fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قوات عسكرية مصرية في مقديشيو وغضب إثيوبي.. الأهداف والدلالات

0 33

قوات عسكرية مصرية في مقديشيو وغضب إثيوبي.. الأهداف والدلالات

لقد تسبب إرسال مصر لقوات عسكرية ومعدات تلبيةً للطلب الصومالي في قلق بالغ، وغضب عاشته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد ما شعرت مقديشيو بالتهديد المباشر؛ نتيجة تصرفات آبي أحمد العبثية في منطقة إقليم “أرض الصومال”، حيث لم تمضِ سوى ساعات على وصول طائرتين عسكريتين مصريتين محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضي الصومالية، حتى خرج بيان إثيوبي حاد، يتهم جارتها مقديشو على عكس الحقيقة بزعزعة الاستقرار في المنطقة.

تحاول هذه الورقة في مركز “رواق” للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة، وهي: قراءة في إرسال قوات مصرية إلى مقديشيو، مسببات زيادة التوتر في منطقة القرن الإفريقي، تصرفات أديس أبابا المدعومة إقليميًّا ودوليًّا من أجل تأجيج الصراعات في المنطقة، خطر الدعم الإثيوبي لإقليم “أرض الصومال” والانفصاليين على حساب أمن الصومال، هل اقتربت المواجهة العسكرية المباشرة بين مصر وأديس أبابا، الاتفاق بين مصر والصومال.. هل يتعارض في اتفاق الأخيرة مع تركيا، لماذا غضبت أديس أبابا من إرسال قوات مصرية إلى الصومال؟

أسلحة مصرية في الصومال.. هل اقتربت المواجهة مع إثيوبيا؟

تعتبر المساعدات المصرية تلك والتي جاءت بناءً على طلب صومالي هي الأولى التي تصل مقديشيو، منذ أكثر من أربعة عقود، لكن القاهرة لم تعلن عنها رسميًّا، فيما ثمَّن دبلوماسيون صوماليون الخطوة، وأنها تمثل دعمًا حقيقيًّا من دولة تمثل قوة كبرى في المنطقة مثل مصر.

وقد أرسلت مصر طائرتين من نوع سي 130 محملتين بمعدات عسكرية للصومال، في ضوء اضطلاع القاهرة بمهمة إعادة تدريب وتنظيم الجيش الصومالي لرفع كفاءته ليواجه الإرهاب وحركات الانفصال. (بي بي سي).

إن تلك الخطوة جاءت في ضوء بروتوكول التعاون الأمني الذي وقعته مصر والصومال أخيرًا، حيث تهدف القاهرة إلى أن تساعد الصومال في حفظ أمن مضيق باب المندب على البحر الأحمر والذي يعد أحد عوامل أمن قناة السويس المصرية؛ الأمر الذي يزيد من حالة التقارب وتوطيد العلاقات بين مصر والصومال بعد أن وقعت إثيوبيا اتفاقا أوليًّا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية تحصل بموجبه أديس أبابا على حق انتفاع بأراضٍ ساحلية في ميناء بربرة مقابل الاعتراف المحتمل باستقلالها عن الصومال، مما يعد اعتداءً واضحًا صريحًا لا لبس فيه على سيادة وأمن الصومال.

خطر الدعم الإثيوبي للانفصاليين “أرض الصومال” على أمن الصومال:

إن ما تفعله إثيوبيا لزعزعة أمن واستقرار دولة جارتها تتبع القارة السمراء لهي حقًّا تصرفات اللا دولة؛ بل العصابات؛ لأن هناك فرقًا بين الدولة التي تحترم القانون الدولي ومواثيقه وما بين تصرفات العصابات التي تعمل لأجندة خاصة أو لحساب دول أخرى، وهو ما ستكون لها تداعيات كارثية على عودة ونشاط الجماعات المتطرفة والمسلحة في القرن الإفريقي، ولنا النموذج في منطقة الساحل الإفريقي، لا سيما مع اشتعال الموقف والأزمة في الداخل السوداني حاليًا.

نعم، قد تكون إثيوبيا تبحث عن موطئ قدم أو ميناء على البحر الأحمر؛ لكونها دولة حبيسة، ولا ضير في ذلك إذا كانت تقوم بذلك عبر اتفاقيات مع الدولة الشرعية، وليس في دعم إقليم يحاول الانفصال عن الدولة الأم؛ خصوصًا وهو تابع لها، وحتى إن وصلت لمبتغاها فهذا لن يستمر طويلا؛ لطالما هناك دولة شرعية تحاول فرض سياساتها وهيمنتها على كافة أراضيها خصوصًا بمساعدة دول قوية تحترم القانون الدولي مثل الدولة المصرية.

لذلك فإن توقيع الصومال بروتوكولًا أمنيًّا مع القاهرة خطوة جيدة وعلى الطريق الصحيح؛ لأنه جاء في توقيت راهن وحرج للغاية، لا سيما أن إثيوبيا أظهرت العداء منذ سنوات للدولة المصرية خصوصًا تعنتها في بناء سد ضخم بزعم توليد الطاقة الكهرومائية على منابع نهر النيل، ولكن بشكل تعسفي وأحادي لا يراعي حقوق دول المصب، كما ظهر العداء الإثيوبي مع الدول المجاورة لها مثل السودان ودعمها لمليشيا الدعم السريع والعداء مع الصومال ودعمها للانفصاليين في إقليم أرض الصومال. (بي بي سي).

وكان من الأفضل لأديس أبابا ألا تعادي دولة كبيرة مثل مصر، خصوصًا أن القاهرة ومقديشيو دولتان لهما سيادة مستقلة ومن حقهما التعاون في شتى المجالات وهذا لا شأن لأحد به، ولا ضير فيما تقوم به مصر والعمل على استعادة دورها القديم في منطقة القرن الإفريقي؛ لأن في ذلك أفضل رد فعل على تصرفات إثيوبيا التي لا تحمل إلا الاعتداءات والعداوات لدول المنطقة.

لقد اتخذت القاهرة خطوة مهمة وجديدة مع التعاون الحثيث مع الصومال ودول أخرى إفريقية، حيث وقعت خلال الأيام القليلة الماضية اتفاقًا عسكريًّا مع نيجيريا، ومذكرة تفاهم لتعميق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وهو ما يعد ضمن تحركات مصرية لاستعادة دورها في القارة السمراء ومواجهة أي تهديد لأمنها القومي. (بي بي سي).

لماذا غضبت إثيوبيا من التقارب المصري الصومالي النيجيري؟

وبعد توقيع مذكرات تفاهم مع كل من دولتي: الصومال ونيجيريا، زاد الغضب الإثيوبي، واتهمت الصومال بالتواطؤ مع من وصفتهم بجهات خارجية “مصر” تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة كما تزعم، حيث قد ذكرت وزارة الخارجية الإثيوبية أن أديس أبابا لن تبقى صامتة، في وقت تتخذ فيه جهات أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة.

إن الرسالة التي فهمتها إثيوبيا من استباق مصر للترتيبات الدولية تمهيدًا لمشاركتها في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال، والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية الحالية، مطلع العام المقبل، وقيامها بإرسال معدات إلى الصومال بالطبع لم تكن رسالة إيجابية لأديس أبابا، لاسيما أن مصر أعلنت دعمها للصومال في خلافه مع إثيوبيا، ولمَ لا ومصر تبحث عن تأمين أمنها القومي والمائي ومواجهة أية أخطار خارجية خصوصًا من دول لا تكترث بالقوانين الدولية واتفاقيات المياه.

نعم، هناك حساسية في العلاقة المصرية الإثيوبية وتعقيدات ملف سد النهضة ومعارضة مصر لوصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر بشكل غير قانوني وقيامها بتحشيد جامعة الدول العربية ضد إثيوبيا، ولكن كلمة السر في هذا العداء أو حساسية الموقف بين القاهرة وأديس أبابا هي سياسة آبي أحمد نفسه.

وعلى ما يبدو جليًّا أن إثيوبيا باتت تخشى كثيرًا من لغة الخطاب الأخيرة من بعض القيادات في مقديشو، وأيضًا الخوف من عدم انضباط حكومة مقديشو في كيفية وإدارة السلاح والمعدات المصرية الحديثة وهي الجارة لإثيوبيا.

مصر تشارك في قوات حفظ سلام جديدة في الصومال:

وقد أعلن الاتحاد الإفريقي في وقت سابق من هذا الشهر عن عرض مصر للمساهمة بقوات في مهمة حفظ سلام جديدة ستنطلق خلال العام المقبل في الصومال.

وفي وقت سابق، كانت الصومال قد هددت بطرد ما يصل إلى 10 آلاف جندي إثيوبي، موجودين هناك كجزء من مهمة حفظ السلام وبموجب اتفاقيات ثنائية لمحاربة متشددي حركة الشباب، إذا لم يتم إلغاء الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال، والتي عمقت الخلاف بين الدولتين منذ مطلع عام 2024.

تؤكد مقديشو وهذا معلوم على أن أرض الصومال، التي لم تحصل على اعتراف دولي هي جزء من دولة الصومال، ومما أزعج القيادة السياسية في مقديشيو إعلان إثيوبيا، بتعيين مندوب لها بدرجة سفير بأرض الصومال “غير المعترف بها دوليًّا”، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي. (بي بي سي).

بطبيعة الحال والموقف، فقد دخلت حكومة أرض الصومال الانفصالية على خط التوتر، وأصدرت بيانًا صعدت فيه ضد مصر، وانتقدت إرسال قوات مصرية إلى دولة الصومال، رغم أنه طلب صومالي بامتياز لمواجهة التهديد أو الخطر الإثيوبي.

إن موافقة الدولة المصرية بإرسال قوات إلى الصومال يعد أمرًا طبيعيًّا لتلبية الطلب الصومالي وحفظ أمنه واستقراره، وحتى لو قصدت القاهرة منذ ذلك هدف آخر وهو الضغط على إثيوبيا للقبول بشروط مصرية في بناء السد، فهي تحركات طبيعية، فكل بلد وفق السياسة الدولية تبحث عن مصالح شعبه لطالما لم يضر بالآخر مثلما تفعل أديس أبابا مع مصر في بناء السد التعسفي، ومحاولة تقسيم الصومال.

ولا شك في أن مصر تمتلك ضبط النفس وتعمل دومًا على تحقيق السلام في المنطقة، ولكن ليس مستبعدًا من جرِّ المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين مصر وإثيوبيا إذا لم يتم التعامل مع التوتر المتصاعد بأقصى قدر من الحذر وقيام مجلس الأمن بدوره، خصوصًا بعد الشكاوى العديدة التي قدمتها مصر إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة ولم يكترث.

ليس بالضرورة أن مشاركة القوات المصرية كجزء من مهمة حفظ السلام، سوف يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين اللذين تفصل بينهما حدود طبيعية “السودان بينهما” ولكن يجب على الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي أن يعملا على تجنب أي صراع، وألا يراهنا كثيرًا على صمت مصر في عدم التصعيد حتى الآن مع أديس أبابا جراء عدوانها في بناء السد بشكل أحادي الجانب. (بي بي سي).

كما يجب على المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي أن يعلموا أن الفائز الوحيد من هذا التوتر هو حركة الشباب والجماعات المتطرفة الأخرى العاملة في المنطقة والتي ستنشط وتزداد قوة يومًا تلو الآخر، ومن ثم تكدير الأمن والسلم الإقليميين.

ومن الواضح الآن أن زمن اعتماد مصر على إرسال الرسائل السياسية أو المعنوية لإثيوبيا قد انتهى، والقاهرة حاليًا تعتمد سياسة الأفعال لا الأقوال، بالرغم من أن خيار المواجهة المباشرة مع إثيوبيا ليس مطروحًا الآن؛ لأن مصر ورغم كل استفزازات أديس أبابا ومخالفتها كل الاتفاقيات والأعراف الدولية بشأن سد النهضة؛ إلا أنها تحرص على دومًا سياسة عدم الاعتداء وتقديم الدبلوماسية قبل أي تحركات أخرى. (بي بي سي).

أهداف الاتفاق العسكري وما طلبته مقديشيو من مصر:

لقد حَملت زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة في الآونة الأخيرة، أبعاد ورسائل كثيرة ومنها ضرورة تعزيز التعاون العسكري والدبلوماسي والأمني مع مصر، بعد ما شهد مع نظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي التوقيع على بروتوكول عسكري بين البلدين، في خضم تساؤلات بشأن انعكاسات ذلك على الوضع في مقديشو، ومدى ارتباطه بتعزيز الأمن والسلم بمنطقة القرن الإفريقي التي شارفت على زيادة التوتر. (سكاي نيوز).

نقول: إن هناك دلالات واضحة للاتفاق بين القاهرة ومقديشيو، لذلك فإن القاهرة باتت مهتمة في المقام الأول بالاتفاق بين إثيوبيا مع “أرض الصومال” الذي وقع في يناير الماضي، والذي أثار انتقادات دولية وإقليمية واسعة، ومن ثم تسعى بشكل مباشر لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الصومال بشكل خاص ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام؛ لمواجهة ما يمثله الاتفاق الإثيوبي من تهديدات لمصالحها وأمنها القومي.

بعد ما وقعت مصر بروتوكولات تعاون عسكرية وأمنية مع الصومال؛ إضافة لخطوات دبلوماسية وتجارية من بينها افتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر بين البلدين، وهو ما يضع اللبنة لمساعدة الصومال في تأمين حدودها وتحجيم الدول الطامعة مثل إثيوبيا. (سكاي نيوز).

وبالفعل لقد أكد الرئيس السيسي لنظيره الصومالي، موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية، ومواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.

وفي المقابل: شدد شيخ محمود على حرص الصومال على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، مثمنًا دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات؛ الأمر الذي يعكس خيبة أمل للجانب الإثيوبي، لا سيما أن مصر دولة كبيرة في القارة لا يستهان بها وبالطبع لجوء مقديشيو للقاهرة ليس عبثًا.

الاتفاق بين مصر والصومال.. هل يعارض اتفاق الأخيرة مع تركيا؟

لقد كشف الرئيس الصومالي أن بلاده طلبت من مصر توفير معدات عسكرية والتدريب الإضافي للقوات العسكرية والأمنية الصومالية، فضلًا عن الدعم الدبلوماسي وسط التوترات المتنامية مع إثيوبيا، وبالفعل فهذا لا يتعارض مع اتفاق مقديشيو مع تركيا.

حيث بموجب الاتفاق بين تركيا والصومال، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة، و”التدخل الأجنبي”؛ فضلًا عن إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية.

وتقضي الاتفاقية ببناء تركيا سفنًا عسكرية وبيعها للصومال، وسيكون للقوات البحرية التركية الحق في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة، فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في مقديشو التي ستتكفل بفتح أجوائها للاستخدام المدني والعسكري التركي.

تسارعت الخطوات الصومالية لتوقيع اتفاقيات عسكرية مع تركيا ومصر، بعدما تفاقمت التوترات مع إثيوبيا عندما وقّعت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال” تمنح إثيوبيا -واحدة من أكبر الدول غير الساحلية في العالم- منفذًا بحريًّا لطالما سعت إليه. (سكاي نيوز).

وسعت تركيا أن تكون وسيطًا بين الصومال وإثيوبيا، حيث استضافت، محادثات، يوليو الماضي، في محاولة لخفض منسوب التوترات المتصاعدة بين البلدين، على خلفية الاتفاق الذي رفضته مصر والدول العربية، ولكن ينتظران جولة جديدة من المفاوضات؛ أبرزها تأمين قناة السويس من باب المندب.

أهداف اتفاق القاهرة ومقديشو:

إن البروتوكول العسكري الذي جرى توقيعه بين مصر والصومال، يستهدف بشكل أساسي دعم القاهرة لمقديشو، ما يعني تحقيق هدفين مباشرين: الأول القضاء على الإرهاب ممثلًا في منظمة الشباب التي خرجت من عنق الجماعات المتطرفة، والثاني وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية، بعد الاتفاق “غير القانوني” بين أديس أبابا وصومالي لاند أو ما يعرف بـ إقليم “أرض الصومال”.

وهذا لا يعني وجود أي تعارض بين الاتفاقيتين العسكريتين لمصر وتركيا مع الصومال، حيث إن أنقرة لا علاقة لها بالاتفاق المصري الصومالي على الإطلاق، بل تهدف مصر لتعزيز قدرات الجيش الصومالي للقضاء على الإرهاب ومواجهة التهديدات التي تمس سيادتها، والدليل أن مصر سوف تقوم بإرسال قوات في إطار بعثة الأمم المتحدة للمساهمة في تأمين الصومال.

ومن الواضح جليًّا: أن الدولة المصرية تستهدف من ذلك التواجد العسكري في الصومال محددات تعد في غاية الأهمية للقاهرة، وهي: أولًا مساعدة الجيش الصومالي ورفع كفاءته القتالية للتعامل مع عمليات الانفصاليين الإرهابيين عبر الخبرات الكبيرة التي يمتلكها الجيش المصري، وثانيًا دعم وحدة الأراضي الصومالية ورفع كفاءة قواتها المسلحة، وثالثًا تعزيز مشاركة مقديشو في تأمين قناة السويس من باب المندب.

خطر التوتر في القرن الإفريقي على الأمن القومي المصري:

نعم، إن الاتفاق الذي جرى بين مصر وتركيا مع الصومال، يرمي في نفس الهدف الواحد، وهو في مساعدة مقديشو على استعادة سيادته واستقراره، والمساهمة في تعزيز الأمن والسلم بمنطقة القرن الإفريقي، ولا ننسى أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة عادت إلى مجراها الطبيعي بعد فترة من القطيعة، والدليل ما شهدنا عودة للمشاورات على أعلى مستوى، بعد الزيارات المتبادلة بين الرئيس السيسي والرئيس رجب طيب أردوغان لكل من القاهرة وأنقرة. (سكاي نيوز).

كما أن مصر تمتلك مقومات وقدرات كثيرة في مجال التأهيل والتدريب العسكري، وبالتالي ستساعد الصومال في تأهيل الجيش بما يُمكنه من مواجهة الإرهاب، والسيطرة على كافة مناطقها وسط التوتر الراهن؛ لأنه حينما استشعر الصومال التهديد لسيادته وأمنه القومي من قبل إثيوبيا، فكان من الطبيعي أنه يسعى لتوطيد علاقاته مع عدد من الدول والاستعانة بها لدعم جهودها من أجل استعادة الاستقرار، وإعادة بناء مؤسساتها بما في ذلك المؤسسة العسكرية.

اتفاقيات أمنية بين مصر و3 دول بالقرن الإفريقي.. لماذا؟

يجب ألا نغفل البتة أن منطقة القرن الإفريقي تعد امتدادًا للأمن القومي المصري؛ لذا سعت القاهرة لإبرام اتفاقيات أمنية وسياسية مع الدول بهذه المنطقة وخاصة الصومال، جيبوتي، إريتريا؛ للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. (سكاي نيوز).

وعلى الفور وفي تطور جديد من نوعه، لا سيما خلال الأزمة المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا في الصومال، فقد وصلت سفينة مساعدات عسكرية مصرية جديدة إلى العاصمة مقديشيو، حيث قد استقبل وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر نور، السفينة المصرية فور وصولها لميناء مقديشيو، مشيدا بموقف القاهرة الداعم لبلاده؛ الأمر الذي يؤكد أنها رسالة لهذه الدول الضعيفة عسكريًّا لوقوف مصر بجانبها وفي مواجهة أي تهديد من الجماعات المسلحة أو أي عدوان دول مجاورة. (العربية).

وكتب وزير خارجية الصومال تغريدة على صفحاته على مواقع التواصل حذّر فيها إثيوبيا من دون أن يشير لها، قائلًا: “لقد تجاوز الصومال مرحلة الإملاء عليه وينتظر تأكيد الآخرين على من سيتعامل معه.. نحن نعرف مصالحنا، وسوف نختار بين حلفائنا وأعدائنا.. شكرًا مصر”.

الأمر الذي يعني أن أهمية وقوة الدعم المصري في إطار الاتفاقية الدفاعية المشتركة الموقعة بين القاهرة ومقديشيو، ووقع عليها الرئيسان عبد الفتاح السيسي وحسن شيخ محمود، حيث ستكون نواةً وأساسًا لمواجهة أي تغلغل إثيوبي يحاول زعزعة أمن واستقرار الصومال.

دعم مصري للجانب الطبي والصحي:

كما أرسلت القاهرة فريق طبي مصري من كافة الاختصاصات إلى العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك لإجراء عمليات جراحية وفحص عدد من المرضى بمستشفى “ديمارتينو”؛ مما يؤكد أن ذلك كله يأتي في إطار الجهود المصرية لتوفير الرعاية الصحية المجانية والإنسانية للمحتاجين في الصومال.

نعم مصر كانت حريصة ولا تزال على تحقيق الاستقرار في الصومال من خلال دعم مؤسسات الدولة المركزية، وتعزيز الاحترام لسيادة الصومال ووحدة أراضيه، فضلًا عن مساندة جهود الحكومة الصومالية الرامية لتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب وإنفاذ سيادة الدولة على أراضيها.

وقال: إن مصر من هذا المنطلق تقوم بتقديم الدعم للصوماليين في مجال بناء القدرات الأمنية والعسكرية؛ لأن ذلك بالطبع من مقومات وأبعاد الأمن القومي المصري. (العربية).

مسببات زيادة التوتر في القرن الإفريقي:

تسعى أديس أبابا بكل الطرق إلى جرّ الإقليم إلى أتون حرب أو المساهمة إن صح التعبير لافتعال الأزمات والمشاكل في القرن الإفريقي، وهو ما نددت الخارجية الصومالية من قيام إثيوبيا إرسال شحنات أسلحة إلى إقليم بونتلاند ما يهدد الأمن الإقليمي. وقالت إنها تدين وبشدة شحنات الأسلحة غير المصرح بها من إثيوبيا إلى بونتلاند، والتي تنتهك سيادة البلاد وتهدد الأمن الإقليمي، مطالبة بوقف فوري لتدفق مثل هذه الشحنات، وداعية الشركاء الدوليين إلى دعم جهود السلام في القرن الإفريقي.

ويأتي هذا التطور بعد أيام من تصعيد مماثل قامت به حكومة إقليم أرض الصومال الانفصالية، والتي قررت إغلاق المكتبة المصرية بأراضيها ومطالبة موظفيها العاملين بمغادرة البلاد.

لقد ساهمت التصرفات الإثيوبية والإجراءات الأحادية في تصاعد التوتر بين مصر وإثيوبيا بعد توقيع أديس أبابا اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي غير المعترف به لاستخدام ميناء في الإقليم، والوصول لمياه البحر الأحمر، واتخاذ منفذ بحري لها هناك وهو ما يهدد الملاحة البحرية ومصالح مصر.

إذ كان لزامًا، بل حتمًا على الدولة المصرية ومؤسساتها من إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال يُسمح بموجبها إرسال قوات ومعدات عسكرية إلى هناك بهدف تأمين الصومال من التواجد الإثيوبي جهة وحماية الأمن القومي المصري من جهةٍ أخرى. (العربية).

أهداف مصر من تواجد قواتها في الصومال.. هل تمثل رسالة ردع؟

نعم، إن إرسال قوات ومعدات عسكرية مصرية لهو إشارة واضحة إلى إثيوبيا لعدم التوغل والعبث بأمن الصومال، وبالفعل قد رحبت خارجية الصومال بتواجد قوات عسكرية مصرية حاليا في الصومال، حيث يأتي بدعوة مصر للمساعدة في تدريب القوات الصومالية وإعادة بناء الجيش لمواجهة التحديات والتهديدات الراهنة. (RT).

كما أن تلك الخطوة تستهدف تعزيز العلاقات بين البلدين عبر تطبيق الاتفاقيات على أرض الواقع، وأن الوجود العسكري المصري سيكون لتدريب القوات الصومالية والمشاركة في قوات حفظ السلام، في ضوء محددات أبرزها دعم مقديشو في مواجهة الإرهاب والحفاظ على وحدة أراضيها من أي مطامع خارجية أو من دولة مجاورة.

تصرفات إثيوبيا غير مقبولة تمامًا للجانب الصومالي، حيث يخالف ميثاق إفريقيا والقوانين الدولية باعترافها باستقلال إقليم أرض الصومال التابع لجمهورية الصومال الفيدرالية، وأن الإقليم الانفصالي جزء من جمهورية الصومال، وسيبقى كذلك. (RT).

وشددت الخارجية الصومالية في وقت سابق على أن الدولتين لديهما تاريخ من العداء في الماضي، وكانت هناك محاولات لإعادة بناء الثقة على مدار العشرة أعوام الأخيرة، لكن ما حدث في مطلع العام الجاري 2024 (توقيع اتفاقية مع أرض الصومال)، يعد انتهاكًا صارخًا من إثيوبيا، من خلال سعيها لضم أجزاء من الصومال. (RT).

ختامًا.. هل اقتربت المواجهة العسكرية المباشرة بين مصر وأديس أبابا؟

إن التصرفات الإثيوبية ستفضي في النهاية إلى اشتعال منطقة القرن الإفريقي في وقت يشهد في العالم حالة من الصراعات وعدم الاستقرار، وما فعلته أديس أبابا مع إقليم الصومال بالطبع يهدد وحدة الأراضي الصومالية، وهو يعد خرقًا للقانون الدولي.

كما أن اتفاق إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال، هو انتهاك لسيادة الصومال، ومخالف للقانون الدولي، ومُضي أديس أبابا في إبرام اتفاق مع إقليم أرض الصومال، سيعد إعلانًا للحرب، وهو أمر لن يقبله الصومال البتة والدليل لجوئه العاجل إلى مصر من أجل مساعدته وحمايته ضد هذا العدوان.

إن منطقة القرن الإفريقي على شفا حرب ضروس إن لم يتم إخمادها بسبب تصرفات إثيوبيا المدعومة من دول أخرى معادية لمصر في المقام الأول ولا تكترث بحقوق أو شعب الصومال ثانيةً، وإخماد الحرب في مهدها يتطلب موقف دولي عادل لا يعمل من أجل أجندته التي تتمثل في هدم الدول الكبرى مثل مصر في الشرق الأوسط وإفريقيا.

إن مصر قوة كبيرة يجب ألا يُستهان بها، ولكن تحاول الدول الكبرى تصدير المشاكل والأزمات لها من كل جانب، فالقاهرة هي رمانة الميزان في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي؛ لذلك على الدولة الكبرى مساعدتها في حماية المنطقة ومصالحهم وليس في تصدير وتأجيج الصراعات والأزمات من حولها، وهذا يتطلب أمرين أو ثلاثة أمور، وهي: الأول إعادة النظر في التصرفات الإثيوبية التي تعبث في القرن الإفريقي وأمن الصومال، الثاني: الضغط على أديس أبابا للتفاهم حول مدة تخزين السد لحماية أمن مصر المائي، الثالث: وقف العدوان الصهيوني على غزة ولبنان لعدم اتساع دائرة الصراع.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير، أن إثيوبيا وتصرفاتها في إقليم “أرض الصومال” ودعم الانفصاليين هو “بيت القصيد” كما ينذر بمزيد من القلق والتوتر في القرن الإفريقي؛ لأن الدولة المصرية في سياساتها وقراراتها لا تتعدى على حدود أو سيادة أي دولة أخرى؛ إلا إلى دعت الحاجة.

– وعلى المجتمع الدولي تحجيم التصرفات الإثيوبية وإلا سوف يفضي ذلك في النهاية إلى اشتعال منطقة القرن الإفريقي في وقت يشهد فيه العالم حالة من الصراعات وعدم الاستقرار، وما فعلته أديس أبابا مع إقليم الصومال يهدد وحدة الأراضي الصومالية، وهو يعد خرقًا للقانون الدولي وزيادة التوتر في المنطقة.

– إن منطقة القرن الإفريقي على شفا حرب ضروس إن لم يتم إخمادها بسبب تصرفات إثيوبيا المدعومة من دول أخرى معادية لمصر في المقام الأول، والتي لا تكترث بحقوق أو شعب الصومال ثانيةً والتي تسعى لتقسيمه وتمزيقه.

– كما أن الاتفاق الذي جرى بين مصر وتركيا مع الصومال، يرمي في نفس الهدف، وهو مساعدة مقديشو على استعادة سيادته واستقراره ولا يوجد ثمَّة تعارض بين الاتفاقيين، وكذلك لا ننسى أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة عادت إلى مجراها الطبيعي بعد فترة من القطيعة.

– نعم. قد تكون إثيوبيا تبحث عن موطئ قدم أو ميناء على البحر الأحمر لكونها دولة حبيسة، ولا ضير في ذلك، ولكن إذا كانت تقوم عبر اتفاقيات مع الدولة الشرعية وليس في دعم إقليم يحاول الانفصال عن الدولة ومحاولة تقسيمه.

– إن ما تفعله إثيوبيا لزعزعة أمن واستقرار دولة جارتها لهي تصرفات اللا دولة، بل العصابات؛ لأن هناك فرق بين الدولة التي تحترم القانون الدولي ومواثيقه، وما بين تصرفات العصابات التي تعمل لأجندة خاصة أو لحساب دول أخرى، الأمر الذي سيكون له تداعيات كارثية على عودة ونشاط الجماعات المتطرفة والمسلحة ولنا النموذج في منطقة الساحل الإفريقي.

– ثمّة أهداف ودلالات للقاهرة من زيادة التعاون مع دول منطقة القرن الإفريقي، ومنها التعاون العسكري، وربما قد تكون رسالة واضحة ورادعة للحكومة الإثيوبية في ظل توتر العلاقات بين الدول الثلاث، وفي ظل الانتهاكات الإثيوبية مع الدول المجاورة في وقت من المفترض أن توطد علاقتها مع هذه الدول وعلى رأسهم الدولة المصرية في أزمة سد النهضة.

– إن تعزيز التعاون المصري مع إريتريا والصومال هو بمثابة تعزيز للأمن القومي المصري، خاصة وأن إريتريا والصومال يطلان على منطقة باب المندب من الناحية الغربية، ومصر في حاجة ماسة إلى تأمين حركة الملاحة في باب المندب ضد أي تهديدات خاصة في ظل الخسائر الكبرى التي تعرضت لها قناة السويس وضعف مرور السفن بالقناة، نتيجة هجمات الحوثيين في منطقة باب المندب والبحر الأحمر على السفن التجارية.

– بالأخير.. إن البروتوكول العسكري الذي جرى توقيعه بين مصر والصومال، جاء في توقيت مهم للغاية للبلدين، ويستهدف بشكل أساسي دعم القاهرة لمقديشو، وله 3 أهداف مباشرة: الأول القضاء على الإرهاب ممثلًا في منظمة الشباب التي خرجت من عنق الجماعات المتطرفة، والثاني وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية، بعد الاتفاق “غير القانوني” مع إقليم “أرض الصومال”، والثالث تعزيز مشاركة مقديشو في تأمين قناة السويس من باب المندب.

المصادر:

– بي بي سي

– سكاي نيوز

– موقع (RT)

– العربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.