التجربة الباليستية الصينية والإستراتيجية النووية الجديدة.. دراسة تحليلية للتوقيت والأهداف والتداعيات المتوقعة عالميًّا

التجربة الباليستية الصينية والإستراتيجية النووية الجديدة.. دراسة تحليلية للتوقيت والأهداف والتداعيات المتوقعة عالميًّا

في وقت يشهد فيه العالم احتدامًا للتنافس والصراع الجيوسياسي ما بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة، خاصة في أوروبا، تُفاجئ الصين العالم بتجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات فوق المحيط الهادي للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود.

تأتي التجربة الصينية الجديدة في وقت لا تهدأ فيه حِدَّة التنافس في منطقة شرق آسيا؛ خاصة بين دول بحر الصين الجنوبي، وسط تحركات أمريكية تكثفت خلال السنوات الأخيرة لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي وزيادة الحضور الإقليمي في شرق آسيا.

تلك المنطقة الساخنة من العالم التي تشهد شدًّا وجذبًا بين العديد من اللاعبين على الساحة العالمية؛ فإلى جانب الصين تبرز كوريا الشمالية وروسيا وفيتنام والفلبين وأستراليا، وغيرها من الدول المتصارعة في ذلك الإقليم.

فالتجربة الصينية المفاجئة سيكون لها تداعياتها على خريطة التحالفات الإقليمية في شرق آسيا؛ نظرًا لأن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تُعد من أقوى الأسلحة في العالم، ويمكنها حمل رؤوس حربية نووية، ما يجعلها تُعد قوة ردع حيوية للدول الكبرى؛ بالإضافة إلى التقارير الغربية المختلفة التي تحذر من تنامي القدرات النووية الصينية خلال السنوات الأخيرة.

فما تفاصيل التجربة الباليستية الصينية الجديدة؟ وما أبعاد ودوافع تلك التجربة؟ ماذا عن التقارير الغربية المختلفة التي تشير لتنامي القوة النووية الصينية؟ وكيف ستؤثر أنشطة الصين العسكرية والنووية على خريطة التحالفات في شرق آسيا؟ وهل نشهد سباق تسلح في شرق آسيا؟ وماذا عن تداعيات تنامي القوة النووية والعسكرية الصينية على الأمن الإقليمي في شرق آسيا؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على التجربة الصاروخية الباليستية الصينية وتنامي القدرات النووية للصين خلال السنوات الأخيرة وتداعياتها على الأمن الإقليمي والعالمي في ظل التنافس المحتدم مع القوى الغربية، في هذه السطور التالية.

تفاصيل التجربة الصاروخية الباليستية الصينية الجديدة:

كشفت وزارة الدفاع الصينية أن جيش البلاد قد أجرى تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات فوق المحيط الهادي أواخر سبتمبر الماضي. وأضافت الوزارة في بيان: “إن القوة الصاروخية في جيش التحرير الشعبي الصيني أطلقت باتجاه أعالي البحار في المحيط الهادي صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات يحمل رأسًا حربيًّا وهميًّا، وسقط الصاروخ بدقة في المنطقة البحرية المحددة سلفًا” (مونت كارلو الدولية).

وأشارت وزارة الدفاع الصينية إلى أن “الإطلاق اختبر أداء الأسلحة وفعالية التدريب العسكري، وحقق الأهداف المرجوة في ظل ترتيب روتيني ضمن خطة التدريب السنوية، وتم إخطار الدول المعنية بشكل مسبق”. لم توضح الوزارة أين سقط الصاروخ ولا طبيعته، كما لم تحدد ما إذا كان تم إطلاقه من غواصة أو من اليابسة.

وسريعًا ما أثارت التجربة تنديدًا من القوى الإقليمية؛ إذ أعلنت نيوزيلندا أن تجربة إطلاق الصاروخ الباليستي الصيني في جنوب المحيط الهادي “غير مرحب بها ومثيرة للقلق”، متعهدة بالتشاور مع الحلفاء عندما تتضح التفاصيل. أما في اليابان، فقال المتحدث باسم الحكومة، يوشيماسا هاياشي، إنه “لم يكن ثمة إشعار مسبق من الجانب الصيني بشأن هذه التجربة”، مؤكدًا أن “تعزيز بكين السريع لقوتها العسكرية وافتقارها إلى الشفافية يثيران قلقًا جديًّا” (القاهرة الإخبارية).

وتتزامن التجربة الصينية الجديدة مع التوترات الصاعدة في مختلف أنحاء العالم، في ظل اشتداد حدة الحرب الباردة الجديدة والتنافس بين الشرق والغرب؛ وتُعد التجربة الصينية الجديدة نادرة الحدوث، إذ غالبًا ما تجري الصين التجارب المماثلة ضمن نطاق مجالها الجوي. قد سبق لبكين أن قامت بتجربة صاروخية باليستية عابرة للقارات في جنوب المحيط الهادي في الثمانينيات.

وعلى الرغم من أنه لم يتم ربط التجربة الصينية الجديدة بتحركات الفلبين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي؛ إلا أنها تأتي في سياق التنافس الصيني الأمريكي في المحيط الهادي والتوترات بين بكين ومانيلا في بحر الصين الجنوبي والعداء بين الصين وتايوان، الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.

أبعاد ودوافع التجربة الصينية الجديدة:

تشهد منطقة شرق آسيا صراعات خافتة منذ عقود تعود إلى أوائل القرن السابق، لكنها عادت للظهور وبقوة مع الحرب الباردة الجديدة التي نتجت عن الصعود السريع للصين؛ إذ عملت واشنطن على إحداث صدع في علاقات الصين بمحيطها الإقليمي في شرق آسيا كجزء من إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة لتطويق الصين.

كما رسخت بكين تحالفات جديدة في المنطقة عبر تحركاتها الدبلوماسية والاقتصادية، وزادت إنفاقها العسكري ومشاريعها التجارية مع الدول المختلفة؛ لتحقق بكين بذلك صعودًا في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.

وخلال الأشهر الأخيرة كشفت تسريبات أمريكية لصحيفة نيويورك تايمز في أغسطس الماضي، موافقة الرئيس بايدن في مارس الماضي على خطة إستراتيجية تركز على التوسع السريع للصين في ترسانتها النووية، والتي حملت اسم “المبادئ التوجيهية للأسلحة النووية” (مركز الإمارات للسياسات).

ولم تُعلن الإدارة عن تفاصيل “المبادئ التوجيهية” التي تُحدَّث كل أربعة أعوام، في انتظار تقديم إحاطة للكونغرس حول تفاصيلها قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وتتناول تلك المبادئ خطوات تطور القدرات والقوى النووية والعسكرية الصينية وأبعادها، وتداعياتها المحتملة على التعاون النووي بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وعلى التنافس النووي والصراع بين الصين والولايات المتحدة.

وتُحدِّث الولايات المتحدة توجيهات استخدام الأسلحة النووية وفقًا للسياسة والإستراتيجية التي وضعها الرئيس بعد نشر هذا التقرير، وقد حددت المراجعة قبل صدور “المبادئ التوجيهية” النمو السريع في الترسانة النووية الصينية، وخطر التقارب النووي مع روسيا وكوريا الشمالية بوصفهما محددين أساسيين للتهديد في الإستراتيجية الأمريكية؛ فالتحركات الأمريكية في منطقة شرق آسيا والمحيطين: الهندي والهادئ، والتحالفات الغربية الصاعدة مع القوى الإقليمية، خاصة في بحر الصين الجنوبي، تراها بكين تهديدًا خطيرًا لمصالحها الجيوسياسية في المنطقة.

إذ يمر ما يُقدّر بنحو 3.37 تريليون دولار أمريكي من حجم التجارة العالمية عبر بحر الصين الجنوبي سنويًا، وهو ما يمثل ثلث التجارة البحرية العالمية، في حين تمر ما نسبته 80% من واردات الصين من الطاقة، و39.5% من إجمالي التجارة الصينية عبر بحر الصين الجنوبي (مركز المعلومات).

وشهد العامان -الجاري والسابق- توترات متصاعدة في بحر الصين الجنوبي مع توقعات بحدوث تغيرات ومستجدات جديدة العام المقبل 2025م؛ خاصة مع زيادة معارضة دول الإقليم لسياسات الصين في بحر الصين الجنوبي، ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية قراءة علاقاتها مع دول المنطقة، واحتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ الأمر الذي يهدد بجعل المنطقة الساحة الأسخن للتنافس الذي يشهده النظام الدولي بين واشنطن وبكين.

وبالتالي فيمكن القول: إن التجربة الباليستية الصينية الأخيرة تحمل في طياتها رسائل تحذيرية صينية إلى دول الجوار، بالنظر إلى تفاوت القوى الواضح بين الصين ومحيطها الإقليمي الساعي للتقارب مع القوى الغربية؛ فيبدو أن الضغوطات الصينية الاقتصادية على دول بحر الصين الجنوبي لم تتمكن من دفع دول الإقليم إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة، في ظل سعي واشنطن الدائم لفتح شراكات تجارية والتأسيس لمشاريع اقتصادية جديدة مع آسيان ودول شرق آسيا.

تنامي القوة النووية الصينية:

وأثار تقرير حديث صدر عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، حول علاقة تطوير صناعة الأسلحة النووية بتدهور العلاقات الجيوسياسية، تساؤلات حول تطور ترسانة الصين النووية خلال العام 2023م؛ وذكر التقرير أن الصين توسع ترسانتها النووية بشكل أسرع من أي دولة أخرى، لكنها لا تزال متخلفة عن قدرات الولايات المتحدة وروسيا النووية.

وخلص التقرير إلى أن بكين تعمل على توسيع قواتها النووية بشكل أسرع من أي دولة أخرى، وقد ينتهي بها الأمر إلى إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات أكثر مما تنتجه روسيا أو الولايات المتحدة في غضون عقد من الزمن؛ كما لفت التقرير إلى أن الصين أضافت نحو 90 رأسًا حربيًّا إلى مخزونها النووي، ليصل إجمالي عددها إلى 500 رأس حتى يناير الماضي.

وأوضح أن العدد الإجمالي الذي تمتلكه الصين من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والذي يبلغ حاليًا حوالي 238 صاروخًا، يمكن أن يتجاوز خلال العقد المقبل ما تمتلكه الولايات المتحدة، أي: 800 صاروخ، أو حتى إجمالي ما تمتلكه روسيا وهو 1244 صاروخًا؛ ومع ذلك توقع التقرير أن يظل حجم ترسانة الصين النووية الإجمالي أصغر بكثير من تلك التي تمتلكها أكبر قوتين نوويتين؛ إذ تمتلك الولايات المتحدة 5044 رأسًا حربيًّا، بينما تمتلك روسيا 5580 رأسًا حربيًّا (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

وبحسب تقديرات “سيبري”، كان هناك ما يُقدر بنحو 12121 رأسًا حربيًّا في المخزون النووي العالمي اعتبارًا من يناير 2024م، وتمتلك روسيا والولايات المتحدة معًا ما يقرب من 90% من جميع الأسلحة النووية، حوالي 9585 منها جاهزة للاستخدام، بينما يتكون الباقي من رؤوس حربية متقاعدة من الحرب الباردة لم يتم تفكيكها بالكامل.

وفي وقت سابق، وفي ظل القلق الإقليمي والأمريكي من نمو القدرات العسكرية الصينية، خاصة النووية، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية “تشانغ شياوغانغ” خلال مؤتمر صحفي في بكين: “إن السياسة النووية للصين مستقرة للغاية ومتسقة ويمكن التنبؤ بها، ونحن نتبع بدقة سياسة نووية بعدم المبادرة لاستخدام الأسلحة النووية ونسعى إلى إستراتيجية نووية للدفاع عن النفس”.

وأكد شياوغانغ أن “بكين لا تسعى إلى سباق تسلح”، مشيرًا إلى أن بكين “وعدت بعدم استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية أو المناطق الخالية من الأسلحة”، مضيفًا: “ستستمر الصين في الحفاظ على قدراتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب للأمن القومي”.

ولطالما أحاطت الصين قدراتها النووية بسرية تامة، وعلى الرغم من عدم اعترافها بالتقديرات الغربية، فإن ذلك لا ينفي أن تكون بكين ماضية في تطوير وتوسيع ترسانتها النووية بما ينسجم مع مخاوفها الأمنية، خصوصًا فيما يتعلق بالدفاعات الصاروخية الأمريكية القادرة على اعتراض وتدمير الصواريخ الصينية العابرة للقارات، والتي تسعى واشنطن لنشرها في الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا، وتوسيع دوائر الدفاع الصاروخي في منطقة شرق آسيا عبر تعزيز تعاونها مع دول رابطة آسيان.

ويبدو أن لبكين دوافع أخرى ترتبط بخططها المستقبلية بشأن ضم جزيرة تايوان بالقوة العسكرية، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوحيد السلمي؛ فتنامي القدرات النووية الصينية من شأنه أن يربك الحسابات الأمريكية بشأن التدخل العسكري لحماية جزيرة تايوان وحلفاء واشنطن في المنطقة.

وبالتالي، فإن ذلك يُعد هدفًا أساسيًّا وإستراتيجيًّا، ودافعًا ملحًّا لتطوير بكين لترسانتها النووية بصمت، بعيدًا عن الضوضاء الغربية، فتكثيف المناورات العسكرية البحرية الصينية في محيط تايوان، تُعد خطوة لاختبار غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية، ورفع جاهزية وقدرات البحرية الصينية للانتشار في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

أنشطة الصين العسكرية وخريطة التحالفات في شرق آسيا:

تركز أغلب الأدبيات الغربية حول السياسة النووية التقليدية للصين، على سعي بكين لامتلاك قدرات نووية تمكنها من توجيه ضربة ثانية بعد امتصاص الضربة الأولى؛ لكن لفهم التفكير الإستراتيجي الصيني ينبغي تحليل منظور القيادة الصينية لوظائف القوة النووية.

فالصين لا تنظر إلى القوة النووية من مفهوم الردع التقليدي العسكري الضيق، بل تملك نَظْرَة أوسع للغرض من امتلاك قدراتها النووية وتوسيعها، ويحدد هذه النِّظْرة مفهوم “التوازن الإستراتيجي المضاد”، ويمكن اعتبار هذا المفهوم محور التفكير العسكري الصيني للرئيس “شي جين بينغ”.

إذ يلخص مفهوم “التوازن الإستراتيجي المضاد” في اعتبار الأسلحة النووية رمزًا للقوة العسكرية، ومن ثم توظيفها لخلق تأثير مباشر على تصور الخَصْم (والتي هي هنا الولايات المتحدة والهند) لتوازن بكين القِوَى معهم؛ بعبارة أخرى: لا تقتصر وظيفة القوة النووية على حدود الردع العسكري، بل تحمل وظائفها بعدًا سياسيًّا أكبر.

وشكل هذا البعد السياسي القائم على توظيف القوة النووية لتغيير المنظور الخارجي تجاه الصين، التفكير الصيني على مستوى القيادة منذ “ماو تسي دونغ” الذي أوضح ذلك علنًا عام 1964م، بالقول إن “القِوَى الإمبريالية تنظر إلينا بازدراء؛ لأننا لا نملك قنابل نووية، بل نملك فقط قنابل يدوية… ولذلك يتعين على الصين أن تمتلك قنابل نووية، وأن تطور قنابل هيدروجينية في أقرب وقت ممكن”. (العربية).

وأشار “دنغ تشياو بنغ” أيضًا في عام 1988م، إلى دور القوة النووية في دعم مكانة الصين بوصفها “قوة عظمى ذات نفوذ كبي،ر” وأن هذه المكانة يجب أن تدعم في المستقبل بقوة نووية كبيرة؛ أما “جيانغ زيمين” و”هو جينتاو” فقد أشارا وفي أكثر من مناسبة، إلى نفس العقيدة القائلة: إن الصين لن تحوز على المرتبة التي تستحقها في النظام الدَّوْليّ دون قوة نووية.

وشكلت هذه العقيدة تفكير الرئيس “شي جين بينغ” أيضًا الذي قال في عام 2016م، إنه يعتبر القوة النووية “ركيزة إستراتيجية لوضع القوة العظمى” الذي تتمتع به الصين؛ وبالتالي تعمل بكين على توظيف قدراتها النووية إلى جانب إمكاناتها الاقتصادية والصناعية وعلاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع العديد من دول العالم في إطار تحقيق أهدافًا تفاوضية مع محيطها الإقليمي والقوى الغربية.

تداعيات تنامي القوة النووية الصينية والتجربة الباليستية على منطقة شرق آسيا:

لا شك أن منطقة شرق آسيا والمحيطين: الهندي والهادئ؛ تُعد مناطق محورية اقتصاديًّا وعسكريًّا في عالمنا المعاصر، وإن أي قلائل في تلك المنطقة من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي والنظام الدَّوْليّ ككل، ونظرًا للدور التي تلعبه تلك المنطقة في النظام العالمي المعاصر، والصعود السريع للاتحاد الروسي والصين والهند، وقلق القِوَى الإقليمية المتزايد وحياد البعض.

فإن منطقة آسيا تشهد سباق تسلح غير مسبوق يضم ثلاث قِوَى نووية كبرى، واحدة منها سريعة التطور، وأكبر ثلاثة اقتصادات في العالم وتحالفات عمرها عقود؛ فدول المنطقة تتنافس من أجل التفوق على بعضها البعض في بعض المناطق البرية والبحرية، التي تشهد النزاعات الأكثر شدة في العالم.

وحاليًا يتشكل محورين أساسيين في شرق آسيا: المحور الأول: يضم الولايات المتحدة وحلفاءها -اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام والفلبين-، والآخر يضم الصين وشريكتيها روسيا وكوريا الشِّمالية، ولا شك أن الولايات المتحدة ونظرًا لعلاقاتها وشراكاتها القديمة مع دول المنطقة، والتي تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (الجزيرة)، ستوظف التجربة الصاروخية الباليستية الصينية الجديدة، والتقارير الدولية والبحثية التي تحذر من تنامي القوة النووية الصينية؛ لتزيد من شبكة تحالفاتها في شرق آسيا، ولعل الزيارة التي أجراها القادة اليابانيون إلى واشنطن خلال العام الماضي، سلطت الضوء على تلك النقطة، إذ أعرب رئيس الوزراء الياباني السابق “فوميو كيشيدا” بعد اجتماع مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، عن قلقه بشأن الأنشطة العسكرية للصين في بحر الصين الشرقي، وإطلاق الصواريخ الباليستية فوق تايوان، التي هبطت في المياه بالقرب من اليابان في أغسطس الماضي.

وتدرك بكين طبيعة وأهداف الأنشطة الأمريكية في شرق آسيا؛ إذ حذر وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” الفلبين من نشر الصواريخ الأمريكية متوسطة المدى، قائلًا: “إن مثل هذه الخطوة قد تغذي التوترات الإقليمية وتشعل سباق تسلح”، ويبدو أن الأوضاع الأمنية في شرق آسيا تتجه لمزيد من التأزم بين دول الإقليم، مع التحركات الأمريكية المتزايدة وتنامي القوة الصينية.

الخلاصة:

– تأتي التجربة الباليستية الصينية في وقت يتأزم فية الوضع بين الصين ومحيطها الإقليمي، من دول شرق آسيا ومنطقة المحيطين: الهندي والهادي؛ وتشهد المنطقة تدافعًا واستقطابًا محتدمًا ما بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا وحلفائهم في المنطقة من جهة، وما بين الصين والاتحاد الروسي وكوريا الشمالية وحلفائهم من جهة أخرى في ظل الحرب الباردة الجديدة، وتشكل خريطة التحالفات في الإقليم.

وبالتالي فلا يمكن النظر إلى التجربة الباليستية الصينية الأخيرة والناردة، بمعزل عن الاستياء الصيني من التحركات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي؛ إذ إن الولايات المتحدة قد رسخت لتحالفاتها المتينة مع دول الإقليم وخاصة فيتنام والفلبين، بما يضمن لواشنطن تطويق الصين في محيطها الإقليمي.

– بالنظر إلى توقيت التجربة الصاروخية الباليستية الصينية الأخيرة والتي تتزامن مع تقارير غربية صدرت عن مراكز بحثية تحذر من تنامي القدرات النووية العسكرية الصينية، وبأخذ علاقات الصين المتأزمة مع محيطها الإقليمي بعين الاعتبار، فإن بكين تطمح إلى تطوير قدراتها النووية والعسكرية جنبًا إلى جنب مع ما حققته من نهضة اقتصادية خلال العقود الأخيرة؛ لتحقق بذلك ثقلًا عالمي يمكنها من تحقيق مكاسب على الصعيد السياسي والدبلوماسي، في ظل قلق بكين المتزايد من اتساع دائرة النفوذ الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، وما يمكن أن يشكلة ذلك من تهديدًا للمصالح الصينية في المنطقة.

المصادر:

مونت كارلو الدولية

القاهرة الإخبارية

مركز الإمارات للسياسات

مركز المعلومات

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية

العربية

الجزيرة

الباليستيةالصينالنظام الدوليالنوويشرق آسيا
Comments (0)
Add Comment