعدة عسكرية إسرائيلية في مرتفعات الجولان، مما أسفر عن تضرر عدد من المنازل وحصول بعض الإصابات خلال الهجوم الذي تضمَّن إطلاق عدد كبير من الصواريخ، ولكن تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراض معظمها.

وفي 27 سبتمبر 2024 وجه جيش الاحتلال ضربة قوية ومكثفة على لبنان، حيث استهدف مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية، في عملية تُعدُّ الأكثر خطورة وضراوة حتى الآن، أدت لاغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مع عدد كبير من قيادات الحزب، مما أدى إلى تحطيم سلسلة القيادة في الحزب بعد مقتل فؤاد شكر، القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل، رئيس العمليات، إضافة إلى قادة الجبهات والوحدات القتالية والقوة الجوية والوحدة الصاروخية. أسفرت هذه الهجمات عن حدوث فراغ غير مسبوق في البنية الهيكلية لحزب الله، الذي أكَّد خبر مقتل قائده من خلال بيان نعي صدر بعد قرابة يوم من الهجوم.

التنسيق الإيراني مع أذرعه في المنطقة:

يجب ألا نغفل مدى الدعم والتنسيق المستمر بين دولة الفقيه وحلفائها في المنطقة العربية والتي تدفع ثمنها الشعوب المكلومة، حيث كان الرد المقابل هو أن شنَّت إيران هجومًا صاروخيًّا كبيرًا على كيان الاحتلال الإسرائيلي، مستهدفة مواقع عسكرية مختلفة في فلسطين المحتلة، رغم محدودية حجم الخسائر التي لا تذكر. (مركز رؤيا).

ويظهر الحوثيون باعتبار أنهم عنصر رئيس في الإستراتيجية الإيرانية، إذ يلعبون دورًا مهمًّا في شنِّ هجمات عسكرية تهدف إلى إزعاج حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم أمريكا، ومن خلال تعزيز قدراتهم العسكرية، تسعى إيران إلى الضغط على المصالح الغربية والإسرائيلية، وكان آخر هذه الهجمات الحوثية إطلاق صاروخ فرط صوتي أصاب تلَّ أبيب.

في العراق، تنسق إيران كذلك الضغوط العسكرية مع الميليشيات المسلحة أو ما يُعرف بالحشد الشعبي هناك من أجل تأثير أكبر على مصالح حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، وقد يبقى في مقدمة الحلف الإيراني، حزب الله الذي يتولى دورًا محوريًّا في التنسيق مع الحوثيين والميليشيات العراقية لدعم الأهداف الإيرانية وتعزيز موقفها الإستراتيجي، سعيًا نحو فرض توازن ردع مع كل من إسرائيل وحلفائها. كل هذه الأنشطة تشكل جزءًا من إستراتيجية إيرانية شاملة لتوزيع الأدوار بين أذرع المحور الإيراني، مما يشعِّب المواجهة بالنسبة للغرب وإسرائيل.

حدود الصراع وتصاعد النفوذ والتأثير على موازين القوى:

نقول: إن الصراع في صورته الراهنة يتجاوز كونه مجرد منافسة على الهيمنة والنفوذ والتأثير على موازين القوى؛ فهو صراع يطرح في عمقه مسألة الوجود وضمان البقاء مقابل الزوال وتحديات الاستمرارية في تصور الاحتلال، إذ يدرك الإسرائيليون تمامًا أن دخولهم في حرب منفردة مع حزب الله وإيران ربما قد يمثل استنزافًا على المدى المتوسط والبعيد، مهما كانت الضمانات والنتائج التي قد تحصدها حتى في ظل الدعم الأمريكي الغربي.

على المستوى المحلي الإسرائيلي، يمرُّ بنيامين نتنياهو بأسوأ فترات حياته السياسية، فقد أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا ملحوظًا في شعبيته منذ إعلانه الحرب على حزب الله وإيران، وقد بلغ الاستياء من سياسات نتنياهو المتطرفة أعلى مستوياته منذ بداية العدوان على غزة، إذ واصلت عائلات الأسرى الإسرائيليين احتجاجاتها منذ السابع من أكتوبر، ولكن بعد عمليات الاغتيالات الأخيرة ربما قد تراجع هذا الهجوم نسبيًّا على نتنياهو الدموي في الداخل الإسرائيلي.

ولكن ننوه أن شعبية نتنياهو سوف تتآكل خلال الفترة المقبلة لأن الأوراق التي كان يراهن عليها مثل اغتيال يحيى السنوار الرجل الأقوى في المقاومة الفلسطينية قد باتت محروقة أو انتهت، ولا مبررات منطقية لاستمرار الحرب واعتقال الرهائن؛ لأنه بالتأكيد يتبع إستراتيجية فتح جبهات جديدة للقتال، وفتح جبهات جديدة، مهما كانت نتائجه، لأنها تُعدُّ فرصة جديدة لإنقاذ نفسه والبقاء في الحياة السياسية.

كما يظهر نجاح نتنياهو النسبي هذا الدموي في مواجهة حزب الله وإيران في لبنان وسوريا، مما يعزز استمراريته السياسية، وهو بهذا التصعيد يهدف إلى تغطية فشل إسرائيل في المواجهة على أرض غزة، ويوسِّع نطاق الحرب ليشمل مناطق أخرى، ويضغط على المعارضة لدعمه أو على الأقل تهدئة الانتقادات.

دوافع نتنياهو في استمرار الحرب العدوانية والمجازر:

إن رئيس دولة الاحتلال يريد من استمرار الحرب العدوانية والمجازر بحق الشعب الأعزل من دفع حلفاء إسرائيل في الخارج إلى إعادة ترتيب موازين القوى، سواء من خلال جرِّ الولايات المتحدة إلى المشاركة في الحرب، أو من خلال مواصلة دعمها، مما ينذر بإمكانية حدوث حرب إقليمية شاملة، بجانب أنها تُعطيه مزيدًا من الوقت في محاولة لترميم صورته الخبيثة على أنه حامي الأمن القومي الإسرائيلي. (مركز رؤيا).

تصريحات نتنياهو الأخيرة أمام الكونغرس الأمريكي عكست بوضوح عزيمته على مواصلة الحرب، في ذات الوقت، إذ يسعى إلى استثمار أي إنجازات ميدانية في ظل دعمه الغربي المتشدِّق بحقوق الإنسان، مثل اغتيال القادة البارزين، لتقديمها على أنها إنجازات داخلية، ومن بين هذه الاغتيالات كان اغتيال نصر الله وفؤاد شكر، المسؤول العسكري الأول وكبير مستشاري الأمين العام لحزب الله، وصولاً إلى إسماعيل هنية، الذي كان على رأس قائمة المطلوبين لدى إسرائيل وحلفائها في الغرب.

إيران تدعم حلفاءها لعدم الدخول في حرب مباشرة:

وعلى أية حال نقو:ل إن التصعيد المستمر والاغتيالات يمهد الطريق أو كل الطرق حتى لتوسيع دائرة الحرب، خاصة في ظل استمرار تزويد إسرائيل بالأسلحة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مما يفاقم من حدَّة الصراع، وقد كان العالم ينتظر ما إذا كانت إيران ستنفذ هجومًا مضادًّا على إسرائيل أم لا بعد اغتيال حسن نصر الله.

إن إستراتيجية طهران التي اتخذتها منذ عقود طويلة وهي بعدم الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والتي قد تؤدي إلى حرب شاملة وغير متكافئة، فطهران تدرك أن الاشتباك المباشر مع إسرائيل ليس في مصلحتها، مهما كانت النتائج المحتملة، ولذلك تُفضِّل تجنُّب المواجهات المباشرة والتركيز على دعم وكلائها الإقليميين، مثل الحوثيين وحزب الله.

رغم ذلك، تجد إيران نفسها مضطرة للردِّ العسكري لتفادي فقدان هيبتها، خاصة بعد الضربات الأخيرة الموجعة التي تلقتها في طهران؛ سواء على أراضيها أو في سفارتها في سوريا أو في مقتل زعيم حزب الله.

دوافع توسيع الصراع في الإقليم.. متى ينتهي؟

إن ارتفاع أو تزايد حدَّة التوترات بين إيران وإسرائيل مرهون بمدى حجم التوازن العسكري بين هاتين الدولتين، باعتباره مؤشرًا مهمًّا على إمكانية توسُّع الحرب بين الطرفين خلال الفترة القادمة، لاسيما في ظل القدرات المتطورة والمتنوعة لكلا البلدين.

حيث من جهة تتمتع إيران بميزة عددية واضحة؛ حيث يبلغ عدد سكانها حوالي قرابة 90 مليون نسمة، مقارنة بعشرة ملايين فقط في إسرائيل، هذه الفجوة السكانية تمنح إيران قاعدة أكبر بكثير من المجندين المحتملين، إذ يُقدَّر عددهم بأكثر من 41 مليون فرد، مقابل حوالي ثلاثة ملايين في إسرائيل.

كذلك يتفوق عدد العسكريين النشطين في إيران، والذي يبلغ 610 آلاف جندي، على نظرائهم في إسرائيل الذين يقلُّ عددهم عن 200 ألف، وعند إضافة القوات شبه العسكرية وقوات الاحتياط، يصل العدد الإجمالي للقوات الإيرانية إلى مليون جندي، مقارنة بـ642 ألف جندي في إسرائيل.

أيضًا فمن الناحية الاقتصادية، تعاني إيران في ظل استمرار العقوبات الغربية من التضخم الذي يتجاوز 40%، والانحدار الحاد في قيمة عملتها، وانخفاض كبير في عائدات صادرات النفط، إذ قد يدفع الصراع المطوَّل الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وزيادة الاضطرابات الاجتماعية.

أضف إلى ذلك: أن سوق الأسهم الإيرانية وأسواق الصرف الأجنبي شهدت تقلبات حادة وكبيرة بسبب التهديد الوشيك بتوسيع دائرة الصراع، كما أدت قضايا مثل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر إلى تفاقم هذه المشاكل، مما يخلق تحديات خطيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني وامتعاض الشعب الإيراني المكلوم.

ولكن يجب ألا نتجاهل بالرغم من التفوق العددي الإيراني، إلا أن التفوق المالي والتكنولوجي والدعم الغربي السخي يميل لصالح دولة الاحتلال الصهيوني، فميزانية الدفاع الإسرائيلية، التي تبلغ 24.4 مليار دولار أمريكي، تفوق بأكثر من ضعفين ونصف ميزانية الدفاع الإيرانية التي تُقدَّر بـ10 مليارات دولار، هذا الفارق المالي يتيح لإسرائيل اقتناء وتطوير أسلحة أكثر تقدُّمًا، ويُعزِّز من جاهزية قواتها، وهو ما قد لا تستطيع إيران مجاراته.

كذلك بالرغم من أن اقتصاد إسرائيل أقوى من اقتصاد إيران، فإنها لم تكن بمنأى عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الصراعات الدائرة التي تخوضها إسرائيل حاليًّا، ورغم أن معدل التضخم في إسرائيل لا يزال أقل من 3%، فإن التكاليف الهائلة للحرب، والتي تُقدَّر بنحو 54 مليار دولار أمريكي، وتعطيل بعض طرق التجارة ومنها ضربات الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب قد فرضت ضغوطًا على اقتصاد البلاد. (مركز رؤيا).

حيث انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي بنحو 8% في الأشهر الأخيرة ومنذ العدوان على غزة، كما انخفضت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى حوالي 2.5%، ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع الإنفاق الدفاعي، الذي يمثِّل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى إبطاء النمو الاقتصادي وزيادة العبء على دافعي الضرائب.

كما أن القطاعات الرئيسة مثل التكنولوجيا والسياحة معرَّضة لخطر الانخفاض الحادِّ في النشاط الاقتصادي، وتشير التوقعات إلى أن الوضع الاقتصادي في إسرائيل من المرجَّح أن يتدهور أكثر. (6).

إيران ومدى التنسيق مع وكلائها الإقليميين:

كما ذكرنا في السطور السابقة، أن إيران تستعين ولا تزال بوكلائها الإقليميين التي تنفق عليهم المال ببذخ مثل حزب الله لتنفيذ جزء من الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنَّحة، بينما تركز قواتها على استخدام الصواريخ الباليستية الأكثر قدرة، هذا النهج يعزز من عنصر المفاجأة ويزيد من صعوبة الدفاع الإسرائيلي، ولكن في المقابل: تعتمد إسرائيل على تفوقها التكنولوجي والعسكري لمواجهة التهديدات الإيرانية، وتمتلك إسرائيل ترسانة متقدِّمة من الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية؛ بالإضافة إلى الدفاعات الصاروخية؛ مثل: “القبة الحديدية”، كما أن إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًّا إستراتيجيًّا، يشمل القدرة على إطلاق ضربات نووية من البرِّ والجوِّ والبحر.

كما تمتلك تل أبيب القدرات البحرية ومنها الغواصات، حيث تمتلك إسرائيل خمس غواصات من فئة دولفين، القادرة على تنفيذ عمليات ساحلية بفضل نظام الدفع المستقل عن الهواء، مما يسمح لها بالبقاء تحت الماء لأسابيع، والغواصات مسلحة بصواريخ كروز بوباي، التي يمكن إطلاقها تحت الماء، بمديات تصل إلى 350 كيلومترًا.

الدعم الأمريكي المستمر للكيان المحتل:

تعزز الولايات المتحدة من قدرات الدفاع الإسرائيلي من خلال نشر مجموعة من القدرات الإضافية في المنطقة، بما في ذلك سرب من طائرات F-22، وحاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت، ومدمرات بحرية متطورة قادرة على التصدي للصواريخ الباليستية. هذه القدرات توفر دعمًا كبيرًا لإسرائيل، وتُعزِّز من قدرة الردع الإسرائيلية.

وفي حالة تصعيد الصراع، قد تتخذ الولايات المتحدة إجراءات أكثر قوة لردع إيران، من بين هذه الإجراءات المحتملة نشر نظام الأسلحة الأسرع من الصوت Dark Eagle في المنطقة، وهو نظام قادر على ضرب أهداف تصل إلى 3000 كيلومتر بدقة عالية، هذا النوع من الردع الهجومي قد يكون حاسمًا في منع إيران من شنِّ هجمات مباشرة ضد المصالح الأمريكية أو حلفائها.

وعلى ما يبدو أنه قد توجد قدرات لدى الجانبين على خوض الحرب؛ إلا أنه تظل هناك عوائق تحول دون ذلك، لتظل قدرة إيران وإسرائيل على التصعيد إلى مستوى الحرب الشاملة محدودة بسبب الاعتبارات السياسية، على الرغم من أن كلا الجانبين يمتلكان قوات دفاعية كبيرة، فإن القدرات العسكرية لكل منهما تتوازن بطرق مختلفة، مما يحد من إمكانية تصعيد الصراع إلى مستوى شامل.

وبالرغم من تمتع إسرائيل بقدرات هجومية قوية، لكن ضرب عمق إيران يتطلب دعمًا لوجستيًّا كبيرًا، في المقابل تمتلك إيران صواريخ وأسلحة متطورة لكنها تواجه تحديات في الدفاع الجوي، كما أن التهديد النووي الإسرائيلي يتسم بالردع وليس بالهجوم، حيث تحافظ إسرائيل على سياسة الردع النووي، بالتالي، تظل خيارات التصعيد بين الجانبين محكومة بقدراتهما العسكرية وأهدافهما الإستراتيجية، مع عدم القدرة على التصعيد إلى حرب شاملة دون تداعيات كبيرة. (مركز رؤيا).

إيران وقدرة ضرب العمق الإسرائيلي:

بالرغم من امتلاك إيران لأسلحة متطورة وحديثة لكنها ربما تفتقر إلى القدرة على سحق إسرائيل عسكريًّا، حتى مع استثماراتها في الطائرات بدون طيار والصواريخ، بالمقابل: لم تصمم إسرائيل قواتها المسلحة لخوض حروب طويلة خارج محيطها المباشر، حيث تركز على الدفاع عن أراضيها، في هذا السياق، تمتلك إيران قدرة محدودة على الردِّ بشكل فعَّال في مواجهة الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، بينما تعتمد إسرائيل على شركاء دوليين لتقوية دفاعاتها.

نعم ربما قد برزت إيران لاعبًا قويًّا في مجال الحرب غير التقليدية، من خلال هجماتها الإلكترونية واستخدام الطائرات بدون طيار، فقد تمكنت من اختراق نظام الدفاع الإسرائيلي القبة الحديدية، وأطلقت مؤخرًا نحو 238 طائرة انتحارية بدون طيار ضد إسرائيل، وتشير التوقعات إلى أن إيران قد تصعد من هذه الهجمات، مع إمكان إشراك شركاء من أذرعها الإقليميين في هذا الصراع.

لكن نذكر أن إيران تعاني من نقاط ضعف واضحة في قدراتها العسكرية التقليدية، خاصة عند مقارنتها بإسرائيل التي تتمتع بتفوق تكنولوجي كبير، ودعم عسكري وسياسي قوي من الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن إيران تمتلك برنامجًا قويًّا للصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، إلا أن قدراتها في الاستخبارات والدفاع الجوي والدعم اللوجستي لا ترقى إلى مستوى يسمح لها بخوض حرب تقليدية واسعة النطاق ضد إسرائيل.

لذا فمن المنطق نقول: إن التهديدات الإيرانية بالانتقام تبدو في حدود إمكاناتها، فعلى الرغم من أن إيران قد تنفذ هجمات عبر وكلائها إلا أن لذلك أيضًا حسابات دقيقة وكثيرة تحدُّ من مداها، كما أن أي تصعيد كبير مع إسرائيل قد يؤدي إلى تدخل دولي واسع ضد إيران، مما يزيد من عزلتها على الساحة الدولية ويُعمِّق من أزماتها الداخلية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.

إيران تحت وطأة العقوبات الشديدة والتضخم المرتفع:

في المقابل: تعاني إيران تحت وطأة العقوبات الشديدة من التضخم المرتفع الذي يتجاوز 40%، وتدهور قيمة عملتها، وانخفاض كبير في عائدات النفط، هذه الضغوط الاقتصادية قد تدفع الاقتصاد الإيراني نحو حافة الانهيار، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وزيادة الاضطرابات الاجتماعية.

لكن بالرغم من قوة الاقتصاد الإسرائيلي مقارنةً بنظيره الإيراني، فإن إسرائيل ليست بمعزل عن التداعيات الاقتصادية الناتجة عن النزاعات المستمرة، فتكاليف الحرب، المقدرة بنحو 54 مليار دولار أمريكي، والتأثيرات على طرق التجارة قد فرضت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، فقد ارتفع معدل التضخم فيها إلى 3.6%.

بناءً على هذه التحديات الاقتصادية، تواجه كل من إيران وإسرائيل أخطار جسيمة في حالة تصعيد الصراع إلى نطاق واسع، حيث قد تكون العواقب الاقتصادية كبيرة لكلا الطرفين.

ورغم أن الأرقام الظاهرية قد تشير إلى تفوق عددي لإيران من حيث القوة البشرية، إذ تمتلك إيران عددًا أكبر من الجنود والدبابات، ولديها واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار في المنطقة، إلا إن إسرائيل تتفوق بميزانية دفاع أكبر وتكنولوجيا متقدمة، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي متعددة المستويات وقوة جوية حديثة، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، مما يمنحها تفوقًا إستراتيجيًّا حاسمًا، بجانب أن التفوق النوعي لإسرائيل، مدعوم بالدعم الأمريكي، والذي قد يكون العامل الحاسم في حال اندلاع مواجهة مباشرة. (مركز رؤيا).

رغبة إيران ومحورها في تجنب توسيع الحرب:

من الواضح جدًّا أن إيران تتبنى موقفًا حذرًا تجاه توسيع الصراع الإقليمي، على الرغم من التوترات المتصاعدة والاعتداءات الإسرائيلية المتوالية ضد مصالحها، فمنذ السابع من أكتوبر، شهدت إيران تصعيدًا ملحوظًا في الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك مقتل أكثر من عشرين مسؤولًا كبيرًا في الحرس الثوري الإيراني، ومع ذلك، ورغم هذه التصعيدات، اتبعت طهران سياسة متوازنة في ردودها، متجنبة الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة مع دولة الاحتلال ولتجنب دخول أمريكا على خط المواجهة. (الحرة).

تُشدِّد طهران على ضرورة تجنب حرب إقليمية شاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تؤثر سلبًا على مصالحها الإقليمية، فأي تصعيد إسرائيلي شامل ضد لبنان، والذي سيكون له عواقب كارثية على حزب الله، قد يضعف نفوذ طهران في المنطقة ويجبرها على اتخاذ إجراءات دعم متسارعة لحلفائها.

حيث تسعى إيران من خلال هذه السياسات إلى تحسين مكانتها السياسية في المنطقة؛ لضمان أفضل وضع ممكن في المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة، فيما يخصُّ البرنامج النووي وتخفيض العقوبات الموقَّعة عليها.

تدرك إيران حجم التفوق التكنولوجي الإسرائيلي والخطر المترتِّب على تصعيد الصراع إلى مستوى قد يتضمَّن تدخُّل الولايات المتحدة.

تتحرَّك إيران بدلًا من ذلك باستخدام حرب بالوكالة عبر أذرعها في الإقليم، وتعمل على توسيع هذه الإستراتيجيات لتشمل الهجمات الاقتصادية، أداة أخرى لتعطيل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ بدأت إيران ومحورها بتوجيه الضربات عبر البحر الأحمر، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالتجارة الدولية والنشاط التجاري في الموانئ الإسرائيلية. (الحرة).

ضربة نصر الله تزعزع محور إيران:

لقد فتح مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الباب واسعًا للتساؤلات عن تداعيات غيابه على منطقة الشرق الأوسط، وهل يمثل رحيله ضربة إستراتيجية كبرى لما يُسمى محور الممانعة التي تقوده إيران وكيف ستتعامل الدول العربية الفاعلة مع هذا الحدث؟

من المعلوم للغاية أو المتابع للسياسة الإيرانية في المنطقة، أن حسن نصر الله قبل موته كان ليس أمينًا عامًّا لحزب الله وحسب، بل هو يُعدُّ الشخصية الثانية في المحور الإيراني بالمنطقة بعد قائد فيلق القدس، حيث ربما كان يعتبر الرجل الأهم في المحور الإيراني بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في 2020، وعلى ما يبدو أن خليفته إسماعيل قاآني لم يستطع ملء فراغه.

كما أن حزب الله اللبناني وهو المصنَّف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة، ربما لا يمتلك قيادة “كاريزمية” تُضاهي حسن نصر الله في الحجم والتأثير، لذلك يعتبر تعويضه “صعب جدًّا”، وربما لو أتى قاآني أو شخص آخر محترف، فإن بناء “علامة تجارية” جديدة مثل حسن نصر الله ربما ستحتاج إلى سنوات حتى يُصنع غيرها بالنسبة لإيران.

اغتيال حسن نصر الله.. كيف أصابت إسرائيل الهدف؟

تظل عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة لقادة حزب الله اللبناني، وقبلهم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، وقيادات إيرانية، تطرح مجموعة من التساؤلات عن مدى الاختراق الذي مارسته إسرائيل ضد ما يُعرف بمحور المقاومة؛ لا سيما أن حزب الله، تحت قيادة حسن نصر الله، كان يدرِّب ميليشيات في العراق وينشر القوات في سوريا ويدعِّم التوسع الإيراني باليمن. (الحرة).

إن وجه الاختلال في الاغتيالات الأخيرة التي قامت بها دولة الاحتلال أن حزب الله لم يتعرَّض لعملية استهداف فردية لأحد قادته، وهو أمر يمكن امتصاصه دون أن يترك تأثيرًا كبيرًا؛ حتى لو كان ضحيته القائد نفسه، وإنما هذه المرة حزب الله يمرُّ بعملية تقويض كاملة، لذا فإن نقل الصلاحيات والمناصب إلى أجيال الصف الثاني في لحظة لم تكن الميليشيا المترابطة بإيران مستعدة لها، ربما يحدث بعض المشاكل أو الخلل.

لقد أصيب النظام الإيراني بصدمة كبيرة بعد مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية قوية في 27 سبتمبر الجاري، حيث التعرض للخسائر الضخمة التي مُني بها الحزب بعد الضربات الأخيرة، فإنه ليس من المتوقع أن يختفي من المشهد ببساطة مهما حدث.

كما لا شك أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة وصلت بالحزب إلى قمة الاستفزاز وفرضت عليه “حتمية” الرد؛ لذا فإن توزيع حزب الله خريطة بالأماكن التي يُمكن للبنانيين النزوح إليها في سوريا تعني أنه يستعد لمعركة طويلة الأجل مع إسرائيل.

هل نعيش الأيام الأخيرة للمشروع الإيراني؟

إن ما يجري على أرض الواقع الآن هو اختبار حقيقي للمشروع الإيراني في المنطقة الذي يُحقِّق تراجعًا كبيرًا بسبب حالة الضعف البنيوية التي تعيشها إيران نفسها وبسبب غياب الشخصيات الفاعلة على الأرض واحدًا بعد آخر مثل سليماني وحسن نصر الله، والتي أثبتت التجربة أن النجاح في التخلص من أمثالهما ينقل السُلطات إلى أجيال لاحقة لا تمتلك نفس الخبرات ولا الكفاءة.

لقد تعرضت إيران وحلفائها للعديد من الضربات الموجعة وعجزها عن تحقيق توازن الردع عبر توجيه ضربات قوية ومركزة ضد إسرائيل مساوية في التأثير لما تلقاه المحور الإيراني، فإن هذا مؤشر قوي على تراجع المشروع والانزواء على نفسه، لكنه لن يختفي أبدًا وإنما سيعمل على حماية ما تبقى من نفوذه حتى ينتهز أي فرصة إقليمية للعودة مجددًا.

كما أن تأخر الدعم الإيراني لحزب الله يؤكد أن طهران لا يهمها كثيرًا الدفاع عنه، بل العكس، فهي صنعته حتى يكون خط دفاع أول لحمايتها ويتلقى الضربات بدلاً منها وعوضًا عنها، وليس العكس؛ لذا توقَّع ألا تسخِّر إيران قواها للدفاع عنه، كذلك ولأنه ليس من مصلحة إيران اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية والتورط في حربٍ مباشرة مع إسرائيل بدلًا من الفلسطينيين والعرب. (الحرة).

هل ثمَّة مشروعات عربية بديلة لمواجهة مشروعي إسرائيل وإيران؟

في مارس 2016، بلغت الخلافات بين عددٍ من الدول العربية وحزب الله ذروتها فأصدرت جامعة الدول العربية قرارها بتصنيف الحزب “منظمة إرهابية” رغم تحفظ لبنان والعراق. وفي العام نفسه، أصدر مجلس التعاون الخليجي “القائمة الإرهابية الموحدة” التي وضعت حزب الله جنبًا إلى جنب مع تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش”. (بي بي سي).

على وقع هذه القرارات انقطعت الاتصالات الرسمية المعلنة بين حزب الله والأنظمة الخليجية، حيث كثير من الدول العربية تعتبر حزب الله “مجرد خادم للأجندة الإيرانية”؛ لذا فإن أي تقويض له ولأيٍّ من أذرع إيران في المنطقة سيكون في صالح الدول العربية بالطبع.

الأمر الذي يُشجِّع على احتمالية وقوع احتمالات كثيرة ليست في مصلحة الدول العربية؛ كظهور ميليشيات أخرى أكثر تطرفًا أو زيادة أكبر في النفوذ الإسرائيلي قد يخلق لنفسه تواجدًا على الأرض عبر خلق ميليشيات تابعة لها مثلما فعلت قديمًا مع جيش لبنان الجنوبي إبان احتلال جنوب لبنان.

لذلك نقول: إن الأنظمة العربية لا تُرحِّب باستمرار الحرب لمدى أطول؛ لأن بيئة الشرق الأوسط غير مستقرة أمنيًّا، وهي منطقة تعيش بالفعل أوضاعًا صعبة لا تحتاج إلى إضافة المزيد من التعقيد إليها بإضافة حروبٍ أكثر تنتج عنها موجات إضافية من اللاجئين وهي مشكلات أرَّقت العالم بأسره طيلة السنوات الفائتة.

كذلك لأن الدول الوحيدة التي تملك مشروعًا سياسيًّا في المنطقة هي إيران وإسرائيل، أما الدول العربية ربما لا تمتلك أي مشروعات بديلة، لأنها مشغولة دائمًا بحالة الدفاع عن بقائها، إما بسبب ظروف اقتصادية صعبة أو بسبب عدم قدرتها على حماية نفسها بسبب الحروب والصراعات الداخلية حال تعرضت لغزو خارجي.

هل تصل العرب إلى اتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال؟

لطالما استمرت إسرائيل في تماديها وإجراءاتها في احتلال أراضي عربية في فلسطين ولبنان والتعديات والجرائم المخالفة للقانون الدولي، بجانب قتل الأبرياء في غزة والجنوب اللبناني، فليس من المتوقع التوصل لاتفاقيات سلام مع إسرائيل في المستقبل القريب، ورغم أن قادة الدول العربية لن يبكوا على حزب الله لأنه يعمل وفق أجندة إيرانية، لكنهم لا يستطيعون تجاهل الآلام التي يشعر بها مواطنوها بسبب الحرب. (بي بي سي).

وبالتالي ومن أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة فعلى الدولة الكبرى القيام بدورها وليس في دعم الاحتلال وترك إيران تتوسع في المنطقة، لذلك يتعين على القوى العظمى أن تحث أو تضغط على إسرائيل وإيران للتوقف عن تصرفاتهما غير المسؤولة في الشرق الأوسط والعمل على تعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة، وهو أمر يرتبط بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ومنح حل الدولتين فرصة حقيقية.

فرص اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط:

إن الأوضاع وتطور الأحداث بشكل متصاعد في الشرق الأوسط بات مقلقًا للغاية وينذر بحرب واسعة، فمع فقدان أكثر من خمسين ألف شخص في غزة وأكثر من ألفي شخص في لبنان في غضون أسبوعين أو ثلاثة، أصبحت الخسائر البشرية فادحة، فقد نزح الملايين، وتحولت مناطق بأكملها إلى أنقاض، والواقع يقول: إن احتمالات الوصول إلى حافة هذه الهاوية بات أمرًا مرعبًا حقًّا. (بي بي سي).

حيث بالرغم من مقتل حسن نصر الله وإسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، والحديث عن تفكيك ما يُسمى محور المقاومة الإيراني، أعتقد أن مثل هذه الاحتفالات سابقة لأوانها، كما لا يمكن أن ننكر أن إسرائيل وجهت ضربات موجعة لحزب الله من خلال الهجمات الموجهة والضربات الجوية التي أدت إلى القضاء على قيادات رئيسية فيه.

ولا ننكر أيضًا أن الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس منذ عام كامل كان لها تأثير مدمر على حياة الملايين في غزة، وبالتالي فإن الوضع في غزة مختلف تمامًا عن لبنان أو حتى في اليمن، لأن في غزة مقاومة تقاوم محتلًّا قاتلاً ومجرمًا.

صحيح أن العدوان الغاشم والحرب أدت إلى تدهور قدرات الحركة إلى حدٍ كبيرٍ، ولكن من غير المرجح أن تكون قد أدت إلى القضاء على حماس نهائيًّا كقوة سياسية وعسكرية كبيرة، لأن مقاومة الاحتلال فكرة والفكرة لن تموت إلا بزوال المحتل المغتصب للأرض.

إسرائيل تكشف عن نيتها الخبيثة في رسم الشرق الأوسط الجديد:

يجب ألا نغفل ما ذكره كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” بالقول: “هذه هي أعظم فرصة منذ خمسين عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط”، مقترحًا أن تستهدف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية “لإصابة هذا النظام الإرهابي بالشلل إلى حدٍ يؤدي إلى القضاء”. وإذا كانت كلماته تشير إلى أي نوايا رسمية، فقد نكون على وشك شيء غير مسبوق ومدمر حقًّا للمنطقة. (بي بي سي).

لذلك فإن دولة الاحتلال منذ بداية الحرب في غزة، رفضت أية حلول دبلوماسية ترمي إلى خفض التصعيد، وأثبتت القوى الكبرى عجزها عن كبح جماح القتال أو حتى التأثير عليه بشكل كبير؛ بل هي من تدعمه بقوة؛ حيث إن هذا الفشل المستمر يوضح حقيقة النظام العالمي المنقسم إلى حد كبير، والذي لا يستطيع أن يتحد لفرض القانون الدولي ووقف الحرب على غزة.

كما أن استمرار الحرب على غزة والضفة بعد مقتل يحيى السنوار التي كانت تدَّعي إسرائيل أن العدوان ينتهي بمقتله يؤكد مدى دموية تل أبيب وخططها المسعورة في تهجير الفلسطينيين ورسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة بدعم أمريكي غربي حثيث. (بي بي سي).

نقول: إن مشروع إسرائيل الكبرى تريد بدعم غربي وأمريكي التوسع من النيل إلى الفرات، وأولى هذه الخطوات أو المخطط الصهيوني غربي هو تهجير أهالي قطاع غزة إلى كل من غور الأردن وسيناء، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية وبناء المستوطنات في غزة، وهو ما يتم مناقشته علنيًّا بين مؤيد بشدة ومعارض في الكنيست الصهيوني وحكومة نتنياهو قاتلة الأبرياء.

ختامًا: توسيع الحرب ومحاولة جرّ مصر للوقوع في فخ الصهيوأمريكية:

نقول: إن المخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط باتت تتعاظم بقوة كبيرة، بما في ذلك توسيع دائرة الصراع في سوريا وإيران والعراق واليمن، وربما الأردن، ولا ننسى محاولة جرّ مصر للوقوع في هذه الفخاخ الصهيوأمريكية بدعم غربي، ومحاولة حصار مصر أمنيًّا واقتصاديًّا من كلِّ جانب، ومنها ما تسبب في تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بسبب الضربات بين أمريكا والحوثي وبرغبة واشنطن نفسها في استمرار هذه المسرحية.

وليس من المستبعد أن تتصاعد هذه المخاوف بشكل كبير بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، رغم عدم وقوع خسائر، وفي حال ردت دولة الاحتلال على ضربات إيران الأخيرة، خصوصًا إذا طالت الضربات الإسرائيلية منشآت نووية في إيران، وبالتالي ستباغت إيران بالرد ثانية، مما سيحتم على واشنطن التدخل لإنقاذ حليفتها؛ الأمر الذي قد يزيد من احتمالات اندلاع حرب شاملة، بالتزامن مع رغبة واشنطن في استمرار الحرب في أوكرانيا والتي تأخذ ربما في شكلها شكل حرب عالمية ثالثة تدور على الأراضي الأوكرانية، مما يزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار الدولي والإقليمي.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير: أن شكل الصراع في المنطقة بدأ في التصاعد وبات يأخذ منعطفًا مختلفًا في الشرق الأوسط بسبب الأطماع الجيوسياسية ومحاولة توسيع النفوذ في المنطقة بين الكيان الصهيوني من جهة وإيران من جهةٍ أخرى، رغم مؤشرات بعدم توسعه بين طهران وتل أبيب.

– إن المنافسة على النفوذ الإقليمي بين إيران وإسرائيل يزيد من التوتر في المنطقة لكنه لا ينذر بحرب شاملة بين دولتين أهدافهما وأطماعهما مشتركة، فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر دعم أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في محاولة لبناء ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”.

من ناحية أخرى: فإسرائيل تحاول إقامة تحالفات في المنطقة لتوسيع نفوذها ومواجهة النفوذ الإيراني المتنامي.

– صحيح لقد تعرضت إيران وحلفائها للعديد من الضربات الموجعة وعجزها عن تحقيق توازن الردع عبر توجيه ضربات قوية ومركزة ضد إسرائيل، وهذا ربما يُعدُّ مؤشرًا قويًّا على تراجع المشروع الشيعي والانزواء على نفسه، لكنه في نفس الوقت لن يختفي أبدًا وإنما سيعمل على حماية ما تبقى من نفوذه حتى ينتهز أي فرصة إقليمية للعودة مرة أخرى.

– استمرار الحرب على غزة والضفة بعد مقتل يحيى السنوار يؤكد أن ما كانت تدَّعيه إسرائيل بوقف العدوان بعد موت السنوار يؤكد أكذوبة الاحتلال، إذ باتت تتكشف خططها المسعورة وهي قتل وتهجير الفلسطينيين ورسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة بدعم أمريكي غربي حثيث.

– العدوان الذي يشنه الكيان المحتل المغتصب للأرض منذ أكثر من عام كان له تأثير مدمر على حياة الملايين في غزة، بحجة القضاء على الجماعات المسلحة أو مما يسميهم أذرع إيران في المنطقة، وبالتالي يجب علينا أن نفرق بين الوضع في غزة من جهة، وما بين الوضع في لبنان واليمن من جهة أخرى، لأن ما يحدث في غزة هي مقاومة مشروعة تواجه وتقاوم محتلًّا قاتلاً ومجرمًا، ومن الصعب القضاء على حماس نهائيًّا؛ كقوة سياسية وعسكرية، لأن المقاومة فكرة لمواجهة محتل سارق للأرض ومنتهك للعرض، والفكرة لن تموت إلا بزوال المحتل المغتصب للأرض.

– نعم. هناك محاولات خبيثة لجرّ مصر والوقوع في خطط وفخاخ الصهيوأمريكية، بجانب محاولة حصار مصر أمنيًّا واقتصاديًّا من كلِّ جانب، وهو ما تسبب في تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بسبب الضربات بين أمريكا والحوثي وبرغبة واشنطن نفسها في استمرار هذا التوتر.

– بالأخير.. إن الهدف الأسمى والأبرز للولايات المتحدة الأمريكية هو روسيا وتصفية القضية الفلسطينية، لأن إيران تعتبر ضمن مشروع أو أذرع واشنطن في المنطقة إن صح التعبير، وكذلك السماح بنشر المذهب الشيعي الصفوي، وإلا لما سمحت لها بهذا التوسع في العديد من الدول العربية والتي ساهمت في ضرب استقرارها ونشر الفتن بين أبنائها.

المصادر:

– مركز رؤيا

– الحرة

– بي بي سي

إسرائيلإيرانالعراقالهلال الشيعيدولة الاحتلالسوريالبنان
Comments (0)
Add Comment