تحليل شامل للتصريحات المثيرة للجدل حول طموحات إثيوبيا التوسعية في القرن الإفريقي

تحليل شامل للتصريحات المثيرة للجدل حول طموحات إثيوبيا التوسعية في القرن الإفريقي

تصاعدت مؤخرًا حالة من التوتر على الساحة الإفريقية بعد تصريحات السفير الإثيوبي السابق بروك هايلو، التي أعرب فيها عن خطط إثيوبيا لتوسيع نفوذها في القرن الإفريقي، تحديدًا في مناطق الصومال، السودان، وإريتريا.

وتعكس هذه التصريحات أبعاد مخطط إثيوبيا التوسعي الذي يهدف إلى خلق منطقة عازلة في الصومال، والاستيلاء على أراضٍ فيها؛ بالإضافة إلى محاولات لإقامة تحالفات مع الانفصاليين الصوماليين كذراع عسكري محتمل في أي سيناريو مستقبلي للصراع.

وتأتي هذه التصريحات في سياق تنافسي معقد تشهده منطقة القرن الإفريقي التي تعاني من صراعات مزمنة وتداخلات عرقية ودينية، مما قد يجعل التدخل الإثيوبي بمثابة شرارة قد تشعل صراعات جديدة على مستوى المنطقة بأكملها.

أولًا: طموحات إثيوبيا في الصومال:

شهدت الصومال عدم استقرار طويل الأمد منذ اندلاع الحرب الأهلية في أوائل التسعينيات. فالصراعات الداخلية بين الفصائل المسلحة، وتهديدات الجماعات المتطرفة كـ”حركة الشباب” جعلت من البلاد ساحة للتدخلات الخارجية، وأبرزها: التدخل الإثيوبي.

ويهدف مخطط إثيوبيا إلى إقامة منطقة عازلة في الصومال، وهي خطوة تهدف ظاهريًا لحماية الحدود الإثيوبية من التهديدات الإرهابية والانفلات الأمني، بينما في الحقيقة تحمل هذه الخطة أبعادًا أوسع تشمل التوسع الجغرافي والسيطرة على بعض المناطق الإستراتيجية.

أبعاد التدخل الإثيوبي في الصومال:

التدخل العسكري والتأثير على السيادة الوطنية: يمثل التدخل الإثيوبي انتهاكًا واضحًا للسيادة الصومالية، ما يعرض العلاقات بين البلدين لمزيد من التوتر. يمكن أن يؤدي هذا التدخل إلى مواجهات مسلحة بين القوات الصومالية والإثيوبية، ويفتح المجال أمام نشوب صراعات جديدة بين الحكومة المركزية الصومالية والفصائل المحلية.

استغلال التوترات الداخلية في الصومال: تهدف إثيوبيا إلى تعزيز نفوذها عبر تحالفها مع الانفصاليين الصوماليين، وتقديمهم كذراع عسكري يخدم أهدافها. هذا التدخل يزيد من خطر تصاعد الانقسامات القبلية والمناطقية في الصومال، ويعزز دور إثيوبيا كقوة مهيمنة في الشؤون الصومالية الداخلية.

التداعيات السياسية والأمنية: من المتوقع أن تستفيد التنظيمات المتطرفة، مثل: “حركة الشباب”، من هذا التدخل الإثيوبي، حيث يمكن لهذه التنظيمات أن تعزز من خطابها باعتبارها مدافعًا عن السيادة الصومالية. كذلك، يعمق التدخل الإثيوبي من حالة الهشاشة السياسية للصومال، ويجعل الحكومة المركزية عرضة لضغوط متزايدة(1).

ثانيًا: طموحات إثيوبيا في السودان:

يُعتبر السودان أحد الدول التي تواجه تحديات داخلية تتفاقم مع التوترات الحدودية المتجددة مع إثيوبيا؛ خاصة في منطقة “الفشقة” التي تعد من أكثر المناطق الزراعية خصوبةً.

تاريخيًّا، كانت هناك نزاعات متكررة حول هذه الأراضي، وتسعى إثيوبيا لتأمين هذه المناطق لضمان توفير الأراضي الزراعية اللازمة لدعم اقتصادها، الذي يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة.

الانعكاسات الاقتصادية والسياسية للتوسع الإثيوبي:

استحواذ الأراضي الزراعية الخصبة: السيطرة على الأراضي السودانية تعطي إثيوبيا ميزة اقتصادية كبيرة، خاصة في قطاع الزراعة.

تسعى إثيوبيا إلى التعاون مع دول إقليمية لاستثمار هذه الأراضي، وهو ما يمكن أن يُحدث تحولًا في التوازن الاقتصادي الإقليمي، مما يزيد من حدة التوتر بين البلدين.

التداعيات على العلاقات الثنائية: سيضع التوسع الإثيوبي السودان في موقف معقد؛ إذ إن البلاد تعاني من اضطرابات داخلية لا تمكنها من التصدي بفاعلية للطموحات الإثيوبية.

فقد يؤدي ذلك إلى تقديم تنازلات أو قبول بواقع جديد يُفرض عليها، مما يعزز من الوجود الإثيوبي ويضعف الدور السوداني في المنطقة.

احتمالية تعزيز التحالفات الإقليمية: مع تزايد الضغوط الإثيوبية، قد يسعى السودان إلى تعزيز تحالفاته الإقليمية لمواجهة هذا التوسع.

ومن الممكن أن تقود هذه التطورات إلى تصعيد أوسع في التوترات الإقليمية، حيث تبدأ دول أخرى في دعم السودان أو اتخاذ موقف مناهض لإثيوبيا(2).

ثالثًا: طموحات إثيوبيا في إريتريا:

بالرغم من توقيع اتفاقية سلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018؛ إلا أن العلاقات بين البلدين ما زالت متوترة.

وتعتبر إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر أحد الأهداف الإستراتيجية لها؛ ولذلك فإن أي محاولة إثيوبية للسيطرة على مناطق إريترية يمكن أن يعيد إشعال الصراع التاريخي بين الدولتين.

التبعات المحتملة لمحاولات السيطرة على إريتريا:

إثارة الصراع بين البلدين: سعي إثيوبيا للسيطرة على أراضٍ إريترية أو إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من البحر الأحمر سيزيد من حدة التوترات، وقد يؤدي إلى اندلاع نزاعات عسكرية بين البلدين، خصوصًا مع الخلفية التاريخية الدامية لهذا الصراع.

الاستفادة من العزلة الإريترية: تعاني إريتريا من عزلة دولية واقتصادية، وتحكمها نظام سياسي قمعي. يمثل التهديد الإثيوبي فرصة للنظام الإريتري لتعزيز قبضته على السلطة من خلال استخدام “الخطر الخارجي” كوسيلة لتبرير القمع الداخلي وإبقاء الشعب تحت السيطرة(3).

رابعًا: التداعيات الإقليمية والدولية للمخطط الإثيوبي:

من المتوقع أن تؤدي التحركات الإثيوبية في القرن الإفريقي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، فالدول المستهدفة تعاني بالفعل من تحديات داخلية كبرى، مثل النزاعات القبلية والعرقية، والتهديدات الأمنية من قِبَل الجماعات المتطرفة، وهو ما سيجعل التدخل الإثيوبي بمثابة صب الزيت على النار، مسببًا تصعيدًا كبيرًا في التوترات الحدودية والنزاعات المسلحة(4).

التداعيات على دول الجوار مثل جيبوتي:

سياسة الانحياز القسري: قد تجد جيبوتي -على سبيل المثال- نفسها مجبرة على الانحياز لأحد الأطراف المتصارعة، ما قد يؤثر سلبًا على علاقاتها الإقليمية والدولية، ويهدد مكانتها كدولة محايدة ومستقرة في إقليم يعاني من اضطرابات.

التأثيرات الاقتصادية: تعتمد جيبوتي بشكل كبير على تدفقات التجارة الدولية عبر موانئها.

ومن شأن أي صراع مسلح أن يؤدي إلى تعطيل حركة التجارة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وزيادة تكلفة تأمين الحدود والبنية التحتية، وهو ما قد يضيف ضغوطًا اقتصادية واجتماعية كبيرة على البلاد(5).

تأثير المخطط الإثيوبي على النزاعات المائية:

تعقيد النزاعات المائية في المنطقة يعد أحد أبرز التداعيات المحتملة للمخطط الإثيوبي.

وحيث قد تؤدي التحركات الإثيوبية إلى تصعيد النزاع حول سد النهضة بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، مما يزيد من التوترات ويقلل من فرص الوصول إلى حلول دبلوماسية.

احتمالات التدخل الدولي:

في ظل الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، يُتوقع أن تتدخل قوى دولية كبرى، مثل: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والصين، لحماية مصالحها.

وقد تتصاعد المنافسة بين هذه القوى، ما قد يؤدي إلى تحول القرن الإفريقي إلى ساحة للصراعات الدولية، بينما قد تسعى هذه القوى لتقديم حلول دبلوماسية تمنع تصاعد الصراع وتبقي على الاستقرار في المنطقة(6).

خامسًا: الانعكاسات الاجتماعية والبيئية للمخطط الإثيوبي:

تُشير التوقعات إلى أن النزاعات الحدودية، خاصة في مناطق زراعية كـ”الفشقة” في السودان أو بعض المناطق الصومالية، قد تؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، مما يزيد من أزمة اللاجئين في القرن الإفريقي.

التأثير على البيئة والمجتمعات المحلية: السيطرة على الأراضي الزراعية واستغلالها بشكل غير مستدام قد يزيد من التحديات البيئية التي تواجهها المنطقة، مما يؤدي إلى تدهور البيئة وزيادة التصحر والمجاعات.

تعزيز الانقسامات العرقية والدينية: تعكس التوسعات الإثيوبية في دول الجوار انقسامات متزايدة، إذ قد تعمق هذه التدخلات الانقسامات العرقية والدينية، وتزيد من احتمالية اندلاع حروب أهلية قد تعيد توزيع القوى داخل الدول المتأثرة(7).

الخلاصة:

يمثل المخطط الإثيوبي للاستيلاء على أراضي دول الجوار في القرن الإفريقي، تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة. فالتوسعات الإثيوبية المحتملة، قد تزيد من تفاقم النزاعات الحدودية، وتصعيد التوترات السياسية والعسكرية بين إثيوبيا وجيرانها، مثل: الصومال والسودان وإريتريا. هذه التوترات يمكن أن تشعل صراعات جديدة أو تعيد إحياء نزاعات قديمة، ما يهدد بانفجار صراعات إقليمية واسعة النطاق.

تأثيرات هذه التحركات لن تكون مقتصرة على الجوانب العسكرية والسياسية فقط، بل ستمتد إلى البنية الاجتماعية والاقتصادية لدول القرن الإفريقي. فالسيطرة على الأراضي الزراعية والمناطق الحدودية، من المحتمل أن يؤدي إلى نزوح واسع للسكان المحليين، مما يزيد من أزمة اللاجئين ويعمق من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي. كما أن التدخلات الإثيوبية قد تؤدي إلى تعزيز نفوذ الجماعات المسلحة والمتطرفة التي قد تستغل هذا الوضع لتعزيز مواقعها.

على الصعيد الإقليمي، ستؤثر هذه النزاعات على التوازنات والتحالفات السياسية بين دول المنطقة، مما يزيد من فرص التدخلات الخارجية من قوى عالمية تسعى لحماية مصالحها الاستراتيجية. وعليه، سيكون لاستمرار هذا التصعيد تأثيرات كارثية على استقرار القرن الإفريقي، ما يتطلب تحركًا عاجلًا نحو الحلول الدبلوماسية.

المصادر:

1_ أفكار

2_ مركز رع للدراسات

3_ أسباب

4_ ديفينس عربي

5_ مركز السلام للدراسات

6_ العربية

7_ مركز السياسة الدولية

إثيوبياإريترياالسودانالصومالالقرن الإفريقيمصر