مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
دور الهند في الأزمة الروسية الأوكرانية.. هل تحقق الوساطة تقدمًا؟
تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير 2022، من أكثر النزاعات تعقيدًا وأهمية على الساحة الدولية في العصر الحديث، ويتصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا بشكل مستمر؛ مما يتسبب في عدم استقرار إقليمي وأزمات إنسانية واقتصادية عالمية.
في هذا السياق، كانت هناك محاولات متعددة من قِبَل قوى دولية وإقليمية لإيجاد حلول سلمية للنزاع. في أغسطس 2024 جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى كييف لتشكل تحولًا في محاولات الوساطة.
ويتناول هذا التقرير دور الهند كوسيط في النزاع الروسي الأوكراني، ويتناول بالتفصيل أسباب النجاح المحتملة أو الفشل في هذه الوساطة في ضوء التطورات الأخيرة.
فالهند تلعب دورًا متزايد الأهمية كوسيط محتمل في الأزمة الروسية – الأوكرانية، حيث تسعى إلى تحقيق توازن بين علاقاتها الإستراتيجية مع كلٍّ من: روسيا والدول الغربية، بجانب مصالحها المتنامية في الساحة الدولية.
العلاقات الهندية الأوكرانية – الأوروبية الأمريكية:
الهند تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا التي تعتبر شريكًا تقليديًّا في مجالات الدفاع والطاقة، ما يجعل دورها حساسًا في النزاع الروسي الأوكراني، ورغم ذلك، تعمل الهند على تعزيز علاقاتها مع أوكرانيا بشكل ملحوظ، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لأوكرانيا في عام 2024، والتي شهدت تقاربًا في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والتعليم.
على الجانب الآخر: تتزايد أهمية الشراكات الاقتصادية بين الهند والولايات المتحدة والدول الأوروبية، حيث تعتبر الهند هذه العلاقات حيوية لنموها الاقتصادي والوقوف في وجه نفوذ الصين.
العلاقات الهندية الروسية:
تتمتع الهند بعلاقات قوية مع روسيا، تشمل التعاون في مجالات عِدَّة؛ مثل: الطاقة، الدفاع، والتجارة.
الهند تعتبر روسيا شريكًا إستراتيجيًا مهمًّا؛ خاصةً في ظل التوترات مع القوى الغربية، فالهند تسعى للحفاظ على توازن في علاقاتها بين روسيا وأوكرانيا، مما يعكس استقلاليتها وحيادها.
زيارة مودي إلى كييف.. دلالات وأهداف:
1. الزيارة التاريخية:
زيارة مودي إلى كييف في 23 أغسطس 2024 تعتبر أول زيارة من نوعها من زعيم هندي إلى أوكرانيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في 1991.
الزيارة تعكس رغبة الهند في لعب دور بارز على الساحة الدولية، كما تعكس التزامها بالوساطة في النزاعات الكبرى.
2. تصريحات مودي وأهداف الوساطة:
خلال زيارته، أكد مودي على استعداد الهند للعمل كوسيط للتوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
وقد شدد على احترام سيادة أوكرانيا ودعم حقها في الحفاظ على أراضيها.
هدف مودي من الوساطة يشمل:
– تعزيز مكانة الهند الدولية: من خلال تقديم نفسها كوسيط محايد وقوي، تسعى الهند إلى تعزيز دورها على الساحة الدولية.
– الحفاظ على الاستقرار الإقليمي: الهند تسعى للحفاظ على استقرار القارة الآسيوية، وخاصةً في ظل التوترات مع جيرانها مثل الصين.
– توسيع العلاقات الاقتصادية: الهند ترغب في تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا؛ مما يعزز مصالحها الاقتصادية.
تأثير زيارة مودي على النزاع:
1. تعزيز فرص السلام:
إذا نجحت الهند في الوساطة، فقد تساهم في تهدئة الوضع وتقديم حل وسط مقبول للطرفين، زيارة مودي قد تفتح المجال لإعادة بدء المفاوضات وتخفيف حدة التوتر.
2. زيادة الضغوط على روسيا:
الوساطة الهندية قد تشكل ضغطًا إضافيًّا على روسيا لقبول المفاوضات، إذا تمكنت الهند من الحصول على دعم دولي واسع، فإن هذا قد يعزز موقفها كوسيط فعال.
3. تعقيد العلاقات الدولية:
إذا فشلت جهود الوساطة، قد تؤدي إلى تعقيد العلاقات بين الهند وروسيا، قد تؤثر الفشلة في الوساطة على موقف الهند الدولي وتزيد من تعقيد التوازنات الإقليمية.
تحليل نقاط القوة والضعف في الوساطة الهندية:
نقاط القوة:
1. علاقات وثيقة مع الأطراف المعنية:
الهند تمتلك علاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، مما يجعلها مؤهلة لتكون وسيطًا فعالًا. العلاقات القوية تساعد في بناء الثقة وتقديم حلول مقبولة للطرفين.
2. الحيادية:
موقف الهند المحايد يعزز من قدرتها على الوساطة؛ حيث إنها لا تنحاز لأي طرف وتستطيع تقديم حلول توازن بين مصالح الأطراف المختلفة.
3. القدرة على التأثير:
الهند تمتلك القدرة على التأثير بشكل إيجابي على المفاوضات بفضل علاقاتها القوية مع القوى الدولية المختلفة وقدرتها على تقديم حلول وسط ترضي جميع الأطراف.
نقاط الضعف:
1. التصريحات المتضاربة:
التصريحات الأخيرة من روسيا وأوكرانيا تشير إلى عدم استعدادهم للتفاوض في الوقت القريب، هذا يجعل من الصعب على الهند تحقيق تقدم ملموس في الوساطة.
2. التوترات العالمية:
التوترات الدولية والتحديات الأخرى قد تؤثر على قدرة الهند على التركيز بشكل كامل على الوساطة في النزاع.
التوترات في مناطق أخرى قد تضعف الاهتمام الدولي بقضية الحرب الروسية الأوكرانية.
3. تعقيد الوضع بعد هجوم كورسك:
الهجوم الأوكراني على كورسك زاد من تعقيد الوضع، حيث اعتبرته روسيا استفزازًا شديدًا، هذا يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام ويجعل جهود الوساطة أكثر تحديًا.
الدور الهندي العالمي:
الهند تتطلع إلى تعزيز دورها كجسر بين الدول المتقدمة والدول النامية. خلال رئاستها لمجموعة العشرين، سعت الهند إلى توجيه الانتباه نحو قضايا تهم الدول النامية، مثل: الأمن الغذائي وتغير المناخ، كما تحاول الهند، من خلال دورها كوسيط، تعزيز تعاونها مع كل من الدول الغربية وروسيا دون الإضرار بعلاقاتها مع أي من الطرفين.
باختصار، الهند تواجه تحديات كبيرة في لعب دور الوسيط في الأزمة الروسية – الأوكرانية، ولكنها ترى في هذه الوساطة فرصة لتعزيز مكانتها الدولية وتحقيق توازن دقيق بين مصالحها المتنوعة.
مصلحة الهند من الوساطة:
الهند ترى في الوساطة فرصة لتعزيز صورتها كقوة دبلوماسية عالمية ومسؤولة؛ إذ إن نجاحها في التوسط يمكن أن يعزز نفوذها في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى الهند من خلال هذا الدور إلى تقليل المخاطر الناجمة عن العقوبات الغربية على روسيا، والتي قد تؤثر على علاقاتها التجارية والعسكرية مع موسكو. كما تحرص الهند على استقرار إمدادات الطاقة من روسيا، وهو أمر بالغ الأهمية لنموها الاقتصادي.
التحديات التي تهدد نجاح الوساطة:
رغم الفرص، تواجه الهند تحديات كبيرة في تحقيق تقدم ملموس كوسيط. أحد أكبر هذه التحديات هو علاقتها الوثيقة مع روسيا، التي قد تجعل أوكرانيا وحلفاءها الغربيين يشككون في حياد الهند؛ كذلك التوترات المتزايدة بين روسيا والغرب، والضغوط المستمرة على الهند لاتخاذ موقف أكثر صراحة ضد روسيا، تضعها في موقف صعب؛ بالإضافة إلى ذلك، تعقيدات الحرب الجيوسياسية تجعل أي وساطة تتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة والتنسيق مع الأطراف الرئيسية في النزاع.
الخلاصة:
زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى كييف تمثل محاولة جادة من الهند للعب دور الوسيط في النزاع الروسي الأوكراني.
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك تعقيدات النزاع بعد الهجوم على كورسك والتوترات العالمية، فإن الهند تمتلك القدرة على تقديم حلول بناءة بفضل علاقاتها الوثيقة مع الأطراف المعنية.
نجاح الوساطة الهندية يعتمد على قدرة الأطراف على تجاوز العوائق الحالية والتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.
ستظل جهود الهند في هذا السياق قيد المراقبة، حيث إن النتائج النهائية ستتوقف على التزام الأطراف المعنية وإرادتها للوصول إلى اتفاق سلام شامل.
المصادر:
1_ الجزيرة
2_ سكاي نيوز
3_ المركز المصري للفكر والدراسات
4_ الحرة
5_ بي بي سي
6_ شاف
7_ الميادين
التعليقات مغلقة.