أزمات لبنان المزمنة “سياسية – اقتصادية – أمنية” … واعتبارات جيوسياسية للوضع الراهن

أزمات لبنان المزمنة “سياسية – اقتصادية – أمنية” … واعتبارات جيوسياسية للوضع الراهن

 

فيعيش الشارع اللبناني حالة من الارتباك واليأس الحاد؛ وذلك نتيجة السياسات الخاطئة والمتراكمة من السياسيين والحُكَّام المتعاقبين على إدارة الوطن اللبناني، وهذه الكوارث المتراكمة عبر الإدارات المختلفة تكاد تودي بالمؤسسات اللبنانية إلى حافة الموت، وبالتالي يحاول المجتمع الدولي عمومًا المشاركة في إنعاش لبنان مرة أخرى وإعادتها للحياة بعد الموت البطيء الذي حلَّ بها؛ خاصة وأن سيطرة حزب الله الشيعي والميليشيات التابعة لإيران أمر في غاية الخطورة.

ومع وضع لبنان الحالي وما تعيشه البلاد من كوارث واقعية لا مفرَّ منها، يغلي المواطنون بالشارع ويستغيثون لربهم من رفع البلاء؛ إلا أن هناك أصواتًا تهمس وتعود على الساحة من جديدٍ، وهي أصوات السياسيين السابقين أصحاب الفضل فيما وصلت إليه لبنان، فتعلو أصواتهم في محاولة لتبرئة أنفسهم من المسئولية، ويحاولون إقناع المواطن الغلبان بأنهم ضحية، ويعيشون دور المظلومية، على طبيعة الحال فلا أحد هناك يتحمل المسئولية والجميع يتنصل.

مؤسسات الدولة اليوم تعيش حالة من الشلل التام، ولا حلول ظهرت إلى الآن، وكأن الوطن اللبناني عجز على أن ينجب خبراء ومحللين يضعون روشتة علاجية لما حصل بها، ولكن الأوضاع وصلت إلى حالة من العجز حتى في الدواء والصحة، وإعلان الصيدليات والمستشفيات عن نقص تام في جميع خدماتها، وبالتالي أصبحت الساحة فارغة، ليظهر إلى الملأ المنقذ المزعوم والبطل الخارق ذراع إيران الأول حزب الله الشيعي، ليضع نفسه كمنقذ للوطن، وفي حقيقة الأمر نجد أن حزب الله هو جزء من المشكلة الحقيقية، وهو مشارك رئيسي فيما وصلت إليه البلاد.

تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن اللبناني هو الأكثر سوءًا على مرِّ تاريخ البلاد الحديث، فأسعار السلع مبالغ فيها إن وُجِدت، والاشتباكات بالأسلحة أصبحت أمرًا معتادًا؛ وذلك لمجرد الوصول إلى محطات الوقود!

ولرسم صورة أوضح للأزمة اللبنانية: ذكرت وسائل الإعلام خبر نزول مرضى السرطان إلى الشوارع للمطالبة بالحصول على الدواء الذي تمت سرقته من مافيا الأدوية في البلاد؛ لبيعه بأسعار فلكية! وليس هذا وحسب، بل ذكرت الجهات النقابية وجود هجرة جماعية من الأطباء والممرضين؛ مما أحدث فجوة في القطاع الطبي والخدمة الطبية المقدمة للمواطن اللبناني.

كل هذه المشاكل جعلت من لبنان دولة مهلهلة اقتصاديًّا وسياسيًّا، وبطبيعة الحال -وكما تنص الأمثال-: مَن عرف الداء سهل عليه الدواء، وبالنظر إلى الوضع اللبناني نجد أن هناك أزمات ثلاث: أزمة اقتصادية، وسياسية، وأمنية، وهذه الثلاث هي كل ما يحتاجه الناس من أجل العيش في وطن وبنائه، ولا يمكن أن يكون هناك تنمية ولا استدامة بدون هذه الثلاث.

ولعل تصنيف البنك الدولي دلالة على الحياة اللبنانية الحالية حيث صنَّف ما يعيشه لبنان حاليا بأسوأ 3 أزمات مرَّت بالعالم بعد تشيلي وإسبانيا، وفي حين احتاجت تشيلي إلى 16 عامًا للتعافي من انهيارها عام 1926، وإسبانيا بعد حربها الأهلية (1936 – 1939) استغرق تعافيها 26 عامًا، قدَّر البنك أن لبنان قد يستغرق من 12 إلى 19 عاما للتعافي(1).

الأزمة الاقتصادية:

بخلاف الأسباب البنيوية والهيكلية طويلة الأجل؛ نتيجة التأثر بعديدٍ مِن العوامل الداخلية والخارجية، وتفشي الفساد المزمن والمستشري في بنية الاقتصاد اللبناني، ترجع الأزمة الراهنة أيضًا إلى أسبابٍ ناتجةٍ عن السياسات النقدية والمصرفية التي أسفرت عن تداعيات مهولة، وإن كانت متوقعة، فقد بلغ الدَّين العام للدولة حتى نهاية عام 2020م نحو 95.6 مليار دولار (17.7% من الناتج المحلي)، بزيادة قاربت مستوى 5.3% عن إجمالي الدَّين العام لعام 2019م، وبلغ احتياطي المصرف المركزي في الربع الأول من عام 2021م ما يقارب 17.5 مليار دولار، متراجعًا عن حجم الاحتياطي لعام 2020م الذي قُدِّر بنحو 30.3 مليار دولار.

وتقاطع ذلك كله وتفاعل مع تراجع في قيمة العملة اللبنانية بما يقارب عشرة أضعاف قيمتها أمام العملات الأجنبية الأخرى، وبخاصة الدولار الأمريكي.

وفي المقابل: قَدَّر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 20.3% في عام 2020م، بعد انخفاض بنسبة 6.7% في عام 2019م، في حين بلغت الأزمة الحياتية في لبنان مستويات متقدمة ضاغطة على حياة اللبنانيين، فالمواطن اللبناني خسر ما قيمته 90% تقريبًا من قدرته الشرائية.

 وتشير أفضل التوقعات إلى أن لبنان يحتاج إلى ما يقارب اثني عشر عامًا لكي يتجاوز مبدئيًّا أزمته الحالية، في وقتٍ تشير فيه أرقام أخرى أشد تشاؤمًا إلى حاجة لبنان إلى عقدين من الزمن ليستعيد عافيته الاقتصادية.

وترافق ذلك كلّه مع تراجع لعلاقة لبنان الاقتصادية مع محيطه الإقليمي والدولي؛ إذ انخفض حجم التبادل التجاري مع دول الخليج خلال السنوات العشر الماضية بشكلٍ كبيرٍ، من نحو 450 مليون دولار سنويًّا قبل الأزمة إلى نحو 50 مليون دولار عام 2020م، وقلَّ حجم الاستثمار الخليجي تدريجيًّا(، ويعود هذا التراجع في العلاقات الاقتصادية البينية بين لبنان وباقي الدول الإقليمية بالأساس إلى اعتراض الدول المحيطة بلبنان على دور «حزب الله» وممارساته؛ سواء في الداخل اللبناني أو خارجة، وارتباط مسألة الدعم الدولي والإقليمي للبنان للخروج من أزمته أو التخفيف من حدّتها بمسألة نزع سلاح «حزب الله».

وكذلك لممارساته الخارجية، وارتباطه في عمليات التهريب من خلال المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا التي يسيطر عليها الحزب، ودوره في الأزمة الراهنة بين لبنان ودول الخليج جرَّاء عمليات تهريب المخدرات، جميعها عوامل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في أزمة لبنان اليوم، التي لعبت دورًا مهمًّا في تعميقها على أقل تقدير، وسرَّعت بالانهيار الاقتصادي والمالي وفاقمته، وأثَّرت في سمعة لبنان وبعض قطاعاته، وسبَّبت تغيُّرًا واضحًا في طريقة تعاطي الدول الإقليمية والغربية معه.

وتشابكت الأزمة الاقتصادية مع أزمة الطاقة، وتفاقمها خلال الأشهر القليلة الماضية، وما حملته من تأثير في باقي قطاعات الخدمات العامة؛ إذ تراجعت تدريجيًّا قدرة المؤسسات اللبنانية على توفير التغذية اللازمة لكل المناطق، ما انعكس بالتالي على عدم وصول خدمات الرعاية الصحية وإمدادات المياه إلى ملايين اللبنانيين، وهو ما يشكِّل خطرًا محدقًا بالصحة العامة، بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا المستجد(2).

الأزمة السياسية:

الأمور في لبنان تسير وَفْق أهواء فريق يريد فرض فائض قوَّته على مجلس الوزراء فيما خص قضية انفجار مرفأ بيروت، والتحقيقات التي يجريها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، كما في قضيَّة التصريحات غير المسؤولة لوزير الإعلام: جورج قرداحي، ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب.

ورغم أن الرئيس ميقاتي عَزَم على عدم التوقّف عند اعتكاف الوزراء الشيعة عن حضور جلسات مجلس الوزراء؛ إذ إنّه كثف لقاءاته مع وفود غربية ودولية وعربية ومع المؤسسات المالية الدولية والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيى الدين، غير أن الخبراء يعتقدون أن التحضيرات للبدء بالمفاوضات المباشرة مع صندوق النقد الدولي ستكون شاقة للغاية، كما أن إعداد خطة التعافي الاقتصادي عملية معقدة جدًّا ولا تقل تعقيدًا عن الوضع الراهن بكل مَفاصِله في ظل التأزّم السياسي الراهن بما فيه تعليق جلسات مجلس الوزراء، والذي قَضَى على كلِّ الآمال في مضي الحكومة بالمسار الإصلاحي المَرجو؛ للخروج من أتون الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستفحلة.

فتجميد جلسات مجلس الوزراء في حمأة الأزمات المتراكمة التي تحتاج إلى حلول سريعة قصيرة ومتوسطة الأجل، لا مجال لحكومة بقي لديها خمسة أشهر في حدِّها الأقصى، أن تخطط لأمدٍ أبعَد وإنجاز المعجزات، لكن أقله عليها إطلاق مسار الإصلاحات التي يُشدد عليها البنك الدولي وصندوق النقد كشرطٍ أساسي لرفد لبنان بالدعم المالي المطلوب(3).

الأزمة الأمنية:

أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن تجارة الأسلحة الفردية والصغيرة تزدهر جيدًا في لبنان، من مسدسات إلى قذائف “آر بي جي”، ما يعكس تزايد مخاوف اللبنانيين من تردي الأوضاع الأمنية، ولطالما كان امتلاك السلاح الفردي ظاهرة شائعة في لبنان حتى قبل سنوات الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي؛ إلا أن اللافت للنظر أنه بعد مرور أكثر من 30 سنة على نهاية الحرب، تشير تقديرات دولية إلى وجود نحو مليوني قطعة سلاح بين أيدي اللبنانيين وفي خزائنهم.

وقال ثلاثة تجار سلاح من مناطق لبنانية مختلفة للوكالة: “إن السعي لشراء قطع سلاح فردية تزايد في الشهور الماضية، رغم أن أسعارها تتراوح من مئات إلى آلاف الدولارات، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد في تاريخها، والتي تركت آثارها على مختلف مناحي الحياة؛ وذلك لشعور اللبنانيين بالخوف من انفلات القبضة الأمنية لأجهزة الدولة، وحاجتهم إلى حماية أنفسهم بأنفسهم، مع تزايد معدلات الجريمة”.

ونشرت شركة “الدولية للمعلومات” للدراسات الإحصائية، إحصاءات تشير إلى أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2021، ازدادت معدلات الجريمة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، بنسب مخيفة!

وأشارت إلى أن سرقة السيارات بلغت زيادتها 212 بالمائة، وجرائم السرقة 265 بالمائة، بينما قفزت جرائم القتل 101 بالمائة (من 89 جريمة قتل إلى 179)، وهذا وسط إعلان وزارة الدفاع اللبنانية في مارس الماضي تجميد تراخيص حمل السلاح، وإعلان الجيش عن اعتقال 486 شخصًا من جنسيات مختلفة؛ لتورطهم بجرائم متعددة، من بينها: “تهريب وحيازة أسلحة”، ومصادرة 118 سلاحًا من مختلف الأنواع.

وأشارت الوكالة إلى أنه رغم هذا الحظر يزداد الإقبال على امتلاك أسلحة فردية خارج إطار القانون، فقال تاجر سلاح يعمل في مناطق الجبل المشرفة على بيروت: “إنه يبيع 300 بندقية آلية شهريًّا، وأن هناك زيادة في الشراء بنسبة 60 بالمائة؛ خاصة بعد الاشتباكات التي اكتسبت طابعًا طائفيًّا في منطقتي: خلدة (في الأول من أغسطس الماضي) والطيونة (في 14 أكتوبر الماضي)، وأوقعت عشرات الضحايا بين قتل وجريح”.

وقال التاجر: “مَن يأتي لشراء سلاح، يكون هدفه تأمين الحماية الشخصية لنفسه، وحماية الأموال الموجودة في المنازل حيث بات العديد من الناس يحتفظون بأموالهم في بيوتهم”، بعد قرار البنوك في 2020 احتجاز أموال المودعين ووضع قيود مشددة على سحبها او التصرف بها.

وبحسب موقع “مراقبة الأسلحة الصغيرة” السويسري الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، توجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان؛ ما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح 1.927 مليون قطعة لعدد السكان الذي يقدر بنحو 6.769 ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربيًّا بعد اليمن، والتاسع عالميًّا، في عدد قطع السلاح الفردي، ويتفوق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة(4).

اعتبارات جيوسياسية للأزمة اللبنانية:

بين القول بطغيان العامل الداخلي وانعكاس أزمات لبنان: الاقتصادية، والسياسية على مستقبل لبنان، ثمة قراءة أخرى تميل إلى تقديم الملفات الإقليمية والدولية في تحديد اتجاه سير المستقبل اللبناني، باعتبار أن كل الحلول التفصيلية للأزمات الاقتصادية والمعيشية في لبنان منطلقها سياسي بحت يرتبط بملفات وتطورات الإقليم عمومًا.

  1.  الولايات المتحدة واعتبارات الاتفاق النووي مع إيران:

مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة تنظيم «طالبان» على مفاصل الحكم، وتوازيًا مع قمة بغداد، ومحاولة جميع الأطراف المشاركة في إبراز موقعها في مستقبل ترتيبات المنطقة؛ بالإضافة إلى ما تردد عن استضافة بغداد لعددٍ مِن المحادثات السرية بين عددٍ من الدول، على غرار المحادثات التي استضافتها بين السعودية وإيران، وصولًا إلى القمة الأمريكية -الروسية- الإماراتية التي لم يغب لبنان عن مباحثاتها، تفصح بمجملها عن أن لبنان يتموضع في قلب صراع تدوير الزوايا، وأن بين عديدٍ من الأطراف سباقًا محمومًا لاستجماع الأوراق الممكنة؛ بهدف حرقها أو تخصيبها في مفاوضات فيينا النووية التي وَفْق نتائجها ستتشكل توازنات القوة والنفوذ في المنطقة، وستنعكس بالتالي مساراتها وتفاعلاتها المحتملة، إما نحو تحجيم أزمات لبنان الراهنة وإما نحو تعظيمها، وبالتالي: تكوين المشهد العام لمستقبل لبنان خلال الفترات القادمة.

  1.  المبادرة الفرنسية وتقاطع مصالحها مع إيران في لبنان:

ضمن هذا المشهد أيضًا سَعَت فرنسا إلى استباق الحسابات المتعلقة بالنجاح المرجح للمفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي، عَبْر إبداء بعض الليونة الدبلوماسية في التعامل مع إيران في بعض الملفات الإقليمية؛ ابتداءً مِن حضورها في قمة بغداد للتعاون والشراكة، وما أفرزه من تحقيق نقاط توافقية ومكتسبات سياسية واقتصادية لفرنسا مع بعض الفواعل الداخلية في العراق، وصولًا إلى التوافق الفرنسي – الإيراني الذي أفرز تشكيل الحكومة اللبنانية بعد عديدٍ مِن جولات الرد والرفض الداخلي.

ويهدف مجمل هذه الليونة الفرنسية إلى إنجاح هذه المفاوضات، وضمان المصالح الفرنسية مع إيران في مناطق نفوذها الرئيسية من العراق إلى لبنان، ومن جهةٍ أخرى: يهدف إلى الاحتفاظ بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع القوى السياسية التقليدية في لبنان، وبالتالي: احتفاظ باريس بمكانة جيدة لها في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة.

وعلى الرغم من تمكُّن فرنسا من إيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية أتاحت تسهيل تأليف الحكومة بتقاطع «موضعي» مع إيران، فإن بوادر صراع مصالح ونفوذ بدأت تتسع بين فرنسا وأمريكا، وذلك بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة مباشرة، ومنها: أزمة الغواصات الأسترالية التي قد تنعكس مستقبلًا وَفْق ما اعتبرته فرنسا «دبلوماسية طعن في الظهر» من الولايات المتحدة على الهوامش المتاحة لباريس للتحرك لبنانيًّا، وهو ما ارتسم الردُّ عليه عبر استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في فرنسا في أول إطلالة خارجية له.

  1.  عودة عربية للبنان مرهونة باعتبارات أمنية:

وضمن المشهد المحيط بلبنان أيضًا، وبموازاة إعادة فتح باريس خطوطها الودية مع طهران، يتَّجه المناخ الإقليمي في ظلِّ الابتعاد الإستراتيجي للولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط إلى مزيدٍ من التبريد والتهدئة المتبادلة، وجمع أوراق التفاوض بين دول الإقليم، وتسوية ما أمكن من خلافات وإدارة الصراعات، التي بكل تأكيد تضمُّ لبنان بين طياتها.

ويتضح ذلك جليًّا في مشروعَي إمداد لبنان بالكهرباء والوقود، وما حمله المشروعان من عناوين عريضة للخطة تركّز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز في هذه المرحلة العصيبة التي يشهدها، وتحجيم النفوذ الإيراني ما أمكن، لكن يبقى الجوهر والسؤال الرئيسي هنا حول القدرة الفعلية للمشاريع المقدمة للبنان في تقليم الدور الإيراني في المنطقة وتفادي المخاوف الأمنية لعددٍ مِن الدول في هذا الجانب.

سؤال تصعب الإجابة عنه في ظلِّ الاعتبارات المذكورة سابقًا حول حدود نجاح مشروعَي إمداد الغاز والكهرباء للبنان، وكذلك في ظلِّ تصاعد توتر العلاقات اللبنانية – الخليجية سياسيًّا ودبلوماسيًّا في الآونة الأخيرة، التي لم يكَد يمرُّ كثير من الوقت حتى برهنت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي على أنها خاضعة لسيطرة «حزب الله» وهيمنته على مراكز القرار ومؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها الأمنية، وهو ما يضعف آمالها الضئيلة أصلًا في تلقي دعمٍ مالي عربي يوقف انهيارها الاقتصادي.

وأسوة بما يثبته ضعف الدور المقدم من السياسيين والقادة في لبنان، أثبت دور المجتمع الدولي القائم على منع الانهيار دون معالجة دور «حزب الله» وإيران في لبنان والمنطقة: أن الرهان على المفاوضات الأمريكية، واستطرادًا الدولية، مع إيران حول ملفها النووي وما يمكن أن يستتبعه من التفاهم على دورها الإقليمي، هو رهان خاسر(5).

الملخص:

لا بد من عودة لبنان إلى الوطن العربي، وتثنية دور حزب الله التابع لإيران لتفادي العقوبات الدولية، وكذلك لتقليص دور في صنع الازمات في المنطقة، وبالتالي: تقل فاتورة لبنان للمحاسبة على فاتورة الأعمال الإجرامية لحزب الله، وكذلك لا بد من إرادة سياسية لمحاسبة الفساد والمفسدين في الوظائف الحكومية والقيادية في البلاد، كذلك لا بد من الجلوس مع الدول العربية والعظمى؛ للحصول على أكبر دعم ممكن للعودة إلى طبيعة الحال دون الرجوع إلى نقطة الصفر الاقتصادي، وكذلك لا بد أن تكون هناك إرادة شعبية للقضاء على التحزبات والتيارات التي مِن شأنها إغراق الدول.

1_ الجزيرة

2_ المعهد الدولي للدراسات الإيرانية

3_ المجلة

4_ روسيا اليوم

5_ D.W

البنك الدوليالتدهور الاقتصاديالسرطانلبنانمافيا الأدوية