العلاقات التركية العراقية.. ما بين هيمنة تركية على العراق ومخاوف بغداد من تداعيات التصعيد مع أنقرة

العلاقات التركية العراقية.. ما بين هيمنة تركية على العراق ومخاوف بغداد من تداعيات التصعيد مع أنقرة

لطالما كانت العلاقات التركية العراقية يشوبها الشدُّ والجذب طيلة عقود؛ إذ إن العلاقات ما بين بغداد وأنقرة منذ عشرينيات القرن الماضي، شهدت تقاربًا تدريجيًّا في أحيان، وصدامًا قد يصل حدَّ المواجهة في أحيان أخرى؛ إذ تنظر تركيا إلى منطقة المشرق العربي ككلٍّ والتي تضمُّ العراق وسوريا كجزء من مناطق نفوذها، في حين كان العراق قبل العام 2003م قوًى إقليمية ذا تأثير في القضايا العربية والشرق أوسطية؛ وعقب الغزو الأمريكيِّ للعراق في مارس 2003م، طفت على السطح القضايا العالقة والشائكة بين بغداد وأنقرة، أبرزها: القضية الكردية والخلافات المائية ما بين البلدين.

إلى جانب أن نشاط حزب العمال الكردستانيِّ؛ قد مكَّن تركيا من التدخل في الشأن العراقيِّ وانتهاك السيادة العراقية، عبر التوغُّل العسكريِّ التركيِّ في المناطق الشِّمالية للبلاد، وحاليًّا تعمل أنقرة على محاولة التأثير على القرار السياسيِّ العراقيِّ عبر الضغط من أجل تصنيف حزب العمال الكردستانيِّ كمنظمة إرهابية في العراق، مستغلةً بذلك حاجة العراق المُلحَّة إلى التنمية الاقتصادية بعد قرابة العقدين من الصراع والحروب في البلاد؛ فالاتفاقية الأمنية العراقية التركية الأخيرة، والتي جاءت إلى جانب سلسلة اتفاقيات شملت مجالات الطاقة والتجارة والمياه والنقل والصحة والتعليم؛ قد طرحت عدة تساؤلات حول دوافع وأبعاد التحركات التركية الأخيرة اتجاه العراق.

فكيف يمكن قراءة طبيعة العلاقات التركية العراقية خلال العقود الأخيرة؟ وما أبرز القضايا التي تؤثر على العلاقات بين البلدين؟ وكيف تتعامل أنقرة وبغداد مع القضايا الخلافية العالقة بينهم؟ وكيف تسعى تركيا للتأثير على القرار السياسيِّ العراقيِّ؟ وكيف يمكن قراءة أبعاد ودوافع الاتفاقية الأمنية المثيرة للجدل بين العراق وتركيا؟ ماذا عن مستقبل العراق في ظل التأثير التركيِّ على قضية المياه والقضية الكردية؟

يسلط مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على؛ العلاقات التركية العراقية ومحاولات أنقرة التأثير في الشأن الداخليِّ للعراق في ظل تحركات طرحت عدة تساؤلات حول الدور التركيِّ في البلاد؛ في هذه السطور الآتية:

تطورات العلاقات التركية العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي:

منذ قيام تركيا والعراق عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؛ برزت أولى الخلافات ما بين البلدين والتي عُرفت بقضية الموصل، إذ نشبت بين المملكة العراقية وجمهورية تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حول مصير ولاية الموصل العثمانية، فبعد حرب الاستقلال التركية اعتبرت تركيا الجديدة الموصل واحدة من القضايا الحاسمة المحددة في الميثاق الوطني.

ومع المقاومة المستمرة لقوات الثورة العربية في شبه الجزيرة العربية والمشرق، تمكنت بريطانيا من طرح هذه القضية في الساحة الدولية، وتوسيع نطاق ذلك وصولًا إلى جعلها مشكلة حدود بين تركيا والعراق؛ إذ عيَّن مجلس عصبة الأمم لجنة تحقيق والتي أوصت بأن تعود ملكية الموصل إلى العراق، فأجبرت تركيا على قَبُول القرار على مضض من خلال التوقيع على معاهدة الحدود مع الحكومة العراقية في عام 1926م، وقام العراق بمنح إتاوة 10 في المئة من الودائع النفطية في الموصل إلى تركيا لمدة 25 عامًا. (مركز البيان للدراسات والتخطيط).

وشهدت العلاقات التركية العراقية فتورًا إلى حدٍّ كبير، حتى انقلاب البعث العام 1958م، فلم تكن العلاقات العراقية التركية السياسية حسنة في عهد الرئيس العراقيِّ الراحل “صدام حسين”، وذلك لوجود مشاكل جوهرية ترتبط أساسًا بالعلاقات التركية المميزة مع كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى العلاقات المائية؛ فالمعروف أن نهري دجلة والفرات ينبعان من تركيا، والموقف التركيُّ من هذين النهرين يتناقض مع الموقف القانونيِّ الدَّوْليِّ.

أما على الصعيد الاقتصاديِّ: فيرتبط البلدان بعلاقات تجارية واسعة النطاق تأخذ شكل استيراد العراق للبضائع التركية بكميات كبيرة، بما جعل نقطة العبور بين البلدين من أهم المناطق التجارية التي تشهد حركة دخول الشاحنات التركية إلى العراق بشكل يوميٍّ وكبير.

وبالمقابل: فإن العراق يصدر نفطه المستخرج من كركوك عبر أنبوب النفط الذي يمرُّ بالأراضي التركية وصولًا إلى ميناء جيهان، حيث يصدر إلى أنحاء العالم، ومع زيادة قدرة العراق على التصدير وضرورة فتح منافذ جديدة، فقد تقرر فتح خط أنبوب نفطيٍّ آخر وأنبوب نقل الغاز عبر تركيا ليكون عاملًا من عوامل توثيق الروابط الاقتصادية بين البلدين الجارين، وبما يعود بالمنفعة المشتركة عليهما. (الجزيرة).

أبرز المواقف التي أثرت على العلاقات التركية العراقية:

أنتجت متغيرات ومستجدات الشرق الأوسط والعالم العربيِّ ككلٍّ، منذ الغزو الأمريكيِّ للعراق العام 2003م، مجالًا جيوسياسيًّا معقدًا ومتشابكًا؛ فالولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية لم يكتفوا بغزو العراق واحتلاله والاستيلاء على موارده وثرواته الطبيعية، وإنما عملت قوات الاحتلال أيضًا على تدمير الدولة العراقية وتحطيم البُنى التحتية للاقتصاد الوطنيِّ العراقيِّ، وإطلاق سلسلة من الحروب الأهلية والنزاعات والعنف الطائفيِّ المسلح في جميع أنحاء البلاد؛ إلى جانب التداعيات الكارثية طويلة الأمد على المجتمع العراقيِّ المتمثلة في آلاف الشهداء وتشريد نحو 5 ملايين عراقيٍّ داخل العراق وخارجه.

فالغزو الأمريكيُّ للعراق بُني على إستراتيجية تدميرية شاملة للمجتمع العراقيِّ، وتقسيمه إلى عدة دويلات جديدة؛ مما أوحى للدول المجاورة للعراق أن هناك نقطة تحول ستؤثر على سياسات تلك الدول، ومن الممكن أن تغير خريطة المنطقة بكاملها وتدفع أيضًا لتغيير تحالفات المنطقة الإقليمية والدولية؛ فإيران قد نظرت إلى العراق كساحة للحرب المفتوحة مع خصومها.

كما أن تركيا قد رسمت سياسات خارجية وعلاقات دولية جديدة تبعًا لمتغيرات المنطقة، لكن تبقى الجغرافيا السياسية من أهم وأقوى العناصر التي تظهر أهمية العلاقات التركية العراقية، وتبقى العوامل الجغرافية من أهم العوامل المؤثرة في توجيه السلوك السياسيِّ الداخليِّ والخارجي؛ إذ اهتمت تركيا بالعراق بصورة أعمق عقب الغزو الأمريكيِّ للعراق وثورات الربيع العربيِّ، فضلًا عن أن البعد التاريخيَّ يلعب دورًا محوريًّا أيضًا في رسم السياسة التركية إزاء العراق؛ إذ وبحسب مراقبين لا تزال أنقرة مقتنعة بأن الموصل وكركوك لا تزال ضمن خريطتها ومجال تأثيرها، وأن ضم الموصل وكركوك إلى بغداد وتشكيل العراق الحديث كان بدافع النفط.

وحاليًا وبالنظر إلى ما حققته تركيا خلال العقدين الأخيرين من تنمية اقتصادية وصناعية شاملة في البلاد؛ تطمح تركيا عبر موقعها الجغرافيِّ الرابط بين الشرق والغرب، وثقلها الاقتصاديِّ في الشرق الأوسط إلى التأثير في السياسة العراقية؛ فالتواجد الكبير للشركات التركية منذ العام 2003م قد ساهم في عملية إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية للعراق، فضلًا عن أن أهم أنابيب النفط التي يصدرها العراق تمرُّ عبر الأراضي التركية، ما جعل تركيا تسيطر على مصدر دخل ماليٍّ كبير للدولة العراقية.

وبالتالي فالعراق يعتمد بشكل كبير على تركيا، وهذا الاعتماد الاقتصاديُّ يتطلب بالضرورة استقرارًا في العلاقات السياسية التي تجمع البلدين؛ وعقب الغزو الأمريكيِّ وثورات الربيع العربيِّ في المنطقة، انطلقت الإستراتيجية التركية في سياساتها اتجاه العراق من عدة محددات؛ أبرزها:

الحيلولة دون تقسيم العراق على أساس طائفيٍّ أو عرقيٍّ؛ فبالرغم من الشدِّ والجذب في العلاقات التركية العراقية، إلا أن المصالح التركية تقتضي الحفاظ على وحدة الدولة العراقية، حيث إن تقسيم العراق سينتج عنه دولة كردية مستقلة والتي بدورها ستعزز التطلعات نحو دولة كردية مماثلة على الأراضي التركية في صفوف السكان الأكراد كثيري العدد في تركيا، إذ تضم تركيا النسبة الأكبر من الشعب الكرديِّ في المربع الحدوديِّ السوري العراقي الإيراني التركي.

كما أن حماية الأقلية التركمانية الناطقة بالتركية والتي تقيم بصفة أساسية في شمال العراق، يُعدُّ أحد أهداف السياسة التركية إزاء العراق؛ إلى جانب تصفية حزب العمال الكردستانيِّ والذي يُعدُّ أكبر حركة تركية – كردية مسلحة تنشط في الأراضي التركية منذ سبعينيات القرن الماضي؛ وعلى أثر الأضرار التي لحقت بالمناطق والقرى والبلدات الكردية جراء الصراع ما بين الجيش التركيِّ وحزب العمال الكردستانيِّ، لجأ الحزب نحو جبال كركوك والمناطق الحدودية السورية العراقية الإيرانية التركية للاحتماء وتوجيه الضربات ضد الجيش التركيِّ. (الشرق الأوسط).

وقد أدى الغزو الأمريكيُّ للعراق العام 2003م، والحسابات الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط والمتمثلة في التعاون مع القِوَى الكردية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابيِّ الذي سيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق العام 2014م، إلى نِقَاط خلافية أمريكية تركية بعثرت إستراتيجية تركيا إزاء العراق؛ وتنظر تركيا إلى العراق حاليًّا باعتباره أحد التهديدات التي قد تنتج عن قيام دولة كردية في المنطقة.

إجراءات أنقرة وبغداد لتطوير العلاقات بين الجانبين:

خلال الأشهر القليلة الماضية، عملت تركيا جاهدة لإعادة تنظيم العلاقات مع العراق، انطلاقًا من هدفين محوريين؛ الأول: تحول بنية حزب العمال الكردستانيِّ في العراق من الجبال إلى المدن وزيادة هجماته على تركيا؛ والثاني: مشروع طريق التنمية الذي توليه تركيا أهمية كبيرة، والذي سيغير مسار التجارة البحرية العالمية، كما ويتطلع العراق إلى ذلك المشروع لما له من عائدات تحسن من الأوضاع الاقتصادية الداخلية في البلاد.

وقد حذَّر الرئيس التركيُّ أردوغان ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنيِّ مؤخرًا، قيادة الاتحاد الوطنيِّ الكردستانيِّ بجدية حول علاقاتها مع حزب العمال الكردستانيِّ في شمال العراق؛ وزار رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية “إبراهيم كالين” السليمانية للتعبير عن انزعاج تركيا من تعاونها الوثيق مع حزب العمال الكردستانيِّ.

ليس ذلك فحسب؛ فقد أخبر الرئيس العراقيُّ “عبد اللطيف الرشيد” خلال زيارته إلى بغداد أن إدارة الاتحاد الوطنيِّ الكردستانيِّ، فتحت مجالًا لحزب العمال الكردستانيِّ للمناورة، مما أدى إلى زيادة الهجمات على القواعد التركية من شمال العراق. (الشرق للأخبار).

ونتيجة للعمليات العسكرية التركية (مخلب – قفل) منذ فترة، والعمليات التي نفذتها الاستخبارات ضد قادة حزب العمال الكردستانيِّ بطائرات بدون طيار، تحول حزب العمال الكردستانيِّ من المناطق الجبلية إلى الجنوب، نحو الموصل وكركوك ومدن أخرى وزادت قواعده، ولمنع ذلك؛ تهدف تركيا بالتعاون مع الحكومة العراقية، إلى توسيع عملياتها العسكرية خلال الأشهر القادمة.

وتسعى أنقرة لمنع هجمات حزب العمال الكردستانيِّ من خلال إنشاء خطٍّ بعمق 30 كيلومترًا من الحدود التركية، ووصف الرئيس أردوغان ذلك بأنه “إغلاق القفل”، غير أن الشارع العراقيَّ يرفض النشاط التركيَّ العسكريَّ في شمال البلاد؛ ما دفع أنقرة إلى الضغط عبر ورقة الاقتصاد لتوقيع الاتفاقيات الأمنية بين بغداد وأنقرة والتي وصفها مراقبين بأنها تضعف السيادة العراقية.

الاتفاقية الأمنية التركية العراقية:

حيث وقع وزير خارجية العراق “فؤاد حسين” ونظيره التركيِّ “هاكان فيدان” الأحرف الأولى من مذكرة تفاهم للتعاون العسكريِّ والأمنيِّ ومكافحة الإرهاب في 15 أغسطس الماضي، وهو ما يُعدُّ استكمالًا للاتفاقيات الأمنية التي وقعت في بغداد في 22 أبريل الماضي، بعد زيارة أجراها الرئيس التركيُّ “رجب طيب أردوغان” للعراق.

تضمنت إبرام سلسلة اتفاقيات شملت إلى جانب الأمن، مجالات الطاقة والتجارة والمياه والنقل والصحة والتعليم وتشكيل مجموعة التخطيط المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين خلال وضع اتفاقية الإطار الإستراتيجيِّ، التي تم توقيعها أيضًا خلال زيارة الرئيس التركيِّ الأخيرة. (المركز الكرديُّ للدراسات).

وعمدت الحكومة العراقية في مارس الماضي قبل زيارة أردوغان لبغداد إلى اعتبار حزب العمال الكردستانيِّ تهديدًا مشتركًا ثم إدراجه تنظيمًا محظورًا؛ وتبني العراق رسميًّا لهذه الأوصاف بحق الحزب كان المقدمة التي عجلت في موافقة أردوغان على عرضي الزيارة أولًا، والتوقيع على سيل الاتفاقيات وتشكيل اللجان المشتركة بين حكومته وحكومة “محمد شياع السودانيِّ”.

أبعاد ودوافع قَبُول بغداد للاتفاقيات الأمنية مع أنقرة:

وإمعانًا في سياسة تقديم المغرَيات قبل انطلاق الوفد العراقيِّ إلى أنقرة، حظرت بغداد ثلاثة أحزاب كردية في الـ6 من أغسطس الماضي، وهم حزب الحرية والديمقراطية الإيزيديِّ، وحزب جبهة النضال الديمقراطيِّ، وحزب حرية مجتمع كردستان، بدعوى موالاتهم لحزب العمال الكردستانيِّ، الأمر الذي أسعد الرسميين الأتراك بما يحمله مشهد حظر هذه الأحزاب من زيادة النفوذ والدور التركيِّ وتحوله إلى لاعبًا مؤثرًا في السياسة الداخلية العراقية.

وقد تكون الاتفاقية الموقعة في بغداد واستكمالها بأنقرة، واحدة من الأُحجيات السياسية التي ينبغي تفهم ما يقف ورائها والتي يتبعها السودانيُّ؛ إذ إنها تأتي على الدوام على حساب بغداد وأربيل، فضلًا عن أن العاصمتين العراقيتين كبلتا يديهما طواعية بسلسلة اتفاقيات أمنية وعسكرية لم يكن لها ضرورة قصوى على ما تقوله أحوال العراق وآراء نخبه السياسية والقانونية، فوق أنها شرعت التواجد العسكريَّ التركيَّ في العراق وحفظت له مرونة في الحركة بين المناطق التي تنتشر فيها نقاطه العسكرية.

فبعد أن كان البرلمان العراقيُّ بين عامي 2015م و2016م يدعو إلى خروج الجيش التركيِّ ويصنف تواجده على الأراضي العراقية بأنه “قوة احتلال”، باتت بغداد تشرع الوجود التركيَّ وتثقل كاهل حكوماتها المقبلة بقيود الاتفاقيات الأمنية والعسكرية؛ فالشارع العراقيُّ يزداد استياءً أمام الدور التركيِّ في البلاد، ومخاوف الحكومة العراقية من التداعيات الاقتصادية جراء الخلاف مع أنقرة قد دفعت بغداد نحو قَبُول الشروط التركية.

وتعود مساعي التوغل العسكريِّ التركيِّ في الأراضي العراقية إلى ثمانينيات القرن الماضي؛ إذ بدأت أثناء حرب الخليج الأولى انطلاقًا من عام 1983م فصاعدًا، ذلك أن العراق الغارق في حربه مع الجمهورية الإيرانية اتبع سياسة تقليل الأعداء، فمنح تركيا الضوء الأخضر اللازم للتوغل داخل الأراضي العراقية الحدودية. (صحيفة العرب).

وبعيدًا عن الاتفاقات والتفاهمات بين بغداد أو الأطراف الكردية وتركيا، اتبعت الأخيرة في عمليات تدخلها العاجلة ذريعة قانونية تمثلت باستخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول حماية أمنها القوميِّ والتدخل عسكريًّا في أراضي الدول الجارة لهذه الغاية، وهي المادة نفسها التي استخدمت في عمليات التدخل لاحتلال الشمال السوريِّ منذ عام 2016م.

لكن أيًا يكن أمر هذه المادة الملتبسة التي تطوعها أنقرة لطموحاتها التوسعية، فإنها معقودة قانونيًّا على وجوب إخطار تركيا لمجلس الأمن بعملياتها وفقًا لهذه المادة، وهو ما لا تقوم تركيا بفعله أثناء تنفيذها لعمليات التوغل والاحتلال في سوريَا والعراق؛ ويبدو أن النفط والموارد الطبيعية والمعدنية تُعدُّ أحد العوامل للتوغل العسكريِّ التركيِّ في الشأن العراقيِّ بحسب مراقبين، وفي ظل حاجة العراق الملحَّة للاستثمارات التركية، يبدو أن بغداد تقف في موقف صعب ما بين إبرام الاتفاقيات التركية، أو التصعيد مع أنقرة؛ ما سيلقي بظلاله على الاقتصاد العراقيِّ ويؤثر على الاستقرار السياسيِّ في البلاد.

قضية المياه بين العراق وتركيا:

لا يقتصر الدور التركيُّ في العراق على التأثير في القرار السياسيِّ فقط إزاء التعامل مع القضية الكردية، بل إن تركيا قد خلقت صراعات عدة مع العراق؛ إذ شهد مِلَفُّ الموارد المائية بين العراق وتركيا تقلبات وأزمات، تمثلت في بناء تركيا لسدود ومشاريع على منابع نهري دجلة والفرات في داخل أراضيها، ما أدى إلى نقص شديد في كميات المياه الداخلة إلى العراق وانعكاس ذلك سلبًا على الزراعة والريِّ، وزيادة مساحات التصحر والملوحة وانعدام الزراعة في مناطق كبيرة، ما جعل القطاع الزراعيَّ يعاني من نقص كبير في الإنتاج والاضطرار إلى استيراد أكثر احتياجات العراق الزراعية من الخارج.

ولا شك أن هذا الوضع لا يمكن القبول به لما يمثله من أخطار حقيقية على الواقع الزراعيِّ والمعيشيِّ في العراق؛ وذلك يستدعي اتفاقًا منصفًا مع الجانب التركيِّ يؤمن حصة مناسبة للعراق من مياه النهرين، ويجنبه مواجهة مواقف مماثلة في المستقبل؛ وصحيح أن على الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات عملية من جانبها لإقامة السدود الصغيرة واستثمار المياه في موسم الوفرة، ولكن أي اتفاق مع تركيا سيضع الأمور في نصابها ويرتب التزامات تدخل ضمن المصالح المتبادلة ومبادئ حسن الجوار.

وكان العراق قد اتهم عدة مرات تركيا وإيران بمواصلة حجب المياه عن نهري دجلة والفرات، رغم هطول الأمطار والثلوج في كلا البلدين؛ ورغم قانونية الموقف العراقيِّ كون أن الأنهار العابرة للحدود تحكمها اتفاقيات وقوانين دولية، إلا أن تركيا لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح العراقية والقانون الدَّوْليِّ إزاء مشاريعها المائية. (بي بي سي عربية).

مستقبل العلاقات التركية العراقية في ظل التطورات الحالية:

ويبدو أنه ومع استمرار السياسة التركية الحالية الساعية إلى التدخل في الشأن العراقيِّ، والتأثير على القرار السياسيِّ للبلاد، إلى جانب تعاطي حكومة “محمد شياع السودانيِّ” مع الاتفاقيات الأمنية العراقية التركية، والتي تمس المصالح السيادية العراقية؛ يبدو أن العلاقات التركية العراقية قد تشهد تأزمًا خلال الأعوام القليلة القادمة، مع زيادة الاستياء الشعبيِّ الواسع في الشارع العراقيِّ من جهة، إلى جانب طرح بدائل منصفة ومتكافئة للتعاون العراقيِّ التركيِّ من جانب قِوَى وتكتلات سياسية وحزبية في الداخل العراقيِّ من جهة أخرى.

وبالنظر إلى تحركات بغداد خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات والتعاون مع الدول العربية، عبر إنشاء مشروع الشام الجديد، والربط الكهربائيِّ بين السُّعُودية والعراق، إلى جانب سعي السُّعُودية لمنافسة النشاط الاقتصاديِّ التركيِّ في العراق، لإخراجه من دائرة النفوذ التركيِّ والإيرانيِّ والأجنبيِّ ككلٍّ؛ وبأخذ الاستياء الشعبيِّ العراقيِّ من الاتفاقية الأمنية وطبيعة العلاقات مع تركيا، فإن جميعها عوامل ترجح تأزم العلاقات التركية العراقية خلال السنوات القادمة، ما لم تضع تركيا المصالح العراقية في الاعتبار إزاء تحركاتها وسياساتها اتجاه العراق.

الخلاصة:

تعود العلاقات التركية العراقية الحالية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ أدت هزيمة الدولة العثمانية وسيطرة القوات البريطانية والعربية على مناطق المشرق، إلى قيام دول جديدة في المنطقة من بينها العراق وتركيا؛ وسريعًا ما تعارضت الأهداف والمصالح في المنطقة بين البلدين، وانحصرت العلاقات ما بين بغداد وأنقرة في تعاون محدود طيلة القرن العشرين، إلا أنه ومع الغزو الأمريكيِّ للعراق، وما تلاه من تداعيات وثورات الربيع العربيِّ وغيرها؛ اتبعت تركيا سياسات جديدة إزاء العراق، سعت من خلالها للتأثير على القرار السياسيِّ للبلاد بما يضمن مصالحها مستغلةً ورقة الاقتصاد للضغط على الحكومة العراقية؛ وبالتالي فيمكن وصف العلاقات التركية العراقية حاليًّا بغير المتكافئة وتسير في اتجاه واحد لخدمة المصالح والأهداف والتطلعات التركية، ولا يبدو أنها ستستمر على هذا النحو لعدة سنوات أخرى.

 المصادر:

مركز البيان للدراسات والتخطيط

الجزيرة

الشرق الأوسط

الشرق للأخبار

المركز الكردي للدراسات

صحيفة العرب

بي بي سي عربي

أنقرةالأكرادالشرق الأوسطالعراقتركيا
Comments (0)
Add Comment