fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

هجوم أوكرانيا المفاجئ على كورسك الروسية وتداعياته على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية.. هل نشهد الأرض مقابل الأرض؟

0 38

هجوم أوكرانيا المفاجئ على كورسك الروسية وتداعياته على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية.. هل نشهد الأرض مقابل الأرض؟

بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، فشلت العقوبات الاقتصادية وسياسات العزلة الدولية وحرب الاستخبارات المتبادلة في إضعاف أيٍ من أطراف الصراع؛ سواء روسيا وأوكرانيا أو روسيا والقوى الغربية.

لا يزال القتال مستمرًا على طول خطوط الجبهات حتى اللحظة، ما بين تقدم روسي في خاركيف خلال مايو الماضي، وتقدم أوكراني في كورسك خلال أغسطس الجاري؛ غير أن هجوم أوكرانيا على كورسك قد كشف عدة ثغرات في الإستراتيجية العسكرية الروسية تجاه حماية حدودها خلال حربها مع أوكرانيا.

إذ استطاعت كييف أن تباغت القوات الروسية وتتوغل لعدة كيلومترات داخل الأراضي الروسية، وهو ما مثَّل تحولًا في سير المعارك؛ من حيث انتقال روسيا أيضًا إلى موقع الدفاع؛ بالإضافة إلى ما يمكن أن يمثله ذلك من تأثيرات سلبية على الجبهة الداخلية الروسية؛ كما أن هجوم القوات الروسية على خاركيف خلال مايو الماضي قد سرع من حزم المساعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا ودفع القادة الغربيين إلى السماح لكييف بضرب العمق الروسي؛ وهو ما ظهر في الاجتياح الأوكراني لكورسك.

فما تفاصيل الهجوم الأوكراني المباغت على مقاطعة كورسك الروسية؟ وكيف يمكن فهم دوافع وأبعاد الهجوم الأوكراني على كورسك؟ وفي ظل السيطرة العسكرية الأوكرانية على العديد من الأراضي والبلدات في المقاطعة، كيف سيؤثر الهجوم على الداخل الروسي؟ وما أبرز السيناريوهات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية في ظل التطورات الأخيرة في خاركيف وكورسك؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على دوافع وأبعاد الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك الروسية وتداعياته على الداخل الروسي، وتطورات الحرب الروسية الأوكرانية في ظل التقدم الأوكراني المستمر حتى اللحظة، في هذه السطور الآتية:

تفاصيل الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية:

في السادس من أغسطس الماضي، شنَّت القوات الأوكرانية هجومًا عسكريًا مفاجئًا وواسع النطاق على مقاطعة كورسك الروسية المتاخمة لمقاطعة سومي الأوكرانية؛ الهجوم الذي عُد مفاجأة ليس فقط بالنسبة إلى الاتحاد الروسي، وإنما للكثيرين داخل أوكرانيا ومعظم المراقبين والمهتمين بالوضع في المنطقة؛ إذ نجحت القوات الأوكرانية في السيطرة على أكثر من 1000 كيلومتر مربع من أراضي المقاطعة، بما فيها 70 بلدة وقرية روسية، في حملة عابرة للحدود هي الأكبر ضد الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

ويأتي الهجوم بعد نحو سنتين ونصف السنة من اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وعلى خلفية عدم تحقيق أي من الطرفين اختراقًا حقيقيًّا عند خطوط المواجهة.

ووفق التقديرات الروسية، فقد عبر نحو ألف جندي إلى منطقة كورسك الروسية القريبة من بلدة سودجا، بمؤازرة 11 دبابة على الأقل وأكثر من 20 مدرعة. وأفاد مسؤول أوكراني لوكالة “فرانس برس” بأن “الآلاف من الجنود يشاركون في الهجوم”.

وبعد نحو ساعة على بَدْء الهجوم، نشر حاكم منطقة كورسك “أليكسي سميرنوف” على تليغرام مشاهد للدمار من بلدة سودجا الحدودية، وقال: إن البلدة تعرّضت لقصف مدفعي أوقع عددًا من الجرحى، ونشر مشاهد لمنازل أضحت ركامًا، وحتى اليوم الـ20 من أغسطس، باتت القوات الأوكرانية تسيطر على نحو 92 بلدة وقرية روسية في مقاطعة كورسك.

أبعاد ودوافع الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية:

وبالنظر إلى أبعاد الهجوم الأوكراني على كورسك، فإن لكييف دوافع متعددة سياسية، معنوية، وعسكرية إستراتيجية؛ أبرزها: تغيير معادلة الحرب من دفاع القوات الأوكرانية إلى الهجوم والسيطرة. فعلى مدار الحرب، كانت القوات الأوكرانية تتصدى للتقدم الروسي في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا. وقد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الصيف الماضي في كسر جمود الجبهة وإخراج القوات الروسية من مقاطعات الشرق والجنوب الأوكراني.

كما أن التقدم الروسي في خاركيف خلال مايو الماضي قد عقد الأوضاع بالنسبة إلى الحكومة الأوكرانية، ففشل الهجوم المضاد والتقدم الروسي في الأراضي الأوكرانية وضع الحكومة الأوكرانية في موقف حرج أمام حلفائها الغربيين، إلى جانب تراجع الروح المعنوية للقوات الأوكرانية نتيجة للخسائر والإخفاقات المتكررة.

ويمكن اعتبار أن الهدف الإستراتيجي الذي دفع كييف إلى هجومها المفاجئ على كورسك هو خوفها من وصول ترامب إلى البيت الأبيض ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية؛ مما يضع كييف أمام خيارين أساسيين، وهما: إما الاستمرار في الحرب من دون مساعدات أمريكية، وهي مساعدات جوهرية لضمان موازنة قوة أوكرانيا مع روسيا، أو قبول التفاوض تبعًا للشروط الروسية، ومن ثم خسارتها لأجزاء من أراضيها لصالح روسيا.

ومن ثم يأتي هذا الهجوم ليمثل دافعًا جديدًا للمؤسسات الغربية، بما فيها الأمريكية، لاستمرار تقديم الدعم العسكري وزيادة الثقة في القدرة الأوكرانية على تحقيق تغيير على الأرض؛ كما تسعى أوكرانيا إلى تحسين أي موقف تفاوضي مستقبلي مع روسيا، ففي ظل السيطرة العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية واستمرار توجيه الضربات على كييف ولفيف وغيرها، فإن أوكرانيا تطمح إلى قلب المشهد عن طريق نقل الحرب إلى الداخل الروسي والسيطرة على أجزاء من الأراضي الروسية. ومن المحتمل أن التخطيط للهجوم على كورسك تم بالتعاون مع دول غربية، وذلك أملًا في تغيير الوضع على الأرض أو على الأقل تخفيف الضغط على الجبهة، في وقت يستمر فيه التقدم الروسي بشكل مطرد.

وفي ظل الهجوم السريع والخاطف، يبدو أن القوات الأوكرانية تسعى إلى السيطرة على محطة كورسك النووية وكامل المقاطعة الروسية. وربما يكون ذلك بداية لـ”حركة منجل” أوكرانية على غرار “حركة المنجل الألمانية” خلال الحرب العالمية الثانية، التي ستُمكن القوات الأوكرانية من الالتفاف في داخل الأراضي الروسية والسيطرة على خاركيف وتأمين سومي؛ غير أن ذلك مستبعد في ظل الضربات الروسية الصاروخية والجوية على القوات الأوكرانية في كورسك.

وفي ظل التوغل الأوكراني في كورسك، قد يدفع ذلك موسكو إلى سحب جزء من قواتها من الأراضي الأوكرانية ونقلها إلى كورسك للتصدي للتقدم الأوكراني، وهو ما يعول عليه مراقبون أوكران وغربيون لإحداث ثغرة في خط الدفاع والتحصينات الروسية في دونيتسك، ما سيمكن القوات الأوكرانية من التوغل وقطع الاتصال البري بين شبه جزيرة القرم والأراضي الروسية عن طريق دونيتسك.

كما يمكن استنتاج أن كييف ترغب في أفضل الأحوال بالاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في كورسك، وإظهار القدرة على الصمود والبقاء داخل الأراضي الروسية عبر بناء التحصينات والخطوط الدفاعية لحين طرح خيار التفاوض. وحينها يمكن أن تبدأ أوكرانيا المفاوضات وهي في وضعية مكافئة لروسيا، في ظل سيطرة الجانبين على أجزاء من مدن وبلدات روسية وأوكرانية، لتكون معادلة التفاوض “الأرض مقابل الأرض”.

أبعاد السيطرة الأوكرانية السريعة في كورسك:

خلال ساعات من الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك الروسية، أخذت القرى والبلدات في المقاطعة بالسقوط سريعًا في أيدي القوات الأوكرانية، حيث أفاد مدونون عسكريون روس عن وقوع اشتباكات عنيفة على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود. وخلال الـ24 ساعة الأولى من الهجوم الأوكراني، كشف حاكم مقاطعة كورسك الروسية عن أن نحو 28 قرية روسية حدودية سقطت في أيدي الأوكرانيين. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

ومنذ اللحظة الأولى للعملية الأوكرانية، رجح مراقبون، وفي مقدمتهم: الروس، أن ما يحدث ليس إلا اختراقًا بسيطًا سيلتئم سريعًا مع إرسال الدفاعات الروسية إلى كورسك، لكن رغم مرور عدة أيام، لا يزال الأوكرانيون متمركزين في كورسك، بل ويتقدمون يومًا بعد يوم، لكن تقدمهم بات أبطأ في الأيام الأخيرة مع متوالية من السيطرة والسيطرة المضادة على البلدات بين الأوكرانيين والروس.

وبالنظر إلى التقدم السريع في بداية الهجوم، يبدو أنه بينما كانت روسيا تركز قواتها العسكرية على عدة نقاط رئيسية على خط المواجهة الرئيسي وسط استمرار القتال العنيف، قررت أوكرانيا الاستفادة من الحدود التي لا تخضع لحراسة كافية والعبور إلى الأراضي الروسية.

وبعد نحو 6 أيام من التوغل العسكري الأوكراني، كشف الرئيس الأوكراني “فلوديمير زيلينسكي” عن أن حوالي 1000 كيلومتر مربع من الأراضي الروسية أصبحت الآن تحت سيطرة كييف.

وتعكس السيطرة السريعة نجاح تكتيك الحرب الخاطفة الأوكرانية نسبيًّا، وذلك يعود إلى عدة أسباب؛ أبرزها: قلة الوحدات العسكرية الروسية في مقاطعة كورسك. فنتيجة لاحتدام المعارك وطول أمدها في مناطق الشرق والجنوب الأوكراني، دفعت موسكو بثقلها العسكري إلى الأراضي الأوكرانية.

وكشف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 15 من يونيو الماضي أن نحو 700 ألف عسكري روسي منتشرين في مناطق العملية العسكرية الخاصة في الأراضي الأوكرانية، على حد وصفه، مشيرًا إلى أن من بين هؤلاء تمت تعبئة 244 ألف عسكري. (سكاي نيوز عربية).

ومع انخراط الجزء الأكبر من الجيش الروسي في معارك منطقة دونيتسك الشرقية المحتدمة في أوكرانيا، لم يتبق سوى عدد قليل من القوات لحماية منطقة كورسك الحدودية، وإلى جانب ذلك، فوجئت الوحدات العسكرية الروسية المحدودة في مقاطعة كورسك من الهجوم الأوكراني، وفشلت في التعامل السريع مع التوغل.

كما أن كييف اعتمدت على عنصر المناورة في التحضير للعملية؛ ففي أواسط يوليو الماضي، سحبت كييف بعضًا من وحداتها العسكرية المنتشرة من منطقة خاركيف إلى سومي المتاخمة لكورسك الروسية، في إطار معارك خاركيف الدائرة حينها، وتحركات القوات خلال المعارك تأتي ضمن متغيرات وتطورات المعارك الدائرة؛ إلا أن سحب القوات الأوكرانية من خاركيف إلى سومي كان هدفه فتح جبهة جديدة في كورسك، مما دفع إلى تخبط داخلي روسي والتركيز على سرعة إجلاء السكان، والذي بلغ تعدادهم نحو 200 ألف إلى مقاطعة روستوف والمقاطعات المجاورة.

تداعيات الهجوم الأوكراني على الداخل الروسي:

تتعدد آراء المراقبين لتأثيرات هجوم كورسك على الداخل الروسي؛ إذ يرى البعض أن الهجوم قد أحرج القيادة الروسية داخليًّا وخارجيًّا، وكشف عن ثغرات ونقاط ضعف الجيش الروسي؛ وفي ظل مرور أكثر من أسبوعين منذ بَدْء الهجوم الأوكراني، لا تزال القوات الروسية عاجزة عن طردهم وإجبارهم على التراجع.

ويبدو أن الجانب الروسي يعاني حاليًا من صدمة استخباراتية وتكتيكية؛ ما أدى في المقابل إلى رد فعل بطيء من الناحية التكتيكية، وهذا ساعد القوات الأوكرانية في استغلال اختراقها لخطوط الدفاع الروسية التي حاولت من جانبها الرد باستخدام المروحيات وطائرات الهليكوبتر، لكنها لم تنجح، حيث تم إسقاط طائرة واحدة على الأقل، وتحطيم أخرى.

وتسببت ثُغْرَة كورسك في توجيه القائد العسكري الروسي المتقاعد “أندريه غوروليف” وعضو البرلمان الروسي، انتقادات للجيش للفشل في حماية الحدود، وقال: “للأسف! القوات التي من المفترض أن تحمي الحدود تفتقر إلى المعلومات الاستخباراتية اللازمة، ولا أحد يريد رؤية الحقيقة في التقارير، بل الجميع يريد أن يشعروا أن الأمور بخير”. (الحرة).

وتظهر تصريحات “غوروليف” الاستياء الداخلي من نجاح عملية التوغل الأوكراني، مع توسيع عمليات الإجلاء وإعلان حالة الطوارئ في المقاطعات المجاورة لكورسك؛ إلى جانب ذلك يرى آخرون أن الهجوم الأوكراني لن يكون ذا تأثير كبير على الداخل الروسي؛ كون أن روسيا تمتلك العديد من الإمكانيات والقدرات، والتي ستمكنها من الاحتواء والتعامل مع التوغل في غضون أسبوعين على الأكثر.

وفي تقديري: فإن عملية التوغل الأوكراني لكورسك قد تخدم بوتين داخليًّا؛ إذ يمكن أن يستخدم العملية الأوكرانية لإشعار المواطنين الروس أنهم تحت خطر غزو حقيقي، ومن ثم زيادة نسبة الدعم الشعبي للعمليات العسكرية وتصعيد العداء للنظام الأوكراني والقوى الغربية، أو ربما سيعمل بوتين على تحويل العملية العسكرية الروسية الخاصة إلى حرب شاملة على أوكرانيا، ما سيمكن بوتين من تفعيل قوانين الحرب وحشد كافة موارد البلاد البشرية والاقتصادية والصناعية لحرب شاملة على أوكرانيا لحسم الصراع.

تداعيات الهجوم الأوكراني في كورسك على الحرب الروسية الأوكرانية:

لم تكن أوكرانيا لتستطيع أن تقوم بمفردها بهذا الهجوم المباغت دون تخطيط وتنسيق مع حلف شمال الأطلسي، وخاصة مع الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية؛ وربما كان ذلك هو منبع الفكرة من أساسها، فعملية بهذا الحجم تتطلب جهدًا كبيرًا.

بالإضافة إلى أن اختيار تجميع قتالي أوكراني محدود ولكنه نوعي ويحتوي على أهم الأسلحة الغربية المتطورة من دبابات وصواريخ ميدان وأخرى مضادة للطائرات والدبابات ومسيرات متنوعة وأسلحة إلكترونية سيبرانية للتخفي والخداع عن وقت ومكان ومحور تقدم القوات الأوكرانية، قد تم بالتنسيق والتخطيط مع القِوَى الغربية، وذلك في مواجهة الأسلحة والترسانة الروسية. (مركز المستقبل للأبحاث للدراسات المتقدمة).

وعلى الرغم من النجاح الأوكراني النسبي في عملية كورسك، وإرباك الداخل الروسي؛ إلا أن العملية الأوكرانية سيكون لها تداعيات خطيرة على تطورات الحرب، بدءًا باحتمالية تصعيد العمليات العسكرية الروسية؛ إذ أدى الهجوم إلى إحراج الرئيس “فلاديمير بوتين” وكبار مساعديه داخليًّا وخارجيًّا.

ومن ثم فمن المتوقع أن تحاول روسيا صد الهجوم، ومحاولة طرد القوات الأوكرانية وردها إلى داخل أوكرانيا، وهذا ما يتم تنفيذه حاليًا عبر قوات الصواريخ الروسية والقوات الجوية الفضائية، لكن ذلك لن يكون كافيًا؛ إذ ستحاول روسيا الرد على هذا الهجوم عبر تكثيف الهجوم على الداخل الأوكراني، وتصعيد العمليات على الجبهة، وربما محاولة استهداف مواقع ذات رمزية بالعاصمة الأوكرانية كييف أو استهداف متخذي القرار وكبار الشخصيات الأوكرانية.

وبالنظر إلى العقيدة النووية الروسية، والتي تمثل مجموعة من القواعد التي وضعتها الدولة لتقنين استخدام الأسلحة النووية؛ فتنص العقيدة الحالية على أن موسكو “ربما تستخدم مثل هذه الأسلحة ردًّا على هجوم نووي، أو في حالة التعرض لهجوم تقليدي يشكل تهديدًا وجوديًّا للدولة”؛ إلا أن تعديلًا جرى قبل نحو 4 أعوام على هذه العقيدة، يسمح لروسيا باستخدام السلاح النووي للردع بمعنى المبادرة بضربة نووية “استباقية” من دون التعرض لهجوم؛ إذ تنص العقيدة الحالية بعد تعديلها “أن بإمكان روسيا توجيه ضربة نووية إذا حصلت على معلومات مؤكدة وموثوقة عن نية جهة ما إطلاق صواريخ تجاهها، كما تسمح بتوجيه ضربات نووية ردًّا على تعرضها، أو أحد حلفائها، لهجوم بأي نوع من أسلحة الدمار الشامل (النووية أو الكيماوية أو البيولوجية)، أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة، أو تعرض مواقع حساسة روسية لهجوم ما”. (العربية).

فالعقيدة النووية الروسية يشوبها الغموض؛ إلا أن توجيه ضربة نووية؛ سواء إستراتيجية أو تكتيكية، يظل أحد الخيارات المتاحة أمام القيادة الروسية، رغم ضعف ذلك الخيار؛ لما سيكون له من وقع كارثي على أوكرانيا وروسيا وعلاقات روسيا الخارجية على المدى الطويل.

مستقبل الحرب الروسية والأوكرانية:

تُعد الخطوة الأوكرانية بالهجوم على مقاطعة كورسك الروسية؛ خطوة بالغة الخطورة، ستنقل الحرب الروسية الأوكرانية وصراع الاتحاد الروسي والقوى الغربية في ظل الحرب الباردة الجديدة إلى مستوى أعلى وغير مسبوق من التصعيد، في ظل تأجيل مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا كان من المقرر إجرائها في قطر للتوصل لوقف إطلاق نار مؤقت، وكان السبب الرئيسي في ذلك التوغل الأوكراني في كورسك الروسية، وتوعد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” باتخاذ موقف أكثر صرامة من المفاوضات بعد الهجوم.

وعرضت أوكرانيا إكمال المفاوضات؛ إلا أن قطر رفضت فكرة تنظيم مفاوضات مع جانب واحد فقط للتوصل لحل، وفضلت انتظار الجانب الروسي، إذ أجل الطرف الروسي المفاوضات ولم يلغها لما عده تصعيدًا من الجانب الأوكراني، ويبدو أن الرئيس بوتين يرغب في تجريد أوكرانيا من مكاسبها الأخيرة قبل الحديث عن أي مفاوضات مستقبلية.

وبعيدًا عن المفاوضات؛ يبدو أن القوات الروسية خلال الأشهر القادمة، ستعمل على السيطرة على المقاطعات الأوكرانية المحاذية للحدود الروسية والبيلاروسية، لاحتواء أي هجوم أوكراني مستقبلي على تلك المقاطعات؛ ما سيخرج الحرب من نطاقها الحالي في شرق وجنوب أوكرانية، ويوسع من دائرة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ ومن أجل ذلك ففي تقديري قد يلجأ الرئيس الروسي إلى تعبئة جزئية جديدة، وإنتاج المزيد من الأسلحة والذخائر للرد على أوكرانيا؛ كما من المحتمل أن تتجه روسيا إلى تعزيز ترسانتها النووية في كالينينجراد وبيلاروسيا والقوقاز.

الخلاصة:

– فوجئت الدولة الروسية بالهجوم الأوكراني واسع النطاق على مقاطعة كورسك، وظهر الإرباك الروسية في التعامل مع الأزمة؛ من خلال عمليات الإجلاء الواسعة، وتوجيه الضربات العسكرية الجوية والصاروخية على القوات الأوكرانية، إذ كشف الهجوم الأوكراني عن العديد من نِقَاط الضعف والثغرات في القوات الروسية؛ غير أن الكرملين يسعى إلى احتواء الأزمة وإخراج القوات الأوكرانية من كورسك قبل الحديث عن أي مفاوضات؛ ويمكن اعتبار الهجوم الأوكراني على كورسك محاولة أخيرة من كييف لفرض السيناريو الخاص بها على مسار الحرب، والتفاوض على أسس متساوية ضمن مبدأ (الأرض مقابل الأرض)، أو على أقل تقدير إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك الشرقية، حيث ضغطت القوات الروسية في عدة قطاعات وحققت مكاسب بطيئة، ولكن ثابتة خلال الأشهر الأخيرة؛ بالإضافة إلى ذلك كان الهجوم بمثابة رفض للسيناريو الروسي، الذي كان يأمل في أن تستمر قواته في تطويق أوكرانيا لحين البَدْء في مفاوضات تكون له فيها اليد العليا؛ بما يضمن إنهاء الحرب وفقًا للتصور الروسي.

ومن ناحية أخرى: فمن غير المحتمل أن ترضخ موسكو بسهولة لسيناريو كييف، ولكنها قد ترد عبر توسيع أهداف حربها للاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية المحاذية للحدود الروسية والبيلاروسية، وقد تزيد من وتيرة هجماتها على طول خط الجبهة مع احتمالية الدفع بقوات أكثر تدريبًا في مناطق القتال.

المصادر:

بي بي سي عربي

الجزيرة

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

سكاي نيوز عربية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

العربية

هجوم أوكرانيا المفاجئ على كورسك الروسية وتداعياته على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية.. هل نشهد الأرض مقابل الأرض؟

بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، فشلت العقوبات الاقتصادية وسياسات العزلة الدولية وحرب الاستخبارات المتبادلة في إضعاف أيٍ من أطراف الصراع؛ سواء روسيا وأوكرانيا أو روسيا والقوى الغربية.

لا يزال القتال مستمرًا على طول خطوط الجبهات حتى اللحظة، ما بين تقدم روسي في خاركيف خلال مايو الماضي، وتقدم أوكراني في كورسك خلال أغسطس الجاري؛ غير أن هجوم أوكرانيا على كورسك قد كشف عدة ثغرات في الإستراتيجية العسكرية الروسية تجاه حماية حدودها خلال حربها مع أوكرانيا.

إذ استطاعت كييف أن تباغت القوات الروسية وتتوغل لعدة كيلومترات داخل الأراضي الروسية، وهو ما مثَّل تحولًا في سير المعارك؛ من حيث انتقال روسيا أيضًا إلى موقع الدفاع؛ بالإضافة إلى ما يمكن أن يمثله ذلك من تأثيرات سلبية على الجبهة الداخلية الروسية؛ كما أن هجوم القوات الروسية على خاركيف خلال مايو الماضي قد سرع من حزم المساعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا ودفع القادة الغربيين إلى السماح لكييف بضرب العمق الروسي؛ وهو ما ظهر في الاجتياح الأوكراني لكورسك.

فما تفاصيل الهجوم الأوكراني المباغت على مقاطعة كورسك الروسية؟ وكيف يمكن فهم دوافع وأبعاد الهجوم الأوكراني على كورسك؟ وفي ظل السيطرة العسكرية الأوكرانية على العديد من الأراضي والبلدات في المقاطعة، كيف سيؤثر الهجوم على الداخل الروسي؟ وما أبرز السيناريوهات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية في ظل التطورات الأخيرة في خاركيف وكورسك؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على دوافع وأبعاد الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك الروسية وتداعياته على الداخل الروسي، وتطورات الحرب الروسية الأوكرانية في ظل التقدم الأوكراني المستمر حتى اللحظة، في هذه السطور الآتية:

تفاصيل الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية:

في السادس من أغسطس الماضي، شنَّت القوات الأوكرانية هجومًا عسكريًا مفاجئًا وواسع النطاق على مقاطعة كورسك الروسية المتاخمة لمقاطعة سومي الأوكرانية؛ الهجوم الذي عُد مفاجأة ليس فقط بالنسبة إلى الاتحاد الروسي، وإنما للكثيرين داخل أوكرانيا ومعظم المراقبين والمهتمين بالوضع في المنطقة؛ إذ نجحت القوات الأوكرانية في السيطرة على أكثر من 1000 كيلومتر مربع من أراضي المقاطعة، بما فيها 70 بلدة وقرية روسية، في حملة عابرة للحدود هي الأكبر ضد الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

ويأتي الهجوم بعد نحو سنتين ونصف السنة من اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وعلى خلفية عدم تحقيق أي من الطرفين اختراقًا حقيقيًّا عند خطوط المواجهة.

ووفق التقديرات الروسية، فقد عبر نحو ألف جندي إلى منطقة كورسك الروسية القريبة من بلدة سودجا، بمؤازرة 11 دبابة على الأقل وأكثر من 20 مدرعة. وأفاد مسؤول أوكراني لوكالة “فرانس برس” بأن “الآلاف من الجنود يشاركون في الهجوم”.

وبعد نحو ساعة على بَدْء الهجوم، نشر حاكم منطقة كورسك “أليكسي سميرنوف” على تليغرام مشاهد للدمار من بلدة سودجا الحدودية، وقال: إن البلدة تعرّضت لقصف مدفعي أوقع عددًا من الجرحى، ونشر مشاهد لمنازل أضحت ركامًا، وحتى اليوم الـ20 من أغسطس، باتت القوات الأوكرانية تسيطر على نحو 92 بلدة وقرية روسية في مقاطعة كورسك.

أبعاد ودوافع الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية:

وبالنظر إلى أبعاد الهجوم الأوكراني على كورسك، فإن لكييف دوافع متعددة سياسية، معنوية، وعسكرية إستراتيجية؛ أبرزها: تغيير معادلة الحرب من دفاع القوات الأوكرانية إلى الهجوم والسيطرة. فعلى مدار الحرب، كانت القوات الأوكرانية تتصدى للتقدم الروسي في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا. وقد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الصيف الماضي في كسر جمود الجبهة وإخراج القوات الروسية من مقاطعات الشرق والجنوب الأوكراني.

كما أن التقدم الروسي في خاركيف خلال مايو الماضي قد عقد الأوضاع بالنسبة إلى الحكومة الأوكرانية، ففشل الهجوم المضاد والتقدم الروسي في الأراضي الأوكرانية وضع الحكومة الأوكرانية في موقف حرج أمام حلفائها الغربيين، إلى جانب تراجع الروح المعنوية للقوات الأوكرانية نتيجة للخسائر والإخفاقات المتكررة.

ويمكن اعتبار أن الهدف الإستراتيجي الذي دفع كييف إلى هجومها المفاجئ على كورسك هو خوفها من وصول ترامب إلى البيت الأبيض ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية؛ مما يضع كييف أمام خيارين أساسيين، وهما: إما الاستمرار في الحرب من دون مساعدات أمريكية، وهي مساعدات جوهرية لضمان موازنة قوة أوكرانيا مع روسيا، أو قبول التفاوض تبعًا للشروط الروسية، ومن ثم خسارتها لأجزاء من أراضيها لصالح روسيا.

ومن ثم يأتي هذا الهجوم ليمثل دافعًا جديدًا للمؤسسات الغربية، بما فيها الأمريكية، لاستمرار تقديم الدعم العسكري وزيادة الثقة في القدرة الأوكرانية على تحقيق تغيير على الأرض؛ كما تسعى أوكرانيا إلى تحسين أي موقف تفاوضي مستقبلي مع روسيا، ففي ظل السيطرة العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية واستمرار توجيه الضربات على كييف ولفيف وغيرها، فإن أوكرانيا تطمح إلى قلب المشهد عن طريق نقل الحرب إلى الداخل الروسي والسيطرة على أجزاء من الأراضي الروسية. ومن المحتمل أن التخطيط للهجوم على كورسك تم بالتعاون مع دول غربية، وذلك أملًا في تغيير الوضع على الأرض أو على الأقل تخفيف الضغط على الجبهة، في وقت يستمر فيه التقدم الروسي بشكل مطرد.

وفي ظل الهجوم السريع والخاطف، يبدو أن القوات الأوكرانية تسعى إلى السيطرة على محطة كورسك النووية وكامل المقاطعة الروسية. وربما يكون ذلك بداية لـ”حركة منجل” أوكرانية على غرار “حركة المنجل الألمانية” خلال الحرب العالمية الثانية، التي ستُمكن القوات الأوكرانية من الالتفاف في داخل الأراضي الروسية والسيطرة على خاركيف وتأمين سومي؛ غير أن ذلك مستبعد في ظل الضربات الروسية الصاروخية والجوية على القوات الأوكرانية في كورسك.

وفي ظل التوغل الأوكراني في كورسك، قد يدفع ذلك موسكو إلى سحب جزء من قواتها من الأراضي الأوكرانية ونقلها إلى كورسك للتصدي للتقدم الأوكراني، وهو ما يعول عليه مراقبون أوكران وغربيون لإحداث ثغرة في خط الدفاع والتحصينات الروسية في دونيتسك، ما سيمكن القوات الأوكرانية من التوغل وقطع الاتصال البري بين شبه جزيرة القرم والأراضي الروسية عن طريق دونيتسك.

كما يمكن استنتاج أن كييف ترغب في أفضل الأحوال بالاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في كورسك، وإظهار القدرة على الصمود والبقاء داخل الأراضي الروسية عبر بناء التحصينات والخطوط الدفاعية لحين طرح خيار التفاوض. وحينها يمكن أن تبدأ أوكرانيا المفاوضات وهي في وضعية مكافئة لروسيا، في ظل سيطرة الجانبين على أجزاء من مدن وبلدات روسية وأوكرانية، لتكون معادلة التفاوض “الأرض مقابل الأرض”.

أبعاد السيطرة الأوكرانية السريعة في كورسك:

خلال ساعات من الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك الروسية، أخذت القرى والبلدات في المقاطعة بالسقوط سريعًا في أيدي القوات الأوكرانية، حيث أفاد مدونون عسكريون روس عن وقوع اشتباكات عنيفة على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود. وخلال الـ24 ساعة الأولى من الهجوم الأوكراني، كشف حاكم مقاطعة كورسك الروسية عن أن نحو 28 قرية روسية حدودية سقطت في أيدي الأوكرانيين. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

ومنذ اللحظة الأولى للعملية الأوكرانية، رجح مراقبون، وفي مقدمتهم: الروس، أن ما يحدث ليس إلا اختراقًا بسيطًا سيلتئم سريعًا مع إرسال الدفاعات الروسية إلى كورسك، لكن رغم مرور عدة أيام، لا يزال الأوكرانيون متمركزين في كورسك، بل ويتقدمون يومًا بعد يوم، لكن تقدمهم بات أبطأ في الأيام الأخيرة مع متوالية من السيطرة والسيطرة المضادة على البلدات بين الأوكرانيين والروس.

وبالنظر إلى التقدم السريع في بداية الهجوم، يبدو أنه بينما كانت روسيا تركز قواتها العسكرية على عدة نقاط رئيسية على خط المواجهة الرئيسي وسط استمرار القتال العنيف، قررت أوكرانيا الاستفادة من الحدود التي لا تخضع لحراسة كافية والعبور إلى الأراضي الروسية.

وبعد نحو 6 أيام من التوغل العسكري الأوكراني، كشف الرئيس الأوكراني “فلوديمير زيلينسكي” عن أن حوالي 1000 كيلومتر مربع من الأراضي الروسية أصبحت الآن تحت سيطرة كييف.

وتعكس السيطرة السريعة نجاح تكتيك الحرب الخاطفة الأوكرانية نسبيًّا، وذلك يعود إلى عدة أسباب؛ أبرزها: قلة الوحدات العسكرية الروسية في مقاطعة كورسك. فنتيجة لاحتدام المعارك وطول أمدها في مناطق الشرق والجنوب الأوكراني، دفعت موسكو بثقلها العسكري إلى الأراضي الأوكرانية.

وكشف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 15 من يونيو الماضي أن نحو 700 ألف عسكري روسي منتشرين في مناطق العملية العسكرية الخاصة في الأراضي الأوكرانية، على حد وصفه، مشيرًا إلى أن من بين هؤلاء تمت تعبئة 244 ألف عسكري. (سكاي نيوز عربية).

ومع انخراط الجزء الأكبر من الجيش الروسي في معارك منطقة دونيتسك الشرقية المحتدمة في أوكرانيا، لم يتبق سوى عدد قليل من القوات لحماية منطقة كورسك الحدودية، وإلى جانب ذلك، فوجئت الوحدات العسكرية الروسية المحدودة في مقاطعة كورسك من الهجوم الأوكراني، وفشلت في التعامل السريع مع التوغل.

كما أن كييف اعتمدت على عنصر المناورة في التحضير للعملية؛ ففي أواسط يوليو الماضي، سحبت كييف بعضًا من وحداتها العسكرية المنتشرة من منطقة خاركيف إلى سومي المتاخمة لكورسك الروسية، في إطار معارك خاركيف الدائرة حينها، وتحركات القوات خلال المعارك تأتي ضمن متغيرات وتطورات المعارك الدائرة؛ إلا أن سحب القوات الأوكرانية من خاركيف إلى سومي كان هدفه فتح جبهة جديدة في كورسك، مما دفع إلى تخبط داخلي روسي والتركيز على سرعة إجلاء السكان، والذي بلغ تعدادهم نحو 200 ألف إلى مقاطعة روستوف والمقاطعات المجاورة.

تداعيات الهجوم الأوكراني على الداخل الروسي:

تتعدد آراء المراقبين لتأثيرات هجوم كورسك على الداخل الروسي؛ إذ يرى البعض أن الهجوم قد أحرج القيادة الروسية داخليًّا وخارجيًّا، وكشف عن ثغرات ونقاط ضعف الجيش الروسي؛ وفي ظل مرور أكثر من أسبوعين منذ بَدْء الهجوم الأوكراني، لا تزال القوات الروسية عاجزة عن طردهم وإجبارهم على التراجع.

ويبدو أن الجانب الروسي يعاني حاليًا من صدمة استخباراتية وتكتيكية؛ ما أدى في المقابل إلى رد فعل بطيء من الناحية التكتيكية، وهذا ساعد القوات الأوكرانية في استغلال اختراقها لخطوط الدفاع الروسية التي حاولت من جانبها الرد باستخدام المروحيات وطائرات الهليكوبتر، لكنها لم تنجح، حيث تم إسقاط طائرة واحدة على الأقل، وتحطيم أخرى.

وتسببت ثُغْرَة كورسك في توجيه القائد العسكري الروسي المتقاعد “أندريه غوروليف” وعضو البرلمان الروسي، انتقادات للجيش للفشل في حماية الحدود، وقال: “للأسف! القوات التي من المفترض أن تحمي الحدود تفتقر إلى المعلومات الاستخباراتية اللازمة، ولا أحد يريد رؤية الحقيقة في التقارير، بل الجميع يريد أن يشعروا أن الأمور بخير”. (الحرة).

وتظهر تصريحات “غوروليف” الاستياء الداخلي من نجاح عملية التوغل الأوكراني، مع توسيع عمليات الإجلاء وإعلان حالة الطوارئ في المقاطعات المجاورة لكورسك؛ إلى جانب ذلك يرى آخرون أن الهجوم الأوكراني لن يكون ذا تأثير كبير على الداخل الروسي؛ كون أن روسيا تمتلك العديد من الإمكانيات والقدرات، والتي ستمكنها من الاحتواء والتعامل مع التوغل في غضون أسبوعين على الأكثر.

وفي تقديري: فإن عملية التوغل الأوكراني لكورسك قد تخدم بوتين داخليًّا؛ إذ يمكن أن يستخدم العملية الأوكرانية لإشعار المواطنين الروس أنهم تحت خطر غزو حقيقي، ومن ثم زيادة نسبة الدعم الشعبي للعمليات العسكرية وتصعيد العداء للنظام الأوكراني والقوى الغربية، أو ربما سيعمل بوتين على تحويل العملية العسكرية الروسية الخاصة إلى حرب شاملة على أوكرانيا، ما سيمكن بوتين من تفعيل قوانين الحرب وحشد كافة موارد البلاد البشرية والاقتصادية والصناعية لحرب شاملة على أوكرانيا لحسم الصراع.

تداعيات الهجوم الأوكراني في كورسك على الحرب الروسية الأوكرانية:

لم تكن أوكرانيا لتستطيع أن تقوم بمفردها بهذا الهجوم المباغت دون تخطيط وتنسيق مع حلف شمال الأطلسي، وخاصة مع الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية؛ وربما كان ذلك هو منبع الفكرة من أساسها، فعملية بهذا الحجم تتطلب جهدًا كبيرًا.

بالإضافة إلى أن اختيار تجميع قتالي أوكراني محدود ولكنه نوعي ويحتوي على أهم الأسلحة الغربية المتطورة من دبابات وصواريخ ميدان وأخرى مضادة للطائرات والدبابات ومسيرات متنوعة وأسلحة إلكترونية سيبرانية للتخفي والخداع عن وقت ومكان ومحور تقدم القوات الأوكرانية، قد تم بالتنسيق والتخطيط مع القِوَى الغربية، وذلك في مواجهة الأسلحة والترسانة الروسية. (مركز المستقبل للأبحاث للدراسات المتقدمة).

وعلى الرغم من النجاح الأوكراني النسبي في عملية كورسك، وإرباك الداخل الروسي؛ إلا أن العملية الأوكرانية سيكون لها تداعيات خطيرة على تطورات الحرب، بدءًا باحتمالية تصعيد العمليات العسكرية الروسية؛ إذ أدى الهجوم إلى إحراج الرئيس “فلاديمير بوتين” وكبار مساعديه داخليًّا وخارجيًّا.

ومن ثم فمن المتوقع أن تحاول روسيا صد الهجوم، ومحاولة طرد القوات الأوكرانية وردها إلى داخل أوكرانيا، وهذا ما يتم تنفيذه حاليًا عبر قوات الصواريخ الروسية والقوات الجوية الفضائية، لكن ذلك لن يكون كافيًا؛ إذ ستحاول روسيا الرد على هذا الهجوم عبر تكثيف الهجوم على الداخل الأوكراني، وتصعيد العمليات على الجبهة، وربما محاولة استهداف مواقع ذات رمزية بالعاصمة الأوكرانية كييف أو استهداف متخذي القرار وكبار الشخصيات الأوكرانية.

وبالنظر إلى العقيدة النووية الروسية، والتي تمثل مجموعة من القواعد التي وضعتها الدولة لتقنين استخدام الأسلحة النووية؛ فتنص العقيدة الحالية على أن موسكو “ربما تستخدم مثل هذه الأسلحة ردًّا على هجوم نووي، أو في حالة التعرض لهجوم تقليدي يشكل تهديدًا وجوديًّا للدولة”؛ إلا أن تعديلًا جرى قبل نحو 4 أعوام على هذه العقيدة، يسمح لروسيا باستخدام السلاح النووي للردع بمعنى المبادرة بضربة نووية “استباقية” من دون التعرض لهجوم؛ إذ تنص العقيدة الحالية بعد تعديلها “أن بإمكان روسيا توجيه ضربة نووية إذا حصلت على معلومات مؤكدة وموثوقة عن نية جهة ما إطلاق صواريخ تجاهها، كما تسمح بتوجيه ضربات نووية ردًّا على تعرضها، أو أحد حلفائها، لهجوم بأي نوع من أسلحة الدمار الشامل (النووية أو الكيماوية أو البيولوجية)، أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة، أو تعرض مواقع حساسة روسية لهجوم ما”. (العربية).

فالعقيدة النووية الروسية يشوبها الغموض؛ إلا أن توجيه ضربة نووية؛ سواء إستراتيجية أو تكتيكية، يظل أحد الخيارات المتاحة أمام القيادة الروسية، رغم ضعف ذلك الخيار؛ لما سيكون له من وقع كارثي على أوكرانيا وروسيا وعلاقات روسيا الخارجية على المدى الطويل.

مستقبل الحرب الروسية والأوكرانية:

تُعد الخطوة الأوكرانية بالهجوم على مقاطعة كورسك الروسية؛ خطوة بالغة الخطورة، ستنقل الحرب الروسية الأوكرانية وصراع الاتحاد الروسي والقوى الغربية في ظل الحرب الباردة الجديدة إلى مستوى أعلى وغير مسبوق من التصعيد، في ظل تأجيل مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا كان من المقرر إجرائها في قطر للتوصل لوقف إطلاق نار مؤقت، وكان السبب الرئيسي في ذلك التوغل الأوكراني في كورسك الروسية، وتوعد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” باتخاذ موقف أكثر صرامة من المفاوضات بعد الهجوم.

وعرضت أوكرانيا إكمال المفاوضات؛ إلا أن قطر رفضت فكرة تنظيم مفاوضات مع جانب واحد فقط للتوصل لحل، وفضلت انتظار الجانب الروسي، إذ أجل الطرف الروسي المفاوضات ولم يلغها لما عده تصعيدًا من الجانب الأوكراني، ويبدو أن الرئيس بوتين يرغب في تجريد أوكرانيا من مكاسبها الأخيرة قبل الحديث عن أي مفاوضات مستقبلية.

وبعيدًا عن المفاوضات؛ يبدو أن القوات الروسية خلال الأشهر القادمة، ستعمل على السيطرة على المقاطعات الأوكرانية المحاذية للحدود الروسية والبيلاروسية، لاحتواء أي هجوم أوكراني مستقبلي على تلك المقاطعات؛ ما سيخرج الحرب من نطاقها الحالي في شرق وجنوب أوكرانية، ويوسع من دائرة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ ومن أجل ذلك ففي تقديري قد يلجأ الرئيس الروسي إلى تعبئة جزئية جديدة، وإنتاج المزيد من الأسلحة والذخائر للرد على أوكرانيا؛ كما من المحتمل أن تتجه روسيا إلى تعزيز ترسانتها النووية في كالينينجراد وبيلاروسيا والقوقاز.

الخلاصة:

– فوجئت الدولة الروسية بالهجوم الأوكراني واسع النطاق على مقاطعة كورسك، وظهر الإرباك الروسية في التعامل مع الأزمة؛ من خلال عمليات الإجلاء الواسعة، وتوجيه الضربات العسكرية الجوية والصاروخية على القوات الأوكرانية، إذ كشف الهجوم الأوكراني عن العديد من نِقَاط الضعف والثغرات في القوات الروسية؛ غير أن الكرملين يسعى إلى احتواء الأزمة وإخراج القوات الأوكرانية من كورسك قبل الحديث عن أي مفاوضات؛ ويمكن اعتبار الهجوم الأوكراني على كورسك محاولة أخيرة من كييف لفرض السيناريو الخاص بها على مسار الحرب، والتفاوض على أسس متساوية ضمن مبدأ (الأرض مقابل الأرض)، أو على أقل تقدير إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك الشرقية، حيث ضغطت القوات الروسية في عدة قطاعات وحققت مكاسب بطيئة، ولكن ثابتة خلال الأشهر الأخيرة؛ بالإضافة إلى ذلك كان الهجوم بمثابة رفض للسيناريو الروسي، الذي كان يأمل في أن تستمر قواته في تطويق أوكرانيا لحين البَدْء في مفاوضات تكون له فيها اليد العليا؛ بما يضمن إنهاء الحرب وفقًا للتصور الروسي.

ومن ناحية أخرى: فمن غير المحتمل أن ترضخ موسكو بسهولة لسيناريو كييف، ولكنها قد ترد عبر توسيع أهداف حربها للاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية المحاذية للحدود الروسية والبيلاروسية، وقد تزيد من وتيرة هجماتها على طول خط الجبهة مع احتمالية الدفع بقوات أكثر تدريبًا في مناطق القتال.

المصادر:

بي بي سي عربي

الجزيرة

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

سكاي نيوز عربية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

العربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.