مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
حرب الممرات والدول العربية بين الأجندات الخفية وتحقيق الاستفادة
تشهد منطقة الشرق الأوسط ما يمكن تسميته: “بحرب الممرات”؛ إذ تتنافس القوى الدولية بشراسة على مشروعات البنية التحتية لتعزيز ربط الأسواق الأوروبية والآسيوية والهندية لتحقيق أعلى كفاءة وعائد اقتصادي ممكن. وخلال العقد الأخير، جرى الإعلان عن عدة مبادرات ومشاريع وشبكات خطوط بنية تحتية لنقل البضائع والمنتجات بين الأسواق بعضها البعض.
بدأ الأمر بمشروع الصين، المسمى: “مبادرة الحزام والطريق” (طريق واحد، حزام واحد)، والذي يُعد العالم العربي والشرق الأوسط أحد محاوره الأساسية.
ثم أعقب ذلك مشروع روسي حمل اسم “ممر الشمال الجنوب”، والذي يعبر أيضًا منطقة الشرق الأوسط من شمال روسيا وحتى إيران. وأخيرًا، وخلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر الماضي، جرى الإعلان عما يسمى إعلاميًّا “الممر الكبير”، وهو مشروع غربي لربط الهند وأوروبا مرورًا بمنطقة الشرق الأوسط؛ هذه الممرات والمشروعات التنافسية العملاقة تعكس ازدياد حدة التنافس بين القوى الدولية على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
فما تفاصيل مشاريع الممرات الاقتصادية في المنطقة العربية والشرق الأوسط؟ وكيف يمكن للدول العربية تحقيق أعلى استفادة ممكنة منها؟ وهل تحمل بعض المشاريع أجندات خفية؟ وكيف يمكن النهوض بالاقتصادات والتجارة العربية والشرق أوسطية في ظل المشاريع الحالية؟
يركز مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير، عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، على مشاريع القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، والأجندات الخفية التي تحملها، وكيف يمكن للدول العربية تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها دون الإضرار بأمنها القومي.
طريق الحرير الصيني الجديد (طريق واحد، حزام واحد):
شهد العام 2013م إعلان الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن مبادرة الحزام والطريق الصينية الجديدة؛ التي تستهدف زيادة حالة التكامل الاقتصادي بين الصين وعدد من دول العالم؛ إذ يقوم المشروع الصيني الجديد على إنشاء سلسلة من الموانئ البحرية والبرية ومناطق الخدمات التجارية اللوجستية، ويشتمل المشروع الصيني على شقين أساسيين:
– الشق البري: “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الصيني”.
– الشق البحري: “طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين”.
ما يميز هذا المشروع الصيني العملاق عن أيٍ من المشاريع الدولية السابقة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي أنه يقوم على مستوى جغرافي واسع النطاق، بما يتجاوز حدود أقاليم معينة؛ بمعنى أن المشروع الصيني لا يستند إلى تعريف جغرافي وجيوسياسي محدد على نطاق جغرافي معين، بل على العكس من ذلك، فقد استندت المبادرة منذ البداية إلى نطاق جغرافي واسع يسمح بضم أكبر عدد ممكن من الدول المتباينة سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، ومعظم الأقاليم الجغرافية: شرق آسيا، جنوب شرق آسيا، جنوب آسيا، وسط آسيا، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسط أوروبا، وشملت 65 دولة.
أهمية مشروع الحزام والطريق الصيني:
تأتي أهمية هذه السمة في أنها تسمح باستفادة أكبر عدد ممكن من الدول النامية من المبادرة، وتحررها من الإدراكات السلبية المحتملة أو النظر إليها باعتبارها مشروعًا صينيًا موجهًا ضد الغرب، خصوصًا في ضوء دمج أقاليم أوروبية عدة في المبادرة.
ومن ناحية أخرى: تقوم المبادرة على الربط الوثيق بين التجارة والتنمية، خصوصًا تنمية البنية التحتية. ويعيدنا هذا إلى خبرة مشاريع الدول النامية في توسيع التجارة الإقليمية فيما بينها؛ فقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين الإعلان عن عدد من مشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي وتحرير التجارة في الدول النامية؛ أبرزها: في مناطق الشرق الأوسط، والقارة الإفريقية، وجنوب آسيا.
بالرغم من ذلك، لم تستطع تلك الأقاليم تحقيق أيٍ من أهدافها المعلنة، خصوصًا توسيع حجم التجارة الإقليمية بين الاقتصادات الأعضاء. لأسباب عدة؛ منها على سبيل المثال: أن عملية تحرير التجارة لم تتضمن إعادة هيكلة تلك الاقتصادات على نحو يضمن ارتباطها بخلق سلع وخدمات يمكن تبادلها بين تلك الاقتصادات.
وهكذا فشلت المبادرات الإقليمية لتوسيع التجارة الإقليمية في أقاليم الدول النامية، والتي سعت إلى توسيع حجم التجارة الإقليمية فيما بينها في تحقيق هذا الهدف؛ بسبب عدم ارتباطها بسياسات ومشاريع تنموية حقيقية. ويظهر هنا بوضوح أهمية المشروع الصيني الجديد، في أنها ليست مجرد مبادرة تسعى إلى توسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المندمجة فيها من خلال إصلاحات ضريبية وجمركية وتخفيض التكاليف كمعظم المبادرات والمشاريع الدولية المعروفة.
وإنما تقوم على أبعاد تنموية متعددة، من خلال مشاريع مهمة لتنمية البنية التحتية وتوفير التمويل اللازم لهذه المشروعات، بما يسمح بتبادل السلع والخدمات والمنتجات بين الأقاليم والقارات والأسواق المختلفة. وبهذا المعنى، فإن مبادرة الحزام والطريق تشتمل على مكاسب اقتصادية محتملة للدول النامية، بما فيها الدول العربية.
بالنظر إلى احتوائها على مشاريع تنموية عملاقة جنبًا إلى جنب مع التجارة، فإن الإنفاق الضخم على مشروعات البنية التحتية يؤدي إلى خلق فرص كبيرة لزيادة إنتاجية القطاع الخاص وفرص مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ومن جهة أخرى: فإن الاستثمار في البنية التحتية يساهم في خلق فرص عمل جديدة، ومن ثم تخفيض معدل البطالة. ومع أهمية النموذج الصيني في التنمية؛ إلا أن المبادرة الصينية تؤكد احترام حق كل دولة في تحديد مسارها التنموي الخاص بها.
ولكن من جهة أخرى: يمكن أن يؤدي مشروع الصين الجديد، وزيادة حجم تدفق السلع والمنتجات الصينية إلى أسواق الدول النامية، إلى إغراق تلك الأسواق بالمنتجات الصينية؛ ما يؤدي في النهاية، إلى تراجع إنتاج تلك الدول، نتيجة لضعف قدرتها التنافسية أمام القدرات الإنتاجية والتجارية الصينية الهائلة.
ولربما الصين، تدرك ذلك جيدًا، وتطمح إلى تحقيقه؛ لتحويل الدول النامية إلى دول تابعة للصين، اقتصاديًا وتجاريًا عبر إغراقها بالمنتجات الصينية والديون؛ ولذلك على الدول النامية، وتحديدًا دول منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، أن تأخذ ذلك في عين الاعتبار؛ حيث لطالما ارتبطت مبادرة الحزام والطريق الصينية الجديدة، باستراتيجية فخ الديون، التي تتبعها بكين في التعامل مع الدول النامية.
مشروع ممر الشمال الجَنُوب الروسي:
مبادرة الحزام والطريق الصينية، ليست المشروع الوحيد، الذي يتخذ من الشرق الأوسط والدول النامية مسارًا له، فقد ظهر أيضًا على الساحة، مشروعًا روسيًا لا يقل أهمية، عن المشروع الصيني؛ فالمشروع الروسي الجديد، هو عبارة عن بناء شبكة طرق برية وسكك حديدية، وخطوط ملاحة بحرية، تصل الشمال بالجنوب.
بمعني أنها ستنطلق من العاصمة الروسية الشِّمالية أي مدينة سان بطرسبورغ، المطلة على خليج فنلندا ببحر البلطيق؛ وتقطع الأراضي الروسية، مرورًا بإيران وبحر قزوين، ثم تتجه لمدينة مومباي الهندية؛ ومنها إلى المياه الدافئة جَنُوب القارة الآسيوية حيث المحيط الهندي. (العربية).
وذلك عبر ثلاثة مسارات، المسار الأول عبر بحر قزوين؛ حيث يبدأ المسار برًا من مدينة سان بطرسبورغ شمالي غرب روسيا، إلى منطقة أستراخان الروسية علي بحر قزوين؛ ثم يتم الشحن بحرًا بواسطة السفن، إلى ميناء بندر أنزالي الإيراني علي ساحل بحر قزوين؛ ثم النقل برًا إلى ميناء تشابهار الإيراني، المطل علي المحيط الهندي؛ ثم الشحن بحرًا إلى مدينة مومباي في الهند.
أما المسار الثاني فيسمي المسار الشرقي؛ وهو: مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران، مرورًا بكلًا من كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وعن المسار الثالث، فهو يسمي المسار الغربي؛ وهو أيضًا مسارًا بري ينطلق من روسيا إلى إيران، عبر أذربيجان ويتطلب إكماله بناء خط سكة حديد داخل إيران، بطول 160 كيلومترًا، لربط ميناء بندر أنزلي الإيراني، مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان. (العربية).
ومن مسارات هذا المشروع المختلفة؛ يتبين أنه يركز على منطقة آسيا الوسطى، والاتحاد الروسي، وجنوب آسيا عند الهند، إذ تجمع روسيا ودول آسيا الوسطى؛ اتفاقيات اقتصادية تجارية، أبرزها الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، ومنظمة الدول المستقلة، والاتحاد الأوراسي؛ ويسعى الاتحاد الروسي، إلى توسيع التجارة البينية، ومد خطوط تجارية جديدة إلى إيران والهند.
ولذلك ستستفيد من مشروع الاتحاد الروسي الجديد، الدول الواقعة على مساراته المتعددة؛ ولن يمر بأي من الدول العربية على الرغم من ضخامته، ولكن يمكن للدول العربية، الاستفادة من المشروع الروسي، من خلال خبرات تلك لدول، لإقامة مشاريع بنيه تحتية شبيهة مستقبلية داخل حدود العالم العربي، كما ويمكن أيضًا للدول العربية الشرقية، الدخول على خط المشروع؛ من خلال المواني البحرية المنتشرة في منطقة الخليج العربي، ما يسهم بشكل أكبر، في تعزيز الاقتصادات العربية، ومعدلات نموها السنوي.
مشروع الممر الكبير الأمريكي:
خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي بالهند، في سبتمبر 2023م، أُعلن عن إنشاء ممر تجاري اقتصادي جديد؛ يربط بين الهند، والإمارات، والسعودية، والأردن، وأوروبا، بدعم من دول الاتحاد الأوروبي، وأطلق عليه اسم مشروع الممر الاقتصادي بين الهند الناشئة وأوروبا. (المركز المصري للفكر).
وقد سعت الولايات المتحدة طيلة أشهر ماضية إلى الترتيب لإطلاق مشروع إقليمي، يجمع الهند والدول الخليج العربي، وتحديدًا الإمارات والسعودية؛ إلى جانب الأرْدُنّ، والكيان المحتل، بالقارة الأوروبية؛ ليكون مشروعًا غربيًا منافسًا لمشروعات الاتحاد الروسي والصين، في منطقة الشرق الأوسط؛ وعليه فقد تقرر في اجتماع دول مجموعة العشرين الاقتصادية مؤخرًا في نيودلهي توقيع المشروع الجديد، واصفة الولايات المتحدة إياه بالتاريخي، والمساهم في تعزيز السلام والازدهار في الشرق الأوسط.
وعقب الإعلان عن المشروع؛ انتشرت التساؤلات التي تتعلق بطبيعته، والدوافع المحيطة به، والتحديات التي تدخل في حسابات جدوى تحققه، واستقراره؛ إذ يرى العديد من المراقبين أن المشروع، سيستخدم أيضًا؛ في تعزيز سياسات التطبيع بين دول المنطقة العربية والكيان المحتل، وبحسب ما جاء في وسائل الإعلام، من بيانات رسمية وتصريحات حتى الآن.
فإن المشروع الأمريكي الأوروبي الجديد في المنطقة؛ يشتمل على 3 مسارات أساسية، من المزمع إنشائها على 3 مراحل؛ المسار الأول عبارة عن مسار تجاري، يضم 3 خطوط فرعية؛ خط بحري يبدأ من غرب الهند، حيث ميناء مومباي، وإقليم جوجارت الهندي، عبر بحر العرب، وخليج عمان؛ لينتهي في ميناء جبل علي في دبي الإماراتية. (حكاوي شعب).
وخط سكك حديدية تبدأ من الإمارات، وبالتحديد في مدينة البطحاء؛ في أقصى نقطة في شمال غرب الإمارات، ليتداخل في شبكة السكك الحديدية السُّعُودية، وتحديدًا في مدينة حرض، ثم يقطع السُّعُودية طوليًا ليصل إلى مدينة الحديثة على الحدود مع الأرْدُنّ، ثم من الأرْدُنّ إلى معبر الشيخ على الحدود مع الكيان المحتل، ثم إلى مستوطنة بيت شان الإسرائيلية، ثم إلى ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط؛ وخطًّا بحريًّا إضافيًّا في البحر الأبيض المتوسط؛ يبدأ من ميناء حيفا في الكيان المحتل إلى الموانى الأوروبية، وبالتحديد في اليونان.
وأما المسار الثاني للمشروع، فهو مسار تكنولوجي؛ حيث من المقرر ربط الدول المشاركة في المشروع وهي الهند، والدول الخليجية، الإمارات، والسعودية، إلى جانب الأرْدُن، والكيان المحتل، بالقارة الأوروبية؛ بمجموعة من خطوط كابلات اتصالات الألياف ضوئية، لتعظيم الاقتصاد المعرفي الرقمي. (حكاوي شعب).
وهو ما قد يستتبعه في المستقبل، تعاون رقمي مشترك بين دول المشروع، في مراكز البيانات وإدارتها؛ أما المسار الثالث، فهو مسارًا طاقي؛ ويستهدف ربط الدول المذكورة، عبر أنابيب وخطوط طاقية، تعزز الاقتصاد الأخضر في قطاع الكهرباء والهيدروجين الأخضر.
دوافع خفية للمشروع الأمريكي في المنطقة:
تطمح الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها الأوروبيون إلى تحقيق عدة أهداف من مشروعهم الجديد، ففي ظل توسع مشروعات الصين وروسيا في العالم العربي، وزيادة الارتقاء بالعلاقات العربية الروسية الصينية في مجالات عدة؛ أبرزها: التجارة والاقتصاد، تسعى واشنطن إلى الدخول على الخط، ولعب دور أكبر في المنطقة، وتوجيه صعود الهند الاقتصادي وفقًا لمسارات تخدم مصالح الولايات المتحدة؛ إذ تشهد العلاقات الروسية الهندية تطورًا كبيرًا على الصعيد التجاري، لا سيما مع الحرب الروسية الأوكرانية. وقد اشتمل التقارب الهندي الروسي في الآونة الأخيرة -على سبيل المثال- في مجال النفط، باستخدام العملات المحلية، وتعزيز التجارة بين البلدين عبر تنفيذ مشروع ممر الشمال الجَنُوب عبر إيران ودول آسيا الوسطى، والذي يسمح بتصدير البضائع الهندية إلى روسيا، ومنه إلى السوق الأوروبية.
لذلك عملت الولايات المتحدة، على جذب الهند إلى شبكة حلفائها وإبعادها عن الخريطة الروسية والإيرانية كذلك من خلال ممرات ملاحية جديدة، تصب في صالح الاقتصاد الهندي؛ إذ إنه من المتوقع أن تصل الصادرات الهندية إلى الإمارات فقط، بمعدل 50 مليار دولار في السنوات المقبلة، وفي حال نجاح المشروع، فقد تصل الصادرات الهندية إلى سوق الخليج، والكيان المحتل، والسوق الأوروبية، بما يزيد عن 250 مليار دولار.
وتهدف الولايات المتحدة أيضًا إلى الحد من الشراكات الاقتصادية والتجارية لإيران؛ إذ وجدت الولايات المتحدة أن الهند لا ترغب في وضع نهاية لعلاقتها القوية بالأساس مع إيران، وهو ما لا يخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ويؤثر على فعالية العقوبات الأمريكية على إيران.
إذ تستفيد إيران من المشاريع الإقليمية المقترحة بين روسيا والهند؛ مثل الممرات التجارية، ومشاريع طاقة، والبنية التحتية؛ وفي حال نجاح المشروع، فمن المحتمل أن ترجئ الهند تطويرها لميناء تشابهار الإيراني، وتعزز من صادراتها إلى ميناء جبل علي في دبي، وميناء صحار العماني، الذي تستثمر فيه الهند بالفعل مؤخرًا. (الجزيرة).
ويبقى الهدف الأمريكي الأهم؛ هو دمج الكيان المحتل في حركة التجارة، والشراكات، والمشاريع الاقتصادية، العربية الأمريكية الأوروبية المشتركة؛ حيث يُعد دمج الكيان المحتل في مشروعات على مستوى البنية التحتية، في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والتجارة، وزيادة التطبيع مع الدول العربية؛ سيؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية في الساحة الدولية.
وفي ظل معركة طوفان الأقصى، والدعم الشعبي واسع النطاق للمقاومة الفلسطينية؛ فإن مرور مسارات مشروع الممر الكبير القادمة من الأراضي العربية إلى الكيان المحتل، باتت محل شك، في ظل الغضب العربي المتصاعد من جراء جرائم الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطيني.
العالم العربي ومشروعات الممرات الدولية:
نتيجة للموقع الجغرافي المتميز لدول الشرق الأوسط والعالم العربي؛ إذ تتوسط قارات وبحار ومحيطات العالم، مما يجعلها منطقة عبور حيوية لحركة التجارة الدولية، وضعت الدول العظمى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ضمن مسارات مشروعاتها التجارية والاقتصادية العملاقة.
وبرغم من كل المنافسات، التي ستخلقها المشروعات الدولية الكبرى؛ خصوصًا مشروع الممر الاقتصادي الكبير الأمريكي الجديد، إلا أنه ليس بالضرورة؛ أن يؤدي إحدى هذه المشاريع إلى توقف الآخر؛ لأن هذه الممرات الاقتصادية العالمية ستكون بمثابة منتجات متنوعة تؤدي نفس الغرض، مطروحة أمام المصدرين والمستوردين العالميين.
والتفضيل بينهم يعتمد على تكلفة النقل، وجودة الخِدْمَات اللوجستية المقدمة، في مكونات كل ممر مثل: المواني، وسكك الحديد، والطرق السريعة وغيرها، وعلى درجة الاختصار في الجهد والوقت اللازم لتنقل البضائع، وعلى درجة حماية البضائع من العوامل الجوية، ومن التضرر من عمليات الشحن والتفريغ.
ولكن يجب أن يبقى الحذر سيد الموقف في التعامل مع مشروعات الدول الكبرى في المنطقة؛ إذ تعكس هذه المشروعات دوافع خفية متعددة، تقف وراءها؛ بدءًا من إغراق أسواق الشرق الأوسط والدول العربية والنامية بالمنتجات، مرورًا إلى تحويلها لدول تابعة للقوى الكبرى؛ وحتى فرض وقائع جديدة على المنطقة، مثل دمج الكيان المحتل في مشاريع مع الدول العربية، للحد من مكانة القضية الفلسطينية في السياسة العربية كما ذكرنا.
الخلاصة:
– تشهد منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي؛ زيادة حدة التنافس الدَّوْليّ على مشروعات البنية التحتية، وشبكات وخطوط السكك الحديدية، والطاقية والرقمية؛ وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها: الموقع الجغرافي المتميز، ونمو الأسواق والاقتصادات العربية، والشرق أوسيطة؛ مما جعل المنطقة محور اهتمام العديد من القوى الدولية، مثل: الاتحاد الروسي والصين والولايات المتحدة، والتي طرحت مشروعات كبرى منافسة لبعضها البعض؛ ستساهم بشكل كبير في نمو وازدهار اقتصادات المنطقة، وتعزيز حركة التجارة الدولية والبينية.
– أظهرت بعض المشروعات الدولية في المنطقة دوافع خفية تطمح الدول العظمى لتحقيقها، أبرزها تعزيز سياسة التطبيع مع الكيان المحتل، عبر شراكات واتفاقيات تجارية واقتصادية عملاقة؛ وإغراق الدول العربية والنامية والشرق أوسيطة في الديون والمنتجات الأجنبية، وتحويلها إلى دول تابعة للدول العظمى، ما سيشكل تهديدًا على الأمن القومي للعديد من الدول التي ستجد نفسها عالقة ما بين ديون ومنتجات صينية، وشراكات طويلة الأمد مع الكيان المحتل؛ تؤثر سلبًا على السياسة العربية تجاه القضية الفلسطينية والكيان المحتل، لذلك على الدول العربية والشرق أوسيطة أن تأخذ بعين الاعتبار الدوافع والأجندات الخفية للمشروعات الدولية الكبرى في المنطقة.
– خلقت المشاريع الدولية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي حالة من التنافس فيما بينها، وطرحت عدة خيارات أمام المستثمرين لتعزيز التنمية الاقتصادية، وزيادة حجم التبادلات التجارية الدولية فيما بينها؛ إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على التجارة البحرية فقط، بل باتت هناك أيضًا بدائل مطروحة؛ مثل خطوط سكك حديدية، وطرق نقل بري، وغيرها.
المصادر: