مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

التجربة الهندية في العقد الأخير اقتصاديًّا وعسكريًّا وأثرها على النظام الدولي

0 42

التجربة الهندية في العقد الأخير اقتصاديًّا وعسكريًّا وأثرها على النظام الدولي

خلال العقد الأخير؛ صعدت الهند عالميًّا بشكل لافت؛ وذلك نظرًا لما حققته نيودلهي من تطور واسع النطاق اقتصاديًّا وتجاريًّا، ونموًّا سريعًا لقطاع التكنولوجيا والرقمنة خلال سنوات قليلة، إلى جانب النظام السياسي الديمقراطي الفريد، والذي يختلف في بنيته عن الديمقراطيات الغربية؛ فضلًا عن القدرات العسكرية والدخول على خط سباق الفضاء الجديد، والبراغماتية السياسية في العلاقات الهندية الخارجية، في ظل ما يشهده العالم من حرب باردة جديدة ما بين الشرق والغرب، ومساعي الأطراف المتنافسة لاستقطاب الهند إلى معسكر المتنافسين. 

ورغم نمو الهند وتطورها خلال العقود الأخيرة؛ إلا أن نيودلهي تواجه تحديات داخلية خطيرة أبرزها: التمييز ما بين الأديان والطوائف المختلفة، وموجات من العنف ضد المسلمين بين حين وآخر، واتساع الفجوة ما بين الطبقات الاجتماعية، ما شكَّل تحديًا حقيقيًّا وخطيرًا للتطور الهندي ومكانتها عالميًّا. 

فما أبرز ملامح الصعود الهندي خلال السنوات الأخيرة؟ وما أبرز العوامل التي ساهمت في صعود الهند؟ وكيف استفادت الهند من تجربتها التنموية على المسرح الدولي؟ وفي ظل موجات العنف والاضطهادات المتكررة ضد المسلمين كيف ستتعامل نيودلهي مع التحديات الداخلية؟ وكيف يمكن للدول العربية الاستفادة من تجربة النهضة الهندية؟ وما أبرز الدول العربية المرشحة لقفزة شاملة في كافة قطاعاتها على غرار قفزة الهند؟ 

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على؛ تجربة النهضة الهندية الشاملة خلال العقود الأخيرة وسبل الاستفادة منها في عالمنا العربي وأبرز التحديات التي تواجه نيودلهي في ظل العنف الديني في البلاد؛ في هذه السطور الآتية.

ملامح الصعود الهندي خلال السنوات الأخيرة

نجحت الهند منذ بداية عام 2023م في تحقيق العديد من الإنجازات، لتكشف عن تنامي مكانتها على المستوى الدولي؛ كان أبرزها: وصول مركبة الهند الفضائية لأول مرة إلى سطح القمر في أغسطس 2023م، وتجاوز عدد سكان البلاد في إبريل 2023م عدد سكان الصين لتصبح بذلك أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم؛ إلى جانب نجاح الاقتصاد الهندي في إزاحة الاقتصاد البريطاني ليحتل مكانه في المرتبة الخامسة عالميًّا، ولتصبح الهند من أقوى خمسة اقتصادات على المستوى الدولي. 

كما أن تبني الهند لقضايا الجنوب العالمي، قد عزز من مكانتها الدولية؛ وذلك من خلال دعم أصوات دول الجنوب في المحافل الدولية، وقد عقدت الهند مطلع عام 2023م قمة لهذا الغرض جاءت تحت عنوان: “قمة صوت الجنوب العالمي”؛ شاركت فيها أكثر من 120 دولة، كما دعمت الهند خلال قمة بريكس توسيع عضوية المجموعة التي انضمت إليها 6 دول جديدة (مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا). 

بهدف تبني المجموعة لسياسات اقتصادية على المستوى الدوليّ أكثر عدلًا وتمثيلًا لكافة الدول بدلًا من الهيمنة الاقتصادية للمنظومة الغربية على مراكز صنع القرار الاقتصادي على المستوى العالمي، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء الهندي “بأن الهند اختارت شعار (أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد) عنوانًا لفترة رئاستها لمجموعة العشرين خلال عام 2023م”، وهي خطوة تمكن الهند من التعبير عن صوت دول الجنوب العالمي، ودعا رئيس الوزراء الهندي قادة دول الجنوب، إلى إعادة صياغة النظام السياسي والمالي العالمي من خلال التعاون المتبادل والجهود المشتركة، لضمان ألا تظل ثمار التنمية بعيدة عن متناول المواطنين في البلدان النامية. 

وتشير التوقعات الاقتصادية للنمو الاقتصادي العالمي إلى أن الهند في عام 2050م ستكون قطبًا مؤثرًا على الساحة الاقتصادية الدولية، لكنها ستظل بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي، مع احتمالية تفوقها على اليابان والبرازيل وروسيا، ومن المحتمل أن تتخطى ألمانيا في الناتج المحلي الإجمالي عام 2026م واليابان 2027م لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. (القاهرة الإخبارية).

الإصلاح الاقتصادي والنهضة الهندية

بدءًا من العام 1991م أخذت الهند بالانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي المعاصر، وتمكنت خلال عقدين من البروز كقوة كبرى صاعدة؛ ويأتي صعود الهند في إطار تحول ميزان القوى العالمية مناصفةً ما بين الشرق والغرب، بعد أن ظل طيلة قرون حكرًا على الغرب. 

ولم يكن مسار الإصلاح الاقتصادي في الهند تدريجيًّا وتجريبيًّا، بل كان مفروضًا إلى درجة كبيرة من طرف المؤسسات الدولية عبر الحكومة المركزية وفق مقاربة من الأعلى نحو الأسفل؛ فبعد الأزمة المالية عام 1991م اعتمدت الهند على نحو متزايد مبادئ السوق الحرة وتحرير اقتصادها وتعزيز انخراطها في التجارة الدولية. 

بدأت هذه الإصلاحات من قبل وزير المالية الدكتور “مانموهان سينغ” قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء فيما بعد، تحت توجيهات رئيس الوزراء “بي في ناراسيمها راو” حينها، وتم إلغاء الكثير من تراخيص الراج والتي تُعد آلية تعود إلى فترة ما قبل الاستعمار البريطاني، وتستهدف تشديد سيطرة الحكومة على إنشاء الصناعات الجديدة. (الجزيرة).

حيث إن السياسة الاقتصادية الهندية عقب الاستقلال تأثرت بشكل كبير بالتجربة الاستعمارية والحمائية التجارية، مع التركيز بشدة على تصنيع بدائل الاستيراد تحت مراقبة الدولة، وتدخل الدولة على المستوى الجزئي في جميع الأعمال التجارية وخاصة في أسواق العمل والمالية، والقطاع العام الكبير، وتنظيم الأعمال، والتخطيط المركزي. 

وبالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية؛ ركزت القيادة الهندية على تطوير البنية التحتية القومية في البلاد على نطاق واسع، عبر مشروع إنشاء شبكة من الطرق السريعة لربط المراكز الصناعية والزراعية والثقافية الرئيسية على مستوى البلاد؛ وسُمي المشروع حينها “الرباعي الذهبي” واستغرق تنفيذه نحو 12 عامًا. 

كما برز اهتمام نيودلهي بالدخول إلى خط سباق التكنولوجيا الرقمية وصناعات أشباه الموصلات، باستثمارات تتجاوز 1.2 تريليون دولار في القطاع التكنولوجي؛ إذ تعمل نيودلهي على الاستفادة من التنافس التكنولوجي وحرب الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات ما بين الصين والولايات المتحدة لاجتذاب كبرى شركات التقنية إلى أراضيها، في ظل تجاوز الصادرات الهندية من البرمجيات حاجز 100 مليار دولار. 

وقد أدت هذه الإصلاحات إلى تسارع معدلات النمو الاقتصادي في البلاد، التي أخذت في الارتفاع من أدنى مستوى بلغته عام 1990م عند معدل 1.057%، لتصل إلى نحو 8.846% عام 1999م، بحسب إحصائيات البنك الدوليّ؛ وباستثناء بعض الانخفاضات الاستثنائية المرتبطة بأزمات اقتصادية إقليمية أو عالمية، مثلما حدث في الفترة بين عامي 2000م و2002م، أو خلال عام 2008م، فإن معدل النمو الاقتصادي السنوي في الهند ظل يتراوح بين 7% و8%، مع قدرة عالية وملحوظة على التعافي من آثار أي أزمات اقتصادية نابعة من السياقين الإقليمي والعالمي. (سكاي نيوز عربية).

وأضحت الهند أعلى الاقتصاديات الكبرى التي يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي التريليون دولار سنويًّا من حيث معدلات النمو الاقتصادي السنوية في عام 2018م؛ وتشير مختلف التقديرات الاقتصادية إلى أن النمو الاقتصادي السنوي في الهند سيحافظ على معدلاته تلك خلال السنوات العشر المقبلة على الأقل. 

عوامل ساهمت في الصعود الهندي

أدت عدة عوامل دورًا محوريًّا في النهضة الاقتصادية الهندية أبرزها؛ كفاءة النظام السياسي، إذ تمتلك الهند نظامًا سياسيًّا ديمقراطيًّا فريدًا نجح في صهر كل العرقيات والقوميات والأديان، من خلال وضع الدستور لركائز الفيدرالية الهندية، القائمة على إعطاء صلاحيات للولايات التي تتشكل منها الدولة الفيدرالية، مع ميل واضح نحو المركزية من خلال الصلاحيات التي منحها الدستور للسلطة المركزية لحل المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد. 

وقد كان لتكوين المؤسسة التشريعية من خلال الصيغ التمثيلية التي تكفل تمثيل الجميع في البرلمان الفيدرالي أو في مجالس الولايات بالأقاليم، جعل الديمقراطية الأساس لإدارة أنواع من الاختلاف؛ وهو ما انعكس على الاستقرار السياسي، الذي بدوره انعكس على الدور الاقتصادي الصاعد للهند والمنافس للاقتصادات الآسيوية الرائدة مثل الصين واليابان. 

إلى جانب ذلك: نجاح الهند في توظيف قدراتها البشرية كداعم للتنمية الاقتصادية منذ انطلاق الإصلاح الاقتصادي الشامل في عام 1991م الذي يقوم على الالتحاق بالاقتصاد الرأسمالي المُعولم، حيث حققت نجاحات اقتصادية، جعلت الاقتصاد الهندي من أسرع اقتصادات العالم نموًّا منذ 2018م بنحو 7.3%. 

وتُعد الشراكات الاقتصادية العالمية، نقطة بارزة في تطلعات الهند الاقتصادية الخارجية نحو تنويع العلاقات الاقتصادية؛ إذ تتمتع الهند بعضوية مجموعتي العشرين والبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتمثل ريادة التعليم الهندي أحد مصادر القوة الناعمة والداعمة لدورها على المستويين الإقليمي والدولي.

وقد أسهم التعليم في تعزيز مكانة الهند الدولية لا سيما في المجالات المبتكرة والحيوية، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المنتشرة بأودية السيلكون في البلاد، وهو ما ينعكس على تخريج ما يقرب من 1.5 مليون مهندس كل عام، 43% منهم نساء، كما ارتفع معدل الشباب الهندي القادر على القراءة والكتابة من 62% عام 1991م إلى 92% عام 2021م. (القاهرة الإخبارية).

الاستفادة الهندية من تجربة الإصلاحات والنهضة الشاملة

بالنظر إلى النمو السريع والنهضة الشاملة التي تمكنت نيودلهي من تحقيقها خلال العقود الأخيرة؛ وانضمام الاقتصاد الهندي إلى قائمة الاقتصادات الأسرع نموًّا في العالم، مع نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 55% بين عامي: 2014م و2023م. 

وانتقال البلاد من تاسع أكبر اقتصاد في العالم، إلى خامس أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان على الترتيب خلال الفترة من 2014م وحتى 2023م؛ إضافة إلى عمليات التحول الضخمة والتوسع في البنية التحتية من خلال إنفاق المليارات على بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية. 

وفي الوقت نفسه، استقطاب مستثمرو القطاع الخاص لبناء أكبر محطة للطاقة الخضراء في العالم؛ مع نمو القوة العسكرية والبراغماتية السياسية، والحياد في القضايا والصراعات الدولية وزيادة جودة التعليم في البلاد، فيمكن القول إن الهند خلال العقود القليلة القادمة ستتمكن من لعب دور محوري في السياسة العالمية، بل وقد تصبح أحد أقطاب العالم إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين. 

ويبرز ذلك بوضوح في زيادة اهتمام عدة أقاليم حول العالم بتعزيز التعاون الاقتصادي والصناعي والتجاري مع الهند؛ إذ بلغت حجم الصادرات الهندية إلى دول الخليج العربي نحو 51 مليار دولار، وتسعى مصر ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل، إلى استقطاب استثمارات هندية بقيمة 100 مليار دولار، وذلك في إطار خطط التحول الاقتصادي المطروحة لدول المنطقة. 

تحديات العنف الديني في الهند

رغم ما حققته الهند من نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة، وارتفاع في مستوى المعيشة ورغم الديمقراطية التي تنتهجها الدولة؛ إلا أن العنف الديني لا يزال ينشط في المجتمعات الهندية، والتي تأتي رفقة أعمال شغب واسعة بين حين وآخر، ما يضع الهند أمام تحدي صعب خاصة مع زيادة موجات العنف الديني بين المسلمين والهندوس خلال العقود الأخيرة. 

فخلال الفترة منذ عام 1950م وحتى الآن قتل أكثر من 10,000 شخص في أعمال عنف طائفية بين الهندوس والمسلمين وفقًا للأرقام الرسمية، كانت هناك 6933 حالة عنف طائفي بين عامي 1954م و1982م، وقتل 530 من الهندوس و1598 من المسلمين في إجمالي 3949 حالة من أعمال العنف الجماعي بين عامي 1968م و1980م. (فرنسا 24).

ووقعت حوادث عنف جماعي في عام 1989م في جميع أنحاء شمال الهند، وفي كثير من الأحيان كانت هذه الأعمال على شكل هجمات عنيفة على المسلمين من قبل الهندوس، وذلك في إطار العنف الطائفي بين المجتمعات الهندوسية والمسلمة والتي تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني. 

ويرى بعض المراقبين: أن موجات العنف ضد المسلمين، تقف وراءها دوافع سياسية؛ ففي ظل كون المسلمين أقلية داخل المجتمع الهندي، تتلقى العصابات الهندوسية دعمًا مؤسساتيًّا، لا سيما من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات المرتبطة بالمنظمة التطوعية القومية الهندوسية، ويتهم المراقبون للمشهد حزب (بهاراتيا جاناتا) على وجه الخصوص بالتواطؤ في حوادث العنف هذه، واستخدام العنف ضد المسلمين واعتباره جزءًا من إستراتيجية انتخابية أكبر. 

على سبيل المثال؛ أوضحت الأبحاث التي أجراها “راحيل داتيوالا” و”مايكل بيجس” أن عمليات القتل أعلى بكثير في المناطق التي يواجه فيها حزب (بهاراتيا جاناتا) معارضة انتخابية شديدة، مقارنة بالمناطق التي يكون فيها بالفعل قويًّا، وشهدت مناطق شمال الهند في عام 1989م زيادة في الهجمات المنظمة ضد المسلمين، وحقق حزب (بهاراتيا جاناتا) نجاحًا أكبر في الانتخابات المحلية وانتخابات الولاية. (بي بي سي عربي).

ولا تقتصر حوادث العنف بين المسلمين والهندوس فقط؛ بل شملت أيضًا هجمات واسعة طالت المسيحيين والسيخ وغيرهم من الطوائف والجماعات الدينية الأخرى، وتُعد حوادث العنف الديني في الهند أحد أكبر التهديدات التي تواجه الهند، والتي من المتوقع أن يكون لها تداعياتها السلبية طويلة الأمد على نمو وتطور الدولة خلال العقود القادمة. 

في ظل ما يعقب حوادث العنف الواسعة من سقوط الآلاف من الضحايا الأبرياء، والخسائر الاقتصادية، والنزوح الداخلي، والتي قد تدفع نحو حربًا أهلية شاملة أو وصول الصراع ما بين المسلمين والهندوس إلى باكستان وبنغلاديش المجاورة، ولذلك على نيودلهي أن تنتهج سياسات أكثر إنصافًا في التعامل مع العنف الديني الواسع في البلاد، واتخاذ إجراءات رادعة لمنع تكرار مثل تلك المآسي. 

تجربة النهضة الهندية والعالم العربي

تُعد السعودية والإمارات ومصر أكبر الاقتصادات العربية وأكثرها تنوعًا خلال السنوات الأخيرة، وتعمل الدول الثلاث على الاستفادة من تجارب الدول الكبرى في الصعود والتنمية الشاملة؛ فالمملكة العربية السعودية كشفت عن “رؤية السعودية 2030” والتي تُعد خطة لما بعد النفط لتنويع الاقتصاد السعودي وتعزيز المرونة، وتتزامن مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعًا حكوميًّا عملاقًا، تبلغ تكلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال وتصل إلى 20 مليار ريال، كما في مشروع مترو الرياض. 

نظَّم الخطة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير “محمد بن سلمان” إذ عُرضت على مجلس الوزراء برئاسة الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود” لاعتمادها؛ ويشترك في تحقيقها كل من القطاع العام والخاص وغير الربحي، وتُعد “رؤية السعودية 2030” قفزة إيجابية نحو النهوض الشامل بالاقتصاد السعودي. 

كما أن الإمارات العربية المتحدة ورغم السياسة الحالية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على الثروات الطبيعية، لا تزال الصادرات تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز وخاصة في إمارة أبو ظبي، ففي سنة 2013م أنتجت الإمارات 2.3 مليون برميل يوميًّا؛ إلا أن 85% من الإنتاج يتركز في إمارة أبوظبي والباقي أساسًا في إماراتي دبي والشارقة، والتي يقدر الخبراء أن احتياطياتها ستنفد في أقل من 20 عامًا. (سي إن بي سي عربية).

وتشهد الإمارات حاليًّا، طفرة عقارية كبرى مع ارتفاع أسعار النفط، ويقدر حجم المشاريع العقارية قيد الإنشاء بـ350 مليار دولار؛ كما حاولت إمارة دبي في السنوات الأخيرة، تنويع مصادر اقتصادها وتقليل اعتماده على الموارد الطبيعية وشرعت في إنشاء مشاريع سياحية ضخمة من أشهرها فندق برج العرب وبرج خليفة أطول مبنى في العالم، إضافةً إلى إنشاء سوق مصرفية وتشجيع الاستثمار الأجنبي عبر تشريعات خاصة كالسماح بملكية الأجانب للأراضي لمدة تصل إلى 99 سنة. 

إضافة إلى ذلك: تُعد منطقة جبل علي من المناطق المزدهرة في إمارة دبي، إذ تحتوي على مقار أكثر من 2000 شركة وذلك لوجود مطار دولي كبير (مطار آل مكتوم) المزمع إنشاؤه وميناء في المياه العميقة (ميناء جبل علي)، إضافة إلى منطقة للتجارة الحرة (المنطقة الحرة في جبل علي)، والتي تخلو من أي ضرائب مفروضة، وهي من المواقع الجاذبة للاستثمار العالمي؛ كما تُعتبر دبي أكبر سوق للذهب في العالم وتستحوذ على 40% من تجارته العالمية. 

وعملت الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، على إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية شاملة بدءًا من العام 2016م، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية؛ وشهدت البلاد قفزة في مشروعات البنية التحتية والعقارات خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل سباق صناعات الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات المحتدم ما بين القوى الكبرى، تعمل الدول الثلاث على الدخول على خط صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية. 

وأخذت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة، على توطين صناعة أشباه الموصلات في البلاد، وأطلقت مؤتمرها الأول لمستقبل أشباه الموصلات في الرياض في مارس 2022م، ثم عقدت نسختين تاليتين من المؤتمر خلال العامين الماضي والحالي. 

كما تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة، أحد اللاعبين الذين لهم تحرك بارز في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات الأخيرة، فقد فطنت مبكرًا لأهمية هذا المجال، من خلال تعزيز استثماراتها الخارجية في هذا القطاع، وأسست شركة “مبادلة” وشركة “غلوبل فاوندريز” في العام 2009م، الرائدة في تصنيع أشباه الموصلات ومدرجة في سوق ناسداك الأميركية للأوراق المالية، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام). (صحيفة الرأي).

وتعمل الحكومة المصرية على إعداد خارطة طريق لتوطين تصنيع الرقائق الإلكترونية، وتتضمن هذه الخارطة؛ التعاقد مع استشاري عالمي لوضع تصور وإستراتيجية لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، واستمرار جهود تدريب الكوادر البشرية في مجال الإلكترونيات، بالتكامل مع جهود جذب الاستثمارات لهذه الصناعات. 

ويبدو أن الدول الثلاث وفي ظل ما توليه حكومات تلك الدول، من أهمية بالغة للنهوض الاقتصادي الشامل في كافة القطاعات، مع التركيز على المشروعات الصناعية الرقمية والبنية التحتية والمشاريع العقارية، فإنها تسير نحو النهوض هي الأخرى إلى جانب الهند وغيرها من الدول إلى مصافي الدول الرائدة اقتصاديًا خلال السنوات القادمة. 

الخلاصة

– في ظل العولمة والتنافس الدولي وسباق الريادة والتفوق؛ تبرز العديد من القوى الناهضة عالميًّا بعد أن كانت طيلة قرون في ظلام استعمار أو أزمات اقتصادية أو غيرها مما تعانيه دول وشعوب العالم النامي؛ وتُعد الهند أحد أبرز الأمثلة على ذلك النهوض، فقد تمكنت نيودلهي من تحقيق قفزة شاملة في كافة قطاعات البلاد بدءًا من العام 1991م، بانتهاج سياسات وإستراتيجيات اقتصادية وإدارية وسياسية متنوعة، مكنتها من الصعود كقوة جديدة عالميًّا. 

– رغم ما حققته الهند من تطور لافت خلال العقود الأخيرة؛ إلا أن العنف الديني وموجات الاضطهادات المختلفة التي يتعرض لها المسلمون من قبل العصابات الهندوسية، تُعد تهديدًا خطيرًا للهند؛ في ظل ما يراه بعض المراقبين من تواطؤ ودعم من قبل بعض الأحزاب والمؤسسات لتلك العصابات الهندوسية، للتحريض على العنف ضد المسلمين؛ ما يشكل تحدِّيًا خطيرًا أمام نيودلهي. 

– تبرز الدولة المصرية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية؛ كقوى إقليمية صاعدة، تسير على طريق النهضة الشاملة على غرار الهند، في ظل ما توليه حكومات تلك البلاد، من اهتمام بالغ بالتنمية الصناعية ومشاريع البنية التحتية والصناعات الرقمية؛ فيبدو أن العقود القليلة القادمة، ستشهد عدة قوى عظمى عالميًّا وقوى كبرى إقليميًّا.

المصادر:

الجزيرة

سكاي نيوز عربية

جريدة عمان

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

سي إن إن الاقتصادية

فرنسا 24

بي بي سي عربي

سي إن بي سي عربي

صحيفة الرأي

القاهرة الإخبارية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.