تأثير اللوبي الصهيوني في القرارات الاستراتيجية الأمريكية!

تأثير اللوبي الصهيوني في القرارات الاستراتيجية الأمريكية!

 

    فلا يخفى على الكثيرين ما يمارسه اللوبي الصهيوني اليهودي من تدخلات مباشرة وغير مباشرة في القرارات الأمريكية، وتأثيره على متخذي القرار هناك، بل وصل الحد إلى التحكم في دوائر وواضعي القرار الأمريكي، ليخبر العالم عن مدى قوته، فحينما ننظر إلى الكائن المحتل إسرائيل نجد أنه صناعة أمريكية وخرج مِن الرحم الأمريكي، وبالتالي فهي الأم والأصل، وأن إسرائيل هي تابعة لأمريكا، وليس العكس، فالصهاينة اليهود يعيشون في أمريكا منذ القِدَم، وبالتالي هم يديرون المشهد من أمريكا، وبالتالي فالقرارات التي تخرج هي خادمة للمولود الخبيث إسرائيل في داخل الشرق الأوسط.

ويتَّضِح لنا: أن حقيقة الوضع -والتي لا يمكن أن يجادل فيها شخصان عارفان بخبايا العلوم السياسية والعلاقات الدولية-: أن اللوبي الصهيوني المتواجد بأمريكا هو المتحكم في السياسات الأمريكية، وخصوصا السياسة الخارجية.

معنى كلمة اللوبي وأصولها:

“لوبي” Lobby كلمة إنجليزية تعني: «الرواق» أو «الردهة الأمامية في فندق»؛ ولذا يُقال مثلًا: (سأقابلك في لوبي الفندق)، أي: في الردهة الأمامية التي توجد عادةً أمام مكتب الاستقبال.

وتُطلَق الكلمة كذلك على الردهة الكبرى في مجلس العموم في إنجلترا، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، حيث يسـتطيع الأعـضاء أن يقابلوا الناس، وحـيث تُعقَد الصـفقات فيها، كما تدور فيها المناورات والمشاورات، ويتم تبادل المصالح.

وقد أصبحت الكلمة تُطلَق على جماعات الضغط التي يجلس ممثلوها في الردهة الكبرى، ويحاولون التأثير على أعضاء هيئة تشريعية ما مثَّل مجلس الشيوخ أو مجلس النواب.

وتوجد أشكال وأنواع من جماعات الضغط، فهناك جماعات الضغـط الإثنيـة: مثل اللوبي اليوناني، أو اللوبي الأيرلندي، كما يوجد الآن لوبي عربي.

وهناك كذلك جماعات الضغط الدينية، وآخر علماني، ويوجد جماعات ضغط مهنية وجيلية ونفسية واقتصادية، فيوجد لوبي للمصالح البترولية، وآخر لمنتجي الألبان، وثالث لمنتجي البيض، ورابع لزارعي البطاطس.

وتشير كلمة “لوبي”، بالمعنى المحدَّد والضيق للكلمة، إلى جماعات الضغط التي تسجِّل نفسها رسـميًّا باعتبارها كذلك، ولكنها بالمعنى العام تشير إلى مجموعةٍ مِن المنظمات والهيئات، وجماعات المصالح والاتجاهات السياسية التي قد لا تكون مسجَّلة بشكل رسمي، ولكنها تمارس الضغط على الحكام وصناع القرار(1).

اللوبي الصهيوني:

لا بد هنا من التفريق بين تعريفين، وهما: المعنى المحدد للكلمة، والمعنى العام والشائع لدى الناس؛ لأن المصطلح كبير، ويحوي العديد من التفسيرات:

1_اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدَّد: تشير كلمة لوبي في هذا السياق إلى لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، وهي من أهم جماعات الضغط، ومهمته -كما يدل اسمه-: الضغط على المشرعـين الأمريكيين؛ لتأييد الدولة الصهــيونية.

ويتم ذلك بعِـدَّة سُبُل، من بينها: تجميع الطاقات المختلفة للجمعيات اليهودية والصهيونية، وتوجيه حركتها في اتجاه سياسات وأهداف محددة عادةً تخدم إسرائيل، كما أن اللوبي يحاول أيضًا أن يحوِّل قوة الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية (وخصوصًا القادرين على تمويل الحملات الانتخابية)، وأعضاء الجماعات اليهودية على وجه العموم (أصحاب ما يُسمَّى «الصوت اليهودي») إلى أداة ضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة، فيلوح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية، والتي سيفقدها لا محالة إن لم يفعل.

2- اللوبي الصهيوني بالمعنى العام الشائع للكلمة: وهو إطار تنظيمي عام يعمل داخله عدد من الجمعيات والتنظيمات والهيئات اليهودية والصهيونية تنسق فيما بينها، من أهمها: مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، والمؤتمر اليهودي العالمي، واللجنة اليهودية الأمريكية، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، والمجلس الاستشاري القومي لعلاقات الجماعة اليهودية.

وكل هذه المنظمات لديها ممثلون في واشنطن للتأثير على عملية صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ورغم أن هذه المنظمات لديها أنشطة مختلفة ترتبط بالموضوعات الاجتماعية، فإنها أيضًا تعمل بشكل مباشر في الموضوعات التي ترضي إسرائيل حيث تسعى إلى الضغط على الكونجرس من خلال إرسال الخطابات إلى أعضائه، وغير ذلك من أشكال الضغط.

وهناك أيضًا عدد من الجماعات الصهيونية التي تسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل، والتي ظهرت في بداية الأمـر من أجـل السعي لإنشاء دولة إسرائيل ثم تأييدها بعد ذلك، ومن هذه المنظمات: المنظمة الصهيونية لأمريكا، والتحالف العمالي الصهيوني، والهاداساه، ومنظمة النساء الصهاينة في أمريكا، وتعمل هذه الجماعات على كسب الرأي العام عن طريق مشروعات متعددة تتراوح بين إنشاء المدارس التي تعلِّم العبرية، وإنشاء المستشفيات، وإنتاج الأفلام الموالية لإسرائيل، وتمويل رحلات الباحثين والسياسيين الأمريكيين إلى إسرائيل(2).

مسألة التأثير اللوبي على القرار الإستراتيجي الأمريكي:

إذًا فمسألة التأثير على الرأي العام الأمريكي، فإن اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدد للكلمة، وبالمعنى العام، نجح في جعله مواليًا لإسرائيل بصورة عامة، وهذا النجاح لا يرجع فقط إلى الدعاية المنظمة والمؤتمرات، وإنما يرجع أيضًا لقدرة اللوبي الصهيوني على عقد تحالفات دائمة مع جماعات المصالح الأخرى، مثل: العمال، والمرأة، والمنظمات الدينية، وتلك التي تمثِّل الأقليات الأخرى، وجمعيات حقوق الإنسـان، واسـتخدام هذه الجماعات للتأثير على الرأي العام والكونجرس.

ومن الناحية الاقتصادية: فإن اللوبي الصهيوني يضم الكثير من أصحاب الشركات والمصانع العملاقة في أمريكا، وذات رؤوس أموال ضخمة، والذي يزيد عن 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، ولعل أشهرهم على الساحة هي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية المعروفة اختصارًا بـ”آيباك”، وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، وهدفها: تحقيق الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني.

مؤشرات القوة للوبي اليهودي:

تتمثَّل أبرز أدوات التأثير للوبي اليهودي على القرار الأمريكي خصوصًا الإستراتيجي، والتوجه العام للمجتمع الامريكي في المؤشرات التالية:

  1.  النفوذ المالي: عند مقارنة ما تنفقه جماعات الضغط اليهودية، مثل: لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (آيباك AIPAC)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى Conference of Presidents of Major American Jewish Organizations، و”المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل Christians United for Israel”، والمنظمة الصهيونية الأمريكية Zionist Organization of America، والمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي Jewish Institute for National Security of America، ومؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies، وجماعة جي ستريت J Street، وغيرها في الحملات الانتخابية (التشريعية والرئاسية)، يتبيَّن على سبيل المثال: أنها أنفقت خلال الفترة 2016-2020 (فترة ترامب) ما يقارب 137 مليون دولار، وقد ذهبت هذه الأموال في سنة 2018 مثلًا إلى دعم 269 مرشحًا للنواب و57 مرشحًا للشيوخ، بينما أنفقت 3 دول عربية (قطر، والسعودية، والإمارات) في الفترة نفسها ما يقارب 379 مليون دولار لصالح جهات أمريكية لمساندة هذه الدول ضدّ بعضها البعض.

ويشير برنامج سياسي لفضائية صينية رسمية إلى أن التأثير الإسرائيلي في السياسة الأمريكية نابع من النفوذ المالي اليهودي، وذكر البرنامج أن مِن بين 40 شخصًا هم الأغنى في العالم، هناك 18 منهم من اليهود، وأن نفوذ هؤلاء الأثرياء اليهود يمتد للمؤسسات الصناعية والمالية والإعلامية وقطاعات الإنترنت، ولكن من الضروري عدم المبالغة في حجم التدخل المالي لهذا اللوبي، فعند تحديد أعلى 50 لوبي في الولايات المتحدة لدعم المرشحين، نجد أن ترتيب اللوبي اليهودي هو في المرتبة 30، مع ملاحظة: أن حجم الإنفاق لهذا اللوبي يتزايد؛ خصوصًا في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

  1.  النفوذ الإعلامي: ويتمثل عمل اللوبي اليهودي في هذا القطاع في تطويع الرسائل الإعلامية لتبرير السياسات الإسرائيلية والتأثير على توجهات الرأي العام الأمريكي، ويتم ذلك من خلال الترويج لأفكار معينة تخدم المصالح الإسرائيلية، أو اتهام كل من يتخذ موقفًا ناقدًا للسياسات الإسرائيلية بأنه معادٍ للسامية، وتظهر نماذج التأثير في وسائل الإعلام من خلال الضغط على هذه الوسائل بشكل مباشر أو غير مباشر لإخفاء الأخبار أو الصور التي تضر بـ”إسرائيل”، والتركيز على نقيضها.

فعلى سبيل المثال: تبيَّن من تحليل الرسم البياني الذي يتناول عدد القتلى من الفلسطينيين والإسرائيليين في انتفاضة سنة 2000 في صحيفة نيويورك تايمز  The New York Times، أن نسبة تغطية أعداد القتلى الفلسطينيين كانت نحو 37% من عددهم، بينما كانت تغطية أعداد القتلى الإسرائيليين في الفترة نفسها هو 105%، أي: أن الإشارة للعدد تكررت أكثر من العدد ذاته، ويغلب على افتتاحيات الصحف والبرامج الحوارية في الوسائل الإعلامية ذات الصلة بجماعات الضغط تقديم الآراء التي تبرر السياسات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين أو العرب بشكل عام عبر وسائل الإعلام وفي الجامعات، إلى جانب تزويد الهيئات الإعلامية بالمعلومات حول مختلف القضايا الخاصة بالصراع العربي الصهيوني ولكن بشكل يخدم السياسات الإسرائيلية، وتنظيم الحملات الإعلامية ضدّ الكتاب والهيئات التي تتخذ مواقف ناقدة للسياسات الاسرائيلية.

  1.  النفوذ الانتخابي: تقوم جماعات الضغط اليهودية بحثِّ اليهود على المشاركة العالية في الانتخابات والتصويت لصالح مرشح معين، لكن الاطلاع على نتائج الانتخابات، ونسب المشاركة بين اليهود وتوجهات تصويتهم في الانتخابات الأمريكية كشف لنا ما يلي:

أ. نسبة مشاركة اليهود في الانتخابات الرئاسية خلال الفترة من 1948 (أول انتخابات بعد قيام “إسرائيل”) إلى سنة 2020 بلغت نحو 80%، وهي أعلى من المعدل العام لمشاركة المجتمع الأمريكي.

ب. من بين 21 انتخابات رئاسية أمريكية (منذ تأسيس “إسرائيل”) ذهب أغلب أصوات اليهود إلى المرشح الديموقراطي فيها كلها، أي: أن أغلبية أصوات اليهود ذهبت إلى الحزب الديموقراطي في كل الانتخابات.

ج. بلغ معدل تصويت اليهود للمرشح الديموقراطي خلال الفترة 1948-2020 ما نسبته 71.6%..

د. على الرغم من المعطيات السابقة؛ فإننا لا نرى فروقًا جوهرية وذات طابع إستراتيجي في سياسة الرؤساء الأمريكيين من الجمهوريين حيال “إسرائيل” عند مقارنتهم مع الديموقراطيين، أي: إن تأثير التصويت لم يقدِّم لنا دليلًا على علاقة واضحة بين توجُّه اليهود في التصويت ونمط السياسة للرئيس المنتخب، فمثلًا: على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب Donald Trump الجمهوري حصل فقط على 29% من أصوات اليهود في منافسته مع هيلاري كلينتون Hillary Clinton؛ إلا أنه كان الأكثر انحيازًا “قولًا وفعلًا” تجاه “إسرائيل”.

     وفي انتخابات 2020 أيضًا ذهبت أصوات اليهود إلى جو بايدن Joe Biden الديموقراطي بمعدل 76% مقابل 24% من أصوات اليهود لترامب، على الرغم من كل ما قدَّمه لـ”إسرائيل” في موضوعات الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري خلال توليه منصب الرئيس، أي: أننا لم نجد معامل ارتباط قوي بين توجهات التصويت لليهود وبين سياسات الرؤساء تجاه العلاقة مع “إسرائيل” بغض النظر عن انتمائهم الحزبي.

    وتتعزز ملاحظاتنا السابقة بنتائج دراسة أكاديمية أمريكية حديثة قامت على منهج تحليل المضمون لألفَي تصريح أو بيان للرؤساء الأمريكيين خلال: 1872-2020، وحاولت الدراسة التركيز على “صورة اليهودي” في ذهن الرؤساء الأمريكيين.

ويتبيَّن من هذه الدراسة: أن لا علاقة بين موقف الرئيس من اليهود أو سياساته تجاه “إسرائيل”، وبين اتجاهات التصويت اليهودي؛ سواء في الانتخابات للكونجرس US Congress أم للرؤساء، بل إن الدراسة تعيد نص خطابات أو تصريحات للرئيس السابق ترامب يتهم فيها اليهود بعدم الولاء لأمريكا حين يصوتون للديموقراطيين وقال حرفيًّا: “إن اليهودي الذي يصوت للديموقراطيين هو شخص إما يفتقر للمعرفة أو الولاء”، وعلى الرغم من عدم تصويت اليهود له كما أشرنا سابقًا؛ إلا أنه كان الأبرز في انحيازه لـ ”إسرائيل”(3).

الواقع الأمريكي :

تخضع السياسة الخارجية الامريكية لمجموعة من المؤثرات تتراوح أهميتها وتأثيرها من جماعة الى أخرى، وما يميز هذه المجموعات أنها لا تسعى للوصول الى السلطة، وإنما للتأثير في مؤسسات صنع القرار الرسمية، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوطن العربي تتداخل عدة جماعات ضغط لتؤثر في صناع القرار الأمريكيين بما يتوافق مع مصالح وأهداف تلك الجماعات.

 ومن بين أهم اللوبيات يعتبر اللوبي الصهيوني أحد أبرز المؤثرين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوطن العربي، منذ احتلال اليهود لفلسطين سنة 1948 مارست عدة شخصيات وجماعات يهودية ضغوطات على واشنطن لكسب دعمها في مواجهة الدول العربية، وتكللت هذه المجهودات بظهور اللوبي الصهيوني بشكل منظم الذي أصبح المؤثر الأساسي في السياسة الخارجية الأمريكية؛ خاصة أن تعلق الأمر بالصراع العربي الاسرائيلي.

وتعتبر المصالح القومية المحدد الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية؛ إلا أنه عندما يتعلق الأمر بسياسة أمريكا تجاه الوطني العربي، وخاصة القضية الفلسطينية؛ فإن عوامل أخرى تساهم في تحديد عملية صناعة القرار الأمريكية؛ إذ تأخذ أمريكا بعين الاعتبار مصلحة حليفها الإستراتيجي في المنطقة؛ ألا وهو إسرائيل، وهنا تخضع الولايات المتحدة لضغوط اللوبي الصهيوني المتغلغل داخل مختلف مؤسسات صناعة القرار الأمريكية خاصة الكونغرس والبيت الأبيض.

 إن الجمع بين التأييد القوي لإسرائيل والجهد الموازي لنشر “الديمقراطية” في المنطقة قد أثار الرأي العام الإسلامي، وعرض الأمن الأمريكي والعالمي للخطر، وهذه الوضعية ليس لها مثيل في التاريخ السياسي الأمريكي؛ هذا ما يعكس العلاقات الاسرائيلية الأمريكية أو الأصح اللوبي الإسرائيلي، وتأثيره على الولايات المتحددة الأمريكية(4).

أرقام وأعداد للشخصيات السياسية للوبي في الولايات المتحدة:

يشير العديد من الباحثين أن اليهود يعملون على “زرع” رجالهم في دوائر صنع القرار الإستراتيجي الأمريكي، ولتحديد مدى دقة هذا التصور، فمن الضروري بداية الإشارة إلى أن نسبة اليهود السكانية هي 2.1% من مجموع سكان الولايات المتحدة، لكن مقارنة هذه النسبة بنسب تمثيلهم داخل هيئات صنع القرار تبيِّن لنا ما يلي:

  1.  لم يتمكن أي يهودي من الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، بينما شكَّل الرؤساء البروتستانت 78% من مجموع الرؤساء الـ 46، على الرغم من أن نسبتهم السكانية هي 51.3%، وتولى كاثوليكيان فقط (جون كينيدي John Kennedy، وجو بايدن) الرئاسة على الرغم من أن نسبتهم السكانية 23.9%، لكن الضرورة تقتضي التنبيه لموضوع الفروق في عدد الأصوات بين المترشحين للرئاسة لإدراك أهمية الصوت اليهودي، فقد تبيَّن لنا من تحليلنا لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال الفترة 1948-2020 (وعددها 21 انتخابات رئاسية) ما يلي:

أ. إن معدل فوز الرئيس بنسبة 50% فما دون من الأصوات كان 13 مرة من أصل 21 انتخابات رئاسية، أي بنسبة 61.90%..

ب. إن معدل فوز الرئيس بنسبة فوق 50% إلى 55% من الأصوات كان 5 مرات.

ج. فاز الرئيس بأكثر من 55% من الأصوات ثلاث مرات فقط.

ذلك يعني أن الفارق بين الفائز والخاسر غالبًا ما يكون هامشًا ضيِّقًا للغاية، وهو ما يسمح للمشاركة اليهودية العالية بالتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية والترجيح في عدد الأصوات، وعليه فكلما كان الهامش ضيقًا كانت نسبة تأثير اليهود أعلى في التأثير على نتيجة الانتخاب.

  1.  أما تمثيل اليهود في الكونجرس الأمريكي (النواب والشيوخ)؛ فإنه يتجاوز نسبتهم السكانية، فمثلًا: يتبين أنهم منذ الكونجرس رقم 105 (1997-1999)، وحتى الكونجرس 117 (2021-2023) تراوحت معدلات تمثيلهم على النحو التالي:

عدد اليهود في الكونجرس الأمريكي خلال الفترة 1997–2023:

يتبين لنا أن معدل تمثيل اليهود في آخر 13 كونجرس أمريكي هو 37 عضوًا من أصل 535، وهو ما يعني أن نسبة تمثيلهم تساوي 6.91%، وهي نسبة تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف نسبتهم السكانية.

  1. تمثيل اليهود في رؤساء أو محافظي Governors الولايات: على الرغم من التباين بين الولايات في إجراءات وأنظمة تولي منصب المحافظ، فإن عدد رؤساء الولايات من اليهود خلال الفترة 1950-2020 هو 17 رئيسًا، وهو ما يجعل نسبة تمثيلهم في رؤساء الولايات أقل من نسبتهم السكانية، خلافًا لما هو عليه الحال في نسبة تمثيلهم في الكونجرس كما ذكرنا في الفقرات السابقة(5).

دلائل وشواهد على سيطرة اللوبي الصهيوني على القرار الأمريكي:

أما خارجيًّا فنعطي مثالًا لسيطرة اللوبي على السياسات في أمريكا: بخصوص الحرب على العراق فقد كانت تحت ذريعة توفر صدام على أسلحة دمار شامل، والتي اكتشف لاحقًا أنها مجرد أكذوبة حاول من خلالها الصهاينة استئصال قوة إقليمية تهدد بقاءها بأيادٍ أمريكية من خلال تصويت أزيد من 85 في المائة مقابل 15 في المائة فقط لصالح قرار خوض الحرب على العراق، فخرجت أمريكا بخسائر فادحة تجاوزت 300 مليار دولار وآلاف القتلى في صفوف جنودها، وربح الكيان زوال عدو قوي والذي استفاد منه كثيرا وخصوصًا في تشييد أنبوبي نفطي ساهم في خفض فاتورة الكهرباء بنسبة 25 في المائة، ولا يتوانى المسؤولون الأمريكيون الموالون للصهيونية في زيارة الاحتلال الصهيوني لتقديم الولاء والطاعة والتصفيق لجرائمهم اليومية وتزكيتها، فلم يحدث يومًا أن صوَّتت أمريكا في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين جرائم الكيان الصهيوني، بل على العكس تكون بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار تأديبي ضده.

أما بخصوص التمويلات والمعونات التي تحصل عليها الدول الفقيرة، فالكيان الصهيوني من خلال ذراعه الأمريكية -أي: اللوبي- يتدخل في تحديد مقاييس المعونات الأمريكية المخصصة لهذه البلدان، وهذه المعونات ليست إلا رُشا لإسكات هذه الأنظمة وإبعادها عن القضايا الحساسة، وحشدها عند الحاجة، خصوصًا في قضايا مرتبطة بالإرهاب ومحاربة التطرف، وتشكيل تحالفات تخدم المصلحة التي يريدها الكيان بالدرجة الأولى.

ومن الدلائل أيضًا التي تزكي نظرية تحكم اللوبي في مناحي السياسة الأمريكية، نعود لما قبل سنة 2001 بقليل حيث حصلت فوكس نيوز على مستندات سرية من محققين فيدراليين والتي كشف عنها كارل كاميرون تظهر اعتقال 140 جاسوسًا صهيونيًّا بشأن تحقيق سري تناول التجسس الصهيوني في أمريكا، والغريب أن هذا الحادث لم ينشر في أي جريدة أو وسيلة إعلام إلكترونية، ولم يتطرق إليه أي نائب في الكونغرس أو حتى الرئيس الأمريكي آنذاك.

وواضح جدًّا: أن اللوبي يسيطر على الإعلام بجميع أنواعه في أمريكا ولديه شبكات متفرعة من المدافعين عن السامية مِن: محامين، وأطباء، وإعلاميين، وأكاديميين، ونقابيين، وفصائل طلابية في مختلف الجامعات الأمريكية، فقد تطرقنا في البداية لأستاذين بارزين، فهؤلاء تم طردهما من مناصبهم كأساتذة جامعيين، وتبرأت منهما الجامعة ومن كل أعمالهما، فتأثير اللوبي لا يترك مجالًا إلا وتغلغل فيه، وكل مَن يعادي السامية يجب عليه أن يدفع الثمن بأي وسيلة كانت(6).

الملخص:

لا يتوقع أحدٌ انه على الرغم من قوة أمريكا عالميا أنها لا تتأثر بالجماعات وسيطرة اللوبي عليها، بل إن هناك العديد من الشواهد كما سردناها تدل على قوة اللوبي الصهيوني في القرارات الأمريكية، والتي لا يمكن الاستهانة بها، وعلى العرب خلق توازن وَفْق المصالح العربية كما يشاهدها الساسة العرب، وبالتالي نخلص إلى أن قوة اللوبي الصهيوني لا يمكن تهميشها في اتخاذ القرارات والتحليلات.

1_ دراسات

2_ الدرر السنية

3_ مركز الزيتونة للدراسات

4_ مجلة قضايا المعرفية

5_ المصدر رقم 3

6_ الجزيرة

أمريكاالسياسة الخارجيةالصهاينةاللوبي