fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تنامي القوة البحرية الصينية.. زاوية جديدة من الصراع الأمريكي الصيني

36

تنامي القوة البحرية الصينية.. زاوية جديدة من الصراع الأمريكي الصيني

على مدار عقود ماضية، ظلَّت الولايات المتحدة الأمريكية متربعة على قمة الهرم الصناعي للغواصات والبوارج والسفن، ولكن كما هو معتاد، ظهر التنين الصيني ليقول كلمته في الصناعة الإستراتيجية، والتي تعتبر من أهم وأبرز الصناعات الأمريكية؛ لما لها من أهمية خاصة في تكوين أساطيل الجيش الأمريكي وحلفائه.

وكانت المنظومة البحرية الأمريكية من أهم التقنيات التي تفتخر بها الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن الصين كانت تواجه صعوبات في اكتشاف الغواصات الأمريكية وتجد صعوبة في التقاط إشارات السفن الحربية عبر الرادارات. وكانت الصناعة الأمريكية تتحرك في صمت في ظل افتقار الغواصات الصينية إلى هذه التقنيات، لكن يبدو أن هناك تطورات تشير إلى أن “عصر هيمنة واشنطن المطلقة على المياه المحيطة بالصين ينتهي”.

وذلك لأن بكين تعمل حاليًا على تضييق واحدة من أكبر الفجوات التي تفصل بين الجيشين الأمريكي والصيني، وهي تحرز تقدمًا كبيرًا في تكنولوجيا الغواصات والسفن وقدرات المراقبة تحت سطح البحر، مما يؤثر بشكل كبير على التخطيط العسكري الأمريكي حال وقوع صراع في تايوان.

وفي وقت سابق من العام الجاري، أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية أن الصين دشنت غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية، ومزودة بنظام دفع بالمضخات النفاثة بدلًا من المحركات المروحية، وهي المرة الأولى التي تُرصد فيها تقنية الحد من الضوضاء، المستخدمة في أحدث الغواصات الأمريكية، في غواصة صينية.

وقبل ذلك ببضعة أشهر، أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية لقاعدة تصنيع غواصات تعمل بالطاقة النووية في مدينة هولوداو، شمال شرق الصين، أجزاءً من جسم غواصة في المجمع. وكان هذا الجسم أكبر من أي غواصة صينية موجودة حاليًا؛ كما انتهت بكين من قاعة بناء حديثة ثانية داخل المجمع عام 2021، ما يشير إلى وجود خطط لزيادة الإنتاج(1).

القوة البحرية وما تمثله للدول العظمى:

إن الدولة ذات القوة البحرية تفهم أن ثروتها وقوتها مستمدة أساسًا من التجارة البحرية؛ كما أنها تستخدم أدوات القوة البحرية لتعزيز وحماية مصالحها، وتسعى الدولة ذات القوة البحرية، قدر الإمكان، لتجنب الانخراط المباشر في الحروب البرية.

لم يكن هناك سوى دول بحرية قليلة بحق في التاريخ؛ أبرزها: بريطانيًّا العظمى، وجمهورية هولندا، والبندقية، وقرطاج؛ أما اليوم: فيصعب تقدير مدى التحول الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية أو سرعته، حيث دمرت الحرب جميع القوى العالمية التي عارضت مفهوم “حرية البحار”، أو تركتها في حالة عوز وحرمان، وقد برزت كلٌّ من: الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، المناصرتين التقليديتين لحرية البحار، ليس فقط بوصفهما قوى منتصرة، بل أيضًا باعتبارهما تمتلكان هيمنة بحرية طاغية؛ إذ كانت قواتهما البحرية معًا أضخم من كل القوات البحرية الأخرى في العالم مجتمعة بنهاية الحرب العالمية الثانية، وحينها لم تصبح حرية البحار مجرد فكرة، بل صارت واقعًا ملموسًا.

ازدهرت التجارة في مثل هذه البيئة الآمنة، وبلغ نمو الاقتصاد المُعَولم، الذي سمح بالوصول الأسهل والأرخص للغذاء والطاقة والعمالة والسلع على اختلاف أنواعها، من نحو ثمانية تريليونات دولار عام 1940 إلى أكثر من 100 تريليون دولار بعد 75 عامًا تالية (الأرقام مُعدَّلة حسب فرق التضخم)؛ بيد أن نجاح هذا المشروع هو تمامًا ما يهدد مستقبله حاليًا، إذ لم تعُد الولايات المتحدة تستثمر في أدوات النفوذ البحري كما فعلت يومًا ما.

فقد بدأت صناعة السفن التجارية الأمريكية تفقد حصتها من السوق العالمية في ستينيات القرن الماضي لصالح بلدان ذات عمالة أرخص، ولصالح تلك البلدان التي أعادت بناء قدراتها الصناعية بعد الحرب، وتسارع تراجع بناء السفن الأمريكية بعد تولي الرئيس رونالد ريغان الرئاسة عام 1981، ففي إشارة إلى دعم مبادئ السوق الحرة، بدأت إدارة ريغان في تقليص الدعم الحكومي الذي لطالما دعم الصناعة الأمريكية.

وفي عام 1977، صنع بناة السفن الأمريكيون أكثر من مليون طن من السفن التجارية، ولكن بحلول عام 2005، انخفض هذا العدد ليصل إلى 300 ألف طن؛ أما اليوم فتُبنى معظم السفن التجارية في الولايات المتحدة لصالح عملاء حكوميين؛ مثل: الإدارة البحرية، أو لصالح جهات خاصة يجب عليها شحن بضائعها بين موانئ الولايات المتحدة في سفن تحمل العلم الأمريكي.

وسَّعت الصين كلًّا من قدراتها التجارية وبناء السفن البحرية، وضاعفت حجم القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي ثلاثة أضعاف، واستثمرت في صواريخ وأجهزة استشعار طويلة المدى.

قوة البحرية الأمريكية ومدى انكماشها:

إن القوات البحرية الأمريكية آخذة في الانكماش هي الأخرى؛ فبعد الحرب العالمية الثانية، تخلصت البحرية من الكثير من سفنها، وأرسلت غيرها الكثير إلى أسطول “احتياط الاستعداد”، فيما عُدَّ فعليًّا نوعًا من التخزين النهائي. وعلى مدار العقدين التاليين، تأرجح قوام الأسطول البحري النشط حول ألف سفينة تقريبًا، لكن بداية من عام 1969، بدأ العدد الكلي في الانخفاض، وبحلول عام 1971، جرى تخفيض الأسطول ليصل إلى 750 سفينة.

وبعد ذلك بعشر سنوات، انخفض العدد مرة أخرى إلى 521 سفينة، وأثناء إدارة ريغان، الذي وعد في حملته الرئاسية عام 1980 بإعادة بناء القوات البحرية لتصل إلى 600 سفينة، ارتفع قوام الأسطول البحري ليصل إلى 590 سفينة. ثم انتهت الحرب الباردة، وقلَّصت إدارتا الرئيسين جورج بوش الأب وبيل كلينتون قوات الجيش والسفن والطائرات والبنية التحتية المتمركزة على السواحل.

وخلال إدارة الرئيس أوباما، وصلت القوات المقاتلة البحرية إلى أدنى مستوياتها بقوام سفن بلغ 271 سفينة. وفي غضون ذلك، بدأت كلٌّ من: الصين وروسيا -بطرق مختلفة- في تطوير أنظمة من شأنها الوقوف في وجه نظام التجارة العالمية الحرة في أعالي البحار الذي تقوده الولايات المتحدة.

بدأت روسيا الاستثمار في غواصات شديدة التطور تعمل بالطاقة النووية، مدفوعة بنية امتلاك القدرة على عرقلة الارتباط البحري بين دول الناتو في أوروبا وبين أمريكا الشمالية.

قوة البحرية الصينية ومدى تناميها:

وقد وسَّعت الصين كلًّا من قدراتها التجارية وبناء السفن البحرية، وضاعفت حجم القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي ثلاثة أضعاف، واستثمرت في صواريخ وأجهزة استشعار طويلة المدى قد تسمح لها بتحريم اقتراب السفن التجارية والعسكرية من شواطئها لأكثر من 1600 كيلومتر.

لقد سعت كلٌّ من روسيا والصين إلى مدِّ ادعاءاتهما الإقليمية لتشمل المياه الدولية، وأصبح الهدف هو السيطرة على ممرات الشحن الحر بالقرب من شواطئهما ومن مناطق النفوذ المهمة في نظرهما(2).

يمكن النظر في أداء صناعة بناء السفن الصينية في ضوء عدد من المؤشرات والاتجاهات الأساسية؛ وذلك على النحو التالي:

– جهود بكين لسد الفجوة التكنولوجية مع اليابان وكوريًّا الجنوبية.

– استطاعت الصين، في ظل جهودها الرامية إلى إحراز مكانة عالمية مميزة في صناعة بناء السفن.

– سد الفجوة التكنولوجية مع كوريًّا الجنوبية واليابان في بناء السفن ذات القيمة المضافة العالية؛ مثل: ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وسفن تركيب توربينات الرياح البحرية؛ فقد تحولت صناعة بناء السفن في الصين نحو الاعتماد على الذات محليًّا، وخاصةً في التقنيات الأساسية والمكونات والمواد الجديدة؛ مما أدى إلى اختصار الوقت الذي يستغرقه بناء السفن، وخفض تكاليف المشروع. وبحسب تقديرات، أصبح حوض بناء السفن يستغرق حاليًا نحو 180 يومًا لبناء ناقلة خام كبيرة جدًّا، بعدما كانت شركات بناء السفن المحلية والأجنبية في السابق تستغرق نحو عام لإنجاز تلك المهمة. ولعل ذلك ما مكَّن أحواض بناء السفن الصينية من تحويل تلك القدرة إلى ميزة ملحوظة، من خلال زيادة إنتاجها محليًّا.

تحركات صينية لإقصاء الغرب عن صناعة السفن:

منذ عام 2001، ركزت الصين على إبعاد الغرب عن صناعة السفن، وفي إطار ذلك قيَّد الحزب الشيوعي الصيني الاستثمارات الأجنبية في تلك الصناعة، حتى أصبحت الشركات المملوكة للأجانب تصنع نحو 5% فقط من السفن الصينية؛ مما حمى القطاع الصيني من التدخلات الغربية. وفي عام 2006 عمدت بكين إلى وضع صناعة بناء السفن ضمن القطاعات السبعة التي يُطلب فيها من الشركات المملوكة للدولة الاحتفاظ بمركز مهيمن على المنافسين من القطاع الخاص؛ بما في ذلك الشركات الخاصة الصينية.

ونتيجةً لذلك تقوم الشركات المملوكة للدولة بتصنيع نحو ثلثي السفن المصنعة في الصين؛ مما يمنح قيادة الحزب الشيوعي سيطرة مشددة على نشاط أحواض بناء السفن في الدولة.

وفي عام 2015، وكجزء من خطة “صُنع في الصين 2025″، حددت بكين بناء السفن باعتباره أحد القطاعات العشرة ذات الأولوية التي تسعى الصين من خلالها إلى السيطرة على التجارة العالمية بحلول عام 2025.

مساعي بكين للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية:

يقف وراء الاهتمام الصيني الواسع بصناعة بناء السفن، وحرصها على الهيمنة عليها عالميًّا، عدد من الدوافع الرئيسية؛ من بينها: رغبة الصين في بناء سلاسل توريد مقاومة للغرب، تحمي بكين من مخاطر أي عقوبات غربية محتملة؛ ولهذا منحت الصين ذلك القطاع أولوية كبيرة للحد من المخاطر.

أضف إلى ذلك: مساعي الصين نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي كأداة في مقاومة العقوبات، وهو ما أحرزت الصين فيه تقدمًا فعليًّا؛ حيث أضحت الشركات الصينية تنتج نحو 55% من إنتاج الصلب العالمي. ولعل أهمية ذلك بالنسبة إلى صناعة بناء السفن الصينية، أنه يضمن عدم نفاد أحواض بناء السفن المحلية من هذه السلعة الحيوية على الإطلاق. ويمتد نفوذ الصين عبر سلسلة التوريد بأكملها إلى معدات الشحن؛ حيث تقوم الشركات الصينية بتصنيع 96% من حاويات شحن البضائع الجافة على مستوى العالم. هذا وتروج شركة ZPMC  الصينية لكونها توفر وحدها 70% من رافعات البضائع في العالم.

تطوير تقنيات التصنيع الخاصة بالسفن:

خَطَت أحواض بناء السفن الصينية، على مدار السنوات القليلة الماضية، خطوات كبيرة في تطوير تقنيات التصنيع الخاصة بها، لا سيما في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية؛ حيث تمكنت الصين من إظهار قدرتها على بناء أنواع مختلفة من السفن، كسفن الحاويات الضخمة، وبواخر الرحلات البحرية، وحاملات السيارات. ومع اعتماد الوقود الأخضر، استطاعت صناعة السفن الصينية أن تستولي على حصة سوقية أكبر من منافسيها في كوريًّا الجنوبية واليابان.

دعم حكومي واسع لشركات بناء السفن الصينية:

تتمتع شركات بناء السفن في الصين بميزة مالية هائلة؛ حيث تستفيد من سخاء الدولة في تلك الصناعة؛ إذ تدفع الحكومة الصينية 13 إلى 20% من تكاليف بناء سفن شحن نموذجية، وخلال الفترة بين عامي: 2010 و2018، منحت المؤسسات المالية الصينية المملوكة للدولة شركات بناء السفن المحلية قروضًا رخيصة تصل إلى 127 مليار دولار -على الأقل-، وهو الدعم الذي كان له أثر واضح على أداء الصناعة الصينية؛ حيث أضحت أحواض بناء السفن في الصين تنتج أكثر من نصف سفن العالم، بعد ما كانت تقدم نحو 12% فقط قبل عقدين من الزمان.

ويُتوقع في هذا الصدد أن تنتج الصين خلال السنوات الثلاث المقبلة 70 إلى 80% من جميع ناقلات النفط الجديدة وناقلات البضائع السائبة الجافة، في ظل الدعم الحكومي الواسع للشركات الصينية المنخرطة في الصناعة.

نمو متزايد في إنتاج بناء السفن الصينية:

وفقًا للأرقام الصادرة حديثًا عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، فإن إنتاج بناء السفن في الصين قد وصل إلى 42.32 مليون طن من الوزن الساكن في عام 2023، بزيادة سنوية قدرها 11.8%، بما يمثل نحو 50.2% من الإنتاج الإجمالي العالمي للسفن.

ارتفاع الطلبيات الجديدة على السفن الصينية:

بنهاية عام 2023، ارتفع إجمالي الطلبيات الجديدة على السفن الصينية بنسبة 56.4% على أساس سنوي إلى 71.2 مليون طن ساكن؛ مما يمثل 66.6% من الإجمالي العالمي. وبهذا يكون قد وصل إجمالي الطلبيات المتعاقَد عليها لبناء السفن في الصين إلى 139.39 مليون طن من الحمولة الساكنة؛ مما مثل زيادة كبيرة بنسبة 32% على أساس سنوي، وقد شكَّل هذا حصة كبيرة من السوق العالمية تُقدر بنحو 55%.

سيطرة صينية على سوق بناء “السفن الخضراء”:

أولت الصين مؤخرًا اهتمامًا كبيرًا ببناء السفن الخضراء، وفي ضوء ذلك أصدرت الهيئات التنظيمية الصناعية والاقتصادية في الصين خطة جديدة مدتها سبع سنوات تستهدف السيطرة على سوق بناء السفن “الخضراء”، على خلفية الهيمنة الصينية على سوق بناء السفن التقليدية.

ووفقًا لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، فإن بناء السفن النظيفة يشكل وسيلة “حتمية” لتحقيق المزيد من التطوير في هذه الصناعة. وبحلول عام 2025، تأمل وزارة الصناعة والتكنولوجيًّا الصينية أن تطور صناعة بناء السفن الصينية حلولًا أفضل لسلاسل التوريد عبر التوسع في بناء السفن الخضراء، وتأمين وتيرة أسرع لاعتماد سفن الوقود النظيف، والتمكن من الحصول على 50% من السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، والمباني الجديدة التي تعمل بوقود الميثانول؛ كما ترغب الوزارة في تسريع البحث والتطوير في مجال الدفع الذي يعمل بالميثانول والأمونيا، وناقلات الهيدروجين السائل، وتطوير تكنولوجيا خلايا الوقود الخاصة بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية(3).

القوة البحرية للصين ومقدار تناميها:

يدعم الائتمان منخفض التكلفة شركات بناء السفن الصينية؛ إذ منحت المؤسسات المالية الصينية المملوكة للدولة شركات بناء السفن المحلية قروضًا منخفضة التكلفة تصل إلى 127 مليار دولار على الأقل في الفترة من 2010 حتى عام 2018.

الصين دولة رائدة في مجال بناء السفن، حيث تنتج أحواض بناء السفن المحلية أكثر من نصف عدد السفن في العالم كل عام، بعدما كانت تمثل 12% فقط قبل عقدين من الزمن؛ أما الولايات المتحدة، فبعد ما احتلت صناعة بناء السفن بها المرتبة الأولى من حيث القدرة الإنتاجية العالمية في عام 1975، عندما طُلب إنتاج أكثر من 70 سفينة تجارية محليا، أصبحت حاليًا تنتج أقل من 1% من الإنتاج العالمي.

على النقيض، ضاعفت الصين خلال تلك الفترة إنتاجها ثلاث مرات مقارنة بالولايات المتحدة في العقدين الماضيين، وقدمت أكثر من ألف سفينة عابرة للمحيطات في العام الماضي، مقارنة مع 10 سفن فقط من أمريكا.

هيمنت الصين على 46.59% من إجمالي الحمولة العالمية للسفن التي تم بناؤها في عام 2022؛ إذ أنتجت سفنًا تصل حمولتها الإجمالية إلى 25.9 مليون طن، بينما بلغت نسبة الولايات المتحدة 0.13% أو حمولة قدرها 73 ألف طن فقط.

وفي عام 2023، كانت الصين أكبر دولة في العالم في ذلك القطاع؛ فحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، ارتفع إنتاج صناعة بناء السفن المحلية بنسبة 11.8% على أساس سنوي(4).

ردود الأفعال الأمريكية تجاه التقدم الصيني:

أثارت هيمنة الصين والمنطلقة بسرعة الصاروخ دهشة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في خضم الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.

وفيما يأتي يمكن استعراض أسباب تلك المخاوف وردود الأفعال الناجمة عنها:

– تشجيع واشنطن حلفاءها على الإنتاج في السوق الأمريكية.

– لسد الفجوة الإنتاجية الحاصلة بين الصين والولايات المتحدة في صناعة بناء السفن، لجأ المسؤولون الأمريكيون إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة طلبًا للمساعدة والدعم؛ حيث التقى ديل تورو، وزير البحرية الأمريكي الذي لطالما أعرب عن خوفه العميق إزاء التداعيات الاقتصادية والأمنية المترتبة على تراجع بناء السفن في الولايات المتحدة – مؤخرًا بمسؤولين في كوريًّا الجنوبية واليابان؛ لتشجيعهم على التفكير في القيام بمزيد من الإنتاج في السوق الأمريكية؛ من أجل تعويض خسارتهم حصتهم في السوق العالمية لصالح الصين.

إصدار أمر بتعزيز الأمن السيبراني في الموانئ الأمريكية:

في فبراير 2024، وقَّع الرئيس الأمريكي جو بايدن على أمر تنفيذي يهدف إلى تعزيز الأمن السيبراني في الموانئ الأمريكية؛ كما أمر بتوجيه مليارات الدولارات إلى بنية تحتية جديدة، وسط مخاوف من استغلال المتسللين من الصين لهذه المرافق بغية إحداث فوضى في سلاسل التوريد الأمريكية.

تصاعد المطالب الأمريكية بتحسين صناعة بناء السفن:

يدرك المسؤولون عن الصناعة في الولايات المتحدة حقيقة ضعف صناعة بناء السفن الأمريكية مقابل الصينية؛ وعليه قررت النقابات العمالية الأمريكية في مارس 2024 مطالبة واشنطن بضرورة اتخاذ تدابير جريئة لدعم بناء السفن المحلية، كما قدمت التماسًا إلى الممثل التجاري الأمريكي؛ حيث أشارت إلى أن حال الصناعة يعكس في الأغلب ممارسات صينية غير عادلة، وهو ما يتبدى في كون أحواض بناء السفن الأمريكية لا تُنتِج سوى 1% من سفن الشحن التي تجوب البحار العالمية.

مخاوف أمريكية بشأن خطط صينية لجمع معلومات استخباراتية:

تتركز المخاوف الأمريكية بشأن الصعود الصيني في صناعة بناء السفن، فيما يتعلق بخطط الصين لجمع المعلومات الاستخبارية في قطاع الشحن بشكل أساسي من خلال برنامج Logink، وهو برنامج يتتبع شحنات البضائع حول العالم؛ حيث يستشعر المسؤولون الأمريكيون في الوقت الراهن القلق بشأن ذلك البرنامج، الذي من الممكن أن يساعد بكين في الحصول على معلومات ثاقبة حول الشحنات العسكرية الأمريكية وجمع معلومات تجارية حساسة.

تحول صناعة السفن إلى ساحة للصراع بين واشنطن وبكين:

يمكن القول في ضوء السياقات الأخيرة: إن صناعة بناء السفن العالمية يمكن أن تتحول إلى ساحة حرب جديدة بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة؛ ما يتضح بشكل كبير في ضوء السياسات الصينية والإعانات المقدمة لصناعات الصلب والألومنيوم المحلية، فضلًا عن احتدام لهجة الانتقادات الأمريكية للأداء الصيني في الصناعة، وهو ما اتضح جليًّا خلال الخطاب الأخير للرئيس الأمريكي أمام العمال النقابيين في بيتسبرج، في أبريل 2024؛ حيث اتهم الصين بـ”الغش” في ممارساتها التجارية للصلب، التي تعد حيوية بشكل كبير في صناعة بناء السفن.

اتهامات أمريكية للصين بانتهاج سياسات غير عادلة:

بدأ مكتب الممثل التجاري الأمريكي في أبريل 2024 تحقيقًا في الصناعات البحرية واللوجستية وبناء السفن في الصين، مشيرًا إلى انتهاج بكين سياسات وممارسات غير عادلة للسيطرة على هذه القطاعات وتقويض المنافسة العادلة على مستوى العالم. وبموجب قانون التجارة لعام 1974، يسعى القسم 301 إلى معالجة ممارسات الحكومات الأجنبية غير العادلة التي تؤثر على التجارة الأمريكية. وفي هذا الصدد، دعا جو بايدن الممثل التجاري الأمريكي إلى مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم الصينية ثلاث مرات، في محاولة لحماية الصناعات الأمريكية(5).

الخلاصة:

يوفر هذا المستوى من السيطرة على الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد العالمية مزايا اقتصادية وأمنية واضحة، ويعكس آثار القرارات السياسية التي اتخذتها كل من الصين وأمريكا على مدى عقود زمنية.

كما أن الانكماش في صناعة بناء السفن الأمريكية هو نتيجة لعدة عوامل بدأت منذ الثمانينيات عندما تم سحب معظم الإعانات الحكومية لبناء السفن؛ لأنها كانت مناقضة لاقتصادات السوق الحرة التي تبنتها إدارة “ريجان”.

بعد ما يقرب من 50 عامًا، تنتج الولايات المتحدة الآن أقل من 1% من السفن التجارية في العالم، لتتراجع إلى المركز الـ19 على مستوى العالم.

من ناحية أخرى، ضاعفت الصين إنتاجها ثلاث مرات مقارنة بالولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين، وأنتجت أكثر من ألف سفينة عابرة للمحيطات في العام الماضي، مقابل عشر سفن أميركية.

الصين تتأهب لضم تايوان، ومن جانب آخر تستخدمها الولايات المتحدة ورقة ضغط على الصين، وهناك احتمال أن يكون التصادم القادم عسكريًّا وليس اقتصاديًّا.

المصادر:

1_ العربية

2_ الجزيرة

3_ انتريجورنال

4_ أرقام

5_ الشرق

التعليقات مغلقة.