النفوذ الروسي في اليمن.. هل أصبح تسليح الحوثيين أداة روسية في المنطقة؟
في السنوات الأخيرة، تزايدت الاهتمامات الإقليمية والدولية حول البحر الأحمر واليمن، حيث تحول هذا الممر الإستراتيجي إلى مسرح للأحداث الجيوسياسية المعقدة، خصوصًا في ظل تطور العلاقات بين روسيا وجماعة الحوثي.
فقد أصبحت روسيا، بقدراتها العسكرية ونفوذها الدبلوماسي، لاعبًا بارزًا في الشرق الأوسط، وسعت إلى تعزيز مكانتها عبر بناء علاقات مع القوى المؤثرة على الساحة اليمنية، بما في ذلك الحوثيون الذين يسيطرون على مناطق إستراتيجية في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
تأتي هذه العلاقات الروسية الحوثية ضمن سياق تطورات أوسع في المنطقة، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق مصالح إستراتيجية متنوعة تشمل النفوذ البحري والأمني في البحر الأحمر، وكذلك تعزيز مواقفها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
ويثير هذا التقارب أسئلة عدة حول أهداف روسيا الحقيقية في المنطقة، ومدى تأثيرها على توازن القوى، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مستقبل الأمن في البحر الأحمر، خاصة في ظل تصاعد المواجهات البحرية والتهديدات المستمرة للملاحة الدولية من خلال المضايق الحيوية مثل باب المندب.
ويهدف هذا التقرير إلى استكشاف أبعاد العلاقة بين روسيا وجماعة الحوثي، وتحليل أبعادها الإستراتيجية ودوافعها، بالإضافة إلى تأثيرها على الأمن الإقليمي والدولي.
كما يستعرض البحث موقف الأطراف المختلفة تجاه هذا التحالف المتنامي، ويرصد تداعياته المحتملة على استقرار البحر الأحمر والممرات البحرية الحيوية، فضلًا عن انعكاساته على الصراع اليمني برمته، مما يجعل من فهم هذه العلاقات عنصرًا حيويًّا لفهم مستقبل الأوضاع في المنطقة.
الدور الروسي في دعم الحوثيين: تزويد بالأسلحة ومعلومات الأقمار الصناعية:
بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، قدَّمت روسيا بيانات من أقمارها الصناعية وبعض الصواريخ والطائرات بدون طيار لدعم الحوثيين في استهداف السفن في البحر الأحمر.
هذا النوع من الدعم الروسي يشير إلى نية موسكو في توجيه الحوثيين ليكونوا أداة ضغط في هذه المنطقة الإستراتيجية، والتي تمر عبرها طرق التجارة العالمية.
كما نقلت الصحيفة أن “الحوثيين” بدأوا بالفعل باستخدام بيانات الأقمار الصناعية الروسية لتوجيه ضرباتهم بدقة أكبر، مما أدى إلى زيادة الفوضى وتعطيل خطوط التجارة(1).
التقارب الروسي الإيراني وتأثيره على علاقة روسيا بالحوثيين:
تمثِّل إيران جسرًا حيويًّا لنقل الأسلحة الروسية إلى الحوثيين، فبفضل أفراد من الحرس الثوري الإيراني المتمركزين في اليمن، تتمكن موسكو من توفير دعم غير مباشر للجماعة عبر وساطة إيرانية.
فإن العلاقة بين روسيا والحوثيين قد تطورت في الفترة الأخيرة، معززًا ذلك التعاون المتزايد بين موسكو وطهران، هذا التداخل يعكس العلاقة المتينة بين روسيا وحلفائها في المنطقة، مما يتيح لها لعب دور غير مباشر في النزاعات الإقليمية.
الأسلحة الإستراتيجية: الحوثيون يطمحون لامتلاك صواريخ روسية مضادة للسفن:
من ضمن الأسلحة التي يسعى الحوثيون للحصول عليها من روسيا صواريخ “ياخونت” المضادة للسفن، والتي إذا استلموها، ستعزز بشكل كبير من قدراتهم العسكرية، خصوصًا فيما يتعلق باستهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر.
ووفقًا لتقارير استخباراتية غربية، فإن الكرملين قد درس بعناية إمكانية إرسال أسلحة مضادة للسفن إلى الحوثيين، وذلك في إطار إستراتيجيته الرامية إلى مضايقة مصالح الغرب في الشرق الأوسط.
ولعل التهديد المحتمل باستخدام هذه الصواريخ ذات القدرة التدميرية العالية، والتي يمكنها ضرب أهداف بحرية من مسافات تصل إلى 300 كيلومتر، قد يدفع الدول الغربية إلى إعادة النظر في أمن خطوط التجارة في المنطقة(2).
موسكو تستخدم الحوثيين كورقة ضغط في صراعها مع الغرب:
تمثل الجماعة الحوثية ورقة ضغط فعالة لموسكو، في خضم المواجهة الجيوسياسية التي تخوضها روسيا ضد الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة.
وبحسب مجلة “بوليتيكو”، فإن التحذيرات الأمريكية من أن روسيا قد تسعى إلى توريد أسلحة إستراتيجية للحوثيين، تجعل من الواضح أن هذا التوريد جزء من إستراتيجيتها لمواجهة العزلة التي فُرضت عليها إثر غزوها لأوكرانيا.
وعلى الرغم من التهديدات التي قد تترتب على ذلك، يبدو أن روسيا ترى في التعاون مع الحوثيين وسيلة لتعزيز وجودها الإستراتيجي في الشرق الأوسط وزعزعة الاستقرار الإقليمي بما يخدم مصالحها.
“تاجر الموت” فيكتور بوت والحوثيون: تعاون جديد يثير المخاوف:
أفادت “وول ستريت جورنال” أن الحوثيين قد بدأوا بالفعل مفاوضات مع “فيكتور بوت”، تاجر الأسلحة الروسي الشهير المعروف بلقب “تاجر الموت”.
ومن المتوقع أن يتضمن التعاون بين الجانبين تزويد الحوثيين بأسلحة أوتوماتيكية وصواريخ مضادة للدبابات، مما قد يمثل تهديدًا مباشرًا على الملاحة الإقليمية والدولية في المنطقة.
ويُذكر أن بوت، الذي أُطلق سراحه بعد سنوات من السجن في الولايات المتحدة، كان قد عمل مع الاستخبارات العسكرية الروسية، ويتمتع بشبكة علاقات واسعة.
وإذا نجح الحوثيون في استقدام أسلحة منه، فقد يعزز ذلك قدراتهم العسكرية بشكل ملحوظ، مما يثير قلق القوى الغربية بشأن سلامة الملاحة التجارية في البحر الأحمر(3).
التعاون الروسي الإيراني في الشرق الأوسط: تحالف على حساب الاستقرار:
تمثل إيران شريكًا محوريًّا لموسكو في جهودها لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث لعبت دورًا رئيسيًّا في تمكين الحوثيين من استخدام التقنيات والمعلومات العسكرية الروسية.
ومنذ غزو أوكرانيا، دعمت طهران موسكو عبر تزويدها بطائرات بدون طيار، وها هي الآن تسعى للحصول على معدات متقدمة من روسيا في المقابل.
ويُرجّح أن يواصل هذا التعاون بين البلدين ضغوطه على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
استغلال الحوثيين لإضعاف النفوذ الأمريكي:
مع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، تسعى موسكو إلى توسيع دائرة المواجهة من خلال دعم قوى غير دول، مثل الحوثيين، لإثارة الاضطرابات في مناطق إستراتيجية.
وكما أوضح ألكسندر جابوييف، مدير مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا، فإن أي اشتعال في الصراعات يعزز موقف روسيا، لأنه يسهم في تحويل انتباه العالم عن حربها في أوكرانيا.
كما يهدف الدعم الروسي للحوثيين إلى إبقاء الولايات المتحدة وحلفائها منشغلين في الشرق الأوسط، مما يتيح لموسكو مساحة مناورة أكبر لتحقيق أهدافها الجيوسياسية(4).
لقاءات دبلوماسية ومخاوف بحرية:
استقبل نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وفدًا حوثيًّا في موسكو لمناقشة الوضع المتفاقم في البحر الأحمر، وشدد اللقاء على أهمية الحوار اليمني تحت رعاية الأمم المتحدة.
في الوقت نفسه، أعرب القائم بالأعمال الصيني في اليمن، شاو تشنغ، عن اتصالات بلاده مع الحوثيين بشأن تهديدات الشحن البحري، وربط المخاطر الحالية بحرب غزة، مطالبًا بوقف العنف وتقديم المساعدات الإنسانية للحد من تصاعد الأزمة.
دوافع روسيا والصين في دعم الحوثيين:
ويبدو أن روسيا والصين تنتهجان إستراتيجيات مختلفة في تعاملهما مع الحوثيين، حيث تتمايز دوافع كل منهما بشكل ملحوظ:
1. الدوافع الروسية:
التضامن مع الرواية الحوثية: تتضامن روسيا مع الحوثيين على خلفية تفسيراتهم لما يرونه عدوانًا غربيًّا، مما ينسجم مع رغبتها في الوقوف بوجه سياسات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الشراكة المستقبلية: تعتبر موسكو الحوثيين شريكًا محتملًا لدعم موقفها ضد الغرب:
السلامة البحرية: روسيا لا تشعر بتهديد مباشر لأصولها البحرية، وتؤمن بأن الحوار الدبلوماسي مع الحوثيين كفيل بتجنب تعرض سفنها لأي هجمات.
2. الدوافع الصينية:
الحفاظ على الأمان البحري: تتخوف الصين من تصاعد الهجمات التي قد تؤثر على سفنها التجارية، يأتي هذا التخوف من اعتمادها الكبير على نقل الصادرات عبر البحر الأحمر، خاصة مع مرور 60% من تجارتها مع أوروبا عبر قناة السويس.
التعاون الحذر: تسعى الصين لضمان عدم تعرض سفنها للهجمات الحوثية، لكنها تفضل البقاء بعيدة عن الدعم العلني أو العسكري، معتمدة على تواصل سري ودبلوماسي(5).
موقف روسيا في ظل التوترات الإقليمية:
اتبعت روسيا منذ البداية سياسة تصالحية تجاه الحوثيين، إذ امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي دعا الحوثيين إلى التخلي عن الأراضي اليمنية ونزع سلاحهم، وانتقدت التدخل العسكري السعودي، ورفضت تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية.
ورغم اعتراض روسيا على بعض أعمال الحوثيين، كاغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح -رحمه الله- والهجمات الصاروخية على الإمارات والسعودية، تظل روسيا هي العضو الدائم في مجلس الأمن الأكثر مرونة تجاههم.
وعندما أقامت الولايات المتحدة تحالفًا أمنيًّا متعدد الجنسيات في البحر الأحمر في ديسمبر 2023، وصفه الخبير الروسي سيرغي بالماسوف بأنه غير فعال، مشيرًا إلى أن مواجهة الحوثيين تتطلب عمليات برية.
وحينما شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هجمات على مواقع حوثية في يناير، ندد السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا بالهجمات واعتبرها عدوانًا صارخًا.
ويوضح هذا التفاعل أن روسيا تنظر إلى الدبلوماسية كوسيلة للحفاظ على مصالحها في اليمن(6).
التعاون الروسي – الحوثي وضوابطه:
رغم التحفظ الروسي حيال تقديم دعم عسكري مباشر للحوثيين، أشار بعض القوميين الروس إلى ضرورة تسليح الحوثيين، ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح لقي اعتراضًا سعوديًّا قويًّا خلال زيارة بوتين إلى الرياض في ديسمبر 2023، ما أدى إلى تأجيل أي خطط لتزويد الحوثيين بصواريخ كروز مضادة للسفن، في إشارة إلى أن روسيا تأخذ الخطوط الحمراء السعودية بعين الاعتبار.
التدخل الصيني الحذر:
لم تشارك الصين روسيا في دعمها العلني للحوثيين، حيث تفضل بكين التركيز على التواصل السري وتأمين مصالحها التجارية دون تصعيد الوضع مع التحالف بقيادة السعودية.
وقد استضافت الصين مسؤولين حوثيين في مناسبات مختلفة، لكنها تتخذ موقفًا متحفظًا، إذ تعتبر التصعيد العسكري ضد السفن الصينية كارثيًّا على مصالحها الاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، تسعى الصين لتأمين سفنها عبر قناة السويس، وتعتمد على التواصل غير المعلن مع الحوثيين لمنع الهجمات على مصالحها، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع إيران(7).
التعاون الصيني – الإيراني لتأمين السفن:
وتحرص بكين على التنسيق مع طهران لضمان حماية السفن الصينية، ما يتيح لها مواصلة تجارتها دون تدخل عسكري مباشر، وتفادت حتى الآن تعرض سفنها لهجمات مباشرة باستثناء هجوم باليستي حوثي على سفينة تحمل علم بنما وتملكها الصين.
الحسابات الإستراتيجية المشتركة بين موسكو والحوثيين:
من الواضح أن هناك عدة دوافع سياسية واقتصادية وراء هذا التقارب، ومن أبرزها:
1. تجديد الحضور الدبلوماسي الروسي في الأزمة اليمنية: تسعى موسكو للعودة بقوة إلى الساحة السياسية اليمنية، بعد أن انشغلت في السنوات الماضية بالصراعات الإقليمية الأخرى، مثل سوريا وليبيا، إضافة إلى التدخل في أوكرانيا، وتحاول روسيا التأكيد على موقفها الداعم لإشراك الحوثيين في أي مفاوضات سياسية بشأن اليمن.
فعلى سبيل المثال: امتنعت موسكو في عام 2015 عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يدعو لفرض حظر على أسلحة الحوثيين.
واحتفظت روسيا بسفارتها في صنعاء حتى نهاية 2017، في وقت كانت فيه دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، قد أغلقت سفاراتها.
ورفضت روسيا كذلك تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، ما أظهر تقاربًا دبلوماسيًّا كبيرًا بين موسكو والحوثيين.
2. البحث الحوثي عن حلفاء دوليين: تسعى جماعة الحوثي للعثور على حلفاء جدد لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، خصوصًا مع تراجع الدعم الإيراني بسبب العقوبات الاقتصادية التي تواجهها طهران، والتي أثرت بشكل مباشر على حجم الدعم العسكري والاقتصادي المقدم للحوثيين.
واعتبر الحوثيون أن دعوة موسكو لهم فرصة إستراتيجية لإعادة بناء تحالفات دولية جديدة.
وقد صرح رئيس وزراء الحوثيين، عبد العزيز بن حبتور، بأن الحوثيين يرحبون بالدعوة الروسية التي قد تعكس تغيرًا في الموقف الروسي، مؤكدًا على رغبة الجماعة في توطيد علاقاتها مع روسيا والصين في مواجهة الضغوط الأمريكية.
3. تعزيز العلاقات للحصول على الدعم الروسي: يبدو أن الحوثيين يسعون للاستفادة من الدعم الروسي على مختلف الأصعدة، في ظل ضغوط العقوبات على إيران.
وقد أظهر الحوثيون دعمًا واضحًا لموقف موسكو في أوكرانيا، معتبرين أن التدخل الروسي في النزاع يعزز التوازن الدولي.
وقد قام الحوثيون بفتح قناة لتوريد المواد الأساسية، مثل القمح والمشتقات النفطية، من روسيا، بهدف تخفيف الاعتماد على المصادر الغربية وتعزيز التعاون الاقتصادي المباشر.
4. استخدام الحوثيين كأداة ضغط روسية على دول الخليج: تدرك موسكو أن تقاربها مع الحوثيين يثير قلقًا لدى دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، حيث أن دعم الحوثيين يتيح لروسيا ورقة ضغط إضافية للتفاوض.
كما رفضت موسكو التصويت لصالح قرار إماراتي في مجلس الأمن يدعو لفرض حظر على الأسلحة الموجهة للحوثيين، ما يعكس نيتها في استخدام الجماعة كورقة تأثير على دول الخليج.
5. طموحات موسكو لتأسيس قاعدة بحرية في اليمن: يبدو أن روسيا تفكر في إقامة قاعدة بحرية على السواحل اليمنية، في ظل سعيها المستمر لزيادة وجودها الإستراتيجي في البحر الأحمر.
ويتطلب ذلك وجود حلفاء محليين أقوياء مثل الحوثيين، الذين يمكنهم منح روسيا الوصول إلى موقع إستراتيجي يسهم في تعزيز نفوذها في منطقة الخليج ومضيق باب المندب، لمواجهة التمدد الأمريكي وتوسيع نطاق مصالحها العسكرية(8).
المصالح والمكاسب المشتركة وتأثيراتها الإقليمية:
تتعدد أبعاد الدور الروسي في دعم جماعة الحوثي المسلحة وتأثيرات هذا الدعم على منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص البحر الأحمر الذي يمثل شريانًا حيويًّا للتجارة العالمية.
ولا يمكن النظر إلى الدعم الروسي لجماعة الحوثي دون الأخذ في الاعتبار الخلفية التاريخية والعلاقات المعقدة بين الأطراف الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها إيران التي تمثل حليفًا أساسيًّا للحوثيين.
وتسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر إقامة علاقات مع الأطراف التي تناهض الهيمنة الغربية، خاصة الجماعات التي تعادي النفوذ الأمريكي.
في هذا السياق، يُعتبر الحوثيون حليفًا محتملًا يعزز من قدرة روسيا على ممارسة تأثير أكبر في مناطق التوتر، خصوصًا في البحر الأحمر.
مواجهة التحالف الغربي في البحر الأحمر:
ترى روسيا في دعمها للحوثيين وسيلة لفرض حضورها في البحر الأحمر، حيث يشكل التحالف الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، تهديدًا لنفوذها، بتحالفها مع الحوثيين، تعزز موسكو قدرتها على تعطيل النشاطات الغربية في المنطقة، حيث أن الحوثيين يعتمدون على استهداف ناقلات النفط التي تتبع للدول الغربية وحلفائها كأداة ضغط، وهو ما يخدم مصالح روسيا الإستراتيجية ويؤثر بشكل غير مباشر على أسعار النفط العالمية.
توسيع النفوذ في الشرق الأوسط وتعزيز التحالف مع إيران:
تلتقي أهداف روسيا مع طهران في احتواء النفوذ الأمريكي في المنطقة، ويرتبط دعمها للحوثيين بشكل مباشر بتعزيز العلاقات مع إيران، التي تُعتبر الحليف الإقليمي الأول للحوثيين.
فمن خلال توفير الدعم السياسي لجماعة الحوثي، تسعى موسكو لكسب تأييد إيران وتعزيز الشراكة الإستراتيجية معها، والتي تمثل قيمة جيوسياسية مهمة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
مكاسب روسيا الإستراتيجية:
تعتمد روسيا في بناء سياستها في الشرق الأوسط على تحقيق مصالح إستراتيجية طويلة المدى، ويوفر دعم الحوثيين لموسكو العديد من المكاسب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
السيطرة على طرق الملاحة الدولية وتأثيرات على الاقتصاد:
يشكل البحر الأحمر شريانًا مهمًّا يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، مما يعني أن أي تهديد لأمن هذا الممر المائي الإستراتيجي يمكن أن يكون له تداعيات اقتصادية كبيرة، من خلال دعم الحوثيين، تتمكن روسيا من التأثير على هذا الممر بتهديد السفن الغربية وفرض وجود قوي في المنطقة، مما يعزز من تأثير موسكو على الاقتصاد العالمي ويُضعف من حدة العقوبات المفروضة عليها.
تعزيز مكانتها كوسيط دولي في النزاعات الإقليمية:
يسعى الكرملين إلى لعب دور الوسيط في أزمات الشرق الأوسط، حيث يمكن لموسكو عبر الحوثيين أن تلعب دورًا فعالًا في الأزمة اليمنية، وبالتالي تعزيز مكانتها كقوة دبلوماسية دولية، يشمل ذلك تقديم روسيا كوسيط “غير منحاز” يسعى لإيجاد حلول للنزاع، ما يعزز من مكانتها في المحافل الدولية، ويمنحها قدرة أكبر على ممارسة النفوذ في المنطقة.
مكاسب الحوثيين من الدعم الروسي:
توفر موسكو دعمًا سياسيًّا للحوثيين في المحافل الدولية، وتساعدهم في كسب شرعية أوسع أمام المجتمع الدولي، على الرغم من أن روسيا لم تعترف رسميًّا بالحوثيين كحكومة شرعية، إلا أن تعاملها معهم كطرف سياسي مؤثر يمنح الجماعة دعمًا غير مباشر ويعزز من موقفها الإقليمي.
دعم روسي ضد التحالف العربي:
يستفيد الحوثيون من الدعم الروسي في تحصين مواقفهم أمام التحالف العربي، حيث توفر موسكو دعمًا إعلاميًّا وسياسيًّا يساهم في الترويج للرواية الحوثية ويؤكد على “مظلوميتهم” أمام ما يصورونه كعدوان خارجي، كما أن روسيا، بتعاطفها مع إيران، توفر غطاء دبلوماسيًّا للجماعة، وهو ما يزيد من قدرتهم على مواجهة الضغوطات الدولية.
التكنولوجيا والمعدات العسكرية:
ورغم تحفظ روسيا في تقديم دعم عسكري مباشر للحوثيين، فإن تزويدهم بتكنولوجيا استخباراتية محدودة أو أدوات مراقبة يساعدهم في تطوير قدراتهم على استهداف السفن وتهديد ممرات التجارة، بما يعزز من قدرتهم على الضغط على المجتمع الدولي.
انعكاسات دعم روسيا للحوثيين على المنطقة:
تحمل التحركات الروسية في البحر الأحمر عبر الحوثيين عدة مخاطر وتحديات للمنطقة، حيث تُسهم هذه العلاقات في تعقيد الأزمة اليمنية وتزيد من احتمالية تصعيد التوترات في البحر الأحمر.
تهديد الأمن البحري في البحر الأحمر وقناة السويس:
يشكل دعم روسيا للحوثيين تهديدًا مباشرًا للأمن البحري في منطقة البحر الأحمر؛ خاصة أن الحوثيين يستهدفون السفن التجارية وناقلات النفط، قد يؤثر هذا الدعم الروسي على حركة التجارة الدولية، ويساهم في تأزيم الوضع الاقتصادي العالمي، مما يدفع بالدول الإقليمية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان أمن الممرات المائية الحيوية، وعلى رأسها قناة السويس التي تعد شريانًا مهمًّا للتجارة.
تعزيز النفوذ الإيراني وتنامي المد الشيعي:
إن الدعم الروسي للحوثيين، حليف إيران الأول في اليمن، يعزز النفوذ الإيراني ويزيد من المخاوف من توغل المد الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، ويشكل تهديدًا لدول الخليج ذات الأغلبية السنية، خاصة أن التحالف بين الحوثيين وإيران له طابع مذهبي يستهدف زيادة التمدد الشيعي، قد يثير هذا المخاوف الإقليمية ويدفع دول الخليج إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا لمواجهة هذا النفوذ المتزايد.
تحديات أمام التحالف العربي والأطراف الغربية:
يساهم الدعم الروسي للحوثيين في إضافة أبعاد جديدة للصراع في اليمن، حيث تواجه دول التحالف العربي تحديات أكبر في القضاء على التهديد الحوثي، وفي ظل دعم موسكو، يكتسب الحوثيون نوعًا من الحماية الدبلوماسية التي تعقد من مساعي التحالف الدولي لإيجاد حل حاسم للأزمة اليمنية، مما يؤجج التوترات ويطيل من أمد النزاع (9).
التداعيات المستقبلية لدعم روسيا للحوثيين: سيناريوهات واحتمالات:
قد تفتح الشراكة المتنامية بين روسيا والحوثيين الباب أمام عدة سيناريوهات مستقبلية تحمل تداعيات كبيرة على أمن واستقرار المنطقة.
سيناريو امتداد الدعم العسكري الروسي للحوثيين:
في حال تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، قد تلجأ موسكو إلى تعزيز دعمها العسكري للحوثيين، مما قد يقلب الموازين في الساحة اليمنية، من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الهجمات الحوثية على السفن، بما يهدد طرق الملاحة الحيوية ويزيد من التوترات بين الأطراف المتنازعة.
احتمالية جر المنطقة إلى نزاعات أكبر:
قد يؤدي تصاعد الدعم الروسي للحوثيين إلى نزاعات أكبر تتجاوز اليمن، حيث قد تشكل البحر الأحمر نقطة التقاء لصراعات النفوذ بين القوى الدولية، هذا السيناريو قد يدفع بالدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، إلى تعزيز تواجدها العسكري في المنطقة لمواجهة التهديد الحوثي المدعوم من روسيا، ما يضع المنطقة أمام احتمالية نشوب نزاع إقليمي واسع النطاق.
الخلاصة:
يعد دعم روسيا لجماعة الحوثي امتدادًا لإستراتيجيتها في مناهضة الهيمنة الغربية، مستفيدة من تواجد الحوثيين في البحر الأحمر لتحقيق مكاسب جيوسياسية، بينما يحصل الحوثيون على دعم سياسي ودبلوماسي يعزز من قدرتهم على مواجهة التحالف العربي.
ومع أن هذه العلاقة تحقق مكاسب لكلا الطرفين، إلا أنها تمثل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة، وتزيد من احتمالات التصعيد وتوسع دائرة النزاع إلى مناطق أخرى.
يمكن القول: إن استئناف روسيا لدورها الدبلوماسي في الأزمة اليمنية يمثل جزءًا من إستراتيجيتها للتأثير على ميزان القوى في المنطقة، حيث تسعى للاستفادة من جماعة الحوثيين كحليف محتمل لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، سواء كوسيلة ضغط على دول الخليج أو كأداة مواجهة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تسعى موسكو لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أنها قادرة على إدارة ملفات النزاعات الإقليمية بفاعلية، وأن حضورها في اليمن يعزز قوتها التفاوضية في قضايا أكبر، مثل الأزمة الأوكرانية ومواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
كما يمكن القول: إن تباين الأهداف الروسية والصينية في تعاملهم مع الحوثيين يعكس إستراتيجيات مختلفة لتحقيق مصالحهما.
وتتوقع روسيا تعزيز شراكتها مع الحوثيين كجزء من رؤيتها لمواجهة التحالف الغربي، في حين تسعى الصين إلى الحد من المخاطر عبر الاتصالات السرية والدبلوماسية.
ويجسد هذا المشهد حالة معقدة تتطلب من الطرفين توخي الحذر لتفادي التصعيدات التي قد تؤثر على مصالحهما في المنطقة، خاصة في ظل استمرار الأزمة اليمنية وتداعياتها على الأمن البحري في البحر الأحمر.
الدعم الروسي المستمر للحوثيين يُعتبر جزءًا من إستراتيجية موسكو لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط وضمان مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب الاستقرار الإقليمي.
هذه التحركات الروسية تدفع القوى الغربية إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها في المنطقة، خاصة في ظل تزايد الهجمات على السفن التجارية.
وفي هذا السياق، يتضح أن تعاون روسيا مع الحوثيين يمثل خطوة على طريق تصعيد التوترات الجيوسياسية، ويعكس إستراتيجية موسكو الأوسع في تعزيز نفوذها عبر قوى غير دول لتوسيع رقعة نفوذها العالمي، في مشهد يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الغربية في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك.
المصادر:
1_ الحل
2_ الجزيرة
3_ بلقيس
6_ المشاهد
7_ مونت كارلو
8_ الحرة
9_ يمن فيوتشر
10_ مركز أبعاد