مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
فرض التجنيد الإلزامي للحريديم. فصل جديد في الأزمات الإسرائيلية
في 25 يونيو 2024، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا بفرض التجنيد الإلزامي للحريديم (طلاب المدارس الدينية اليهودية المتطرفة)؛ مما أثار جولة جديدة من الأزمات المتعلقة بـ “تجنيد الحريديم”.
تعيد هذه الأزمة إلى الأذهان أحداث 2018 عندما تم حل الكنيست والحكومة بسبب هذه المسألة بعد استقالة وزير الدفاع آنذاك، أفغيدور ليبرمان، وانسحاب حزبه من الائتلاف احتجاجًا على قانون إعفاء الحريديم من التجنيد.
الجديد في هذا القرار: هو أنه جاء خارج أسوار الكنيست، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة لقادة الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة (شاس، يهودت هتوراة).
التأثير على استقرار الائتلاف الحكومي:
يطرح القرار تساؤلات حول استقرار الائتلاف الحكومي ومستقبله؛ خاصة أن هذا القرار يمس الخطوط الحمراء التي رسمتها الأحزاب الأرثوذكسية عند انضمامها للائتلاف.
القرار الجديد يلزم جمهور ناخبيها من التيار الحريدي المتطرف بالخدمة العسكرية الإلزامية، ما يضع الائتلاف أمام تحديات كبيرة.
مَن هم يهود «الحريديم»؟
اليهود الأرثوذكس المتشددون أو «يهود الحريديم»، تيار ديني يهودي متشدد جدًّا، وتعني كلمة «الحريدي» التقي.
ويتنكر يهود «الحريديم» للصهيونية، وتعيش غالبيتهم في فلسطين التاريخية والولايات المتحدة، كما يعيش البعض منهم في الدول الأوروبية ويتنقلون بينها، وينتمون في معتقداتهم إلى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة.
ويتكون يهود «الحريديم» من كثير من المجتمعات المختلفة، تتمحور كل منها حول حاخام، ويتشاركون في عاداتهم الخاصة في العبادة والطقوس والتشريعات التوراتية واللباس والحياة اليومية.
وهناك يعيش الجميع حياة مكرسة للإيمان اليهودي، فهم يجتمعون في المعابد 3 مرات في اليوم للصلاة، ويتعلمون في المعاهد الدينية الكبرى، ويعقدون حفلات زفاف بانتظام، وتجمعات احتفالية.
لماذا يرفض يهود «الحريديم» التجنيد الإجباري؟
وتثير الإعفاءات تلك غضبًا واستياء واسعين؛ إذ يشعر عدد كبير من الإسرائيليين بالاستياء جراء إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة بالجيش في ظل سقوط أكبر عدد من القتلى بصفوف الجيش الإسرائيلي منذ عقود، بسبب القتال الدائر مع حركة «حماس» في غزة والمواجهات غير المباشرة على الحدود اللبنانية.
ويرفض اليهود المتشددون التجنيد الإجباري، ويطالبون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلًا من الخدمة بالزي العسكري طوال السنوات الثلاث.
متظاهرون يطالبون بالمساواة في الخدمة العسكرية الإسرائيلية خلال احتجاج بالقدس في 26 فبراير 2024.
ويقول البعض: إن أسلوب حياتهم المتدين قد يتعارض مع الأعراف العسكرية، بينما يعبر آخرون عن معارضتهم الأيديولوجية للدولة الليبرالية.
كما يعدّ قادة المتدينين اليهود أن مهمة «الحريديم» تقتصر على دراسة التوراة، كما يمتنع الشبان دائمًا عن التجنيد تحت ذريعة انشغالهم بدراسة تعاليم اليهودية والشرائع التوراتية، وأن التفرغ لدراستها لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.
كما يتحججون بصعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب الاختلاط في الجيش، خصوصًا أنهم يلتزمون بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وتمنع الاختلاط والعلاقات بين الرجال والنساء، ويلتزمون بيوم السبت اليهودي؛ حيث لا يعملون فيه ويخصصونه لزيارة الكنس وقراءة التوراة فقط.
وبحسب تعاليمهم، يعدّ اليهود المتشددين دراسة التوراة هي الضمان للحفاظ على بقاء إسرائيل، و«سلاح روحاني لحماية شعب إسرائيل».
وقد أعفي اليهود المتدينون المتشددون من الخدمة العسكرية تحت ضغط ممثليهم السياسيين في الكنيست وفي الحكومة، الذين يقولون إن دور الرجل المتدين هو «دراسة التوراة وليس التجنيد»(1).
أزمة تاريخية وظرف حساس:
تعد أزمة إعفاء أبناء اليهود المتدينين من التجنيد الإجباري في إسرائيل واحدة من أقدم الأزمات التي رافقت نشوء إسرائيل< إذ استجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، في أول حكومة شُكلت عام 1948 لطلب حزب “أجدوت يسرائيل” الديني بإعفاء 400 طالب في المدارس الدينية من التجنيد للتفرغ لدراسة التوراة.
في العام التالي وعند إقرار “قانون الخدمة العسكرية” استخدم بن غوريون بندًا في القانون (البند 12). لإعفاء طلبة المدارس الدينية من التجنيد، وهو القرار الذي عبَّر بعد عشر سنوات عن رغبته في التراجع عنه وتعديله “على ضوء ازدياد أعداد المتدينين”، إذ تولى مدير وزارة الأمن عام 1958 شمعون بيرس، تقييد الإعفاء من التجنيد ليطول فقط مَن يدرسون بشكل فعليّ وأن من يترك الدراسة في المدارس الدينية قبل سن 25 عامًا سيُجند للجيش.
بقيت قضية إعفاء المتدينين من الخدمة من دون حلول جذرية ومثار خلاف بين الأحزاب الإسرائيلية طوال الوقت، وشهدت تعديلات وصيغ حل ومسودات قرارات لجان مختصة، إلى أن تحولت إلى قضية أمام القضاء الذي اتخذ قرارات عدة كانت تترك لوزير الأمن “هامشًا من الحرية” في تقرير استمرار إعفاء المتدينين من الخدمة، مقابل الأصوات التي كانت تطالب بتجنيدهم، تجسيدًا لمبدأ “المساواة في تحمل الأعباء”.
وأُبقي الصراع قائمًا بين قيمتين؛ القيمة الروحانية التي تُعلي من شأن دراسة التوراة، والقيمة التي تُعلي من شأن المساواة في المساهمة في تحمل أعباء الخدمة والحاجات الأمنية، وهو صراع لم يُحسم حتى يومنا هذا بسبب تنامي قوة الأحزاب الدينية والاعتبارات الانتخابية والحزبية لرؤساء الوزراء الإسرائيليين، وبسبب الحساسيات الاجتماعية داخل نسيج المجتمع الإسرائيلي.
حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، عام 1999 حل المعضلة المزمنة من خلال تشكيل لجنة أطلق عليها اسم: “لجنة طال” نسبةً إلى رئيسها القاضي تسفي طال، التي قدمت توصيتها بعد عام، لكنها أبقت على جذر الأزمة من خلال اعترافها بحق مَن يؤمن بأن “التوراة هي عقيدته وعالمه ويكرس حياته لها” مع التشديد على “المراقبة والتأكد” من جدية والتزام هؤلاء الطلاب بمدارسهم الدينية.
المحكمة العليا تنتصر للحق في المساواة:
أصبح قرار “لجنة طال” مادة صراع قانوني في المحكمة الإسرائيلية العليا، على اعتبار أنها “كرَّست عدم المساواة”، وهو ما دفع المحكمة العليا في عام 2006 إلى تبني وجهة نظر ترى أن القانون “يمس الحق في المساواة” بحيث وُضِعت الحكومة الإسرائيلية أمام خيار إما تعديله وإما تمديده؛ وهو: ما أقدمت عليه بأمرٍ طارئ لمدة خمس سنوات بقيت تتجدد، إلى أن قررت المحكمة العليا في 2012 إلغاء قرارات “لجنة طال”، وهو ما قاد إلى صياغة أول قانون تجنيد إسرائيلي ينص على عدم إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.
وأُقر القانون الذي جرت صياغته في 2014 بمبدأ “الخدمة الإلزامية للجميع” مع إعطاء المتدينين (والعرب لأول مرة). إمكانية الاختيار بين خدمة عسكرية مقلصة (24 شهرًا). وخدمة مدنية لمدة سنة ونصف مع إعفاء 1500 طالب كل عام من الخدمة، والأهم هو الربط بين ميزانيات المدارس الدينية التي تتلقاها من الدولة والتزامها تنفيذ قانون التجنيد.
القانون المقترح لم يلقَ ترحيبًا من حكومة نتنياهو في تلك الفترة، وجرى تشكيل لجنة وزارية جديدة عرضت صيغة مختلفة أُقرت في لجنة خاصة داخل الكنيست، نصت على أن تحدد الحكومة “عددًا مستهدفًا للتجنيد سنويًّا” من بين المتدينين على ألا يقل عن 3300 مجند في السنة الأولى؛ بالإضافة إلى تقديم محفزات اقتصادية تسهم في دمجهم في سوق العمل وهو ما لم ينفَّذ بسبب الانتخابات عام 2015 وتشكيل نتنياهو حكومة جديدة بالشراكة مع المتدينين.
من السياق التاريخي يتضح أن قضية تجنيد ودمج المتدينين اليهود في الجيش والاقتصاد تحتاج إلى قرار يُلزمهم بذلك، ويوازن بين متطلباتهم الروحية ومساهمتهم الأمنية والاقتصادية، وهو قرار يستلزم وجود حكومة قوية ذات قاعدة اجتماعية وسياسية عريضة، لا ترتهن إلى أصواتهم ولا تخشى من ردة فعلهم وآثار القرار الداخلية.
يفتقر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى كل هذه المقومات، وهو رغم الأزمة غير المسبوقة التي تعيشها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023 (عملية طوفان الأقصى). والتي قادت إلى الدخول في حرب هي الأطول التي تشنها إسرائيل منذ إنشائها، ورغم التحديات الوجودية التي تفرضها هذه المواجهة، ما زال يتمسك بتحالفه مع المتدينين، وهو ما يُقيّده عن كسر الحاجز الزجاجي في قضية إعفائهم من الخدمة العسكرية.
لم يختلف سلوك نتنياهو الانتهازي بعد الحرب عمّا قبلها، وهو ما دفع وزير الأمن يوآف غالانت، الذي يُعد المُعبّر عن توجهات المنظومة الأمنية التي يرأسها، إلى طرح قضية التجنيد على ضوء الحاجات الأمنية المستجدة (الجيش أعلن أنه بحاجة إلى 7000 جندي جديد).، وعلى ضوء التغيرات التي تشهدها إسرائيل داخليًا وازدياد الحاجة إلى دمج المتدينين لتقليل التوترات الاجتماعية الداخلية وسدِّ الحاجات الأمنية؛ إذ تصل نسبة مشاركتهم في التجنيد وفق إحصائيات الكنيست (العام الحالي)، إلى أقل من 1% من عددهم الكلّي الذي يزيد على 13% من تعداد سكان إسرائيل.
حاجة نتنياهو إلى الأحزاب الدينية في تأمين أغلبية لائتلافه الحالي تُكبِّله، وهو ما يشير إلى أن وزير الأمن يوآف غالانت الذي ينتمي إلى حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو قرر تحدي نتنياهو، والاستقواء بشركائه من المعارضة (بيني غانتس)؛ الذين انضموا إلى كابينت الحرب بسبب حالة الطوارئ ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما يشير إلى عمق الأزمة الداخلية، وعدم قدرة الحكومة الحالية على الاستمرار وأن سقوطها من الداخل، أو بفعل الضغط الشعبي ما بعد انتهاء الحرب هو أمر حتميّ، سواء كان هذا بسبب المتدينين أو تداعيات الحرب والتغيرات العميقة التي أحدثتها، والتي لا يستطيع نتنياهو أن يجابهها ما دامت أولويته هي الهروب من القضاء والحفاظ على مستقبله الشخصي(2).
دوافع وخلفيات القرار:
غياب الأطر القانونية:
يعود قرار المحكمة إلى غياب إطار قانوني يسمح بإعفاء الشباب الحريديم من الخدمة العسكرية؛ خاصة بعد انتهاء القانون الذي يسمح بالإعفاءات في يونيو 2023 وقرار حكومي لاحق يأمر الجيش بعدم فرض التجنيد الإلزامي الذي انتهت صلاحيته في 1 أبريل 2024؛ كما أصدرت المحكمة العليا أمرًا مؤقتًا في 28 مارس 2024 يقضي بتجميد التمويل للمدارس الدينية الحريدية للطلاب الملزمين بالتجنيد حتى نظر المحكمة في الالتماسات المقدمة لفرض التجنيد ضد الحريديم.
فعالية المحكمة العليا:
في ظل غياب الإطار القانوني، زادت فعالية المحكمة العليا في إصدار قرارها؛ فبدلًا من أن تنظر في معيارية قوانين التجنيد التي يسنها الكنيست، اضطرت هذه المرة إلى إيجاد الإطار القانوني في ظل فشل الكنيست في تمرير قانون للتجنيد.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة قد تكون جزءًا من المشكلة في المستقبل نظرًا لقدرتها على الرقابة اللاحقة للقوانين التي يسنها الكنيست.
عدم فعالية الإجراءات الاستباقية للحكومة:
استهدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسريع إجراءات تمرير مسودة “قانون التجنيد” لتعطيل قرار المحكمة العليا. تمت الموافقة على المسودة من قبل اللجنة الوزارية للتشريع في 15 مايو 2024 وتم تمريرها بالقراءة الأولى في الكنيست؛ إلا أن هذا التحرك لم يكن كافيًا لمنع صدور قرار المحكمة(3).
كم عدد “الحريديم” في إسرائيل؟
في العام 1950، كان “الحريديم” يشكلون حوالي 3% من إجمالي سكان إسرائيل. وبحلول عام 2009، ارتفعت نسبتهم إلى 10%، ويشكلون حاليًا 13% من السكان.
ووفقًا للتحليل الديموغرافي الذي أجراه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فمن المتوقع أن يشكلوا 16% في 2030، وأكثر من 30% بحلول عام 2065(4).
الخلاف الحالي والقائم داخل الدولة الصهيونية:
تعارض الأحزاب اليهودية المتشددة الضغوط التي تمارس لإلغاء الاستثناءات الممنوحة لطلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي يكافح فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي وتقسيم أعباء الحرب بين أطياف المجتمع بشكل عادل.
ومع اقتراب انقضاء المهلة المتاحة للحكومة في 31 مارس آذار لوضع تشريع لحل خلاف قائم منذ عقود بسبب هذه القضية، تقدم نتنياهو في اللحظات الأخيرة بطلب إلى المحكمة العليا لتمديد المهلة 30 يومًا.
وفيما يبدو أنه احتواء للمسألة، منحت المحكمة العليا مسؤولي الحكومة مهلة حتى 30 إبريل لتقديم حجج إضافية، لكن، وفي حكم مؤقت، قضت المحكمة أيضا بتعليق الدعم الحكومي الممنوح لطلاب المؤسسات الدينية اللائقين للتجنيد اعتبارا من الاثنين المقبل.
ما مخاطر ذلك على نتنياهو وحكومته؟
بالنسبة لنتنياهو، فإن المخاطر كبيرة؛ فمع أن الرأي العام يبدو مؤيدًا لإلغاء الإعفاء، فإن حكومته تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.
وندد الحزبان، وهما: حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، بالحكم الأخير الصادر عن المحكمة العليا وتعهدا بمكافحته، إلا أنهما لم يهددا بشكل صريح حتى الآن بالانسحاب من الحكومة.
ومن ناحية أخرى، يريد حلفاء وزير الدفاع يوآف غالانت، بما في ذلك بيني غانتس المنتمي إلى تيار الوسط، أن يؤدي مزيد من الإسرائيليين الخدمة العسكرية لتقاسم العبء على نطاق أوسع؛ علمًا بأن غانتس جنرال سابق بالجيش ويحتل مركز الصدارة ليصبح رئيسا للوزراء إذا أُجريت الانتخابات.
وقال غالانت في الآونة الأخيرة: إن أي قانون تجنيد جديد سيحتاج إلى دعم جميع الأطراف، مشيرا إلى أنه سيعارض أي تشريع يبقي على الإعفاء(5).
بـ”كلمة واحدة”.. الحاخام الأكبر يدعو الحريديم إلى العصيان:
جدد الحاخام الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف، رفضه الخدمة الإلزامية للمتدينين “الحريديم” في الجيش الإسرائيلي.
وقال زعيم طائفة اليهود الشرقيين في تصريح: “من وصله قرار التجنيد فليمزقه، ولو تم سجنه سيحضر له رئيس المعهد الديني لتعليمه في السجن”.
وحرض الحاخام الأكبر أبناء طائفته على عصيان أوامر الاستدعاء وقال لهم: “لا تذهبوا”.
وفي مقطع فيديو نشره موقع “واي نت” سمع الحاخام الأكبر في إسرائيل وهو يتحدث ضد تجنيد الأعضاء المتشددين في الجيش الإسرائيلي: “لن ينجح ذلك، وهو في التوراة. كل ابن توراة معفى من الذهاب إلى الجيش حتى أولئك الذين هم عاطلون ولا يدرسون”.
وفي الفيديو، قال الحاخام يوسف إنه زار الجنود الجرحى وقام أيضًا بجولة في قاعدة تسليم حيث التقى بجنود مؤمنين وبعضهم غير متدينين.
ويقول في المقطع: “كل التوفيق للجيش على ما بذله من جهد، ونحن نقدر ما يقومون به، لكن بدون التوراة، أين سينتهي بنا الأمر؟ بدلًا من إعطاء المزيد من الميزانيات للمدارس الدينية، يرسلون أوامر التجنيد”.
وفي وقت سابق، كشف موقع “واي نت” أن الجيش الإسرائيلي سوف يستدعي الآلاف من اليهود المتشددين “الحريديم” للخدمة العسكرية في وقت مبكر من الأسبوع المقبل رغم الاحتجاجات المتواصلة ضد القرار.
وأوضح أن “الجيش يرى أن إرسال أوامر استدعاء سيمكنه من تجنيد الأعداد المطلوبة وأنه لا يمكن الاعتماد فقط على من يريد التجنيد طوعا”.
وفي 25 يونيو 2024، قررت المحكمة العليا إلزام “الحريديم” بالتجنيد في الجيش، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية.
و نظم “الحريديم” احتجاجا في مدينة بني براك (وسط)، وغالبية سكانها من “الحريديم”، للتعبير عن رفضهم الخدمة العسكرية(6).
التداعيات المحتملة:
بقاء الائتلاف واستمراره مع تراكم الأزمة:
رغم التأثير السلبي للقرار على الأحزاب الأرثوذكسية، فإنها من غير المرجح أن تسعى لحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة. من المتوقع أن تستمر داخل الائتلاف الحكومي لضمان توفير إطار قانوني مضاد للقرار بشكل عاجل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تسريع إجراءات مسودة قانون التجنيد.
انسحاب الأحزاب الأرثوذكسية والدعم من الخارج:
تشير بعض التقارير إلى أن الأحزاب الأرثوذكسية قد تفكر في ترك الحكومة مع دعمها من الخارج حسب الحاجة، لكن هذا السيناريو يضعف بسبب افتقاد الأحزاب لمرونة التعامل مع قرار المحكمة إذا انسحبت من الحكومة، حيث لن تتمكن من إلغاء القرار أو تمرير تشريع يحد من نطاق التجنيد.
انهيار الائتلاف:
في حال فشل المفاوضات بين أعضاء الائتلاف بشأن مشروع قانون التجنيد، قد يؤدي ذلك إلى انسحاب الأحزاب الأرثوذكسية وانهيار الائتلاف. تشير بعض المؤشرات إلى توتر بين نتنياهو وأعضاء آخرين في الائتلاف بشأن مسألة تجنيد الحريديم(7).
هل يعاني الجيش نقصا في العدد؟
وسبق للقناة الـ13 الإسرائيلية أن نقلت عن غالانت قوله بمجلس الوزراء: إن وزارته ستعمل “على تجنيد أكثر من 3 آلاف من الحريديم للحاجة الملحة لذلك”.
وفي إطار المشاحنات داخل مجلس الحرب حول الموضوع، تحديدا بين غالانت ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ادعى غالانت خلال اجتماع الحكومة أن “عدد القوات ينخفض مقابل تزايد التهديد. وتسائل: من أين تعتقدون أننا سنحضر جنودًا؟ وكيف تريدون أن يستمر الجيش الإسرائيلي بالقتال في الشمال، وأنتم ترفضون تمديد الخدمة النظامية؟!
ومقابل الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة)، ترفضون رفع سن الإعفاء من الخدمة في الاحتياط، ومقابل العدوانية الإيرانية، تمارسون خدعًا سياسية بدلًا من التوصل إلى تفاهمات”(8).
وهذه شهادة من وزراء الصهاينة أن عددهم في نقص وانخفاض عدد جنودهم ما يعني أن الجيش الاسرائيلي يعاني معاناة كبيرة مما يشاهده على أرض الواقع، وسبب وقوفه حتى الآن هي الغطرسة الصهيونية.
الخلاصة:
تعكس هذه التطورات الواقع المأزوم للائتلاف الحكومي الإسرائيلي، خاصة في ظل الخلافات بشأن مسألة تجنيد الحريديم.
كما أنه من المتوقع أن تستمر الأزمة وتتراكم تداعياتها مما قد يؤدي إلى لحظة انفجار خلال الفترة القادمة إذا لم يتم التوصل إلى حلول توافقية عاجلة.
ويمكننا القول: إن هذه الأزمة هي الأخطر منذ تشكيل الائتلاف الحاكم، وقد تُمثل بداية فك الارتباط الفعلي بين نتنياهو وأعضاء ائتلافه، لا سيما المعارضين منهم حتى ولو لم يكن بشكل رسمي، فتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي “غالانت” وضعت تماسك الحكومة الحالية على المحك.
فحتى وإن قرر “نتنياهو” عزل “غالانت” للمرة الثانية للإتيان بآخر يوافقه الرأي لمحاولة احتواء الأوضاع، فقانون التجنيد يحظى بتأييد الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي. ولذلك فإن “غالانت” بتصريحاته قد ألقى الكرة في ملعب “نتنياهو” ووضعه بين فَكَّيْ رَحَى، فإما أن يُرضي الأحزاب الدينية، وإما أن يُرضي أعضاء الائتلاف الحاكم، وفي كلا الحالتين هو الخاسر.
المصادر:
1_ الشرق الأوسط
2_ T.R.T عربي
4_ الشرق
5_ الجزيرة
7_ الشروق
8_ مونت كارلو