اليمن… سيناريوهات ما بعد فشل تمديد الهدنة

اليمن… سيناريوهات ما بعد فشل تمديد الهدنة

أثار إعلان الأمم المتحدة بفشل الجهود المبذولة في اليمن لتمديد الهدنة حالة من الاستياء والريبة على مستقبل الأوضاع في اليمن؛ خاصة وأن الحوثيين لا يعرفون العهود والمواثيق، فقط كل ما يهمهم هي دولة الخميني التي تتصدر المشهد العالمي وامتدادها على طول خط الوطن العربي، والناظر للمشهد الحالي والأوضاع اليمنية يجد أن طبول الحرب تقرع من جديد وتنذر بأحداث قاسية وصعبة تلقي بظلالها على ربوع الشرق الأوسط بعد هدوء ساد لمدة ستة أشهر.

ومع توالي الأحداث وسرعتها إلا أن جميع مَن في المشهد اليوم يخشى من الحرب وتداعياتها؛ إلا أن هناك العديد من التكهنات والتساؤلات حول السيناريوهات القادمة؛ خاصة بعد فشل الجهود الرامية للسلام، ولكن هذه المرة طبول الحرب دقت بالتوازي مع الحرب الأوكرانية – الروسية، وهو حدث عالمي وتأثيره عالمي على المستوى الدولي، فكثير من المراقبين والمحليون يتوقعون اشتعال حرب ضروس لن يمكن إخمادها بسهولة.

الحرب اليمنية:

تدور الحرب اليمنية منذ عام 2014، وهي حرب طائفية من الطراز الأول؛ لأنها تمثل الحرب بين الحوثيين المدعومين من دولة الملالي الإيرانية بهدف تطبيق الخطة الشيعية، وبسط النفوذ، والسيطرة لخنق أهل السنة في ربوع الأوطان والبلاد، وعلى الصعيد الآخر: نجد قوات الحكومة اليمنية الشرعية والتي تساندها الدولة السعودية لصد الأطماع والأخطار الإيرانية الشيعية التخريبية، وقد راح ضحية هذه الحرب المئات، بل الآلاف من الشعب اليمني، وما زالت الحرب قائمة إلى الآن.

وكانت الأمم المتحدة قد توصلت لعقد هدنة بين الطرفين الحكومي والحوثي لوقف القتال، وهذه الهدنة استمرت لمدة 6 أشهر، وقد حاولت المنظمة مد مدة الهدنة مرة أخرى؛ إلا أن هذه المحاولة بائت بالفشل، وأصر الطرفان على إنهاء الهدنة والتوجه لسيناريوهات لا يعلمها أحد، ولكن يمكن التكهن بها.

سبب فشل تمديد الهدنة:

رفض الحوثيون خطة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتمديد الهدنة التي انطلقت على أساس أن تستمر شهرين ثم تم تجديدها على مرحلتين، إلى مدة ستة أشهر، وتوسيعها لتشمل نقاط اتفاق جديدة.

لكنَّ المتمردين طالبوا بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين المتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم “دون تمييز”؛ ما يعني أن تقوم الحكومة اليمنية بدفع رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًّا وعسكريًّا.

كما جددوا المطالبة بالسماح بدخول المشتقات النفطية والسفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية، الى مناطقهم؛ إلا أن البعض يرى أن مطالب الحوثيين تكاد تكون تعجيزية.

وهذا ما أكدته الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال: أن مطالب الحوثيين “غير واقعية في هذه المرحلة المبكرة”، معتبرة أنهم يطالبون بما يعد “تنازلات سيكون من الصعب للغاية تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة”.

وبحسب كيندال: فإن “الانطباع الموجود هو أن الحوثيين غير مهتمين حقًّا بمواصلة الهدنة”.

بالإضافة إلى الباحث في مركز “مالكوم كير – كارنيغي” ومقره بيروت، أحمد ناجي؛ الذي يرى أنّ الهدنة “فشلت بسبب خلل التوازن في طرفي معادلة الحرب”.

ويوضح أن “جماعة أنصار الله (الحوثيون) تعتقد أنها الطرف الأقوى بعد سبع سنوات من الصراع، وأن الحرب لا يجب أن تنتهي عند هذه النقطة، وأنهم يستطيعون الحصول على مكاسب إضافية خصوصًا مع الرغبة الكبيرة في تجديد التسوية (الهدنة) لدى الطرف المناوئ”(1).

السيناريوهات المتوقعة:

يرى الصحفي والباحث اليمني، محمد الأحمدي: أن ثمة ثلاثة سيناريوهات على الأقل لما بعد فشل التوصل إلى تمديد الهدنة في اليمن.

الأول: يكمن في “اشتعال الحرب مجددًا، ولكن على نطاق محدود، وقد بدأت مؤشراتها من خلال هجمات الحوثيين على مواقع الجيش في جبهات تعز واشتعال المواجهات في بعض جبهات هذه المحافظة”.

بالإضافة إلى أن المليشيات الحوثية تهدف من خلال هذه الهجمات إلى “إحراز مكاسب عسكرية خاطفة تمكنها من فرض شروطها المتعلقة بتحميل الحكومة رواتب موظفي الدولة، وتوسيع وجهات الرحلات من مطار صنعاء، وإلغاء كافة القيود على واردات ميناء الحديدة”.

و بناء على تلك المكاسب، فيمكن أن تلعب سلطنة عمان دورًا في إعادة صياغة مسودة المقترح الأممي حول توسيع وتمديد الهدنة بحيث تستوعب اشتراطات الحوثيين.

الثاني: ومن السيناريوهات المحتملة التي لا يستبعدها البعض هو “احتمال عودة غارات التحالف (بقيادة السعودية) على نطاق محدود تستهدف تمركزات مليشيا الحوثيين على خطوط التماس في تعز ومأرب”.

بل وربما تتسع غارات التحالف لتشمل أهدافًا في العاصمة صنعاء وصعدة (المعقل الرئيس للجماعة شمال البلاد)، في حال صعدت مليشيا الحوثي عسكريًّا باستهداف منشآت حيوية في الأراضي السعودية، وذلك تنفيذًا لتهديدات المليشيا غداة إعلانها رفض تمديد وتوسيع الهدنة.

الثالث: من الممكن أن تستمر الهدنة بصورة هشة تنجح خلالها المساعي الأممية والإقليمية والدولية في احتواء مطالب الحوثيين مقابل التوقف عن أي تصعيد عسكري(2).

الحوثي يتظاهر بدور المنتصر:

ووفقًا لعبد الغني الإرياني، وهو باحث بمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية “فإن الهدف الإستراتيجي للحوثيين هو التوسط في صفقة مع السعودية تسمح لهم بالسيطرة الكاملة، من دون الأطراف اليمنية الأخرى، على مناطق شمال اليمن أو الأجزاء الواقعة تحت سيطرتهم”.

وأضاف: “وسعيًا لتحقيق هذا الهدف، فإنهم سيفعلون ما هو ضروري لدفع السعوديين للعودة إلى المفاوضات المباشرة، ومن المحتمل أن يستمروا في إصدار تهديدات تستهدف السياحة السعودية والمنشآت النفطية”.

وتابع: “إذا لم ينجح ذلك، فسيشنون هجماتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية عندما يكون ذلك أكثر ضررًا على الأرجح، في النصف الأول من نوفمبر2022، مع اقتراب النمو المتوقع في قطاع السياحة بسبب اقتراب كأس العالم، حيث دشنت السعودية حملة لجذب السياح الدوليين الذين سيسافرون إلى الدوحة القريبة لحضور البطولة التي تبدأ في 20 نوفمبر2022، هذا هو الوقت الذي ستكون فيه المملكة العربية السعودية في أضعف حالاتها”(3).

الدور العالمي في الحرب اليمنية:

في حين يضع ملايين اليمنيين أياديهم على قلوبهم خشية اشتعال براكين الحرب مجددًا يستبعد رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد عودة المواجهات؛ لأن الهدنة أصبحت مطلبًا خارجيًّا أكثر منه استحقاقًا داخليًّا في هذا الظرف.

وأضاف في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن هناك كثيرًا من العوامل والظروف التي أسست على أن تكون الهدنة مفروضة على الطرفين سواء وافق الحوثي على بعض التحفيزات التي وضعت له أو لم يوافق.

وعن هذه التحفيزات يرى أن الظروف الدولية باتت تضغط باتجاه وقف الحرب ومنها أن الرئيس الأميركي جو بايدن لديه انتخابات نصفية ووعد بإيقاف حرب اليمن وعند وصوله إلى البيت الأبيض كان أول عمل قام به “رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب”؛ ولذلك يتوقع من الحوثيين أن “يردوا له الجميل كما لن يقوموا بأي أعمال عسكرية في هذا الظرف، وحتمًا سيقبلون بالتمديد للهدنة مجبرين”.

إضافة إلى ذلك: أوروبا أيضًا بحاجة إلى تأمين نقل الطاقة، وبالتالي ستضغط باتجاه بقاء الهدنة وهو الاتجاه الذي يرغب فيه الخليجيون، وتحديدًا قطر التي تريد استضافة كأس العالم 2022 بأجواء آمنة في المحيط الإقليمي لها(4).

نظرة الحكومة اليمنية الشرعية للأوضاع:

قد يبدو الوضع معاكسًا بالنسبة للحكومة الشرعية؛ إذ إنها لا تزال تحظى بدعم إقليمي ودولي، بل تعزز هذا الدعم مع تغير وضع الحكومة في ظل تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لإعطاء حيوية للمنظومة الشرعية بعد مرحلة من الجمود خلال سنوات الحرب، وتخلخل أركانها السياسية مع تنامي نفوذ حزب الإصلاح في داخلها.

 كما شكل هذا المتغير فرصة لاستقطاب أصحاب المصالح المشتركة المعادية للمشروع الحوثي، فيما كان يعول على الهدنة في عملية إعادة هيكلة القوة العسكرية لبناء ميزان جديد للقوة يمكن من خلاله التصدي للتصعيد الحوثي، لكن في واقع الأمر فإن جردة حساب مجلس القيادة الرئاسي خلال الهدنة لم تعكس إرادة سياسية لانتهاز هذه الفرصة، في ظل حالة التصدع وعدم القدرة على إدماج المصالح المتباينة داخل هيكل المنظومة السياسية الجديدة، وهي نقطة الضعف التي تستفيد منها الحركة الحوثية(5).

الشعب اليمني الخاسر الأكبر:

يُهدد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج آلاف بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي دُمّرت بنيته التحتية، ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار؛ بالإضافة إلى أن الشعب اليمني سيخسر الأمل الذي رافق فترة الهدنة بأن الحرب قد تنتهي باتفاق سياسي. وأيضًا: ستنعكس تبعات عودة المواجهات العسكرية على المدنيين في اليمن بشكل كبير”.

كما أن الخسارة من عدم تمديد الهدنة “ستطال” كذلك “الدول الإقليمية: السعودية والإمارات، عبر الهجمات العابرة للحدود”(6).

الخلاصة:

عند النظر إلى الحرب اليمنية لا بد والنظر لها بمنظورين: أحدهما: داخلي، والآخر خارجي، وعند النظر بالنظرة الداخلية؛ نجد أن الحوثي لا يتحرك إلا بموافقة إيرانية؛ لأنه الذراع والابن البار لدولة الملالي، ولا يهمه الأوضاع المعيشية والحياتية للناس، وبالنظر للتوقيت الحالي نجد أن الوقت حساس، وسيدفع الحوثي للجلوس على طاولة المفاوضات؛ خاصة بعد الأحداث العالمية وما يحدث في إيران.

كذلك من الممكن أن نجد ضغط دولي لتنفيذ مطالب الحوثي على حساب الحكومة الشرعية في اليمن؛ إلا أن لغة السلاح تبقى موجدة ولا يمكن إغفالها، خاصة مع وجود تحالف دعم الشرعية الذي لا يمكن التنازل في حماية حقوق ومصالحه.

بالإضافة إلى ذلك قد نجد مزيد من الاستفزازات الحوثية لدول الخليج من طيران مسير وتحرش بالسفن وصواريخ المدى البعيد، كذلك من الممكن فتح معارك جزئية مع انتظار ضغط دولي لتحقيق مطالبه أو جزء منها.

المراجع:

1_ أورو نيوز – انهيار الهدنة في اليمن… ما السناريوهات المقبلة المحتملة؟

2_ المهرة بوست – ماذا بعد فشل التوصل إلى تمديد الهدنة في اليمن؟ أشرف الفلاحي

3_ شباب نت – عودة الحرب بسيناريوهات مختلفة… ما المخاطر المحلية والإقليمية لفشل تمديد هدنة اليمن؟ أبو بكر الفقيه

4_ الإندبندت – ربما يعاد تصنيف “الحوثي” جماعة إرهابية وسط مخاوف مجتمعية ودولية من تفاقم الوضع الإنساني الأسوأ في العالم – توفيق العلي وهشام الشبيلي

5_ مركز الأهرام للدراسات – الهدنة اليمنية: جردة حساب – أحمد عليبة

6_ مأرب برس – الكشف عن 4 سيناريوهات حوثية ما بعد فشل تمديد الهدنة_ عبد السلام محمد

إيرانالحوثييناليمن