fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

اتفاقية عنتيبي وأثرها على العلاقات بين دول حوض النيل وخيارات مصر المتاحة

0 44

اتفاقية عنتيبي وأثرها على العلاقات بين دول حوض النيل وخيارات مصر المتاحة

مقدمة:

بالتزامن مع استمرار التعسف الإثيوبي وفرض سياسة الأمر الواقع على دولتي المصب: “مصر والسودان”، بعد توقف المفاوضات الخاصة بسد النهضة، ورفض أديس أبابا لكل المقترحات الفنية والزمنية التي قدمتها مصر والسودان لحل الأزمة والحفاظ على حقوق البلدين المائية بما لا يتعارض مع طموحات إثيوبيا المزعومة في التنمية والرخاء؛ إلا أن دخول جنوب السودان في اتفاقية عنتيبي جاء كارثيًّا أو على الأقل غير موفق في الوقت الحالي؛ فقد وجهت إثيوبيا الدعوة مجددًا لجنوب السودان مع 5 دول من حوض النيل للتوقيع على اتفاقية عنتيبي؛ تلك الاتفاقية التي كانت مُعلقة منذ توقيعها من جانب خمس دول في عام 2010 خلال اجتماع عُقد في مدينة عنتيبي الأوغندية، واعترضت عليها مصر والسودان بوصفها تشكل نهاية للحصص التاريخية لدولتي المصب في مياه النيل.

ورغم التأكيد المصري السوداني الشمالي على مصلحة إثيوبيا، ولكن مع عدم التعارض مع دولتي المصب؛ إلا أن الإصرار الإثيوبي يواصل مساعيه لملء التخزين الخامس للمياه في سد النهضة، على أن يبدأ مع نهاية يوليو الجاري أو مطلع شهر أغسطس المقبل وحتى يوم 10 سبتمبر المقبل بإجمالي 23 مليار م³.

إن تصديق دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل “اتفاقية عنتيبي”، التي سعت وراءها إثيوبيا من أجل إعادة تقسيم المياه بين دول الحوض، حيث أقرت الاتفاقية 6 من دول منابع نهر النيل الـ 11، وهي: إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا، وبوروندي، إلى جانب جنوب السودان الآن، ليس في صالح العدالة الدولية في تقسيم مياه نهر النيل، والتي ينبغي أن تتم حسب تعداد السكان واحتياجاته واحتياجات الرقعة الزراعية.

ويحاول مركز “رواق” للأبحاث والدراسات في هذه الورقة تسليط الضوء على عدة محاور رئيسة؛ وهي: لماذا دخلت دولة جنوب السودان اتفاقية “عنتيبي” رغم علمها بالضرر الذي يقع على مصر والسودان؟ هل ضربت بعلاقتها الوطيدة مع مصر عرض الحائط؟ ماذا عن المساعدات التي تقدمها القاهرة ونقل الخبرة المصرية في العديد من المجالات إليها؟ ما الدوافع أو الضغوط التي جعلت جوبا تمتثل لهذه الاتفاقية المخالفة للمواثيق الدولية؟ كيف ستكون ردة الفعل أو الورقة التي تمتلكها القاهرة والخرطوم لمواجهة المخطط الأثيوبي المتعسف؟ وما القوى التي تقف خلف أديس أبابا في محاولة تقليل حصة مصر من المياه بدلاً من زيادتها لمواكبة الكثافة السكانية؟

تمسك مصر والسودان ودولة الكونغو الديمقراطية بالاتفاقيات الماضية:

تظل معارضة مصر والسودان ودولة الكونغو الديمقراطية مستمرة، حيث تتمسك الدول بالاتفاقيات المبرمة في أعوام مضت، وهي: 1902 و1929 و1959، التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، والتي يجب أن تزيد ولا تتقلص نظرًا لزيادة التعداد السكاني في مصر إلى ثلاثة أضعاف تقريبًا، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان. ولكن ثمّة علامات استفهام حول إجبار جنوب السودان على التصديق للاتفاقية، والتي ربما تأتي في ظل ما تمتلكه أديس أبابا من أوراق ضغط على جوبا.

يرى خبراء أن تصديق جنوب السودان على الاتفاقية لا يلزم مصر والسودان، وليس معناه فرض قرارات واقعية أو حتمية على الدولة المصرية؛ لأنها لا تعترف بالاتفاقية التي لا تعطي الحق بإقامة مشروعات تضر بالقاهرة والخرطوم، وأن التعاون بين دول حوض النيل هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة.

كما أن خطوة جنوب السودان من شأنها أن تقوي الموقف الإثيوبي المتعسف في سد النهضة، وتعطي إشارة بأن دول الحوض تتكتل ضد مصر. وأشار الخبراء إلى أن جوبا وقّعت لأنها دولة استوائية ولا تتأثر بالمياه ولديها فائض منه في منطقة السدود، وتأثير أزمة المياه عليها ضعيف. (الجزيرة).

خطوات القاهرة في التعامل مع الشح المائي:

هناك عدة خطوات أمام مصر يجب التطرق إليها، ومنها دوليًّا ضرورة مناشدة مجلس الأمن بعمل اتفاقية لعدم بناء سدود بدون موافقة كافة الأطراف، وذلك وفق الاتفاقية الماضية. كما يتطلب استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والري، واستنباط أصناف زراعية جديدة موفرة للمياه مع إنتاجية عالية وعائد مالي أكبر، وترشيد استخدام المياه الجوفية، وحسن إدارة استخدام المياه في الزراعة والصناعة. وضرورة تنفيذ بعض المشروعات المائية في دولتي السودان وجنوب السودان لزيادة إيراد النيل بكمية أكثر من 20 مليار م³ مثل قناة جونجلي في جنوب السودان، وترشيد الإنفاق وزيادة الإنتاج. (الجزيرة).

مخططات إثيوبيا للإضرار بمصر والسودان:

إن تطلعات إثيوبيا لم تقف عند هذا الحدِّ، وهذا ما ذكره مسؤول إثيوبي كبير؛ إذ تنوي إقامة 4 سدود، منها سد “كارادوبي”، الذي تخطط أديس أبابا لإقامته على النيل الأزرق، المورد الأساسي لنهر النيل في مصر. وتبلغ سعة هذا السد أكبر من سد النهضة، ويتم بناؤه خلال سنوات في حال توفير التمويل. حيث تتوافق هذه التأكيدات مع تصريحات تلفزيونية سابقة أدلى بها محمد العروسي، وزير المياه والطاقة الإثيوبي وعضو البرلمان الإثيوبي، بأن إثيوبيا ستبني سدودًا جديدة سدًا تلو السد على النهر تلو النهر، ولن توقفها أي قوة على وجه المعمورة.

شروط اتفاقية دول حوض النيل المعروفة بـ “عنتيبي”:

لقد اكتمل النصاب القانوني لتأسيس مفوضية حوض نهر النيل بتصديق جمهورية جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، المعروفة باسم “اتفاقية عنتيبي”. كانت 5 دول قد وقعت على الاتفاقية، وهي: إثيوبيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا، وبوروندي. ومع تصديق جنوب السودان، اكتمل النصاب القانوني للبدء بإجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يومًا من إيداع الجمهورية وثائق التصديق لدى الاتحاد الإفريقي. (الجزيرة).

وكان الجزء الثالث من الاتفاقية يشترط تصديق برلمانات 6 دول على الأقل لتأسيس المفوضية، التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا. ويُعتبر تأسيس المفوضية خطوة كبيرة في مسار تنفيذ “اتفاقية عنتيبي” التي ظلت متعثرة طوال 14 عامًا. وتتمثل أهمية المفوضية بأنها ستكون الجهة المسؤولة قانونيًّا عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، والتواصل مع كافة الجهات المسؤولة. كما سيتمثل دورها في تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام وعادل، بعيدًا عن نظام الحصص المائية السائد سابقًا. (الجزيرة).

وستكون الإطار القانوني والمؤسسي الذي يُرجع إليه في حالة الخلافات والنزاعات؛ بالإضافة إلى كونها منصة لإطلاق المشاريع التنموية المشتركة بين دول حوض النيل. يأتي ذلك بعد إعلان إثيوبيا في إبريل الماضي أن نسبة بناء سد النهضة، الذي يثير خلافات مع مصر والسودان، بلغت 95%.

خطوة صادمة لمصر والسودان.. ماذا بعد “اتفاقية عنتيبي”؟

اعترضت مصر والسودان على اتفاقية عنتيبي بوصفها تشكل نهاية للحصص التاريخية للدولتين في مياه نهر النيل، والتي كان يجب إعادة النظر في زيادة حصص المياه المتدفقة نظرًا لارتفاع الكثافة السكانية، وبدلًا من ذلك، جاءت المخططات لتحقيق العكس والإضرار بمصالح القاهرة والخرطوم.

وفي خطوة غير متوقعة، صادقت دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، المعروفة إعلاميًّا باسم: “اتفاقية عنتيبي”؛ مما أعاد الاتفاقية المثيرة للجدل إلى الواجهة من جديد. وفي 14 مايو 2010، وقعت دول إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، ورواندا على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، ثم انضمت كينيا وبوروندي إلى الاتفاقية لاحقًا. (الجزيرة).

لم تتم المصادقة على الاتفاقية رسميًّا إلا بعد نحو 3 سنوات من التوقيع، إذ صادقت عليها إثيوبيا في يونيو 2013، وتلتها رواندا في أغسطس من العام ذاته. وبعد عامين، وتحديدًا في 2015، صادقت تنزانيا على الاتفاقية، وتبعتها أوغندا في 2019، ثم بوروندي في العام 2023، في حين لم تصادق كينيا عليها رغم أنها كانت جزءًا من التوقيع الأولي. (يمن فيوتشر).

حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل:

تعارض مصر والسودان اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب. كما تقر هذه الاتفاقيات نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

يرى مختصون أن جنوب السودان، كدولة معتدلة، لم تصدق على اتفاقية عنتيبي خلال الـ 14 عامًا الماضية، ولذلك فإن موقفها الجديد سيولد شرخًا في علاقتها مع القاهرة. كما أن مصر لديها اعتراضات على الاتفاقية، لأنها تحتوي على بند يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب، أو حتى دون الإخطار المسبق.

يشير مراقبون إلى أن هذا البند يتعارض مع القوانين الدولية التي تنظم حق الانتفاع بالأنهار والمجاري المائية المشتركة بين الدول. وأي اتفاقيات منفردة تقوم بها بعض الدول دون موافقة أو إجماع من باقي الدول الأخرى تُعتبر خرقًا قانونيًّا ومخالفةً للأعراف والاتفاقيات الدولية التي أبرمت في الماضي. (يمن فيوتشر).

مبادرة حوض النيل 1999 واتفاقية عنتيبي.. ما الفرق؟

لا شك أن موقف دولة جنوب السودان سيعيد الخلافات حول مبادرة دول حوض النيل المكونة من 11 دولة، فمصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي ستعطي مشروعية لتأسيس مفوضية حوض النيل كأداة جديدة للإشراف على قضايا مياه النيل، بدلاً من سكرتارية مبادرة حوض النيل الموجودة في عنتيبي بأوغندا.

تأسست السكرتارية بناءً على مبادرة حوض النيل التي طُرحت في 1999، وكانت تجد قدرًا من التوافق والإجماع، على عكس المفوضية الجديدة التي ستكون بؤرة للخلاف بين دول المنبع ودول المصب؛ الأمر الذي يؤكد وجود أجندة سياسية دفعت دولة جنوب السودان إلى تغيير موقفها بعد 14 عامًا؛ كما أن الصراع لن يكون محصورًا على دول المنبع والمصب، بل ستدخل عليه دول أخرى لها مصلحة في مياه النيل.

ليس من المستبعد أن تنال مفوضية حوض النيل التي يتم تأسيسها وفقًا لاتفاقية عنتيبي “القبول والمساندة التامة” من الدول والمنظمات التي تعمل في مجال المياه والتنمية والتمويل، خاصةً من الدول التي تسعى إلى الإضرار بمصالح مصر والسودان الشمالي وعلى حساب شعبيهما. (يمن فيوتشر).

يشير بنود الاتفاقية إلى دخولها حيز التنفيذ بعد 60 يومًا من مصادقة 6 من الدول الأعضاء؛ مما قد يعني أن الاتفاقية أصبحت واقعًا عمليًّا بعد مصادقة جنوب السودان عليها. ترى دول المنبع أن مصادقة جنوب السودان تمنحها الحق في اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى دول المصب، ولكن “هذا غير صحيح” وغير ممكن وفقًا للقوانين الدولية الخاصة بإدارة المجاري المائية الدولية.

معركة قانونية وسياسية طويلة الأمدّ تنتظر دول المنبع:

يرى قانونيون أن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي لا تعني أن دول المنبع لها الحق في فرض قرارات أو إجراءات تضر بمصر والسودان. إذ تظل الاتفاقية مجرد توافق بين دول بعينها، ما لم يتم إيداعها لدى المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي ومؤسسات البنك الدولي المعنية بقوانين المياه وغيرها، لاعتمادها رسميًّا.

كما أن هناك معركة قانونية وسياسية طويلة تنتظر دول المنبع، لكي تصبح الاتفاقية واقعًا معترفًا به ومطبقًا. ومن المؤكد أن دول المصب لن تتخلى عن حصتها من المياه التي ضمنتها لها اتفاقيات تاريخية معترف بها إقليمياً ودوليًّا، لصالح اتفاقية حديثة، لا تخلو من الأجندة السياسية والمكايدات. (يمن فيوتشر).

اتفاقية عنتيبي شرخ في العلاقات بين دول المنبع والمصب:

إن تنفيذ اتفاقية عنتيبي دون توافق أو اتفاق سيؤدي إلى شرخ في العلاقات بين دول المنبع والمصب، وسيزيد من التفرقة. لا يُعتقد أن الاتحاد الإفريقي يسعى للتفرقة بين دول المنبع ودول المصب؛ ولذلك عليه أن يكون وسيلة لحل المشكلة وليس لتعقيدها. يجب عليه العمل على التوافق حول النقاط الخلافية في الاتفاق.

لا بد من دعوة مصر والسودان لمراجعة موقفهما الرافض للاتفاقية والتخلي عن التمسك بالاتفاقيات السابقة، خاصة أن دول المنبع تزعم بأنها ستضيف بندًا يلزمها بالإخطار المسبق لأي مشروعات تنوي تنفيذها إذا تخلّت مصر والسودان عن الاتفاقيات السابقة وعن الحديث عن الأمن المائي.

قوى معادية تقف خلف أديس أبابا لتقليل حصة مصر:

يرى وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن “دول حوض النيل ليست بحاجة إلى نصيب من حصتي مصر والسودان من مياه النيل”، مشددًا على أنها “في حاجة إلى التخلص من مياه الفيضانات ومشاكلها”. وقال علام عبر صفحته على “فيسبوك”: إن “بعض دول الحوض، وبتوجيهات دولية، تحاول خلق حالة دائمة من القلق خاصة لمصر، لأنها دولة تعتمد على نهر النيل”.

ولفت في الوقت ذاته إلى أن “مبادرة حوض النيل تعتبر أخطر محاولات الالتفاف من الغرب وبعض القوى الكبرى للوصول إلى توافق بين دول الحوض لإلغاء الاتفاقيات التاريخية وإلغاء الحصص المائية لمصر والسودان، وإعادة توزيعها، ووضع مصر تحت مقصلة الغرب”.  (يمن فيوتشر).

وأشار وزير الري المصري الأسبق إلى أن “مصادقة دولة جنوب السودان، التي لم تكن دولة مستقلة أثناء المفاوضات في 2010، لن تغير من موقف اتفاقية عنتيبي التي وُلدت ميتة، وما زالت ميتة بعد مرور 14 عامًا من محاولات الالتفاف على حقوق مصر والسودان”.

ترتبط مصر وجنوب السودان، التي انفصلت عن السودان في 2011، بعلاقات دبلوماسية رسمية، إذ اعترفت القاهرة مبكرًا بالدولة الوليدة. كما سبق أن زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جنوب السودان في نوفمبر 2020.

كان وزير الري المصري، هاني سويلم، قد افتتح في يونيو الماضي عددًا من المشاريع في جنوب السودان، أبرزها مشروع تطهير بحر الغزال من الحشائش المائية، بجانب تدشين مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية. (يمن فيوتشر).

لماذا دخلت دولة جنوب السودان في اتفاقية “عنتيبي”؟

لقد أثار تصديق دولة جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، والمعروفة باسم “عنتيبي”، قلقًا ومخاوف كبيرة في مصر، من قرب دخول الاتفاقية حيز النفاذ وتأسيس مفوضية حوض نهر النيل التي لا تعترف بحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل.

وحذر دبلوماسيون وبرلمانيون مصريون من خطورة هذه الخطوة في هذا التوقيت، واعتبروا أنها تستهدف التأثير على مصالح مصر المائية من خلال الضغط على جنوب السودان لقبول التصديق على الاتفاقية. (يمن فيوتشر).

يعود الجدل حول الاتفاقية إلى عام 2010، حين قادت إثيوبيا حملة بين دول حوض النيل (11 دولة) للموافقة على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، التي تُنهي الحصص التاريخية لمصر والسودان المقررة في اتفاقيات المياه مع دول حوض النيل. كما تفتح الاتفاقية الباب لإعادة تقسيم المياه بين دول الحوض وفقًا لمبدأ “الإنصاف المزعوم” من أديس أبابا.

وقد أقرت الاتفاقية 5 من دول منابع نهر النيل، وهي: إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا. يتطلب دخولها حيز التنفيذ تصديق ثلثي الدول المشاركة فيها. بينما رفضت مصر والسودان الاتفاقية ولم يوافقا عليها.

قامت رئيسة المجلس التشريعي الوطني الانتقالي بجنوب السودان (البرلمان)، جيما نونو كومبا، بتسليم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت 4 مشاريع قوانين للتوقيع عليها، بينها اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. (الشرق الأوسط).

يرى بعض خبراء المياه أن هناك ضغوطًا خفية على جوبا لتحقيق رغبة أديس أبابا ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ، رغم أنها تخالف المواثيق والأعراف الدولية؛ كما أن جنوب السودان، كونها دولة استوائية، قد لا تتأثر بشكل كبير بتقليل مياه نهر النيل مثلما يحدث لدولتي مصر والسودان.

كيف سيكون رد فعل القاهرة على اتفاقية دول حوض النيل؟

اعتبر نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، أن انضمام جنوب السودان لاتفاقية عنتيبي يدعم قرب دخول الاتفاقية حيز النفاذ. وقال إن الموقف المصري رافض للاتفاقية منذ الإعلان عنها، كما أن المطالب المصرية تتضمن ضرورة اتخاذ القرارات بالإجماع، وأن يجري الإخطار المسبق لأي مشروعات على نهر النيل حتى لا يحدث تأثير على حقوق دول المصب المائية.

يرجح أن يكون توقيت تصديق جنوب السودان على الاتفاقية يرجع إلى ضغوط إقليمية ودولية تستهدف التأثير على مصر. لكن من المتوقع أن يكون لمصر موقف تجاه أي تحرك يؤثر على مصالحها وحقوقها المائية، خاصة أن عدم تصديق مصر على الاتفاقية يعطيها فرصة لاتخاذ إجراءات في حال حدوث أي ضرر عليها.

الاتفاقية تكاد تكون معدومة وغير قابلة للتنفيذ:

يمكن القول بأن الاتفاقية تكاد تكون معدومة حتى كتابة هذه السطور وغير قابلة للتنفيذ لصعوبات أخرى. خصوصًا وأن العلاقات المصرية مع جنوب السودان وطيدة للغاية، وهناك مشروعات تعاون مختلفة بين البلدين. ففي نهاية يونيو الماضي، افتتح وزير الري المصري، هاني سويلم، عددًا من المشروعات المائية في جنوب السودان، منها مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، ومشروع تطهير بحر الغزال من الحشائش المائية، وعدد من آبار المياه الجوفية. كما سلمت مصر حكومة جنوب السودان 4 طائرات مساعدات إنسانية. (الشرق الأوسط).

أطراف دولية تحاول تقليص حصة مصر المائية:

لا شك أن الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية، لاسيما قضية السدود والمياه، ستكون محور حروب المياه المقبلة. كما أن المواقف المتعلقة باتفاقية عنتيبي تحركها قوى وأطراف تسعى لتقليص حصة مصر المائية من مياه النيل. هذه الإجراءات يمكن وصفها بأنها جزء من سياسة تتبعها دول وقوى تعادي مصر، وتحاول الضغط على دول أخرى للتأثير على أمن مصر القومي والمائي.

من هذا المنطلق، يمكن القول بأن إقدام دولة جنوب السودان على التصديق على الاتفاقية جاء بهدف الضغط على مصر، كجزء من سلسلة أحداث تؤثر على مصالحها. من بينها الوضع في السودان وليبيا، إضافة إلى التوترات في البحر الأحمر وباب المندب. إن موقف جنوب السودان يعد قرارًا سياسيًّا غير موفق، خاصة أن مصر كانت دائمًا من أكبر داعمي جنوب السودان على كافة الأصعدة.

ردود الفعل المصرية تجاه اتفاقية عنتيبي:

بالطبع لن تقف مصر مكتوفة الأيدي أمام اتفاقية عنتيبي الجديدة التي تسعى لطمس حقوقها المائية في نهر النيل. تمتلك مصر أدوات قانونية وسياسية للدفاع عن أمنها المائي، مثل آليات تسوية النزاعات السلمية المنصوص عليها في القانون الدولي، ومنها التفاوض أو الوساطة للوصول إلى حل توافقي.

يمكن لمصر الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري حول قانونية اتفاقية عنتيبي وتأثيرها على الحقوق التاريخية المكتسبة، مما يعزز التأييد الدولي لموقفها.

مصر تمتلك أيضًا آليات التحكيم الدولي المنصوص عليها في الاتفاقيات ذات الصلة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997، للوصول إلى حل يحافظ على حقوق الجميع.

انضمام جنوب السودان لاتفاقية عنتيبي يعكس محاولة إنهاء واقع الحصص المائية التاريخية لمصر والسودان، مما يهدد بحدوث صدام حقيقي. ولذلك، تدرك مصر ضرورة إعادة النظر في ثقتها المفرطة في الشركاء الإقليميين.

من ضمن التحركات المصرية المهمة، إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال، والتي قد تسهم في ضبط العلاقات مع إفريقيا بما يحافظ على حقوق مصر التاريخية في ملف مياه النيل.

تظل الاتفاقيات المبرمة في الأعوام 1902 و1929 و1959، التي ترفض الإضرار بدول المصب، “حجر عثرة” أمام أي اتفاقيات جديدة ما لم تتم بموافقة جميع دول المنبع والمصب. هذه الاتفاقيات تضمن لمصر 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، و18.5 مليار متر مكعب للسودان. 

أوراق أخرى تمتلكها الدولة المصرية وهي التحدث مع الشركاء والممولين الدوليين للسد الأثيوبي في تداعيات ذلك وتؤثر العلاقات معهم ما داموا مستمرون في دعم مشروع يخالف القانون والميثاق الدولي، وهو ما أكده عدد من الدول العربية والأجنبية حتى التي كانت تدعم مشروع السد في ضرورة الحفاظ على مصالح وحقوق مصر المائية، ولكن مهما حدث من مهاترات أو اتفاقيات، يجب ألا تصادق القاهرة على اتفاقية يمكنها التأثير سلبًا على حقوق مصر المائية والتاريخية، وحتى يتسنى لها الذهاب إلى مجلس الأمن أو التلويح باستخدام العمل العسكري تجاه بناء أي سدود مرة أخرى على نهر النيل، لا سيما أن تصديق مصر يعني الرضوخ لاتفاقية جائرة وظالمة، ولا ينبغي لها الاعتراض بعد ذلك. (الحرة).

إن اعتراضات مصر على الاتفاقية نظرًا لأنها تحوي بندًا يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب، أو حتى دون الإخطار المسبق، وأن هذا البند يخالف كافة المواثيق والقوانين الإقليمية والدولية التي تنظم حق الانتفاع بالأنهار والمجاري المائية المشتركة بين الدول.

الخاتمة: النيل.. صراعات لا تنتهي حول أطول نهر في العالم:

يعد نهر النيل أطول أنهار العالم، ويمر عبر 10 دول، ويمثل شريانًا طبيعيًّا مهمًا لإمدادات المياه والكهرباء فيها. ويشكل أيضًا سببًا لتوترات وصراعات يبدو أن لا نهاية لها، وبالتالي فإن موقف دولة جنوب السودان ودخولها لاتفاقية عنتيبي سيعيد الخلافات حول مبادرة دول حوض النيل المكونة من 11 دولة.

كما أن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي ستعطي مشروعية، لكنها في الوقت نفسه ستكون مشبوهة في تأسيس مفوضية حوض النيل كأداة جديدة للإشراف على قضايا مياه النيل، بدلًا من سكرتارية مبادرة حوض النيل الموجودة في عنتيبي بأوغندا. (الحرة).

وبالتالي، فلا تظن دول المنبع أن مصادقة جنوب السودان تمنحها الحق في اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى دول المصبّ، لأن ذلك قرار مخالف وغير صحيح، وغير ممكن وفقًا للقوانين الدولية الخاصة بإدارة المجاري المائية الدولية، لا سيما أن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي لا تعني أن دول المنبع لها الحق في فرض قرارات أو إجراءات تضر بمصر والسودان. (الحرة).

ووفق تقارير دولية، فإن مستقبل المياه في إفريقيا بات يمثل تهديدًا يلوح في الأفق، لا سيما أن القارة السمراء تعاني من موارد المياه العذبة المحدودة والنمو السكاني السريع، ومع توفر 0.4% فقط من المياه العذبة حول العالم في البحيرات والأنهار والرطوبة الجوية، وهو ما يستلزم التوزيع العادل للمياه بين الشعوب وليس الانفراد بقرارات متعجرفة لا تحترم حقوق الإنسان.

كما أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا تعتبر موطنًا لأكثر من ثلث سكان العالم الذين يفتقرون إلى المياه النظيفة والعذبة، وهي معرضة للخطر، وذلك بالتزامن مع ندرة المياه التي تعمل بالفعل على تأجيج الصراعات والحروب، التي لا يوقفها سوى احترام القانون الدولي وليس قانون الغابة الذي تحميه القوى الكبرى الظالمة.

الخلاصة:

  • نستخلص من هذا التقرير استمرار أديس أبابا في فرض سياسة الأمر الواقع على دولتي المصب: “مصر والسودان” بعد توقف المفاوضات الخاصة بسد النهضة؛ وهو ما يعني أنها خطوات ليست بهدف التنمية، وإنما للإضرار بمصالح مصر المائية والتاريخية.
  • إن مصر والسودان لم تعارضا مطلقًا التنمية في إثيوبيا والارتقاء بالشعب الإثيوبي؛ ولكن من خلال مفاوضات واتفاقيات وضوابط تضمن حقوق شعبيّ القاهرة والخرطوم من مياه نهر النيل.
  • دخول جنوب السودان في اتفاقية عنتيبي جاء كارثيًّا أو على الأقل غير موفق في الوقت الحالي، حيث سيضر بالتأكيد بعلاقتها مع القاهرة التي قدمت ولا تزال تقدم المساعدات وأيضًا نقل الخبرات إلى “جوبا”، ومع ذلك رضخت لضغوط إثيوبية وما يقف خلفها للإضرار بمصر في حقوقها المائية.
  • إن الإصرار الإثيوبي الذي يواصل مساعيه لملء التخزين الخامس للمياه في سد النهضة حتى يوم 10 سبتمبر المقبل بإجمالي 23 مليار م³ سيكون له تداعيات سلبية على الرقعة الزراعية في مصر بالتحديد وأيضًا على السودان.
  • بالطبع لقد استغلت أديس أبابا الأحداث المتدهورة في السودان وما تشهده الآن من شبه حرب أهلية، تلك التي فوّتت بلا شك جهود السودان مع القاهرة في ملء السد بشكل أحادي متعسف لا يحترم حقوق دولتي المصبّ “مصر والسودان”.
  • إن تصديق دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل “اتفاقية عنتيبي” مع 6 من دول منابع نهر النيل الـ11، وهي إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندي، لا يعني بالضرورة إلزام أو موافقة القاهرة والخرطوم؛ بل إنها مخالفة للقانون الدولي، ومن ثم فمن حق مصر والسودان استخدام كافة السبل والطرق الممكنة للحفاظ على حقوقهما المائية والتاريخية.
  • بالأخير.. يظل تمسك مصر والسودان ودولة الكونغو الديمقراطية بالاتفاقيات المبرمة في أعوام مضت؛ وهي: 1902 و1929 و1959، التي ترفض الإضرار بدول المصبِّ، “مسمارًا في نعش” أي اتفاقية منفردة أو من عدة دول من الدول الـ11، وبالتالي فأي اعتراف من منظمة دولية أو إقليمية مثل: الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة، يعني الانحياز الواضح لصالح دولة على حساب أخرى، ومن ثم عدم احترام القانون الذي يجعل للدولة في هذه الحالة حق الدفاع عن نفسها ولو حتى عسكريًّا أو بالقوة.

المصادر:

– الشرق الأوسط

الجزيرة

– يمن فيوتشر

– الحرّة

– اندبندنت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.