هل تسعى روسيا إلى زيادة دورها في اليمن؟

هل تسعى روسيا إلى زيادة دورها في اليمن؟

 

فقد أقَرَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 3 يوليو 2021، إستراتيجية الأمن القومي الروسي الجديدة، ويبدو أن هناك مساحات مشتركة كبيرة بينها وبين تلك الإستراتيجية السابقة التي أُقِرَّت في العام 2015، تجاه قضايا الشرق الأوسط بشكل عام، واليمن بشكل خاص.

فقد كان واضحًا أن موقف روسيا تجاه الأزمة اليمنية موقفًا محايدًا لا يميل إلى دعم القوات المعبرة عن الشرعية التي يمثِّلها الرئيس منصور هادي أو حتى ميلشيا الحوثيين([1]) – وعلى عكس موقفها من سوريا- ترى روسيا عدم الانزلاق لمواجهة عسكرية داخل اليمن؛ لا سيما وأن هناك لاعبين أساسيين غيرها على الأرض، بل إنها تدعم الانتقال السلمي للسلطة داخل اليمن منذ بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 بقيادة السعودية ودول التحالف في المنطقة، وهو ما يتطلب الحوار مع مختلف الأطراف([2]).

وقد أكَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية وقف القتال في اليمن، وتفعيل أدوار الأطراف المختلفة ذات الصلة إقليميًّا وعالميًّا، وكذلك جهود الأمم المتحدة، لإطلاق حلول سلمية بمشاركة جميع القوى السياسية والدينية في اليمن، مع التأكيد على سيادة اليمن ووحدة أراضيه؛ باتخاذ طريق المفاوضات، وعدم إثارة التناقضات بين السنة والشيعة لتعميق الهوّة بين الطرفين([3]).

وتفضِّل روسيا عدم الانخراط في نزاعات إضافية في الشرق الأوسط؛ لا سيما وأنه ليس لديها مصلحة إستراتيجية في اليمن كما هو الحال في سوريا، على عكس وضعها في سوريا التي دخلتها بطلب من حكومة نظام الأسد “الشرعية” بمقاييس المنظمات الدولية.

كما تمسك روسيا العصا من المنتصف –إن صحَّ التعبير-؛ للحفاظ على علاقاتها مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، في مقابل الحوثيين ومِن خلفهم إيران؛ لذلك فهي لا تعلن دعمًا صريحًا لأيٍّ من الطرفين.

وقد عملت روسيا خلال الفترة الماضية -بموقفها من الملف اليمني- خشية انزلاق قوى إقليمية، مثل: إيران وباكستان في حرب واسعة النطاق؛ مما يجعل المنطقة أرضًا خصبة لانتشار التطرف والإرهاب، ومِن ثَمَّ تأثر الداخل الروسي، وتوسع نشاط التنظيمات الإرهابية فيه، وهو الذي يعاني أصلًا من الإرهاب في أعقاب الموجات العنيفة من عدم الاستقرار في منطقة القوقاز الروسي طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي([4]).

ولعل أبرز موقف لروسيا يبين التزامها بالحياد في الملف اليمني؛ هو امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي تم تبنيه في 14 إبريل 2015، استنادًا إلى مشروع عربي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين، ويؤكِّد دعم مجلس الأمن للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ولجهود مجلس التعاون الخليجي([5]).

لقد أصبحت روسيا شريكًا جذابًا لدول الشرق الأوسط، بل وتؤدي دورًا مهمًّا في تحديد مستقبل المنطقة باعتبارها طرفًا في المحادثات والمفاوضات العديدة فيما يخص الشأن السوري واليمني، وعملية السلام بين العرب وإسرائيل؛ لذا فهي تسعى ظاهريًّا لملء فراغ السلطة المُتصوَّر الذي خلَّفته القيادة الأمريكية السابقة التي كانت تقتصد في الإنفاق، وتعرض التعاون دون قيود سياسية، ومِن ثَمَّ تشكِّل تناقضًا للمقاربة التي تفضلها الولايات المتحدة.

ويرى محللون أنه بصرف النظر عن نجاحات روسيا في المنطقة؛ إلا أنها لا يمكنها أن تُملي النتائج بالرغم من قدرتها على تعقيد السياسات، فهناك قيود مفروضة على سياساتها -بدلًا من كونها استباقية- صعَّب عليها تشكيل الأحداث ما لم توجد فرصة موجودة مسبقًا، فبدلًا من أن تصبح موسكو صانعة ملوك في الشرق الأوسط اختارت عوضًا عن ذلك سياسات ستضمن حصر دورها في الشريك المؤقت أو المخرب على المدى الطويل.

وعلى الرغم من إحراز روسيا مكاسب اقتصادية قصيرة الأمد، وإنشاء شراكات متعددة لزيادة المشاركة، واقتناص عثرات الغرب لتعقيد السياسات وتقويض النفوذ الغربي في المنطقة، فإن مشكلات روسيا لا تزال في الشرق الأوسط بدون حل على المدى الطويل، فهي لم توطِّد علاقات طويلة الأمد؛ ناهيك عن تحالفات أو ديناميكيات إقليمية متغيرة باستمرار لصالحها؛ لأنها اختارت عوضًا عن ذلك زيادة مرونتها إلى أقصى حد واكتساب الشركاء، وهو الأمر الممكن فقط من خلال تجنب الالتزام ناحية طرف على حساب الآخر؛ لذلك فإن مواطن القوة التي تتمتع بها الإستراتيجية الروسية في الأمد القريب، والتي تتمثَّل في نظرية المعاملات والموازنة بين الشركاء المتعددين والمقاربة التي لا تتطلب الالتزام، سبب فشلها في حدِّ ذاتها على المدى الطويل([6]).

وإذا كان ما سبق يتعلق في كثيرٍ من جوانبه بالإستراتيجية الروسية التي أُقرت في 2015؛ إلا أنه من الملفت للنظر – في إستراتيجية الأمن القومي الروسية لعام 2021- غياب أي إشارة إلى ملامح أو أولويات روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء عبارة وحيدة وَضعت المنطقة ضمن المناطق التي يمكن أن تظهر فيها تهديدات لروسيا، كما أن الإستراتيجية لم تصف الدول العربية لا ضمن الأصدقاء والحلفاء، ولا ضمن “الدول غير الصديقة لروسيا” وَفْقًا لوصف الإستراتيجية للغرب؛ فهي لا تشكِّل تحديًا أو تهديدًا مباشرًا لروسيا، بل تشكِّل العلاقات في المنطقة فرصةً لروسيا لتعزيز سياساتها العالمية([7]).

إن المتتبع للسياسة الروسية، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والأيديولوجية الشيوعية، يرى أنها صارت أكثر برجماتية، فلم تعد سياستها تقوم على منح تأييد كامل غير مشروط لطرفٍ دون الآخر، بل أصبحت – تبحث في المقام الأول عن خدمة مصالحها الخاصة؛ لذلك فإن روسيا – بالنظر إلى الملف اليمني- تحافظ على التوازن في علاقاتها مع إيران والسعودية، ولا تنحاز إلى أي منهما، وبالإضافة إلى ذلك: فإنها تسعى دائمًا إلى أن يكون للمبعوث الخاص للأمم المتحدة دور أكثر فاعلية في التعامل مع الصراع الإقليمي في اليمن، وهو ما يدل على حرص روسيا على عدم تحمُّل المسؤولية بمفردها، بل قد “تختبئ” خلف الرأي الجماعي للأمم المتحدة. 

فعلى سبيل المثال: لم يسبق أن استخدمت روسيا حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن قضية اليمن، سواء كانت تلك القرارات أساسها مقترحات عربية أو غربية، وهو عكس موقفها من قضية سوريا([8]).

خلاصة الأمر: يبدو أن اليمن “السعيد” لا يبدو جذابًا “للدب الروسي”؛ لعِدَّة أسباب، مِن أهمها:

– تراجع المصالح الاقتصادية لروسيا في اليمن.

– ورغبة روسيا في الحفاظ على علاقات متوازنة مع دول الخليج.

– وكذلك عدم الرغبة في إنشاء قواعد عسكرية في اليمن ذات تكلفة عالية، ولا تعود بنفع كبير على المصالح العسكرية الروسية.

وليست هناك حاجة اقتصادية أو سياسية في الوقت الحالي لوجودها، أي: أنه بمنطق تحليل التكلفة والعائد، فإن تكلفة تورط روسيا في اليمن أكبر بكثيرٍ مِن العوائد الاقتصادية أو السياسية المتوقعة منه في الأجلين: القصير والطويل.

([1])  د. نيبال جميل، “الدور الروسي في الصراعات الداخلية العربية المسلحة: المؤشرات- الأسباب- التأثيرات”، المركز الديمقراطي العربي، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد الثالث – يونيو 2017.

([2]) عادل الأحمدي، “روسيا تبحث عن أدوار سياسية في اليمن”، العربي الجديد،2  نوفمبر 2015. على الرابط التالي: :http://www.alaraby.co.uk

([3])  د. نورهان الشيخ، “محددات الموقف الروسي من عاصفة الحزم”، الموقع الإلكتروني للمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية،30  مارس 2015.

([4])  مشاري الزايدي، “الروس عن اليمن: حاربوا “القاعدة” فقط”، الشرق الأوسط، 26  إبريل 2017

([5])  لماذا امتنعت روسيا عن التصويت لخطة الخليج لليمن”، دوت مصر، 14 ابريل 2015. على الرابط التالي:

http://www.dotmsr.com/details/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-          

([6])  بيكّا واسّر، “حدود الإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط”، مؤسسة راند، نوفمبر 2019.

([7])  “إستراتيجية الأمن القومي الروسي 2021: قراءة تحليلية”، مركز الإمارات للسياسات، 27 يوليو 2021.

([8])  ليونيد إيسايف، “رؤية من موسكو: هل تسعى روسيا إلى زيادة دورها في اليمن؟”، المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، 12 يوليو 2021.

إيرانالاتحاد السوفيتيالتغلغل الإيرانيالحوثيونالدب الروسياليمنبوتنروسيا