تحليل الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي لسفارة طهران في سوريا.. ومدى فرضية المسرحية الهزلية!

تحليل الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي لسفارة طهران في سوريا.. ومدى فرضية المسرحية الهزلية!

في سابقة هي الأولى من نوعها بالنسبة لإيران، وبعد شنها هجومًا تم الإعلان عنه مسبقًا، لا تزال إيران تنكر واقع الضربة المفبركة، وتزيف الحقائق وتتفاخر بقصف إسرائيل؛ إلا أن الحقيقة لا يمكن تغييرها أو العدول عنها، وذلك لأن العالم كان يتابع ويرقب هذا الرد الإيراني، إلا أن تفاخر إيران بما ليس فيها أمر لا يحتمل بالنسبة للشارع العربي؛ خاصة مع وصول الأمر إلى الحديث عن رمزية هذا الهجوم في إظهار قوة إيران واعتباره نصرًا لطهران على الرغم من عدم إصابة أي أهداف تذكر تقريبًا، بعد أن تم إسقاط كل الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران.

فبعد أن نفذت إيران هجومًا عسكريًّا ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ردًّا على الهجوم الإسرائيلي الذي دمر القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مطلع إبريل 2024، مما أدى إلى مقتل من فيها خصوصًا المسئول المهم في الحرس الثوري عن سوريا ولبنان الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي، وهو ما شكل ضربة موجعة لطهران، بل إن أول قصف يطال قنصلياتها أو سفاراتها شكل صفعة معنوية أيضًا لها، وهو ما اعتبر بحسب الأعراف الدولية موازيًا لاستهداف العمق الإيراني، والذي خلف عدد 11 قتيلًا كان من بينهم قياديون ومستشارون مهمون في الحرس الثوري الإيراني.

ولا يشكل استهداف الكيان الصهيوني لأهداف إيرانية عنصر مفاجئة أو أنه أول مرة تذكر، فموت قاسم سليماني الجنرال الأشهر بالحرس الثوري الإيراني لم يكن ببعيد، فعلى الرغم من أن إسرائيل استهدفت عناصر من الحرس الثوري في سوريا خلال السنوات المنصرمة إلا أن تلك الاستهدافات كانت استثناءً، أما استهداف القنصلية وهي منشأة دبلوماسية يشبه استهداف إيران على أراضيها.

وبالنسبة للأعراف الدولية والقانون العالمي، فإن إسرائيل فقدت حصانتها، التي كانت تمنع استهداف أراضيها بصورة مباشرة، وبدأ مأزق إيران مُحكمًا، فإذا تهاونت في الانتقام من الاستهداف الإسرائيلي لقنصليتها بدمشق ومقتل بعض كبار قادتها العسكريين فسوف تفقد هيبتها الإقليمية، وربما تماسكها الداخلي، وبالتالي كان من الضروري وجود رد إيراني.

“الوعد الصادق”:

شنت إيران أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل يوم 13 إبريل / نيسان 2024، وأطلقت عليه تسمية: “الوعد الصادق”، وأعلنت على تلفزيونها الرسمي إطلاق مسيرات وصواريخ باليستية من أراضيها باتجاه إسرائيل،  وقالت إنه رد على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتل عدد من القادة العسكريين في الأول من إبريل / نيسان 2024.

وأعلنت إسرائيل أنها صدت 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، في حين أكد التلفزيون الإيراني إصابة نصف هذه الصواريخ والمسيرات الأهداف التي أطلقت لأجلها.

كما أعلنت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة انتهاء الهجوم بعد ساعات من إطلاق المسيرات والصواريخ الباليستية، وتوعدت إيران برد أكبر في المرات القادمة إذا استهدفت إسرائيل مصالح أو مواقع إيرانية(1).

حجم الهجوم الإيراني بالأرقام:

نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إيران أطلقت خلال هجومها:

– 185 طائرة بدون طيار “مسيرة”.

– 36 صاروخ كروز.

– 110 صواريخ أرض – أرض.

– استمر الهجوم الإيراني 5 ساعات.

وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية هذه الأرقام، وقالت: “إيران أطلقت 185 طائرة مسيرة و110 صواريخ أرض – أرض، و36 صاروخ كروز في هجومها على إسرائيل”(2).

الخسائر والمكاسب:

يفسر البعض أن ما حدث “بالمسرحية” يحول دون فهم ما جرى ولا يسمح بفهم التحولات الإقليمية بعد الضربة الإيرانية، كما أن إسرائيل وبعد ما كانت في طريقها للرد خلال ساعات من الهجوم “يبدو أنها امتنعت عن ذلك بقرار من نتانياهو وفي أعقاب حديثه مع الرئيس الأميركي بايدن”.

ويرى المحللون: أن ما سبق “سيعود بالكثير من المكاسب على إسرائيل”، وأن “الدفع سيكون في قطاع غزة”، على حد تعبيرهم.

وبلغة المكاسب والخسائر يشير الخبراء إلى أن إيران أثبتت أنها “قادرة ولا تخشى من الهجوم المباشر على إسرائيل”، كما أن إسرائيل حظيت ومن خلال ما أقدمت عليه طهران “بوقوف الدول الغربية إلى جانبها وبقوة، إضافة إلى دول عربية”(3).

أسطورة السلاح الإيراني والترسانة الصاروخية:

كشف الهجوم حقيقة قوة إيران وقوة إسرائيل، وهو ما أطاح بأسطورة القدرة العسكرية التدميرية للسلاح الإيراني، هذه الأسطورة التي قيل على لسان قادة الجيش الإيراني وقادة الحرس الثوري أنها “قادرة على تدمير إسرائيل من البحر إلى النهر في سبع دقائق دون قدرة الدولة العبرية على الرد”.

ورغم أن نصف صواريخ إيران أو مسيَّراتها ضربت في الطريق من بطاريات التحالف الغربي في المنطقة، أما النصف الآخر فقد تكفلت به بطاريات القبة الحديدية؛ إلا أنه وللأسف عاش الرأي العام المناصر لإيران على الوهم، حتى إن سكان الضاحية الجنوبية في بيروت قاموا بتوزيع الحلوى والعصائر فرحة وابتهاجًا ببدء حرب التحرير الإيرانية(4).

الهجوم بعين الولايات المتحدة الأمريكية:

عدَّ البيت الأبيض أن الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل كان «فشلًا ذريعًا ومُحرجًا»، وذلك بعد أن تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة واشنطن وحلفاء آخرين من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيرات.

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لصحافيين: «اطلعنا على تقارير تفيد بأن الإيرانيين تعمَّدوا الفشل، وأن هذا الفشل الذريع والمحرج كان مخططاً له كل هذا غير صحيح بشكل قاطع».

وأضاف «رأيت أيضًا ايران تقول: إنها وجهت تحذيرًا لمساعدة إسرائيل في إعداد دفاعاتها والحد من أي خسائر محتملة»، وأكد أن «كل هذا غير صحيح بشكل قاطع»، متابعًا: «لنكن إذا واضحين: بالنظر الى حجم هذا الهجوم، كانت ايران تعتزم في شكل واضح التسبب بتدمير كبير و(سقوط) ضحايا»(5).

حقيقة التوازن العسكري بين طهران وتل أبيب:

بحسب موقع غلوبال فاير باور، المختص بالشؤون العسكرية، فإن ميزانية الإنفاق العسكري في إيران تصل إلى نحو 10 مليارات دولار، أي: أقل من نظيرتها في إسرائيل بأكثر من 14 مليار دولار، حيث أنفقت الأخيرة 24.4 مليار دولار.

وتحل إيران في المرتبة ١٤ عالميًّا، فيما إسرائيل في المركز ١٧، وفق تصنيف الموقع، وتمتلك الأولى 610 آلاف جندي في الخدمة مقابل 170 ألف جندي لدى إسرائيل، وأشار الموقع إلى أن إسرائيل تمتلك 241 مقاتلة، في حين إيران لديها 186 مقاتلة أقل تطورًا.

وتمتلك إيران 1996 دبابة و65765 عربة مدرعة، بينما لدى إسرائيل 1370 دبابة و43407 مدرعة، وبالنسبة للغواصات فإيران لديها 19 وتمتلك إسرائيل 5 فقط.

وأوضحت وكالة بلومبيرغ: أنه على الرغم من التطور والتفوق الإسرائيلي، فإن الجيش الإيراني يمتلك مخزونًا كبيرًا من الصواريخ الباليستية ومن طراز كروز والمُسيّرات، والتي استخدمها في هجومه الأخير.

وأدركت إيران أنه لاختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، سيكون عليها تجاوز مقاتلات سلاح الجو وأنظمة الدفاع الجوي، مثل: القبة الحديدة، ومقلاع داود، ومنظومة “السهم”.

وتمتلك إيران منظومة دفاع جوي روسية من طراز “إس – 300″، لكن لم يتم اختبارها أمام إسرائيل؛ إلا أنها أسقطت عن طريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية عام 2020، وسط توترات مع الولايات المتحدة في أعقاب مقتل قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، في العراق إبان حكم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

و”الصواريخ الباليستية” الإيرانية قصيرة ومتوسطة المدى تشمل: “شهاب-1″ الذي يقدر مداه بنحو 300 كيلومتر، و”ذو الفقار” (700 كيلومتر)، و”شهاب-3″ (800-1000 كيلومتر)، و”عماد-1″ الجاري تطويره (يصل مداه إلى ألفي كيلومتر) و”سجيّل” الجاري تطويره أيضا (1500-2500 كيلومتر)، حسب رابطة الحد من الأسلحة.

ولدى إيران كذلك صواريخ كروز مثل: “كيه.إتش-55” التي تطلق من الجو، والقادرة على حمل رؤوس نووية ويبلغ مداها 3 آلاف كيلومتر، وصواريخ حديثة مضادة للسفن مداها 300 كيلومتر، قادرة على حمل رأس حربية تزن ألف كيلوغرام(6).

الجانب التكنولوجي بين البلدين:

تتفوق إسرائيل على إيران من الناحية التكنولوجية، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى “الدعم المالي والعسكري الكبير من الولايات المتحدة” التي سعت منذ فترة طويلة إلى ضمان تفوق إسرائيل في المنطقة كجزء من التزامها بأمن حليفتها، وفق بلومبيرغ.

وعلى سبيل المثال: تُعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك مقاتلات من طراز “إف-35” الأميركية، وهناك اعتقاد على نطاق واسع بامتلاك إسرائيل لسلاح نووي، رغم عدم اعترافها بذلك على الإطلاق.

وأشارت بلومبيرغ إلى أن معظم المقاتلات الإيرانية “من طراز قديم يعود إلى فترة ما قبل ثورة عام 1979 في البلاد”. وتم الاتفاق مؤخرًا على شراء مقاتلات روسية، لكن لا يتضح موعد تسلمها حتى الآن(7).

نتائج الضربة الإيرانية:

1_ العملية الإيرانية لم تسفر عن أي خسائر إسرائيلية في الأرواح؛ الأمر الذي جعل قادة إسرائيل يقولون: إنهم نجحوا نجاحًا باهرًا في التصدي للصواريخ الإيرانية بنسبة ٩٩٪ مما يكشف ضعف القوة العسكرية الإيرانية.

2_ أدت الضربة إلى تلاحم الداخل الإسرائيلي لمصلحة نتنياهو، واستعادة تعاطف الدول الكبرى خصوصًا أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل إنها قد تعطى فرصة لتحالف دولي مع إسرائيل لمزيد من العقوبات ضد إيران، بل استهداف برنامجها النووي.

3_ تحظى إسرائيل بوجود قواعد عسكرية داعمة لها في المنطقة، وتحظى أيضًا بالخدمات البحرية لأساطيل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا في البحرين: الأحمر والمتوسط، وبالمقابل تحظى إيران بخدمات ودعم من وكلائها في اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق.

4_ هناك شبكة قوية للغاية في التجسس والاختراق لدى إسرائيل المعروفة بتفوقها التكنولوجي في هذا المجال توفر المعلومات اللحظية، وقادرة على الاختراق والتنصت، والرقابة، والرصد، والمتابعة، ولدى إسرائيل بروتوكولات تعاون مع كبريات أجهزة التجسس للاستخبارات العالمية التي تستخدم شبكة رصد من الأقمار الصناعية فائقة الدقة(8).

غزة هي الخاسر:

وفق تحليل نشره المجلس الأطلسي للسفيرة الأمريكية جينا أبركرومبي، التي سبق أن عملت كمساعد خاص لوزير الخارجية للشرق الأوسط، فإن الضربة الإيرانية أفادت نتنياهو بقدر ما أضرت غزة، إذ تراجع القطاع الفلسطيني عن الحوار الإعلامي والدبلوماسي مؤخرًا، بما يمكن أن يكون تخفيفًا للضغوط الدولية التي كانت تدفع نحو وقف القتال، حيث بات ملف إنهاء الحرب وتخفيف معاناة الفلسطينيين متراجعًا في الأولويات.

وأوضحت “أبركرومبي” أن الهجوم الإيراني أعاد خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن “الدعم القوي” لإسرائيل تحت قيادته، كما ربما يساهم في أعاد توحيد الإسرائيليين مرة أخرى في مواجهة الخطر الراهن(9).

الخلاصة:

بعد اعتماد الغموض الإستراتيجي في طبيعة وتوقيت ومكان الرد، وافقت طهران على فتح القنوات الخلفية مع واشنطن في الفترة الفاصلة، مما يعني أخذ الموقف الأميركي في حساباتها قبل تحديد طبيعة الرد، وليس هناك رغبة في تصعيد المواجهة بين واشنطن وطهران، ويبدو أنه تم الاتفاق غير المباشر بأن هذا الرد الايراني مقبولًا ويسمح لأميركا إقناع إسرائيل بقبوله وطوي الصفحة.

طهران رفعت سقف تحذير إسرائيل إلى مستوى لا يمكن التراجع عنه، من دون ان تتأثر صدقيتها في الردع، لكن الخلاصة الايرانية تكون دائمًا نفسها، والمخاطرة بحرب مفتوحة تُضعف مكاسب إيران الإقليمية، والهجوم على إسرائيل لا يستحق المخاطرة بما تبقّى من العلاقة مع الأميركيين في ظل انسداد أفق المباحثات النووية.

 إيران تستمر في تنفيس غضبها في المشرق العربي ولم ترسم بشكل حاسم خطوط تماس ردع اسرائيل التي قد تستمر في التمادي باستهداف إيران ووكلائها.

1_ الجزيرة

2_ سكاي نيوز

3_ الحرة

4_ رع للدراسات والأبحاث

5_ الشرق الأوسط

6_ الحرة

7_ مصر اليوم

8_ D.W

9_ سكاي نيوز

إسرائيلإيرانسفارة طهرانسوريا