بعد دخول الدرونز المعركة.. كيف أثرت الطائرات المسيرة على معادلة الصراع السوداني؟ وكيف تغير الوضع؟
الدرونز هي طائرات بدون طيار تُستخدم في العمليات العسكرية لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف محددة دون الحاجة إلى تواجد بشري مباشر. وتُعتمد هذه التقنية بشكل متزايد في النزاعات المسلحة حول العالم، بما في ذلك في السودان، حيث تستخدمها القوات المسلحة والجماعات المسلحة غير النظامية لشن هجمات سريعة وفعالة.
المخاطر الديموغرافية والعسكرية للدرونز:
استخدام الدرونز يحمل مخاطر كبيرة تؤثر على التركيبة السكانية والهيكل الديموغرافي في السودان. ويمكن أن تؤدي الهجمات الجوية المستمرة إلى نزوح جماعي للسكان من المناطق المستهدفة إلى مناطق أكثر أمانًا؛ مما يخلق أزمات ديموغرافية في المناطق الآمنة التي تعاني من شح الموارد؛ هذا النزوح يؤدي إلى تغييرات واسعة في التركيبة السكانية، حيث تُهجر المناطق الريفية، مما يؤثر على الطابع الثقافي والزراعي لهذه المناطق عسكريًّا، يساهم تصاعد استخدام الدرونز في زيادة أعداد الضحايا والإصابات، خاصة بين الفئات العمرية الأكثر إنتاجية، مما يترك فجوات ديموغرافية تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني وقدرة البلاد على تحقيق النمو المستدام؛ هذا بالإضافة إلى نشر الرعب بين السكان، مما يدفع المزيد من الأسر إلى الهجرة، سواء داخليًّا أو خارجيًّا؛ مما يزيد من تعقيد الأزمة الديموغرافية ويهدد مستقبل البلاد.
مقارنة بين ترسانة السلاح ما بين قدرات الجيش وقوات الدعم السريع:
قوات الجيش السوداني:
عدد القوات المسلحة في السودان يبلغ حوالي 205 آلاف جندي، وفق تقارير عسكرية نشرها موقع “غلوبال فاير”.
وتنقسم هذه القوات إلى:
- 100 ألف قوات عاملة
- 50 ألف قوات احتياطية
- 55 ألف قوات شبه عسكرية
بالنسبة للقوات الجوية، فهي تمتلك 191 طائرة حربية تضم:
- 45 مقاتلة.
- 37 طائرة هجومية.
- 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة.
- 12 طائرة تدريب.
تصنف القوات الجوية السودانية باعتبارها رقم 47 ضمن الأقوى عالميًّا؛ يمتلك الجيش السوداني 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميًّا؛ إضافة إلى 6,967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالميًّا. وقوة تضم 20 مدفعًا ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميًّا؛ كما يمتلك الجيش السوداني 389 مدفعًا و40 راجمة صواريخ. يمتلك جيش السودان أسطولًا حربيًّا يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميًّا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار.
قوات الدعم السريع:
يُقدر عدد أفرادها بحوالي 100 ألف فرد ولها قواعد منتشرة في معظم أرجاء البلاد. تركز تواجدها على العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى. استولت في وقت سابق على عدد من المقرات؛ مثل: جهاز الأمن الوطني ومبنى لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وتتخذ من تلك المقرات تمركزًا لها، تنتشر على الحدود مع دول الجوار الإفريقي. وتعرف نفسها بأنها قوات قومية تضطلع بعدد من المهام والواجبات الوطنية التي كفلها لها القانون، وهي تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى، في تحركاتها. شكلت قوات الدعم السريع السودانية بشكل رسمي في عام 2013، حيث تم إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالسودان.
دور الدرونز في قلب الصراع الدائر:
تتواجد الطائرات المسيّرة المستخدمة في الأغراض العسكرية في السودان منذ سنوات؛ إذ سعت منظومة الصناعات الدفاعية المملوكة للجيش وبشراكة مع عدة دول؛ أبرزها: إيران والصين إلى صناعة وتطوير طائرات مسيَّرة لأغراض مدنية وعسكرية.
وقد أكدت مليشيا الدعم السريع أن “جزءًا منها وقع في يدها عند سيطرتها على بعض المقار العسكرية في الخرطوم خلال الأشهر الأولى من الحرب”؛ حيث أكد مراقبون للمعركة أن الطائرات دون طيار ظهرت منذ بداية معركة الخرطوم في إبريل 2023 وأكدوا أن تحركات “الدرونز” انحصرت في جمع المعلومات وتوفير الإحداثيات وخريطة انتشار المليشيا للتعامل معها عبر سلاح الهجوم والقصف المدفعي المُنطلق من داخل مقار الجيش السوداني.
وأكد بعض الخبراء أن المسيَّرات التي استخدمها الجيش في بادئ المعركة كانت محلية الصنع، وجرى تصنيعها داخل ورش منظومة الصناعات الدفاعية التي سقطت بيد الدعم السريع في أغسطس 2023، ثم تحول الأمر لتصبح الطائرات المسيَّرة أجنبية الصنع لاعب رئيسي في الحرب السودانية بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع؛ إذ غيرت مسار الحرب على الأرض منذ ظهورها في أواخر عام 2023 نقلًا عن تحقيق لـ “BBC نيوز عربية”: أن الجيش السوداني امتلك نوعين على الأقل من المسيّرات الإيرانية؛ فضلًا عن مسيَّرات انتحارية استخدمها خلال الحرب.
وأكد التقرير على استخدام الجيش السوداني لنوعين من المسيَّرات الإيرانية في حربه ضد مليشيا الدعم السريع. وفي المقابل حصلت مليشيا الدعم السريع على مسيَّرات تجارية معدلة لتتمكن من إلقاء القذائف وذلك عن طريق سيطرتها على المخزون الإستراتيجي للقوات المسلحة والذي يتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية، وكذلك على مقر قوات الدفاع الجوي بالخرطوم ونتيجة لذلك استولت على ترسانة من المسيَّرات وأنظمة الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش.
فكلٌّ من طرفي الصراع في السودان حاولا حجب هوية الجهات التي تزودهما بالمسيَّرات، لكن تؤكد وكالات أنباء دولية مثل “رويترز” أن الجيش يحصل على طائرات “الدرونز” بشكل رئيسي من إيران، ونقلت “بلومبيرج” عن مسؤولين غربيين أن الجيش السوداني حصل من طهران على عدد كبير من مسيَّرات “مهاجر 6” المؤهلة لعمليات الرصد ونقل المتفجرات.
وقد أدى استخدام هذا النوع من الطائرات إلى قلب موازين المشهد، وكان استخدامها نقطة تحول في مسار المعركة بين طرفيها، حيث تمكن الجيش السوداني في بداية استخدامها من كسر الحصار المفروض على جنوده في عدة مواقع، بينما انسحبت مليشيا الدعم السريع من بعض الأحياء غرب العاصمة؛ ففي صباح 12 مارس عام 2024 احتفل جنود الجيش السوداني بتقدم عسكري غير مسبوق، حيث أعلنوا عن سيطرتهم على مبنى الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الخرطوم للمرة الأولى بعد 10 أشهر من الحرب، فكان قبلها بعشرة أشهر سيطر جنود مليشيا الدعم السريع على المكان نفسه، وبدأت الحرب وقتها بين الطرفين، وأصبحت معظم المدينة تحت سيطرة الدعم السريع. وعليه رأى الخبراء أنه لم يكن الجيش ليستعيد السيطرة على الإذاعة من دون المسيَّرات الجديدة المستوردة من الخارج، وبالتالي كان لاستخدام الطائرات المسيَّرة دور فعّال في رصد واستهداف تحركات مليشيا الدعم السريع، وتحديد مواقعها، وبالتالي تحقيق تقدم للقوات الحكومية في الميدان.
لقد اعتمد الجيش في المراحل الأولى من الحرب على سلاح الطيران، فقد أكد بعض الخبراء أن سلاح الجو لم يتمكن من تحقيق تفوق عسكري؛ لا سيما ضد قوة أرضية خفيفة في تسليحها وسريعة في حركتها كمليشيا الدعم السريع، التي كانت بمثابة القوات الأرضية للجيش بعد الحرب، حيث وجد الجيش السوداني كل قواته التفضيلية محاصرة؛ مثل: سلاح المدرعات، والقاعدة الجوية في “وادي سيدنا” ولم تكن لديه قوات مقاتلة على الأرض، وهذا كان سببًا رئيسيًّا في وضعه بموقف الدفاع لعدة شهور واحتفاظه بالسيطرة على مواقع محدودة في الخرطوم، وبقي محاصرًا في قواعده لأشهر عدة، لكنه ظل محتفظًا بانتشاره في السماء.
وفي المقابل كانت مليشيا الدعم السريع تسيطر على معظم أراضي الخرطوم، وكذلك على معظم إقليم دارفور غربي البلاد ثم تسابق طرفا المعركة على بسط النفوذ والسيطرة على الأرض والجو بعد حصولهما على أسلحة جديدة والتي تمثلت في “الدرونز”. وعلي الجانب الآخر: مهدت نفس المسيرات الطريق أمام الدعم السريع لوضع يدها على مقر التصنيع الحربي، وفي شن هجمات مؤثرة على مقار الجيش الرئيسية.
وعلى النقيض: رأى بعض الخبراء العسكريين: أن استخدام المسيَّرات لن يحسم حرب السودان، ولكنها كانت قادرة على قلب الطاولة لبعض الوقت وتحقيق انتصارات لكل طرف على الآخر ما كان أشبه بسباق للتسلح بين الطرفين.
وأضافوا: أن فاعلية المسيَّرات في الحروب تتوقف على مجموعة من العوامل؛ أولها: النوع، وثانيها: القدر الذي يمكنها حمله من الصواريخ، وثالثها: مدى تطور تقنيتها وساعات الطيران التي كلما كانت أطول ميزت المقاتلة المسيَّرة عن أخرى؛ بالإضافة لجودة الكاميرا المثبتة فيها ونظام التواصل مع الأرض، وأن كيفية توظيف المسيَّرات في أرض المعركة هي التي تتحكم في تأثيرها.
وعليه أكد بعض الخبراء أن المسيَّرات تمثل عاملًا إستراتيجيًّا مؤثرًا، لكنه ليس حاسمًا في الحرب؛ لأن هناك تشكيلات عسكرية أخرى تقوم بأدوار مهمة في أية معركة.
ونجد أن مليشيا الدعم السريع كانت تملك أنواعًا من المسيَّرات “المبرمجة” مسبقًا، والتي تُستخدم في عمليات “انتحارية”. وفي المقابل: يحوز الجيش السوداني مسيرات أكثر تطورًا، والأمر كله ربما يقود لـ“سباق تسلح” بين الجيش والدعم السريع فيما يتعلق بامتلاك المسيَّرات واستخدامها، وهذا يعتمد على قدرة الجيش على الانفتاح على روسيا وتركيا وإيران، فيما ستحاول مليشيا الدعم السريع الحصول على تقنيات مماثلة من حلفائها في المنطقة.
التحول الديموغرافي والقبلي بعد دخول الدرونز:
غالبًا ما تتحول الحروب الداخلية إلى صراعات أهلية، وهذا ما حدث بالفعل في السودان، حيث تصاعدت الاشتباكات بين طرفي النزاع منذ إبريل الماضي، وصولًا إلى حرب أهلية واسعة النطاق، مع استمرار النزاع وتزايد الخسائر وتدخل أسلحة وتكنولوجيا جديدة، باتت هذه الحرب تمثل تحولًا ديموغرافيًّا خطيرًا.
يرى بعض المحللين: أن الصراع الحالي في السودان هو بمثابة خطة مدروسة من مليشيا الدعم السريع لخلق حالة من الفوضى وفرض السيطرة على الأرض والممتلكات وتدمير البنية التحتية.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، اضطر حوالي 9 ملايين شخص لترك منازلهم بسبب النزاع، مما يجعله واحدًا من أكبر أزمات النزوح في العالم. النزوح الداخلي في السودان أثر بشكل ملحوظ على توزيع السكان، حيث نزح نحو 2.5 مليون شخص في دارفور و700 ألف في ولاية نهر النيل ونصف مليون في ولاية النيل الأبيض وأكثر من 400 ألف في ولايات كردفان والقضارف وسنار الشمالية؛ بالإضافة إلى ذلك: نزح أكثر من 300 ألف في الجزيرة، ومثلهم في ولاية البحر الأحمر، ونحو 200 ألف في كسلا و130 ألفًا في ولاية النيل الأزرق، و50 ألفًا في الخرطوم، أما اللجوء إلى دول الجوار فقد فرَّ أكثر من مليوني شخص عبر الحدود، بما في ذلك 1.8 مليون إلى دول الجوار منهم 660 ألف إلى جمهورية جنوب السودان و579 ألف إلى تشاد وأكثر من 500 ألف إلى مصر وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
بدأت خطة التهجير بالقصف المستمر لمحطات المياه والكهرباء والمستشفيات، ونهب المخازن وفرض الحصار على الأحياء السكنية؛ مما أدى إلى تدمير واسع النطاق وتهجير أسر كاملة.
هذا القصف لم يقتصر على المرافق الحيوية فقط، بل امتد ليشمل المناطق السكنية مما أدى إلى إبادة كاملة لبعض الأسر والقبائل والاستيلاء على ممتلكاتهم.
بعد انتهاء النزاع، من المحتمل أن تنفجر المدن من الداخل بسبب التغيرات السكانية حيث أصبح العديد من النازحين يمتلكون حقوقًا في مناطق لم يكن لهم بها أي صلة قبل بداية النزاع.
التطورات الأخيرة، خاصة استخدام الطائرات المسيَّرة، غيرت من ديناميات النزاع في السودان. أثرت الحرب بشكل كبير على الوضع المحلي والإقليمي، بما في ذلك الأزمة الإنسانية، وزيادة أعداد النازحين، وانتشار العنف. المدن التي كانت ملاذًا للنازحين، مثل: الفاشر، شهدت ارتفاعًا حادًّا في أعداد النازحين بسبب التصعيد العسكري.
وفي ختام هذه الأزمة تبيَّن أن السودان قد شهد تغييرًا كبيرًا في المواقف القبلية، حيث انحازت قبائل كانت تدعم مليشيا الدعم السريع إلى جانب الجيش السوداني، مما أضعف موقف مليشيا الدعم السريع.
هذا التغيير في المواقف القبلية يعكس تحولًا عميقًا في الديناميات الاجتماعية والسياسية للنزاع، مما يشير إلى تأثيرات بعيدة المدى على الاستقرار في السودان.
تأثير الدرونز على النزوح الداخلي:
في ظل النزاعات المستمرة في السودان، أصبح استخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز) جزءًا متزايد الأهمية من الصراعات المسلحة، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المشهد الأمني والإنساني.
تعد الطائرات بدون طيار أداة فعالة في تنفيذ الهجمات الدقيقة، لكن استخدامها قد أسهم بشكل كبير في تفاقم الأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزوح الداخلي للسكان.
الدرونز كأداة للهجوم:
تستخدم أطراف النزاع في السودان الطائرات بدون طيار في الهجمات على المناطق الحيوية؛ مثل: المرافق الحكومية والمراكز السكانية. هذه الهجمات تؤدي إلى تدمير الممتلكات والبنية التحتية، مما يجعل الحياة غير ممكنة في المناطق المستهدفة. عدم الاستقرار المتزايد يجعل من الصعب على السكان البقاء في أماكنهم، مما يدفعهم للبحث عن ملاذات أكثر أمانًا.
نموذج النزوح الداخلي:
النزوح الداخلي هو الظاهرة التي تنجم عن نزوح السكان من مناطق النزاع إلى مناطق أكثر أمانًا داخل نفس البلد.
في السودان تعاني المدن الكبرى؛ مثل: الخرطوم من زيادة حادة في عدد السكان بسبب نزوح السكان من المناطق الريفية والمناطق المتأثرة بالنزاع؛ هذا التدفق الكبير للسكان يؤثر بشكل ملحوظ على الخدمات الأساسية؛ مثل: الرعاية الصحية والتعليم والإسكان.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية:
النزوح الداخلي الناتج عن الهجمات بواسطة الدرونز يضع ضغطًا هائلًا على الموارد الاقتصادية في المدن المستقبلة. المدن الكبرى التي تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين قد تواجه نقصًا في الغذاء والمياه وتدهورًا في جودة الخدمات الأساسية؛ بالإضافة إلى ذلك، يؤثر النزوح على التركيبة الاجتماعية، حيث يزداد التوتر بين السكان الأصليين والنازحين.
الآثار على البنية التحتية والخدمات:
المدن التي تستقبل النازحين غالبًا ما تعاني من نقص في البنية التحتية الأساسية، مما يؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية؛ كما أن وجود أعداد كبيرة من النازحين يضع ضغطًا إضافيًّا على خدمات الصحة العامة والتعليم ونظام النقل.
هذا الضغط قد يؤدي إلى تفشي الأمراض ونقص الخدمات الحيوية، مما يزيد من معاناة السكان.
ويؤدي استخدام الطائرات بدون طيار في النزاعات المسلحة في السودان إلى تفاقم أزمة النزوح الداخلي، مما يشكل تحديًّا كبيرًا للبلاد. ولتخفيف تأثير هذه الأزمة، من الضروري أن تكون هناك إستراتيجيات شاملة تستهدف تحسين البنية التحتية في المدن المستقبلة وتعزيز الدعم الإنساني للنازحين.
الأبعاد الاقتصادية للأزمة الديموغرافية السودانية:
من المؤكد أن الصراع الحالي في السودان والذي تصاعدت وتيرته منذ منتصف إبريل 2023 سوف يُلقي بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد، وعلى نحو يدفع إلى خفض توقعات التعافي التي وضعتها بعض المؤسسات الدولية له خلال عام 2023. وقد قُدرت تكلفة الصراع الدائر في السودان بحوالي نصف مليار دولار يوميًّا، وفي تحليلات أخرى بنحو 10 مليارات دولار شهريًّا. وبالرغم من صعوبة تقدير التكلفة الاقتصادية الحقيقية لهذا الصراع، فإنه يمكن تحديد مؤشرات عامة للتكاليف المباشرة وغير المباشرة له.
- التكاليف المباشرة: يأتي في مقدمتها تأثير الصراع في معيشة السودانيين؛ فقد شهدت الأيام الماضية ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وكذلك قلة المعروض منها؛ خاصة مع إغلاق المحال التجارية ومنافذ البيع مع احتدام القتال. وقُدر الارتفاع في أسعار السلع الغذائية بنسب تتراوح بين 300% إلى 400%؛ فعلى سبيل المثال: ارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من 8 آلاف جنيه سوداني.
لا تقتصر التأثيرات على الأجل القصير فقط، وإنما تؤثر مثل هذه الاشتباكات في الوضع الاقتصادي في السودان وأبنائه في الأجلين: المتوسط والقصير؛ فمن المؤكد: أن يؤثر الصراع الحالي في قطاع الزراعة الذي يعمل به حوالي 40% من إجمالي القوة العاملة في السودان ويُعد مصدر معيشة للنسبة الأكبر من السكان.
والحقيقة: أن الاشتباكات الحالية خاصة مع استمرارها لفترات أطول من شأنها أن تؤثر في الإنتاج الزراعي، ما ينعكس سلبًا ليس فقط على المؤشرات الاقتصادية وإنما كذلك على أبعاد اجتماعية أكثر تعقيدًا، يأتي في مقدمتها الأمن الغذائي.
وجاء ذلك في الوقت الذي كان من المتوقع أن يعود فيه السودان مرة أخرى لتحقيق اكتفائه الذاتي من بعض المحاصيل الغذائية وهو ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” في 29 مارس الماضي بتعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والبيضاء هذا العام.
كذلك فإن استمرار المواجهات العسكرية وما يترتب عليها من تأثيرات في المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بتزايد الإنفاق العسكري، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي؛ سيؤدي إلى استمرار حالة التدهور التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، ويؤثر بشكل حتمي في قدرته على سداد مديونيته الخارجية المتضخمة بالفعل والتي تجاوزت 202% من الناتج.
2- التكاليف غير المباشرة:
ترتبط هذه التكاليف عادة ببعدين أساسيين؛ يتعلق الأول منهما بالخسائر التي ألمت بالبنية التحتية جراء المواجهات العسكرية الحالية. أما البعد الثاني: فيرتبط بتوقف أو تعليق المساعدات الدولية للاقتصاد السوداني في ظل هشاشته وارتفاع حجم مديونيته الخارجية، وهو ما سبق أن حدث بالفعل في أكتوبر 2021 حين دفعت الاضطرابات السياسية في هذه الفترة البنك الدولي نحو تعليق مساعدات بنحو 500 مليون دولار كانت مخصصة لدعم الميزانية السودانية، كجزء من تعهد بمنح قدرها ملياري دولار. كذلك أوقف صندوق النقد الدولي تمويلاً بنحو 150 مليون دولار كجزء من برنامج قروض بإجمالي 2.5 مليار دولار، وعلقت أيضًا حينها الولايات المتحدة مساعدات للخرطوم بنحو 700 مليون دولار. وفي ظل الأزمة الراهنة، اضطر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى وقف مؤقت لعمليات توزيع المساعدات الغذائية في السودان.
مع تجاهل العالـَم للوضع السوداني.. إطلاق حملة عبر العالم الافتراضي:
“العالم يتجاهل السودان”.. حملة جديدة على منصات التواصل، أطلقها نشطاء في محاولة لتسليط الضوء بشكل أكبر على الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب السوداني منذ اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ إبريل 2023. ومن خلال الحملة، عبَّر رواد العالم الافتراضي عن استغرابهم من تجاهل وصمت المجتمع الدولي للوضع الكارثي في السودان؛ خاصة أن أكثر من نصف الشعب يعانون من نقص حاد في الغذاء والخدمات الطبية وبحاجة عاجلة للمساعدات.
وأضاف مدونون: أن من واجبهم تجاه أهلهم في السودان أن يعكسوا معاناة المواطنين هناك لمنع المجاعة التي تهدد السودان أو الحد منها والمساهمة في إنقاذ أرواحهم والتقليل من معاناتهم. وتعليقًا على تجاهل المجتمع الدولي للأوضاع في السودان قال أحد الناشطين: إن التجاهل المستمر للحرب السودان من الجميع (المجتمع الدولي والإقليمي)، يؤكد الحاجة إلى الحلول الداخلية التي لها المقدرة الأكبر لاستيعاب أبعاد المشكلة ووضعها في أطرها الصحيحة.
وتساءل آخرون: عن المستفيد من التعتيم على أخبار المجازر والتبديل الديمغرافي للسكان التي تحدث في البلاد، بالقول “من المستفيد من هذه الحرب؟ وكيف تتجاهل الدول المجاورة ما يحدث في السودان؟ ومن المستفيد من التعتيم الإعلامي على الحرب؟
ووصف أحد المتابعين ما يجري في السودان من قتل ودمار وتخريب بالأمر الممنهج، وقالوا: إن “ما يحدث في كل أنحاء البلاد عبارة عن قتل ممنهج لشبابنا وأطفالنا وكبارنا، فهل سيتم تفريغ السودان من سكانه الأصليين؟
ووصفت ناشطة سودانية الوضع بالكارثي والمدمر، وأن المنظمات الإنسانية تتعرض لضغوط وابتزاز وليست قادرة أن تصل للمناطق المتضررة، وأن الوضع سيصبح أسوأ. وأضافت أنه مع استمرار الحرب في كل يوم تتوسع الانتهاكات وتزداد دون أي رادع أو محاسبة.
من جهتها: ناشدت “لجان مقاومة مدني” لإطلاق حملة إعلامية واسعة يشارك فيها المواطنون والرفاق في لجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والفاعلون بالداخل والخارج ومن يهمهم أمر مواطن ولاية الجزيرة المكلوم الذي ذاق الأمرين للشهر الخامس على التوالي، لإعادة الاتصالات والإنترنت للولاية.
الخلاصة:
وعلى الرغم من تباين وجهات النظر فيما يتعلق بالدور الحاسم لطائرات “الدرونز” في مسار المعركة بالسودان؛ إلا أننا لا نستطيع أن ننكر الأثر الواضح لتكنولوجيا المسيَّرات الحديثة وتأثيرها الفعال في إحداث الفارق في الميدان؛ فلولا تدخل تلك المسيَّرات في المعركة لكانت الحرب الجارية في أرجاء ولاية الخرطوم أكثر تعقيدًا ولطالَ زمان حسمها بأكثر مما يجري الآن بأضعاف. وقد عكست كل تلك التطورات حدوث مجموعة من المتغيرات طالت الجانب الديموغرافي بالسودان، فضلًا عن تغير مواقف بعض القبائل الداعمة لطرفي المعركة.
1_ بي بي سي
2_ سكاي نيوز
7_ الجزيرة