الوجه الحقيقي لآبي أحمد.. من السلام إلى القتل والإبادة

الوجه الحقيقي لآبي أحمد.. من السلام إلى القتل والإبادة

ظهر آبي أحمد للوهلة الأولى وهو يقدم نفسه للشعب الإثيوبي بوجهٍ بشوش، وكلمات لامعة عن نبذ العنف وتنحية الخلافات، مؤكدًا للجميع أن ورقة السلام هي الحل لأزمات الإثيوبيين، وما أن وصل إلى الحكم، تغيرت لهجته وباتت كلمة “الحرب” أكثر مرادفات خطاباته تكرارًا، وكأنه داهن الجميع واستغل أحلام الإثيوبيين في السلام والازدهار، واتخذ منها سبيلًا للانقلاب على من في الداخل والخارج، بداية من عرقية الأورومو التي تدرج فيها حتى بات أحد زعمائها وأوصلته إلى سُدة الحكم كرئيس لوزراء إثيوبيا، مرورًا بشباب إثيوبيا الذين تغنوا باسمه، ورفعوا له شعارات، وتوسموا فيه الأمل.

وحتى عرقيات الأمهرة والتيجراي ثاني وثالث أكبر العرقيات بعد الأورومو، وحتى جيرانه -الصومال وإريتريا وجيبوتي- الذين لم يسلموا من شره وأذاه وأطماعه، وما سياسة إثيوبيا المتعجرفة في بناء وملء سد النهضة دون أدنى اعتبار لحقوق دولتي المصب: مصر والسودان التاريخية في مياه نهر النيل عن عيون العالم ببعيد؛ ولذلك سنسعى في هذا التقرير جاهدين لكشف وجه آبي أحمد الحقيقي وسياسة الاحتيال التي يمارسها دائمًا للوصول إلى أغراضه التي تكون على أكتاف “بل وحياة” الآخرين؛ سواء شعب إثيوبيا بعرقياته المختلفة، أو دول الجوار الإثيوبي والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، وحتى دول جوار نهر النيل.

ماذا نعرف عن إثيوبيا وآبي أحمد؟

إثيوبيا أو بلاد الحبشة هي دولة حبيسة لا تطل على أي بحار أو محيطات، تقع في منطقة القرن الإفريقي، عاصمتها: أديس أبابا، ويحدها كلٌّ من: جيبوتي والصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان وكينيا، وتتكون إثيوبيا من 9 ولايات فيدرالية تتمتع بحكم ذاتي، هم: عفار وأمهرة وبني شنقول – قماز وجامبلا وهررجي وأوروميا وأوجادين والأمم الجنوبية، وتيجراي وأديس أبابا، وديري داوا، ومدينتان ذات وضع خاص بالأمهرية هم: “أستدادر أكبابيوتش”، وفي إثيوبيا عشرات العرقيات أكبرهم على الترتيب: عرقية الأورومو والأمهرة والتيجراي، وعانت إثيوبيا لعقود كونها متعددة العرقيات حيث كل إقليم به عرقية تعد دولة داخل الدولة، ولو وجدت أي عرقية منهم خاصةً أكبر ثلاث عرقيات الفرصة لاستقلت وحكمت نفسها ذاتيًّا، ومنذ نهاية القرن العشرين وحتى اليوم يعاني الإثيوبيين من ظلم واضطهاد عرقية تيجراي ورئيس وزراء إثيوبيا السابق زيناوي الذي فضَّل عرقيته التيجراي، واضطهد وظلم الجميع، وتبلغ مساحة إثيوبيا الإجمالية مليون و100 ألف كيلومتر مربع ويقطنها أكثر من 126 مليون نسمة، شهدت إثيوبيا العديد من الانقلابات والانتفاضات وتغير أنظمة الحكم وتعرض شعبها لعدة حروب وإبادة جماعية وسنوات من الأزمات الاقتصادية والجفاف والجوع؛ لذلك نظر الإثيوبيين لآبي أحمد على أنه منقذهم؛ لا سيما وأنه كان ينادي بنبذ العنف والحرب.

وُلد آبي أحمد في أغارو بمدينة جيما بإقليم الأورومو، والتحق بالجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، ثم الجيش الإثيوبي، وانتُخب عضوًا بالبرلمان الإثيوبي عام 2010، و2015 كعضو للجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، ووزيرًا للعلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية من 2016 إلى 2017، ونائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016، وبعد اندلاع أعمال عنف واحتجاجات مناهضة للحكومة بسبب نزاع بين عرقية آبي أحمد أورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، اتسعت الاحتجاجات لتشمل المطالبة بحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف، فأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين، واختار ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية آبي أحمد رئيسًا للائتلاف ما جعله رئيسًا للوزراء بشكل تلقائي خلفًا لديسالين.

وما أن وصل آبي أحمد إلى الى رئاسة وزراء إثيوبيا عام 2018 بدعم من عرقيته أورومو، تعامل مع الشعب الإثيوبي على إنه قائد إصلاحي قادر على استيعاب الجميع داخل الدولة، وأنه سيكون منصفًا مع جميع العرقيات، ونجح في التصالح مع إريتريا، والتقى نظيره الإريتري ووافق على تسليم منطقة بادمي الحدودية المتنازع عليها إلى إريتريا -رغم أن هذا الاتفاق لم يتم حتى الآن ولم تتسلم إريتريا فعليًّا منطقة بادمي الحدودية- وبعد ما نال جائزة نوبل للسلام عام 2019 بعد السلام مع إريتريا قال: “الحرب تخلق رجالًا عنيفين ومتوحشين بلا رحمة”.

الوجه الحقيقي لآبي أحمد:

رغم حديث آبي أحمد المتواصل عن السلام وزعمه أن يكره العنف والحرب، وأطروحته في رسالته للدكتوراة التي أكَّد فيها بأن حل النزاعات لا يقتضي محاربة العنف إلَّا بأدوات رد الفعل فقط، وأنه ينبغي لحل التوترات والاضطرابات معالجة أسبابها الهيكلية، مثل: التعصب والتهميش الاجتماعي والتفاوت الاقتصادي، إلَّا أنه ما إن استتب له حكم إثيوبيا وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019، ضرب بهذه التصريحات والمفاهيم عرض الحائط ونَسِيَ أي معاني للسلام، وقام بعدة جرائم وانتهاكات ما بين القتل والإبادة ومنع المساعدات.

ويقول ديكلان وولش، مراسل نيويورك تايمز في كينيا: إن هناك قصة وراء فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بنوبل للسلام، وهي أنه استخدمها للتحضير لحرب طويلة بمشاركة جارته إرتيريا ضد عرقية التيجراي؛ لأنها كانت تسيطر على مفاصل الدولة والجيش، وأن التحضيرات شملت لقاءات سرية وتحريكًا سريًّا للقوات، وشهورًا من العمل سبقت العدوان على تيجراي.

إبادة تيجراي:

سعى آبي أحمد بكل ما أوتي من قوة لإبادة عرقية التيجراي التي كانت تحكم إثيوبيا لعقود، وأطلق حملة عسكرية في إقليم تيجراي في الرابع من نوفمبر عام 2020؛ وقطع خطوط الإنترنت والهاتف في الإقليم بهدف القضاء على العرقية وحزبها الحاكم، ونشر آبي أحمد القتل والجوع بين سكان إقليم تيجراي وعرَّض أكثر من 5 مليونًا في الإقليم للمجاعة!

ووفقًا للأمم المتحدة دمَّرت القوات الإثيوبية جسورًا حيوية؛ لمنع وصول المساعدات الأممية إلى تيجراي، وتسببت جرائم الحرب في خسائر بشرية هائلة وأزمة إنسانية مروعة، وارتكب عمليات اغتصاب بحق نساء تيجراي، وأجبر نساءً في مناطق نائية على ممارسة الرذيلة والاغتصاب مقابل الطعام وسلع أساسية.

وتؤكد شهادات نقلتها الأمم المتحدة: أن عرقية تيجراي تعرضت إلى تطهير عرقي عبر استهداف الجيش الإثيوبي لنساء تيجراي من أجل منعهم من إنجاب المزيد من الأطفال، وتم تسجيل ما لا يقل عن 200 حالة اغتصاب لفتيات دون سن الـ 18 في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية في ميكيلي، وساعدت أقلية أمهرة الجيش الإثيوبي في إبادة تيجراي، وتعرضت قرى كاملة للدمار الشديد أو مُحيت تمامًا، بجانب حملات تغير ديموغرافي لسكان تيجراي عبر طردهم بالقوة تحت غطاء الحرب، ووثق تقرير للعفو الدولية نهب وحرق منازل تيجراي وهروب السكان، وفي المقابل كانت المدن ذات الأغلبية الأمهرية تشهد ازدهارًا على حساب حياة أهالي تيجراي، كما ساعدت جنود إريتريين في قتل عرقية تيجراي على مدار عشرة أيام في شهر نوفمبر 2020، حيث قاموا بقتلهم في الشوارع رميًا بالرصاص.

ووصفت صحف ألمانية، منها: شبيجل وميركيشه أودرتسايتونغ وفرانكفورتر روندشاو ما يحدث من عدوان على تيجراي، بأن عشرات الآلاف من النازحين من جحيم المذابح فروا نحو السودان، وأن الوضع الإنساني في مخيمات تيجراي بات على حافة الانفجار، وأن آبي أحمد خدع الجميع وأظهر وجهه الحقيقي، ويقول أوول ألو المحاضر في القانون بجامعة كييل في إنجلترا: إنه لا يوجد الآن فرق بين نظام آبي والنظام السابق في أديس أبابا في التعامل مع المعارضة والرأي المخالف، مضيفًا: “إننا إزاء إثيوبيا الكلاسيكية حيث يُستخدم القانون فيها كأداة لتشويه أصحاب الآراء المخالفة لإسكاتهم”.

كما رفض آبي أحمد دعوات الوساطة حتى من الاتحاد الإفريقي الذي يقع مقره في أديس أبابا، وأكد بايتون نوب كبير المستشارين في معهد الولايات المتحدة للسلام: أن آبي أحمد اعتقل رموز المعارضة وأخضع وزير الدفاع السابق ليما ميغرسا للإقامة الجبرية رغم أنه لعب دور أساسي في وصول آبي لرئاسة الوزراء عام 2018، وأوضحت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أن الوضع في تيجراي كان متفجرًا، وأن عشرات الآلاف نزحوا من تيجراي إلى السودان وإريتريا في مخيمات مقطوعة عن كافة إمدادات المنظمات الإنسانية.

وأكدت باشليه أن إقليم تيجراي شهد العديد من عمليات الخطف والعنف الجسدي والتجنيد القسري من أجل قتال عرقيتهم بالقوة، ونددت بمنع آبي أحمد فريق الأمم المتحدة من الوصول للإقليم وتقديم المساعدات، وأن قوات إثيوبية أطلقت النار على فريق للأمم المتحدة في إقليم تيجراي، وشددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وقتها بأن الصراع في تيجراي ترك قرابة 2.3 مليون طفل بحاجة ماسة للمساعدة، وبعد الحرب تم انتشال مئات الجثث المشوهة في نهر تيجراي على حدود السودان، ولعل السبب الرئيسي والأخير الذي جعل آبي أحمد يُحرك الجيش لقتل التيجراي رفض العرقية الانضمام إلى حزب الازدهار الذي أسسه آبي أحمد للسيطرة على الحياة السياسية والانتخابات، ويضم 8 أحزاب بينها 3 رئيسية تشكل الائتلاف الحاكم بالبلاد، وهي: (الأورومو الديمقراطي، والأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا)، والأحزاب الموالية للائتلاف، وهي: (عفار، والصومال الإثيوبي، وجامبيلا، وبني شنقول جومز وهرر).

اضطهاد أورومو:

حتى عرقيته التي تربى فيها وتدرج في حزبها السياسي حتى بات زعيمًا لها ثم رئيسًا للوزراء عبر دعمها ومساندتها له، مارس آبي أحمد في أفرادها كل أنواع الاضطهاد حتى أقاربه وعائلته شهدوا نفس الاضطهاد، وعرقية أورومو هي أكبر عرقية في إثيوبيا، وتشكل قرابة 35% من شعب إثيوبيا أي: أكثر من 40 مليون وتدين الغالبية العظمى منهم بالإسلام على عكس تيجراي وأمهرة، ورغم أن آبي أحمد وصل لرئاسة الوزراء بعد مظاهرات عرقية أورومو بسبب نزاع على أملاك تطورت للمطالبة بحقوق إنسانية، وانتهت باستقالة رئيس الوزراء السابق، إلَّا أن الاضطهاد لم ينتهِ، وهذه المرة على يد فتاهم الذي أوصلوه إلى الحكم، وزادت احتجاجات عرقية أورومو بسبب سياسة التهميش والتعسف ضدها وآلاف الاعتقالات من قبل قوات الأمن الحكومية ضد أبناء العرقية، ما اضطر جيش تحرير أورومو إلى محاربة الحكومة الإثيوبية منذ عام 2018، وتحديدًا في منطقة أوروميا الغربية، كما اشترك جيش تحرير أورومو وقوات دفاع التيجراي في الحرب ضد الجيش الفيدرالي، ووقعا اتفاقية للتعاون في كفاحهم ضد حكومة آبي أحمد، ورغم تاريخ العداء بين العرقيتين والاختلاف الشديد، إلَّا أن جرائم آبي أحمد جمعتهم، وبجانب المواجهة المسلحة بدأت الاحتجاجات القومية ضد آبي أحمد، وشارك في هذه الاحتجاجات عدة قوميات، منها: القومية الصومالية -إقليم أوجادين الصومالي في الأصل- والأمهرة بل والأورمو أنفسهم، كما قام آبي أحمد بمذبحة للعشرات من عرقية أمهرة كانوا يعيشون في إقليم أورومو.

الموانئ والانقلاب على الصومال وإريتريا:

تزداد رغبة آبي أحمد في امتلاك موطئ قدم على أي من سواحل البحر الأحمر أو المحيط الهندي، حيث لا تستطيع إثيوبيا الخروج إلى العالم بصادراتها إلّا عبر طريق إقليم عفر الإثيوبي الذي يمر بأراضي إقليم تيجراي والواصل بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي، وهذا الطريق يعد شريان التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، حيث يعبر من خلاله أكثر من 95% من تجارتها، وتسير يوميًّا 3 آلاف شاحنة ؛ لنقل البضائع من وإلى جيبوتي عبر هذا الممر الذي تستطيع قوات تيجراي بالفعل تعطيله أو السيطرة عليه أو الإضرار به بأي طريقة ممكنة، و هو ما جعل آبي أحمد يعقد اتفاق مع جيبوتي لاستخدام ميناء تاجورة، ومن التمهيد السابق نفهم أنه كون إثيوبيا دولة حبيسة يجعل من الطبيعي أن تسعى لفتح منافذ بحرية لها على البحر الأحمر وباب المندب، ولكن هنا السؤال: “هل يكون ذلك عبر الطرق الدبلوماسية والود والاتفاقيات السياسية والقانونية؟ أم بالخداع والتضليل والحيل وانتهاك سيادة الدول وطعن شرعيتها بالاتفاق مع الانفصاليين والمتمردين وتهديد آخرين بالسلاح وشن الحروب؟”.

آبي أحمد اعتمد الخيار الثاني غير الشرعي، وعقد اتفاقًا مع إقليم صومالي لاند الانفصالي المتمرد عن دولة الصومال، والذي لم يعترف به أحد حتى الآن سوى رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ونفس الأمر تكرر مع إريتريا التي هددها آبي أحمد ومعها الصومال بالسلاح، وشن الحرب من أجل الحصول على موانئها حيث قال: “نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة”.

ويحذر مراقبون من أن نوايا آبي أحمد وأطماعه التوسعية نحو دول المنطقة المجاورة لها تحديدًا الصومال وجيبوتي وإريتريا، وطموحه لفرض إثيوبيا كقوة إقليمية مهيمنة في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي من شأنها أن تشعل صراع عسكري جديد لا تتحمله المنطقة، وتؤكد تحليلات أنه منذ الإعلان عن تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والذي يضم “السعودية ومصر، وإريتريا، والصومال وجيبوتي والأردن واليمن” لم يُخف آبي أحمد شعوره بالاستياء من استبعاده، رافضًا الاعتراف بالمانع الجغرافي للانضمام للمجلس، وهو ما ظهر في تصريحاته في فبراير 2022 حين قال: “أمن البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا التي ستحافظ على مصالحها الإستراتيجية في المناطق البعيدة خلال السنوات الخمس عشرة القادمة”.

سد النهضة ومياه النيل:

منذ أن بدأت حياة الإنسان في مصر ونهر النيل يجري من منبعه الأول في إثيوبيا، ويشق الأرض نحو السودان ومصر بلدي المصب الطبيعيين للنهر؛ إلَّا أن آبي أحمد قرر من تلقاء نفسه أن يمنع ذلك متناسيًا قرونًا من السنون جرى فيها نهر النيل فوق تراب مصر، والغريب أنه لا يوجد أي سبب منطقي أو عقلاني يجعل آبي أحمد يُظهر ذلك التصلب والمماطلة في المفاوضات مع مصر والسودان من أجل حفظ الحقوق التاريخية والقانونية والطبيعية للبلدين في مياه النيل إلا من أجل الإضرار بمصالح البلدين تحديدًا مصر، خاصةً وأن القاهرة والخرطوم لا يرفضون حق إثيوبيا في إنتاج الكهرباء والطاقة، بل يريد الطرفان من إثيوبيا ملء السد بالمياه في عدد سنوات أكبر حتى يتسنى لمصر والسودان الحصول على حصصهم السنوية من المياه.

ورغم أن هذا الطلب يُفيد إثيوبيا في البناء المتمهل للسد والتغلب على العقبات الفنية التي تهدد مستقبل سد النهضة، كما أن سرعة تدفق المياه من توربينات سد النهضة أو على الأقل استمرار مرور المياه نحو مصر والسودان يساعد على إنتاج الكهرباء؛ إلا أن تعنت آبي أحمد الدائم والمستمر ومماطلته غير المنطقية والذي شهدها كل من حضر أو توسط في المفاوضات بداية من الاتحاد الإفريقي حتى واشنطن نفسها، جعل القاهرة توقف المفاوضات وتعلن أنها تراقب ملء سد النهضة وتحتفظ بحقها في حماية مواردها المائية وحقوقها التاريخية والقانونية في مياه النيل، وللعلم فإن آبي أحمد تودد لمصر والسودان حتى حصل على توقيعهما في إعلان مبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان في 2015 لبناء وتشغيل سد النهضة، وما أن استتب له الأمر أظهر ذلك التشدد والحنق على القاهرة والخرطوم، وكان آخرها إعلانه إمكانية حشد الإثيوبيين من أجل الحرب بسبب سد النهضة.

ردود الفعل تجاه سياسة آبي أحمد:

ظهرت ردود الفعل الداخلية الإثيوبية في رفض عرقية تيجراي سياسة آبي أحمد تجاهها سواء في إقصائها من المؤسسات الحكومية أو سعيه للانقضاض على الفيدرالية، وجمع أكبر العرقيات والأحزاب داخل حزب واحد يسيطر عليه هو، وكانت نتيجة ذلك الرفض إبادة الآلاف من العرقية وتهجير ونزوح الملايين، كما حاولت أقلية أمهرة الانقلاب على آبي أحمد وقتله، أما عرقية أورومو التي يتبع إليها آبي أحمد هي أكثر من احتجت ضد سياسة رئيس الوزراء الإثيوبي سواء سلميًّا أو بالاتحاد مع عدوها الأول تيجراي عسكريًّا وقت الحرب ضد القوات الفيدرالية لآبي أحمد، وخارجيًّا أدانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سياسة آبي أحمد ضد تيجراي بالتحديد، وأصدرت واشنطن عقوبات سياسية واقتصادية ضد نظام آبي أحمد وحكومته وقادة جيشه، وكذلك ضد إريتريا كل من ثبت ارتكابه جرائم بحق تيجراي وفرض واشنطن قيود واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية الشاملة والأمنية على وجه الخصوص التي كان من المقرر تقديمها إلى إثيوبيا، بجانب إبراز الإعلام الأمريكي انتهاكات آبي أحمد ضد الإنسانية التي جرت على إقليم تيجراي، كما نددت الأمم المتحدة على لسان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالوكالة راميش رجاسينغام بالعدوان على تيجراي، وأدانت سياسة الجوع وجرائم الاغتصاب التي استخدمتها القوات الإثيوبية ضد تيجراي وأمهرة وحتى عرقية أورومو.

وعن أطماع آبي أحمد في موانئ وثروات الصومال وإريتريا وجيبوتي، ردت الدول الثلاث بالرفض القاطع لهذه التطلعات، وأكد وزير الخارجية الصومالي سيادة أصول بلاده البرية والبحرية والجوية، وقالت جيبوتي على لسان مستشار رئيسها: إن سلامة أراضيها ليست محل نقاش اليوم أو غدًا.

وشددت وزارة الإعلام الإريترية على: أن أحاديث القيل والقال حول المياه والمنافذ البحرية مرفوضة، يجب عدم الانجرار وراء تلك الأقاويل التي لا تعيرها الحكومة الإريترية أهمية تُذكر، كما تجاهل رئيس إريتريا أفوِرقي آبي أحمد أثناء القمة السعودية – الإفريقية في نوفمبر الماضي في الرياض، كما دعت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، وتكتل الإيجاد لاجتماع طارئ لبحث التدخل الإثيوبي في الصومال، وأكد الاتحاد الأوروبي أهمية احترام وحدة الصومال، وكذلك جامعة الدول العربية التي تضامنت مع حكومة الصومال، وكانت مصر أول الأطراف الإقليمية تفاعل حيث أصدرت الخارجية المصرية بيانًا حادا أكدت فيه ضرورة احترام سيادة الصومال. وأكد الرئيس المصري أن مصر لن تترك الصومال وحدها في مواجهة أي تحديد، وكذلك تركيا والسودان وكينيا، ودعمت الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي موقف الصومال، وإن كان بيانهما دبلوماسيًا خفيف اللهجة.

الخلاصة:

منذ أن وصل آبي أحمد إلى رئاسة وزراء إثيوبيا عام 2018، وبات عبئًا كبيرًا على الإثيوبيين ولم يفِ بوعوده عن السلام والحوار والتنمية، والتقدم ونبذ العنف، كما أوهم الشعب الإثيوبي الذي لطالما حَلِم بالوحدة والازدهار والرفاهية.

وإذا لخصنا فترة حكم آبي أحمد منذ بداية حكمه حتى اليوم سنجد الآتي:

– لم يضف آبي أحمد للإثيوبيين سوى الكراهية والحقد والصراع، وزيادة العداء بين العرقيات.

-إثارة حدة النزاعات بشكل ممنهج، حيث استخدم في البداية أقلية أمهرة لقتل أبناء عرقية تيجراي التي كانت تسيطر على مفاصل الدولة لعقود.

– بعد استغلال عرقية أمهرة في قتل تيجراي، مارس آبي أحمد في الأمهرة المذابح وقتل العشرات من شبابهم.

– كما لم تسلم عرقيته أورومو من الاضطهاد والقتل والاعتقالات.

– بعد أن عقد سلام مع الإريتريين استخدمهم لقتل عرقية تيجراي عبر حدودهم المتصلة.

– اليوم يخطط للانقلاب على إريتريا ووضع يده على موانئهم وثرواتهم.

– تسببت سياسته في إثارة الانقلابات والاغتيالات، ولعل محاولة عرقية أمهرة لاغتياله والانقلاب عليه، أبرز مثال على ذلك.

– تسبب في موجة نزوح داخلي من إقليم تيجراي إلى تشاد والسودان لم تشهدها إثيوبيا من قبل.

– أطماعه في الموانئ الإثيوبية باتت واضحة للجميع بعد عقد اتفاق مع المتمردين الانفصاليين عن الدولة الإثيوبية.

– تعنته في المفاوضات مع مصر والسودان حول سياسة ملء سد النهضة تبرهن على عدم عقلانية الرجل وسعيه نحو أجنده بعينها لا تريد الخير لإثيوبيا أو حتى منطقة القرن الإفريقي أو باب المندب والبحر الأحمر، كما يحاول أن يوهم الإثيوبيين أو الأفارقة أو دول العالم الخارجي.

مصادر:

الجزيرة- آبي أحمد.. كيف سقط المشروع القومي في إثيوبيا؟- 2 يونيو 2021.

العين الإخبارية- إنجازات وآلام.. عامان لآبي أحمد في رئاسة وزراء إثيوبيا- 2 أبريل 2020.

الجزيرة- مقال بواشنطن بوست: كيف مزق رئيس الوزراء آبي أحمد إثيوبيا؟ 9 سبتمبر 2021.

سكاي نيوز- إثيوبيا والعرقيات.. لماذا تصارع “الأورومو” رئيس الوزراء؟- 1 يوليو 2020.

المصري اليوم- «سقط القناع».. 2020 تكشف الوجه الحقيقي لـ«آبي أحمد»- 31 ديسمبر 2020.

مصر360- تراجع “دبلوماسية المواني” .. هل يقود طموح آبي أحمد القرن الإفريقي لانفجار جديد؟- 7 أغسطس 2023.

الميادين- آبي أحمد وانهيار حلم الإمبراطورية- 10 نوفمبر 2021.

Bbc- “آبي أحمد” أول رئيس وزراء من عرقية أورومو يحكم إثيوبيا- 28 مارس 2018.

.Euronews – من هو آبي أحمد، رئيس الوزراء الأثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام؟- 11 أكتوبر 2018.

القدس العربي- نيويورك تايمز: آبي أحمد خطط للحرب في تيجراي مع أفورقي وجائزة نوبل شجعته عليها- 15 ديسمبر 2021.

فاروس للدراسات- آبي أحمد.. لماذا فشل صاحب نوبل للسلام فشلًا ذريعا في امتحان الديمقراطية؟- 29 ديسمبر 2020.

DW- هل خدع آبي أحمد العالم؟ ـ الوضع في إثيوبيا بعيون ألمانية- 5 ديسمبر 2020.

Bbc- من بينها الأورومو والأمهرة والتيغراي، تعرف على أبرز القوميات في إثيوبيا- 23 يونيو 2019.

اليوم السابع- الأورومو.. قبيلة ينتمي إليها رئيس وزراء إثيوبيا تكشفت عورات نظام أديس أبابا- 23 يوليو 2021.

آبي أحمدإثيوبياالقرن الإفريقيجا~زة نوبل