fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المبادرة الأمريكية لوقف حرب الفرقاء السودانيين.. فرص النجاح ودلالة التوقيت

0 41

المبادرة الأمريكية لوقف حرب الفرقاء السودانيين.. فرص النجاح ودلالة التوقيت

في خطوة غير متوقعة، أعلنت الولايات المتحدة في يوليو الماضي عن مبادرة دبلوماسية جديدة تهدف إلى وقف الصراع المستمر في السودان، والذي أثّر بشكل كبير على الوضع الإنساني في البلاد؛ تأتي هذه المبادرة في وقت حرج، حيث تتصاعد أزمات النزوح والاحتياجات الإنسانية في السودان.

المبادرة الأمريكية وأهمية توقيتها:

تستعد الولايات المتحدة لإطلاق مبادرة جديدة تهدف إلى إعادة إحياء المحادثات لوقف الحرب في السودان. وأرسل وزير الخارجية الأمريكي دعوة رسمية لقوات “الدعم السريع” والقوات المسلحة السودانية للمشاركة في محادثات لوقف إطلاق النار بوساطة أمريكية في 14 أغسطس (آب) في سويسرا.

وقال بلينكن: إن المحادثات المطروحة هي برعاية سعودية – سويسرية، على أن تشارك فيها أطراف أخرى: كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومصر، والإمارات بدور مراقب.

ونقلت مجلة “فورين بوليسي” عن مسؤولين في الخارجية الأمريكية، رفضوا الكشف عن أسمائهم، أنه في حال تعهد الطرفين المتنازعين بإرسال مفاوضين رفيعي المستوى، مع الالتزام جديًّا بإنهاء الصراع؛ فسوف يشارك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في المفاوضات، ويعد هذا في حال حصوله أعلى تمثيل دبلوماسي أمريكي في مساعي حل النزاع(1).

أهداف واضحة للمبادرة الأمريكية:

جاءت مبادرة الولايات المتحدة للعودة لإجراء المباحثات مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في وقت يشهد فيه السودان أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ خاصة وأن الملايين من المدنيين السودانيين على حافة المجاعة، حيث يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فضلًا عن نزوح أكثر من 11 مليون شخص قسرًا، وفقًا للأمم المتحدة؛ إضافة إلى تدمير البنية التحتية للبلاد، ومقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وإصابة آخرين.

وعليه، تهدف واشنطن إلى عقد المباحثات مع طرفي الصراع من أجل التوصل إلى وقف القتال والانتهاكات العنيفة التي يعاني منها الشعب السوداني، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية، والتشديد على ضرورة تطوير آلية قوية للرصد والتحقيق لضمان تنفيذ أي اتفاق بين طرفي الصراع؛ لذلك تصر واشنطن على حضور طرفي الصراع للمحادثات لحماية المدنيين وإنقاذ أرواحهم، وإيجاد حل سلمي لوقف القتال، في ظل المعاناة الإنسانية والدمار في البلاد.

كما أكد وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” أن المحادثات “لا تهدف إلى معالجة القضايا السياسية الأوسع”، مؤكدًا على ضرورة لعب المدنيين دورًا قياديًّا في تحديد عملية معالجة القضايا السياسية، واستعادة التحول الديمقراطي في السودان(2).

الأطراف المتوقع دعوتها ونظرتهم للمبادرة:

في المبادرة الأمريكية لإنهاء الصراع في السودان، من المتوقع أن تشمل الدعوة الأطراف التالية:

1- القوات المسلحة السودانية (الجيش السوداني):

نظرتهم للمبادرة: الجيش قد يكون مترددًا في قبول أي مبادرة قد تؤدي إلى تقليص نفوذه، خاصة إذا تضمنت إشراك قوى مدنية في الحكم. ومع ذلك، قد يكون الجيش مستعدًا للنظر في المبادرة إذا كانت تتضمن ضمانات بمراعاة مصالحه الأمنية والسياسية.

2- قوات الدعم السريع (الجنجويد):

نظرتهم للمبادرة: هذه القوات قد تكون متحفظة حيال المبادرة إذا شعرت بأنها قد تؤدي إلى محاسبة قادتها أو تقويض وجودها كقوة عسكرية. ومع ذلك، قد تنظر إلى المبادرة كفرصة للتفاوض على وضع مستقبلي آمن لقادتها وأعضائها.

3- قوى الحرية والتغيير:

نظرتهم للمبادرة: من المتوقع أن تدعم قوى الحرية والتغيير المبادرة إذا تضمنت ضمانات بعودة السلطة المدنية وإبعاد العسكريين عن الحكم؛ هذه القوى قد ترى في المبادرة فرصة لاستعادة العملية الديمقراطية التي تعثرت.

4- الحركات المسلحة في دارفور وجنوب السودان:

نظرتهم للمبادرة: الحركات المسلحة قد تكون مستعدة لدعم المبادرة إذا تضمنت تعويضات عن النزاعات السابقة وضمانات لمشاركتها في الحكم، وضمان تحقيق العدالة الانتقالية.

5- المجتمع الدولي (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة):

نظرتهم للمبادرة: المجتمع الدولي سيعزز المبادرة كوسيلة لوقف الصراع وتقليل التأثيرات الإنسانية واللاجئين؛ قد يعملون على دعم المبادرة بالدبلوماسية أو بفرض عقوبات على الأطراف الرافضة لها.

6- الاتحاد الإفريقي:

نظرتهم للمبادرة: قد يرى الاتحاد الإفريقي المبادرة كمحاولة إضافية من القوى الخارجية لحل مشكلات القارة. قد يطالب بمشاركة أكبر في إدارة وتنفيذ المبادرة.

النظرة العامة:

كل طرف سيحاول توجيه المبادرة بما يخدم مصالحه؛ النجاحات أو الفشل تعتمد على مدى استعداد هذه الأطراف لتقديم تنازلات وحلول وسط.

حسابات طرفي الصراع على أرض الواقع السوداني:

سعى طرفا الصراع السوداني إلى التعاطي مع تطورات المستوى الميداني الأخيرة، وتوظيفها في صالح تحقيق عدد من الأهداف، وفقًا لحسابات كل منهما، وذلك على النحو الآتي:

1- حسابات الجيش السوداني:

عمد قادة الجيش إلى توظيف تقدمهم الميداني في الشهور الثلاثة الأخيرة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية:

الأول: تعزيز ثقة عناصر القوات المسلحة في القيادة الحالية، ورأب الصدع الداخلي الذي خرج للعلن بعد إلقاء الجيش القبض على عدد من ضباطه بأم درمان في يناير 2024، وإحباط محاولة انقلابية.

الثاني: رغبة قادة الجيش في تحسين وضعيتهم التفاوضية قبل البدء في أي جولة مباحثات جديدة، وذلك بعدما أيَّدت أطراف مفاوضات المنامة مسودة اتفاق لم تُلبِّ تفضيلات الجيش التفاوضية، حيث نصت على وقف إطلاق النار بناءً على تجميد الوضعية القتالية الحالية لطرفي النزاع، وهو بند يلقى ترحيباً من جانب “الدعم السريع”، بينما يرفضه قادة الجيش.

الثالث: يختلف قطاع واسع من الجيش مع تعامل مسودة اتفاق المنامة مع قادة الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة بشكل متساوٍ على صعيد عملية إصلاح المؤسسة العسكرية، في وقت يُفضِّل قادة الجيش إشرافهم على هذه العملية.

ربما جاء توقيع الجيش المبدئي على مسودة المنامة بهدف كسب الوقت إلى حين تحقيق تفوّق عسكري، ولا يعكس ذلك بالضرورة تغييراً في توجهاته المُعلنة منذ بدء النزاع؛ إذ حرص قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه شمس الدين كباشي على تجديد تمسكهم بخروج الدعم السريع من المدن، خلال تصريحات مختلفة أطلقها الاثنان في أعقاب النكوص عن توقيع الاتفاق.  

وأعقب التراجع عن اتفاق المنامة تأكيد وزير الخارجية السوداني المُكلف، علي الصادق، التمسك بمنبر جدة بوصفه إطاراً للتفاوض مع “الدعم السريع”، من منطلق أن هذا المنبر سبق أن حظي بموافقة طرفيّ القتال على الترتيبات الخاصة بإبعاد المظاهر العسكرية عن المدن، في إعلان صدر في مايو 2023، بعد وساطة أمريكية-سعودية، قبل أن تتعثر آخر جولاته التفاوضية في ديسمبر 2023.

أما الهدف الثالث للجيش فيتمثل في تمتين روابطه مع الحركات المسلحة، التي يسعى إلى التعاون معها في سبيل تعضيد قدرته على هزيمة الدعم السريع، وتكريس صورته بوصفه جيشًا وطنيًّا متماسكًا، فعمد عبد الفتاح البرهان إلى زيارة معسكر تدريب أقامته حركة العدل والمساواة (جبريل إبراهيم) بولاية كسلا، بعد ما أبدى مبارك أردول، القيادي بتحالف الكتلة الديمقراطية، انفتاحهم على التحاور مع “الدعم السريع”، عوضاً عن الاكتفاء بالدعم السياسي والعسكري للجيش.

وتعد العدل والمساواة من أبرز أعضاء الكتلة، ودأبت الأخيرة على اتخاذ مواقف سياسية داعمة للجيش في النزاع، وتتمتع بأهمية نسبية بحكم أنها تضم عدداً من الحركات المسلحة بدارفور، فضلاً عن مجموعات قبلية كبيرة بشرق السودان، مثل قبائل الهدندوة.

2- حسابات قوات الدعم السريع:

حاولت قوات الدعم السريع حماية مكاسبها التفاوضية في المنامة، وسعت إلى الحفاظ على صورتها بوصفها قوة متفوقة عسكريًّا في النزاع، عبر تكذيب رواية الجيش المتعلقة بتحقيقه تفوقًا عسكريًّا بأم درمان، واتهام عناصره بارتكاب جرائم “إرهابية”، والربط بينه وبين التيارات الإسلامية المتشددة؛ كما سعت إلى دفع الأطراف الخارجية نحو تكثيف الضغوط على الجيش للقبول بتنفيذ مضمون اتفاق المنامة، أو تحقيق هدنة إنسانية على الأقل، وهو ما تشير إليه تصريحات أطلقها إبراهيم مخير، مستشار قائد الدعم السريع، في فبراير 2024، عقب إعلان البرهان تمسكه بخيار الحسم العسكري؛ إذ دعا مخير المجتمع الدولي إلى التدخل لفرض السلام في السودان.

واتساقًا مع رغبتهم في فرض أجندتهم على طاولة المفاوضات، سعى قادة الدعم السريع إلى التخفيف من الانعكاسات السياسية التي قد تترتب على تقدم الجيش بالعاصمة، وقللوا من أهمية مكاسبه العسكرية في أم درمان؛ كما اتجهت قوات الدعم السريع إلى توسيع سيطرتها على ولاية الجزيرة القريبة من الخرطوم، وربما جاء هذا التحرك أيضاً بغرض إيجاد طرق إمداد بديلة للقوات الموجودة في وسط العاصمة.

غير أن فرص نجاح قوات الدعم في تحقيق أهدافها السابقة يقابلها عدد من المعوقات، أهمها صعوبة تعظيم مكاسبها العسكرية بعد تعرض عدد من خطوط إمداداتها لاضطرابات مختلفة نتيجة حدوث قلاقل سياسية وأمنية ببعض دول الجوار السوداني مثل تشاد، رغم احتفاظها بطرق إمدادها في جنوب وشمال غرب البلاد، وتتعقد فرص نجاح قوات الدعم السريع في تحقيق مطالبها التفاوضية أيضًا على خلفية تصاعد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب، من قبل أطراف دولية ومحلية، ومنها أطراف محسوبة على تنسيقية “تقدم”؛ مثل: حزب الأمة القومي، وكذلك واشنطن، التي أعلنت عن رغبتها في عدم صياغة ترتيبات المشهد السياسي السوداني بناءً على نتائج المواجهات العسكرية.

وتستخدم واشنطن ورقة الانتهاكات بحق المدنيين وسيلةً للضغط على طرفي النزاع، ولوحت الإدارة الأمريكية باحتمال اتجاهها إلى مجلس الأمن الدولي، لبحث معاقبة طرفي النزاع على انتهاكاتهم، وذلك بعدما جددت في فبراير 2024 عزمها التعاون مع الأطراف الدولية في سبيل تمكين القادة المدنيين بالسودان. وتشي هذه التحركات بأن واشنطن تفضل أن يؤول النزاع إلى تشكيل حكومة مدنية، بالتنسيق مع القوى السياسية السودانية المناوئة للحركة الإسلامية.

وكان حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، قد سعى إلى موازنة هذه الضغوط من خلال محاولته تعزيز الاعتراف الإقليمي بشرعية مواجهة قواته للجيش، وزار عدداً من الدول الأعضاء بمنظمة الإيقاد، إذ تملك الأخيرة مبادرة خاصة بها لوقف القتال. وتكللت هذه التحركات بموافقة دول المنظمة على مشاركة قائد الدعم السريع بصفة رسمية في قمة عقدتها المنظمة في يناير 2024، ما تسبب في إعلان الجيش السوداني تجميد عضويته فيها(3).

الحل في إفريقيا لا في أمريكا:

إن الأمريكيين لديهم مبادرة في جدة (المبادرة السعودية الأمريكية)، وهي لم تحقق خطوات متقدمة، وما زالت تراوح مكانها، وطرح مبادرة جديدة يؤدي إلى إهدار وقت إضافي، خاصة وأن السودان أصبح على شفير الهاوية.

بالتالي، فإن الوضع لا يحتمل طرح مبادرات جديدة؛ الصحيح أن الناس تذهب في المبادرات المطروحة، ومن وجهة نظري: فإن المبادرة الجديدة لن تضيف شيئًا جديدًا، وإنما تعطل وتوقف فعاليات المبادرات الحالية.

إن مشكلة حرب السودان الحالية حلها في إفريقيا، وعلى الولايات المتحدة والسعودية وغيرها من الدول دعم الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية التي لديها خبرات في حلحلة المشاكل السودانية ودعمها والضغط على الأطراف المتحاربة ودفعهم إلى طاولة الحوار والتفاوض؛ فأي طريقة غير ذلك، أعتبرها فاشلة وغير مثمرة، وتطيل أمد الحرب.

أوراق ضغط حقيقية:

كذلك، فإن الولايات المتحدة تمتلك أوراق ضغط حقيقية لوقف الحرب، خاصة وأن واشنطن لديها علاقات قوية مع عدد من الدول التي تعمل من أجل نفس الهدف.

ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تحركات لمفاوضات تبدأ أولًا بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية؛ لأن مسألة المجاعة أصبحت الأمر الضاغط والعاجل والحيوي فيما يتعلق بالحرب السودانية؛ فوجود أكثر من 25 مليون سوداني، بينهم 9 ملايين طفل، مهددين بالمجاعة الشاملة في سبتمبر 2024، بالإضافة إلى فشل الموسم الزراعي وتمدد الحرب في مناطق جديدة في البلاد؛ بالتالي: من المتوقع أن تتحرك الدبلوماسية في الأيام المقبلة لإطلاق عملية تفاوض لإنهاء أزمة الحرب في السودان(4).

دلالة التوقيت لطرح المبادرة الأمريكية:

إعلان المبادرة في هذا التوقيت يحمل دلالات مهمة:

1- الوضع الإنساني المتدهور: مع تزايد الأزمة الإنسانية، يشير التوقيت إلى رغبة الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة الوضع قبل تفاقمه أكثر. الحماية المدنية وتخفيف المعاناة يعتبران أولويات رئيسية.

2- الاهتمام الدولي: تأتي المبادرة في وقت يتزايد فيه الاهتمام الدولي بالصراعات الإقليمية. قد تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دورها كوسيط رئيسي في النزاعات الإقليمية وتعزيز نفوذها على الساحة الدولية.

3- الانتخابات الأمريكية: قد يكون توقيت المبادرة مرتبطًا بالاستحقاقات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة. تعزيز صورة الإدارة الحالية كداعم للسلام في الأزمات العالمية قد يكون له تأثير إيجابي في الداخل الأمريكي.

منهجية الولايات المتحدة الأمريكية في المبادرة:

من المتوقع أن تنطلق المحادثات الجديدة في سويسرا، في إطار مرحلتين مترابطتين ضمن عملية واحدة شاملة ونهج متكامل:

المرحلة الأولى: وقف الحرب بالتزام أطرافها بإنهاء الكارثة الإنسانية ووقف الانتهاكات وحماية المدنيين برقابة على الأرض.

المرحلة الثانية: إنهاء الحرب بمخاطبة جذورها وتأسيس الدولة.

وأهمية المبادرة الجديدة في سويسرا تكمن في أنها مدعومة من مجلس الأمن؛ خاصة أن الأوضاع الجيوسياسية في البحر الأحمر وما خلفه من تطورات متسارعة تعد دافعًا حيويًّا للاهتمام الدولي بوقف الحرب بأسرع ما يمكن، وفق المراقبين(5).

ردود فعل الداخل السوداني والمعوقات التي تواجه المبادرة:

كان موقف “الدعم السريع” واضحًا، حيث رحبت مجموعة حميدتي بالمشاركة في مباحثات سويسرا، وفي المقابل اتسم موقف الجيش بالغموض، في حين رحبت العديد من القوى السياسية والمدنية بالمبادرة. يتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً فيما يلي:

ترحيب “الدعم السريع” بالمشاركة في المباحثات: جاء رد “الدعم السريع” من خلال الموقع الرسمي على منصة “أكس” حيث رحب محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بالدعوة التي أعلن عنها “بلينكن”، مؤكدًا على مشاركته في محادثات وقف إطلاق النار في 14 أغسطس القادم بسويسرا. وأشاد بالجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وسويسرا للمشاركة في المحادثات، مشيرًا إلى مشاركته مع المجتمع الدولي في الهدف المتمثل في وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى تطوير آلية قوية للرصد والتحقيق لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه. كما أكد حميدتي استعداده للتعاطي مع المحادثات بشكل بناء، والتطلع إلى تشكيل خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار لتأسيس دولة سودانية جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحكم الفيدرالي، الأمر الذي يجعل موقف الميليشيا قويًا أثناء المحادثات برغم الانتهاكات التي ارتكبتها في حق الشعب السوداني.

غموض موقف الجيش السوداني من المشاركة: جاء رد الجيش السوداني غامضًا، حيث أكدت وزارة الخارجية السودانية على تلقيها دعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أنها ستجري مشاورات مع جهات أخرى لحسم موقفها من حيث الشكل والمضمون.

وعليه، في حال تعهد طرفي النزاع بإرسال مفاوضين رفيعي المستوى، مع الالتزام بجديه إنهاء الصراع، فسوف يشارك وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” في المفاوضات، ويعد هذا الأمر أعلى تمثيل دبلوماسي أمريكي في مساعي حل النزاع، وفقًا لمجلة “فورين بوليسي”.

ترحيب القوى السياسية والمدنية: رحبت القوى السياسية والمدنية بالمبادرة الأمريكية، مؤكدين أن هذه الخطوة امتداد لمساعي الجهود الأمريكية المستمرة لوقف الحرب، وشددوا على ضرورة قبول الدعوة من قبل الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، أكدت بعض القوى أن نجاح المبادرة مرهون بالضغط على أطراف الصراع.

المبادرات السابقة وأسباب فشلها في وقف التدهور:

منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان، طرحت أطراف دولية وإقليمية 9 مبادرات لوقف الحرب، لكن جميعها لم ينجح حتى الآن في حل الأزمة.

منبر جدة: انطلق في 6 مايو 2023، أي بعد أقل من شهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. جرت المفاوضات بتنسيق بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. عقد منبر جدة ثلاث جولات كان آخرها في ديسمبر 2023. هناك جهود لدفع الطرفين للعودة إلى المنبر، حيث سلمت السعودية رسالة بهذا الخصوص لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

مفاوضات المنامة: جرت في الفترة ما بين نوفمبر 2023 ويناير 2024 مفاوضات بين ممثلي الجيش والدعم السريع في العاصمة البحرينية المنامة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وأحيطت بسرية تامة، قبل أن تكشف عنها وزارة الخارجية الأمريكية في فبراير 2024.

محاولات إفريقية: أجرى الاتحاد الإفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد” 6 محاولات، كانت الأولى في مايو 2023، أي بعد أسابيع قليلة من اندلاع القتال. كانت الثانية في 12 يونيو 2023، حيث عقد رؤساء الدول الأعضاء في “إيغاد” قمة استثنائية في العاصمة الجيبوتية. أعقبها دعوة قدمتها اللجنة الرباعية الإفريقية لطرفي القتال للاجتماع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. عقد الاجتماع في العاشر من يوليو 2023، لكن وفد الجيش قاطع الاجتماع احتجاجاً على رئاسة كينيا للجنة الرباعية.

وفي 9 ديسمبر 2023، عقدت “إيغاد” قمة استثنائية ثانية في جيبوتي. وبعد نحو شهر من القمة، شكّل الاتحاد الإفريقي آلية رفيعة المستوى تضم محمد شمباس، الممثل السامي للاتحاد الإفريقي لإسكات البنادق، وسيمبيوسا وانديرا، نائب رئيس أوغندا الأسبق، وفرانسيسكو وانديرا، الممثل الخاص السابق للاتحاد الإفريقي إلى الصومال. وكُلفت اللجنة بالعمل مع جميع الأطراف من أجل استعادة السلام عبر الخطة الإفريقية.

وفي 20 يناير 2024، عقدت “إيغاد” قمة ثالثة في العاصمة الأوغندية كمبالا، وحددت أسبوعين لعقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع لوضع حد للحرب، لكن السودان أعلن تجميد عضويته في المنظمة، وذلك بعد ساعات من القمة.

وتمثلت آخر محاولة في سلسلة المبادرات الإقليمية والدولية في المؤتمر الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة خلال يومي السادس والسابع من يوليو 2024 تحت شعار “معًا من أجل وقف الحرب”، بمشاركة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، الرافضة للحرب، وممثلي عدد من الكيانات المكونة لمجموعة الكتلة الديمقراطية الداعمة للحرب، والتي تشارك بعض مكوناتها بقوات تقاتل إلى جانب الجيش.

مقررات ومخرجات بلا تنفيذ:

بعد خمسة أيام من انطلاق الجولة الأولى من مفاوضات منبر جدة، وقع الطرفان اتفاقًا لوقف إطلاق النار، لكنه سرعان ما انهار خلال ساعات. وشملت أبرز نقاط الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في منبر جدة، والتي لم يلتزم الطرفان بتنفيذها حتى الآن، ما يلي:

– الالتزام بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية.

– انسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، والسماح بدفن الموتى باحترام.

– القبض على عناصر النظام السابق الفارين من السجون عقب اندلاع القتال.

– كما توصل الطرفان خلال مفاوضات المنامة إلى اتفاق مبدئي من 21 بندًا تم التوقيع عليه بين رئيسي وفدي التفاوض، وشملت أهم البنود:

وقف العدائيات وإبقاء قوات كل طرف في مواقعها بحسب ما اقترحه خبراء دوليون.

بناء وتأسيس جيش مهني وقومي من جميع القوات (الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة)، والنأي بالقوات المسلحة عن تبني أي أيديولوجيا أو انتماء حزبي.

تفكيك تمكين نظام الإخوان الذي حكم البلاد منذ انقلاب 1989 وحتى سقوطه في إبريل 2019.

القبض على الفارين من السجون وتسليم المطلوبين.

وخلال المحاولات الست التي أجراها، أعلن الاتحاد الإفريقي تبنيه خطة لحل الأزمة تتكون من ست نقاط، تشمل:

– وقف إطلاق النار الدائم.

– تحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.

– إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترًا عن المدن.

– نشر قوات إفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية.

– إضافة إلى معالجة الأزمة الإنسانية.

– البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

وأعلنت قمة جيبوتي في بيانها الختامي موافقة البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو على اللقاء وجهًا لوجه لمناقشة مقترح الوقف الدائم لإطلاق النار بدون شروطٍ مسبقة وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، لكن اللقاء لم يعقد حتى الآن؛ ففي حين وافق حميدتي عليه، رفضه البرهان، وأعلن السودان تجميد عضويته في المنظمة(6).

أسباب فشل كافة المبادرات والتوسطات:

هناك أربعة أسباب رئيسية لفشل الجهود الدولية والإقليمية التي جرت حتى الآن، وتتلخص تلك الأسباب في:

– عدم جدية طرفي القتال في الوصول إلى السلام.

– تعدد المنابر.

– عدم وجود آليات فاعلة لإجبار الطرفين على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

– إضافة إلى الاعتقاد السائد بنفوذ عناصر تنظيم الإخوان داخل الجيش، وهو ما يوضحه الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة السابق ورئيس الجبهة الثورية، لموقع “سكاي نيوز عربية”، بالقول: “لن تنجح أي مبادرة طالما الجيش لم يفك الارتباط مع تنظيم الإخوان”(7).

لماذا يتوقع أن تكون المبادرة الأمريكية مختلفة والعوامل التي يمكن أن تكون سببًا في نجاحها؟

إن إعلانًا من هذا النوع يعد مغامرة كبيرة؛ لأنه ليس هناك أي ضمان بمشاركة الأطراف المعنية، ولكن هذه المساعي الأميركية تشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك أن السودان في مرحلة حاسمة، ما يفسر سبب اعتمادها على خطوة محفوفة بالمخاطر كهذه؛ فإن نجاح هذه المحادثات يعتمد على قدرة واشنطن على التحكم في تأثيرات الدول الخارجية المرتبطة بالصراع، بينما تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى ممارسة الضغط على الأطراف المعنية للوصول إلى اتفاق والمحافظة على هذا الضغط.

المهمة ليست سهلة، وستحتاج أميركا إلى توازن دقيق يتطلب جهودًا دبلوماسية من الطراز الرفيع، وهو ما كان مفقودًا حتى الآن من الجانب الأميركي؛ بالإضافة إلى الحاجة إلى تهديد جدي بفرض تداعيات على الأطراف لرفضها اتفاق سلام.

ولا شك أن المبادرة الأميركية الجديدة تُعتبر تطورًا إيجابيًا بناءً على التجاهل الأميركي السابق لهذا الملف. والوقت لا يزال مبكرًا جدًّا لتحديد مدى نجاح هذه المبادرة، أو ما إذا كانت تختلف عن الجهود السابقة في جدة أو أديس أبابا أو القاهرة؛ كما أن الاختلاف الأساسي هنا يكمن في أن هذا المسار سيكون بقيادة أمريكية رفيعة المستوى، لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الطرفان ملتزمين فعلًا بمفاوضات جادة تهدف إلى وقف إطلاق النار(8).

الخلاصة:

يمكن القول: إن المبادرة الأمريكية الجديدة قد تكون حاسمة أكثر من أي وقت مضى، في حال استخدمت واشنطن أوراق ضغط قوية على طرفي الصراع لوقف القتال، بمشاركة كلٍّ من الفاعلين الدوليين والإقليميين من أصحاب النفوذ كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومصر، والإمارات، والسعودية، التي قد تلعب دورًا مؤثرًا في الضغط أيضًا على الجيش السوداني والدعم السريع.

ومع ذلك لا بد أن تخضع الإرادة السياسية السودانية (طرفي الصراع) للمفاوضات، والتخلي عن الأطماع السياسية التي أدت إلى تدمير السودان، وبالتالي فإن استجابة الطرفين لهذه المحادثات خطوة مهمة وحاسمة للبلاد؛ خاصة مع تصاعد الانتهاكات الإنسانية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، الأمر الذي قد يحول الأزمة السودانية إلى كارثة تؤدي إلى تمزيق السودان وانهياره.

المصادر:

1_ الشرق الأوسط.

2_ مركز رع للدراسات.

3_ مركز الإمارات للدراسات.

4_ العين.

5_ أخبار السودان.

6_ سكاي نيوز.

7_ سبوتنك.

8_ الصيحة. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.