fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دلالات توقيت زيارة الأسد لطهران… تعزية وتأكيد انتماء

59

دلالات توقيت زيارة الأسد لطهران… تعزية وتأكيد انتماء

بعد تغيب رئيس النظام السوري بشار الأسد عن مواكب العزاء الرئاسية التي شهدتها إيران بعد وقوع حادث سقوط طائرة الرئيس الإيراني الراحل ورئيس ووزير خارجيته، وكثرة التكهنات حول العلاقات الروسية الإيرانية، ظهرت بعض الآراء المؤيدة لوجود خلافات بين إيران وسوريا؛ إلا أن زيارة بشار الأسد المفاجئة لطهران أثارت الكثير من الجدل بعد التغيب المتعمد منه في عزاء رئيس الدولة الحليفة له.

ففي 30 مايو 2024، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة العاصمة الإيرانية طهران لتقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي لقي حتفه ومرافقوه في حادثة تحطم طائرته بالقرب من الحدود مع أذربيجان يوم 19 مايو الفائت.

الزيارة جاءت متأخرة وبعد مرور أكثر من 10 أيام على الوفاة، فعلى الرغم من قيام الرئيس السوري بتوجيه رسالة تعزية فور الإعلان عن وفاة رئيسي ومرافقيه، وإعلان الحداد في سوريا لمدة ثلاثة أيام؛ إلا أنه كان من اللافت غياب الأسد عن مراسم التشييع، وهو غياب لا يتناسب مع حجم ومستوى وطبيعة علاقات التحالف الإستراتيجي بين النظام السوري وإيران، التي تعد الداعم الإقليمي الأول له، والتي كانت سببًا رئيسيًّا في الحفاظ على بقائه منذ اندلاع الصراع المسلح بينه وبين المعارضة المسلحة قبل 13 عامًا.

لقاء “خامنئي” بـ”الأسد” بعد موت “رئيسي” بـ10 أيام:

التقى المرشد الإيراني علي خامنئي، في 10 مايو 2024، بالرئيس السوري بشار الأسد في طهران، وغرَّد على منصة “إكس” متحدثًا عن “هوية سوريا”، مؤكدًا انتماءها إلى ما يعرف بمحور المقاومة، على حد وصفه. وهذا الكلام ينافي الواقع تمامًا.

وخلال اللقاء، قدَّم الأسد تعازيه في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم المروحية.

وأكد خامنئي في تغريدات على منصة “إكس” أن “تعزيز العلاقات بين إيران وسوريا أمر مهم، باعتبار أن البلدين هما عماد محور المقاومة”. ولا ندري أي مقاومة يُراد الإشارة إليها في تصريحه؛ وربما تكون مقاومة الشعوب الآمنة والشعوب المستقرة وزعزعة الأمن والاستقرار بين الشعوب، والدليل على ذلك ما تحدثه الميليشيات على أرض الواقع.

وورد في بيان صادر عن الرئاسة السورية: أن الأسد وخامنئي أكَّدا على عمق العلاقة الإستراتيجية التي تربط بين البلدين، وقد اجتمع خامنئي والأسد آخر مرة في 2022 في طهران، ودعا كلا الطرفين خلال ذلك الاجتماع إلى توطيد العلاقات.

وتشهد سوريا انتشار حوالى 3 آلاف عنصر ومستشار عسكري من الحرس الثوري الإيراني، مع وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لإيران في مختلف المناطق، بحسب معطيات المرصد السوري لحقوق الإنسان(1).

هيمنة كبيرة على الموارد الاقتصادية في سوريا:

ومن هنا يظهر أن إيران تمارس هيمنة كبيرة على الموارد الاقتصادية في سوريا، بخلاف التموضع العسكري والأمني الكبير؛ فضلًا عن التغلغل المجتمعي على المستويات التعليمية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن عمليات التغيير الديموغرافي التي تجريها في عدة مدن سورية(2).

لقاء وزير الخارجية الإيراني وبشار الأسد:

وبالعودة إلى زيارة الأسد إلى طهران، فإن البروتوكولات الدولية المعمول بها في سوريا والعلاقات بين الدول لا تستلزم حضور الرئيس بشار الأسد شخصيًّا، مع الإشارة إلى أن المشاركة السورية في تشييع جنازة الخميني حين وفاته كانت على نفس المستوى، بحضور رئيس الحكومة، رغم الرمزية الخاصة للخميني والعلاقة الخاصة التي كانت تربط سوريا والرئيس الأسد الأب مع الإمام الخميني وإيران(3).

مؤشرات زيارة رئيس النظام السوري لطهران:

إن إصرار الرئيس الأسد على الحضور شخصيًّا لتقديم واجب العزاء بمقتل رئيسي ورفاقه حمل مؤشرات أبعد بكثير من كونها مجرد زيارة للتعزية؛ لتعطي دلالتين مهمتين تحكمان العلاقة السورية الإيرانية:

الأولى: الإيمان الشخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد بالعلاقات مع إيران والقيادة الإيرانية، وأن هذه العلاقة إستراتيجية وخط أحمر له، وهو ما أكده البيان السوري عن الزيارة الذي أكد أن “العلاقات بين سوريا وإيران قوية وراسخة، لخدمة الشعبين في البلدين، وكذلك لاستقرار المنطقة كلها”.

والثانية: أنها رسالة لكل الأطراف الإقليمية والدولية بأن أي تقارب أو انفتاح على دمشق لن يكون على حساب خياراتها الإستراتيجية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها: العلاقة مع إيران.

طبعًا هذا لا يلغي أن الأوضاع الإقليمية والدولية والظروف السياسية التي تمر بها المنطقة، وفي مقدمتها: الصراع مع العدو الصهيوني، والعدوان على غزة وتداعياته، تتطلب بعض الإجراءات الأمنية والسياسية، لكن هذه الإجراءات تخضع لتقييم وتوافق الطرفين، وليس استجابة لأحلام أو رغبات هذا الطرف أو ذاك.

تزامن وتوقيت الزيارة الأسدية للدولة الخمينية:

أنَّ الزيارة تزامنت مع العديد من الخطوات المهمة التي اتخذتها عدة دول عربية وأجنبية في إطار انفتاحها على دمشق؛ أبرزها:

1. تعيين السعودية سفيرًا لها في دمشق، ونقل ملف الحجاج السوريين من الائتلاف السوري المعارض إلى الحكومة السورية، وتقديم قطع غيار وفنيين لصيانة الطائرات المدنية السورية المتوقفة لأعطال فنية بسبب الحصار.

2. الحديث عن وجود اتصالات سورية أمريكية وراء الكواليس، وفي العاصمة العمانية مسقط، ويمكن قراءة مؤشراتها من القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بسحب مشروع قانون “مناهضة التطبيع مع سوريا” من التداول، والحديث عن توصل دمشق وواشنطن إلى تفاهمات قد نرى نتائجها على الأرض خلال المرحلة المقبلة، وقد تمهد للانسحاب الأمريكي من سوريا. 

3. الصمت التركي على الضربات الموجعة التي يوجهها الطيران السوري الروسي ووحدات الجيش السوري للمجموعات الإرهابية المسلحة في إدلب وجوارها، رغم أنها كانت تعمل سابقًا على شن حملات عنيفة ضد هذه العمليات، وتصوِّرها على أنها استهداف للمدنيين وتعمل على تهجيرهم.

  4. وجود اتصالات بين شركات طيران عربية وأوروبية لاستئناف الرحلات الجوية من وإلى دمشق(4).

 الأسد ما بين مظلة إيران والعودة إلى العرب:

إن الأهداف التي حققتها الولايات المتحدة في الحرب السورية تتمثل بالتالي:

أولًا: تدمير البنى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية من خلال قتل آلاف وسجن العديد من الباقين، وإبعاد المعارضة بقرار أميركي؛ بدليل أنه عند وصول الجيش السوري المعارض إلى ساحة الأمويين في دمشق وصلت رسالة أميركية تطلب فيها من المعارضة التراجع لأن “ممنوع إسقاط النظام”.

الهدف الثاني: يتمثل بفصل الشمال السوري الذي يحتوي على ثروات باطنية من يورانيوم وغاز عن سوريا، وسيبقى الأمر كذلك بحسب عز الدِّين.

ثالثًا: قطع أجزاء من الأراضي لإنشاء دولة كردستان الكبرى وتحريك أبناء الطائفة الدرزية للمطالبة بدولة مستقلة عن سوريا.

ولا شك أن هناك ثمة اتفاقًا أميركيًّا – روسيًّا برعاية إسرائيلية يهدف إلى تقليم أظفار إيران مقابل غضِّ نظر الولايات المتحدة عن الأعمال العسكرية التي تشنها روسيا على أوكرانيا.

وتوقف الضربات الإسرائيلية على سوريا بعد قصف المبنى المحاذي للسفارة الإيرانية في سوريا، والذي أسفر عن مقتل قياديين في الحرس الثوري الإيراني، وتوازيًا ارتفعت وتيرة الضربات والقصف الروسي على أوكرانيا بعد فترة طويلة من الهدوء الحذر.

إن هدف الوصول إلى صفر مشاكل مع إيران، وهذا ما رأيناه في مسألة تسريع الانفتاح الإيراني السعودي وفتح السفارات في البلدين، يشير إلى أن “الدول العربية تتحرك تجاه بشار الأسد بضغط أميركي، وهي ملزمة بالانفتاح على الأخير لتقليم أظفار إيران ومواجهة المشروع الإيراني الذي يمتد من إيران مرورًا بالبصرة في العراق، وصولًا إلى لبنان، مقابل تقوية مشاريعها.

انطلاقًا من ذلك، سنشهد تحولًا جذريًّا في المستقبل القريب في سوريا، ومن أولى بوادره عودة القنوات العربية التي كانت مناهضة للنظام السوري.

مشروع إنهاض سوريا وعودة حركة الاستثمارات فيها وإعادة إعمارها لن يتحقق إلا ببقاء بشار الأسد، ولن يكون ذلك إلا من خلال الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

من هنا سيعود بشار الأسد إلى الحضن العربي عاجلًا أم آجلًا، لكنه لا يستطيع أن يخرج من الحضن الإيراني دفعة واحدة؛ خصوصًا أن هناك التزامات وديونًا يجب أن يسددها قبل أن يخرج من عباءة النظام الإيراني. وسيبقى كلام بشار المؤيد للنظام الإيراني من باب الدعاية؛ لأن روسيا هي من تحكم سوريا اليوم وليس الأسد، وهو يخضع للقرارات الروسية والاتفاقات الموقعة مع الولايات المتحدة، ومن أبرز معالم هذا الاتفاق: تصفية كبار القياديين في الحرس الثوري الإيراني، أو استبدالهم بآخرين يعملون تحت إمرة روسيا(5).

 الخلاصة:

1. إن من مصلحة النظام السوري في ظل الوقت الراهن “الامتثال” لمقتضيات حالة الهدوء النسبي التي يعيشها مع العالم العربي بعد عودته للجامعة العربية من ناحية، وبعد عودة مسار التطبيع بينه وبين عدد من الدول العربية المهمة من ناحية ثانية.

2. لفت انتباه القيادة الإيرانية الجديدة إلى وجود قدر من “التباين النسبي” في وجهات النظر بين طهران ودمشق، نابع من رغبة دمشق الجمع بين النقيضين العربي والإيراني؛ الأمر الذي يحتاج إلى “نقاش معمق” بين دمشق وطهران خلال المرحلة المقبلة؛ حيث يرغب النظام السوري، إلى جانب استمرار الدعم الإيراني، في الاستفادة من العودة إلى العمق العربي للخروج من أزمته الاقتصادية.

3. تجدر الإشارة إلى تلويح إيران من وقت لآخر بورقة “الديون” المستحقة لها على النظام السوري، بحيث تذكره بدورها السياسي والاقتصادي في دعمه ماديًّا وماليًّا إلى جانب دعمه عسكريًّا، في المقابل قامت السعودية بتعيين سفير لها لدى دمشق، وهو ما يعكس خطوة نوعية ومهمة تجاه تعزيز التواصل السياسي الرسمي بين الرياض ودمشق.

4. الرسالة الإيجابية “ضمنيًا” التي تلقاها نظام الأسد من قبل الولايات المتحدة؛ حيث تم سحب مسودة مشروع قانون لمناهضة التطبيع العربي مع النظام السوري، ما اعتبرته دمشق “موافقة أمريكية ضمنية” على استمرار مسار التقارب العربي معها برعاية أمريكية بعد فترة من الاعتراض على هذا المسار وتحذير الدول العربية منه.

5. يمكن القول: إن ثمة خلاف ضمني بات يفرض نفسه على العلاقات الإيرانية السورية في الوقت الراهن، وأن هذا الخلاف لم يرق بعد إلى مرحلة التباين الحاد، حتى وإن انعكست دلالاته ورسائله من قبل دمشق في “تأخر” الرئيس السوري في تقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وانعكست دلالاته من قبل طهران في تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي أثناء اجتماعه ببشار الأسد في طهران مؤخرًا.

6. أنَّ هذا الخلاف الضمني سيكون أحد معطيات “تقييم” علاقة التحالف الإستراتيجي بين البلدين المطروحة أمام القيادة الإيرانية الجديدة، والتي بناءً على تعاطيها معه سيتضح إلى أين تسير العلاقات الإيرانية السورية خلال المرحلة المقبلة.

المصادر:

1_ سكاي نيوز

2_ مركز الأهرام للدراسات

3_ المونيتور

4_ الرأي الثالث

5_ المركزية

التعليقات مغلقة.