بعد عام من الإبادة والمأساة.. ماذا يعني التقليص المتكرر للمساحة الآمنة في غزة؟

بعد عام من الإبادة والمأساة.. ماذا يعني التقليص المتكرر للمساحة الآمنة في غزة؟

عبر عام على طوفان الأقصى وما تبعه من قصف بأثقل وأقذر أنواع الصواريخ والقذائف أمريكية الصنع، وهدم غالبية قطاع غزة، وقتل الأبرياء المدنيين من الأطفال والنساء، وآلاف المفقودين تحت الركام، ومجازر إسرائيلية مستمرة، واستباحة أجساد الشهداء والأسرى بين سرقة أعضائهم وتعذيبهم، وويلات من الأنين والمأساة اليومية منذ الـ7 من أكتوبر 2023؛ أعلنت حكومة الاحتلال تقليص المساحة الآمنة في قطاع غزة أكثر من مرة، وبالرغم من عدم مراعاة الاحتلال لهذه المساحة الآمنة التي يقصفها ويقتل من فيها بالصواريخ في كل مرة، إلَّا أن الإعلان المتكرر لتقليص المساحة الآمنة في قطاع غزة، هي جريمة بشعة وعدوان قاتل، وفي حالة افتراض أو زعم أن الكيان المحتل سوف يحترم المساحة الآمنة، فإن التقليص المتواصل لهذه المساحة الآمنة يعني قتل الفلسطينيين في القطاع، ولكن ببطء وبطرق أخرى بجانب الرصاص والقذائف، وأبرزها: المرض والجوع، ولذا في ذلك التقرير، سنتطرق إلى توضيح أضرار تقليص المساحة الآمنة بالقطاع، مع الإشارة إلى صورة لمأساة القطاع بعد عام من الإبادة.

عام على حرب الإبادة:

حرب إبادة لأكثر من عام، وقصف جوي مستمر ليل ونهار على المدنيين، أسفر عن قتل أكثر من 42 ألف فلسطيني داخل قطاع غزة حتى كتابة هذا التقرير، وإصابة أكثر من 97 ألف، بجانب أكثر من 10 آلاف فقيد تحت الركام؛ أظهرت عوار وزيف حقوق الإنسان والقانون الدولي ومجلس الأمن، وأكدت أن الحق يُنتزع بقوة ولا يُستجدى تحديدًا إذا كانت المواجهة أمام صهاينة عنصريين، وبالإضافة إلى آلاف المجازر التي ارتكبتها آلة الحرب الصهيونية، تمنع حكومة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وهو ما ضاعف أعداد الشهداء والجوعى والمرضى، ومعاناة  أكثر من 22 ألف جريح من إصابات غيرت حياتهم، منها ما يتراوح بين 13 و17 ألف حالة بتر، وتحوَّلت أكثر من 200 مدرسة تابعة لوكالة الأونروا، إلى ملاجئ لمئات آلاف النازحين، وخرج 625 ألف طفل من المدرسة، ولم تعد هناك مستشفيات أو مراكز للرعاية الصحية، سوى القليل من غرف الطوارئ في عدد محدود داخل المستشفيات التي تعمل جزئيًّا، ولا تملك كهرباء أو أدوية أو إمدادات كافية لإسعاف الجرحى.

كما دمَّر قصف الاحتلال الإسرائيلي كافة الجامعات والمنشآت الصناعية والتجارية، ومحطة توليد الكهرباء الوحيدة ومضخات المياه والصرف الصحي، وهدم بشكل كلي أكثر من 450 ألف منزل ومنشأة من بينها مستشفيات ومدارس ومساجد القطاع، ودمَّر فعليًّا أكثر من 80% من البنية التحتية في القطاع، وحوَّل مناطق واسعة إلى أكوام من الركام،  وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، فإن الخسائر المالية الأولية المباشرة لاقتصاد القطاع تبلغ 33 مليار دولار.

خسائر القطاع بسبب القصف الصهيوني:

قصف الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة بأكثر من 83 ألف طن متفجرات.

– دمر القصف القطاع الاقتصادي بعد هدم المنشآت والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك.

– تدمير 96% من الأراضي الزراعية في القطاع، بجانب أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين.

– حوَّل القصف الصهيوني مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام، بما في ذلك المباني والأبراج السكنية والمؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والمعامل والمتاجر.

– دمَّر القصف أكثر من 75% من المباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد.

– دمَّر قصف ميليشيات الاحتلال أكثر من 150 ألف بناية سكنية بشكل كلي و200 ألف وحدة جزئيًا، وحوَّل 80 ألف وحدة إلى مكان غير صالحة للسكن، وكل هذا من أصل 400 ألف وحدة سكنية في القطاع.

– دمر جيش دمر الاحتلال 611 مسجدًا بشكل كلي، و214 بشكل جزئي، و206 موقعًا تراثيًّا، وهدم 125 مدرسة وجامعة بشكل كامل، و337 بشكل جزئي، ودمر 201 مقرًّا حكوميًّا.

– تدمير 3130 كم من شبكات الكهرباء في القطاع.

– تدمير 330 ألف كم من شبكات المياه.

– تدمير 650 ألف كم من شبكات الصرف الصحي.

– تدمير 2 مليون و850 ألف كم من شبكات الطرق.

– هدم 700 بئر مياه.

تقليص المنطقة الآمنة:

وبعد عام على العدوان الأعمى والمجازر ضد المدنيين، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه وشرع مرارًا في النقل المتعمد لسكان قطاع غزة، وإجبارهم على النزوح المتكرر من مخيم إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، بحجة تغيير المناطق الآمنة، وأنه سيقصف المناطق التي انتقل إليها النازحين حديثًا، ما يضطر أهالي القطاع إلى النزوح مرة أخرى إلى المنطقة الجديدة التي أعلنها الاحتلال -الكاذب- أنها مساحة آمنة، وخوفًا على حياتهم وحماية لأرواح أبنائهم ينزح الفلسطينيون من خيامهم دون أي وسائل للمعيشة أو التنقل، ودون أي ضمانات بعدم استهداف النازحين أثناء أو بعد انتقالهم إلى المساحة التي يزعم الاحتلال كذبًا أنها آمنة، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع أعلن الكيان الصهيوني تقليص المساحة الآمنة التي سينتقل إليها النازحين كثيرًا حتى وصلت تدريجيًّا إلى 35 كم2، وهو ما يعني أن أكثر 2.3 مليون فلسطيني عليهم أن ينتقلوا ليعيشوا داخل 35 كيلو متر مربع، والتي بالطبع ستنخفض كثيرًا بعد خصم مساحة المباني والطرقات في هذه المساحة، بعد ما كانوا يعيشون في قطاع مساحته 365 كم2؛ أي: أن المنقطة الآمنة باتت أقل من عُشر مساحة قطاع غزة، وهو ما يثير الخوف الهلع، بين أكثر من 2 مليون فلسطيني في القطاع يعيشون الجوع والعطش، وألم فقدان الأب والأم والأبناء والأسرة والعائلة، وتدمير السكن والتهجير، وسط حرب إبادة على شعب أعزل محاصر منذ ١٧ عامًا.

ما المساحة الآمنة حاليًا؟

كانت المساحة الآمنة في المرة الأولى لإعلان الاحتلال بعد انتهاء الهدنة مطلع ديسمبر الماضي 2023،  تقع على مساحة 63% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وكانت تمتد من حدود مخيم النصيرات شمال غرب غزة وشارع صلاح الدين حتى معبر رفح البري، وبالتالي فإن المساحة الآمنة كانت تضم مدينة رفح بالكامل ووسط قطاع غزة بمخيماته الأربعة البريج ودير البلح والنصيرات والمغازي، ومنذ ذلك الحين بدأت تقليص المساحة الآمنة لتصل الآن إلى 9.5%، وتشمل المساحة الآمنة حاليًا غرب دير البلح، بداية من غرب شارع صلاح الدين وأحياء وسط المدينة وحتى شاطئ البحر، وصولًا إلى مناطق من مخيم النصيرات 2، ووسط الشارع العام منه، وصولًا إلى غرب مدينة خان يونس ومنطقة المواصي، وحدود وسط مدينة خان يونس حتى حدود المواصي مع رفح، وهو ما يعني كارثة إنسانية وزحام شديد يشبه التسونامي البشري

أضرار تقليص المساحة الآمنة:

– يحاول الاحتلال تضييق الخناق أكثر على النازحين في المساحة التي يدعي أنها آمنة، ويقوم بانتهاكات مقصودة ضدهم.

– الاحتلال يدمر بشكلٍ متعمد كل سبل العيش في المساحة الآمنة في إطار سياسة التجويع.

– المنطقة الإنسانية الآمنة حاليًا غير صالحة للمعيشة وأغلبها سواتر ترابية.

– أونروا تؤكد أن تقليص المساحة الآمنة يؤدي إلى كارثة إنسانية، وزيادة العجز المستمر في تنقُّل طواقم عمل الأونروا والمدنيين وتحديد نقاط توزيع المساعدات، واستمرار الخدمات الطبية.

– منطقة مواصي خان يونس وهي في وسط المساحة الآمنة، تم قصفها أكثر من مرة في أكثر من مجزرة.

– بحسب شهادات النازحين فإن التهجير الداخلي المتكرر، والتقليص الدائم للمساحة الآمنة هدفه تعذيب أهالي القطاع وتجويعهم ووضعهم في حالة اليأس والكره الشديد لحماس.

– شهادات نازحين من جباليا ومدن شمال غزة عادوا واستقروا في الشمال يؤكدون أن المساحة الآمنة تعد سجنًا إسرائيليًّا للتعذيب والقتل.

– تقليص المنطقة الآمنة يعني ازدحام غير مسبوق، وهو بيئة خصبة تمامًا لانتشار الأمراض المعدية كالتهاب الكبد الوبائي، والتهاب السحايا، وفيروس شلل الأطفال، فضلًا عن الأمراض الرئوية والمعوية.

– أهل غزَّة يؤكدون أن أوامر الإخلاء مخطط أكبر، هدفه إجبار سكان غزة على النزوح في أضيق منطقة ممكنة باتجاه البحر.

– بحسب إعلانات الاحتلال السابقة عن المساحة الآمنة والتقليص المتكرر، فإن أوامر الإخلاء الإسرائيلية دون أي أماكن آمنة.

أطنان الركام:

بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن حجم الركام الذي خلفه القصف الصهيوني والتدمير المتعمد للقطاع نتج عنه، أكثر من 42 مليون طن من الركام، سواء مباني مدمرة كليًّا أو جزئيًّا، وأن حجم الدمار يعادل 14 ضعف كمية الركام في غزة منذ عدوان 2008 على القطاع مرورًا بعدة حروب حتى قبل بداية 7 أكتوبر 2023، وأكثر من خمسة أضعاف الركام الذي خلَّفته معركة الموصل في العراق بين عامي: 2016 و2017، لافتة إلى أن حجم الدمار يملأ الهرم الأكبر في الجيزة بمصر، 11 مرة.

إبادة عائلات بأكملها:

أباد القصف الصهيوني المتعمد عائلات فلسطينية بأكملها، وقتلت جميع أفراد العائلة دون أن يتبقى أحد منهم على قيد الحياة، كما قتل الاحتلال جميع أفراد الأسرة سوى فرد أو أكثر ممن نجوا من مجازر الاحتلال، وإبادة عائلات فلسطينية بأكملها من أهم مظاهر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وبحسب بيانات وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية بقطاع غزة، بلغ عدد العائلات التي مُحيت بالكامل901، وبلغ عدد العائلات التي تبقّى منها فرد واحد 2270، كما بلغ عدد العائلات التي تبقى منها فردان 3473 عائلة، ووصل عدد العائلات التي محيت بالكامل وكان عدد أفرادها من 2 إلى 5 هو 712، أما عدد العائلات التي محيت بالكامل وكان عدد أفرادها أكثر من 6 فهو 189 عائلة.

ضحايا الأطفال في القطاع:

– أكثر من 17 ألف طفل شهيد منذ أكتوبر 2023 وحتى يوليو 2024.

– أكثر من 171 طفل رضيع ولدوا بعد أكتوبر 2023 واستشهدوا.

– أكثر من 36 طفل ماتوا بسبب الجوع.

– أكثر من 710 طفل استشهدوا وعمرهم أقل من عام.

– أكثر من 26 ألف طفل يعيشون بدون والديهم أو أحدهما.

– أكثر من 3500 طفل يواجهون سوء تغذية حاد.

الوضع الصحي لجرحى القطاع:

– انهيار القطاع الصحي في القطاع بشكل شبه كامل.

– 350 ألف مصاب بمرض مزمن في ظل نقص الأدوية.

– 60 ألف سيدة حامل وسط نقص تام للعلاج وتوفير الرعاية الصحية أو الولادة الآمنة.

– 71 ألف حالة عدوى بالتهاب الكبد الوبائي.

– أكثر من مليون و700 ألف مصاب بأمراض معدية بسبب النزوح المتكرر والتكدس.

– 3 آلاف مريض حالات خطرة وبحاجة للسفر للخارج.

– 10 مريض بالسرطان.

– 12 ألف جريح في وضع خطر.

– 3500 طفل مهدد بالموت بسبب الجوع وسوء التغذية.

– 310 شهيد من الكوادر الصحية.

– 34 مستشفى خارج الخدمة من أصل 36 تقريبًا، و80 مركزًا صحيًّا خارج الخدمة.

-استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية، و131 سيارة إسعاف.

الخلاصة:

بعد كامل من الإبادة والمجازر والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإن صور المأساة وأنين أهل غزة بات أكبر كثيرًا مما أن يتم نقله أو عرضه؛ ولذا فإن ما سردناه هنا هو غيض من فيض، في أراضي القطاع التي أضحت شاهدة على مئات المجازر القنابل الأمريكية شديدة الوطأة التي يقصف بها المحتل الإسرائيلي قطاع غزة يوميًّا، والتي تخطت في عددها وحجمها وتدميرها القنابل الأمريكية التي ألقيت على اليابان في الحرب العالمية الثانية، وهذا الإجرام والفتك بالفلسطينيين لأكثر من عام داخل قطاع غزة، كان أبرز أدواته بعد القصف وقطع المساعدات، التقليص المتتالي للمساحة الآمنة في قطاع غزة، والذي كان -ولا يزال- الغرض الأساسي منه تجويع أهل غزة بعد تكديسهم في مساحات ضيقة للغاية وسط نقص الغذاء والدواء، وانتشار الأمراض، والقصف المتعمد للمناطق التي لطالما أعلن الاحتلال كذبًا أنها آمنة.

المصادر:

– الجزيرة-أيتام غزة بين مرارة النزوح والفقد والخوف- 8 أكتوبر 2024.

– الجزيرة-استباحة حرمات المستشفيات والمدارس واستهداف إسرائيلي للجامعات-8 أكتوبر 2024.

– Bbc-ماذا يعني تقليص المساحة الآمنة إلى 11% فقط من غزة؟- 20 أغسطس 2024.

– العربي-إبادة من دون رصاص.. ما أهداف إسرائيل الحقيقية من “المنطقة الآمنة”؟- 22 أغسطس 2024.

– الجزيرة-غزة تطلق نداء استغاثة بعد إخلاء وقصف المستشفيات شمال القطاع- 9 أكتوبر 2024.

TRT- عربي-بعد تقليص “المنطقة الآمنة”.. 450 ألف غزّي مجبرون على مواجهة تحديات إنسانية-18 أغسطس 2024.

– العربية-عام على الحرب.. سكان غزة “خلصونا من أطنان الركام”- 6 أكتوبر 2024.

– العربية-عام على هجوم 7 أكتوبر.. حرب دمرت غزة وأضعفت حماس لكن لم تقض عليها!-5 أكتوبر.

– الأمم المتحدة-الأمم المتحدة: الأوضاع في غزة مزرية ولابد من حل سياسي مستدام لوقف المعاناة-16 سبتمبر 2024.

– الجزيرة-ما مسؤولية شركات التكنولوجيا عن مجازر إسرائيل في غزة؟- 9 أكتوبر 2024.

– الجزيرة-إسرائيل أبادت 6644 عائلة في غزة كليًّا أو جزئيًّا- 7 أكتوبر 2024.

– الجزيرة-بعد عام على الحرب.. خسائر غزة الاقتصادية المباشرة 33 مليار دولار- 6 أكتوبر 2024.

– الجزيرة- رئيس نادي الأسير للجزيرة نت: الاحتلال أعدم المئات من أسرى غزة بعد 7 أكتوبر- 7 أكتوبر 2024.

– وفا wafa-عام من الإبادة.. جهود قانونية ودبلوماسية متواصلة لوقف العدوان وإنصاف شعبنا- 8 أكتوبر 2024.

إسرائيلغزةفلسطينقطاع غزة