fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حرب المعادن الإفريقية.. (دارفور) مسرح صراع الموارد ومطامع الكبار

45

حرب المعادن الإفريقية.. (دارفور) مسرح صراع الموارد ومطامع الكبار

يُعد إقليم دارفور في السودان واحدًا من بين أكثر مناطق العالم ثراءً بالمواد الطبيعية الهائلة؛ فبينما تشهد أراضي الإقليم صراعات مسلحة بين جماعات وقبائل وأعراق عدة منذ عقود، تتخذ صبغة سياسية في بعض الأحيان.

وتُعد ثرواته في أحيان أخرى أحد محركات الصراع الأساسية على أراضي الإقليم؛ إذ يضم الإقليم على سطحه العديد من الأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية الإفريقية؛ إضافة إلى موقع إستراتيجي متميز يربط بين دول شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء.

كما يضم أيضًا الموارد والثروات المعدنية المختلفة، مثل: الرخام، والحديد، والنحاس، واليورانيوم؛ ما أثار شهية ومطامع الدول الكبرى وحوّل هذه المنطقة إلى ساحة للصراع الدولي للبحث والسيطرة على العنصر الذي يُستعمل في المفاعلات النووية. ويُعد الذهب المعدن النفيس الآخر الذي يزخر به الإقليم وأحد أهم مصادر تمويل الجماعات المسلحة النشطة والمتصارعة في المنطقة. ونتيجة لكل ذلك؛ شهد السودان وتحديدًا دارفور دخول لاعبين دوليين كُثر على خط الحرب الجارية حاليًا في السودان؛ أبرزهم: روسيا، وأوكرانيا، وإيران وغيرها، في ظل مساعي الدول العربية والإفريقية إلى الوصول لحل سلمي يضمن إنهاء الصراع الدامي في السودان.

فما هو إقليم دارفور السوداني وأهم موارده الطبيعية؟ وما أسباب الصراعات في السودان ودارفور؟ وكيف تعمل القوى الخارجية على تأجيج صراعات السودان للسيطرة على موارد إقليم دارفور؟ وفي ظل التدخلات الدولية والدعم المستمر للجماعات المسلحة، ما مستقبل السودان وإقليم دارفور؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، في هذا التقرير الضوء على الصراع الجاري في السودان، وتحديدًا في إقليم دارفور، وأبرز موارد وثروات الإقليم، واللاعبين الدوليين على أرض السودان ودارفور في هذه السطور الآتية:

إقليم دارفور وأهم موارده وثرواته الطبيعية:

مساحة ضخمة وإمكانات اقتصادية هائلة يتمتع بها إقليم دارفور، الذي يشهد سطحه بحرًا من الصراعات والأزمات؛ فالإقليم ينقسم إداريًا إلى خمس ولايات، وهي: شمال، وشرق، وغرب، ووسط، وجنوب دارفور. ويكتسب الإقليم أهمية إستراتيجية كبرى في كونه يقع على أحد الخطوط الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا؛ فهو يطل من الشمال على الحدود الليبية والحدود التشادية من الجانب الغربي.

ويقع إقليم دارفور غربي السودان، وتُقدر مساحته بنحو خمس مساحة البلاد، ويقطنه أكثر من 9 ملايين نسمة. وينقسم المكون القبلي في إقليم دارفور إلى قسمين: الأول، قبائل إفريقية، ومن بينها قبيلة الفور، والتي يُنسب إلى اسمها الإقليم؛ بالإضافة إلى قبائل الزغاوة والمساليت. أما المكون الثاني في الإقليم، فهم القبائل العربية التي تنضوي تحت قبائل الرزيقات، والتعايشة، والمسيرية. وذلك التنوع العرقي الكبير ساهم في زيادة نفوذ القبائل التي حملت السلاح لمواجهة التمييز العرقي من قبل الدولة والحكومة المركزية في الخرطوم، كما تقول هذه القبائل. (الشرق الأوسط).

وتحتوي المنطقة على عدة جماعات مسلحة، من بينها جيش تحرير السودان بجناحيه النشط في أغلب مناطق دارفور، وحركة العدل والمساواة، وجماعات الجنجاويد المسلحة. ويرتبط ذلك الصراع الدائر منذ سنوات بقوى داخلية وخارجية، تنظر إلى الإمكانات الاقتصادية الضخمة لإقليم دارفور، الذي يمتلك ثروات معدنية هائلة، من بينها الذهب والبترول، كما أن الإقليم يُعد أغنى مناطق العالم بمعدن اليورانيوم.

وإمكانات الإقليم الاقتصادية لا تقتصر على المعادن؛ فولايات دارفور الخمس تنتج الفول السوداني، والذرة، والتبغ، والصمغ العربي؛ بالإضافة إلى الثروات الحيوانية التي يمتلكها الإقليم. وتُعد الثروات أهم أسباب أزمة إقليم دارفور والصراع الذي تسبب خلال العقدين الماضيين في مقتل 300 ألف شخص ونزوح مليونين ونصف المليون، بحسب الأمم المتحدة. (الجزيرة).

مصالح روسيا في السودان ودارفور:

ومنذ اندلاع المعارك في السودان في إبريل 2023م، يشهد الإقليم اشتباكات مسلحة؛ أبرزها: في مدينة الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، التي تشهد معارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، إضافة إلى مدينة الفاشر. وتصف نقابة أطباء السودان الوضع هناك بالكارثي والأسوأ على الإطلاق، مشيرة إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في مدينة الجنينة؛ منهم: أطفال ونساء وكبار في السن نتيجة تلك الاشتباكات.

ومع زيادة حدة العنف المسلح في السودان، دعا حاكم دارفور “مني أركو مناوي” مواطني الإقليم إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم. وتأتي هذه الدعوة بعد ما أعلن “مناوي” عن خروج قواته المعروفة باسم: “حركة تحرير السودان” في 8 مايو الماضي 2024م من العاصمة الخرطوم متوجهة إلى دارفور. وهذه الحركة المسلحة إحدى أكبر حركات دارفور الموقعة على اتفاق سلام مع الخرطوم في أكتوبر 2020م، واتخذت موقفًا محايدًا في الصراع الراهن بين الجيش والدعم السريع (العربية).

ومع توسع الصراع وامتداده إلى العديد من مناطق السودان، ثارت شهية العديد من القوى الخارجية التي سارعت إلى التدخل في الصراع الدائر في السودان، طمعًا في موارده الهائلة، وتحديدًا في إقليم دارفور؛ فمن: أوكرانيا إلى سوريا وليبيا والسودان ومناطق عدة في القارة الإفريقية، يبرز اسم مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة، ليس فقط في النزاعات والحروب، بل فيما يخص السيطرة على الأرض ومقدراتها.

وبالنظر إلى حسابات موسكو في السودان، فقد كانت العلاقات الروسية السودانية في عهد الرئيس الأسبق “عمر البشير” تشهد تطورًا ونموًّا مستمرًا، في ظل ما شهدته السودان من عزلة وعقوبات دولية طوال فترة رئاسة البشير؛ فخلال لقاء جمع البشير وبوتين في عام 2017م، وعد البشير بأن تصبح السودان “بوابة إفريقيا” للكرملين بعد أن عرض على الروس امتيازات التعدين وبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر في بورتسودان لتكون بوابة البلاد للتجارة الدولية.

وفي غضون أسابيع قليلة عقب اللقاء، وصل عناصر مجموعة فاغنر الروسية الذين خدموا في أوكرانيا وسوريا إلى السودان، ومعهم الخبراء الجيولوجيون الروس الذين جاءوا للعمل في مجال التعدين عن طريق شركة “مروي جولد” المحلية التي تعود ملكيتها إلى شركة “إم إنفست” الروسية (اندبندنت عربية).

وفي إبريل 2018م، توجه “يفغيني بريغوجين”، مؤسس ومالك فاغنر، في زيارة إلى الخرطوم، وبعد رحيله، أشارت صحيفة بي بي سي البريطانية إلى وجود نحو 100 مقاتل من فاغنر يُدرِّبون القوات العسكرية السودانية. وقد نما هذا التعاون حتى ارتفع عدد عناصر المجموعة إلى نحو 500 تمركزوا بشكل رئيسي في الجنوب الغربي بالقرب من “أم دافوق” القريبة من حدود السودان مع إفريقيا الوسطى (بي بي سي عربية).

وعقب الإطاحة بالبشير، حاول “بريغوجين” وفاغنر ترسيخ علاقاتهما مع حكام البلاد الجدد، وبخاصة قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”؛ إلا أن مساعي الخُرْطُوم لحل الخلافات القائمة مع الدول الغربية، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قد أثرت إلى حدٍّ ما على علاقات موسكو والخُرْطُوم؛ ما دفع مجموعة فاغنر نحو التركيز على مهمة حماية مصالح روسيا في التعدين أكثر. وبحلول عام 2021م، كانت أهداف الكرملين في السودان أكثر وضوحًا؛ حيث ترسخت علاقة فاغنر مع قائد قوات الدعم السريع “حميدتي”.

وإيذانًا ببدء هذه المرحلة؛ زار حميدتي موسكو لتعزيز العلاقات بينه وبين الروس في أوائل عام 2022م. وفي ظل العقوبات الاقتصادية الغربية المنهمرة على روسيا، ينظر الكرملين إلى ثروات دارفور من الذهب والمعادن وغيرها بوصفها وسيلة للتحايل على العقوبات الغربية. فيمَا تدفع الآن موجة العقوبات، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، عملية تسريع الاستيلاء على الذهب في دارفور، مما زاد من نشاط فاغنر في البلاد، وتحديدًا في الإقليم في الفترة الأخيرة، بفضل علاقتها مع قوات الدعم السريع.

وقد كشفت تقارير إعلامية عدة عن هجمات لجماعات مسلحة على مواقع لمخيمات العمال في مناجم للتنقيب عن الذهب في إقليم دارفور، ومناطق حدودية مع جمهورية إفريقيا الوسطى، وإطلاق النار عشوائيًّا ومطاردة العمال الفارين الذين تركوا خلفهم ما حصلوا عليه من الذهب وأجهزة الكشف عن المعادن. (بي بي سي عربية).

وكان مرتكبو المجازر هم أنفسهم المُرْتَزِقَة الذين يعملون لصالح مجموعة فاغنر الروسية؛ فقد أظهرت التقارير الإعلامية ملامحهم الأوروبية وهُم يرتدون الزي العسكري الرمادي ويتنقلون في شاحنات صغيرة وعربات مدرعة وطائرات مروحية. وتعكس هذه الحوادث كيف تحولت عناصر المجموعة من مهامها الرسمية التي انحصرت في حماية مناجم الذهب لصالح شركات التعدين الروسية، حيث الأمن الضعيف في المناطق النائية في إفريقيا.

إلى العمل على إنشاء إمبراطورية تجارية غير شرعية دفعتها لارتكاب جرائم بحق الأفارقة؛ وقد سهَّلت العلاقة مع “حميدتي” مهام المجموعة بفضل الروابط الربحية التي أقامتها فاغنر مع الرجل، الذي يهيمن بحكم الواقع على صناعة الذهب في السودان، ويتحكم في قوة عسكرية ضخمة لا تخضع لإشراف أي جهة خارجية.

وبالرغم من مصرع قائد مجموعة فاغنر “يفغيني بريغوجين” في أغسطس الماضي 2023م، وتفكيك مجموعة فاغنر بشكل رسمي؛ إلا أنه على أرض الواقع، ألبست موسكو المجموعة حلة جديدة تحت اسم: “فيلق إفريقيا الروسي”؛ فلدى موسكو العديد من المصالح في العديد من الدول الإفريقية، وتحديدًا السودان. وعلاقات موسكو وحميدتي تعود بالنفع على كلا الجانبين؛ لذا فمن المستبعد تخلي موسكو عن فاغنر أو عن حليفها حميدتي في الوقت الراهن، في ظل الصراع المحتدم ما بين روسيا والغرب.

دخول أوكرانيا على خط صراع السودان:

وصلت نيران الحرب الروسية الأوكرانية إلى أراضي السودان لتزيدها اشتعالًا؛ فمنذ بداية العام الجاري جرت عدة زيارات روسية وأوكرانية إلى السودان، كان آخرها في إبريل ومايو الماضيين 2024م. وعكست زيارات موسكو وكييف السرية والعلنية إلى السودان تسابقًا محمومًا لإيجاد موطئ قدم لهما في السودان؛ بل إن تقارير إعلامية كشفت عن مشاركة جنود من الدولتين في جبهات القتال السودانية، وخاصة في مدينة أم درمان الإستراتيجية.

وطبقًا لتلك التقارير؛ فإن نخبة من القوات الخاصة الأوكرانية شاركت في عمليات عسكرية في أم درمان دعمًا للجيش السوداني، فيما شارك مقاتلون يتبعون لفاغنر إلى جانب قوات الدعم السريع. ولفهم أسباب دخول أوكرانيا على خط صراع السودان، يمكن قراءة تصريح السفير الأوكراني في الخُرْطُوم، الذي قال: “إن روسيا هي التي تسببت في الحرب في بلادنا، وبالتالي أصبحت عدونا الأول وسنحاربها في أي مكان في العالم”. (سكاي نيوز عربية).

ما يؤكد وجود قوات أوكرانية تقاتل إلى جانب الجيش السوداني على الأراضي السودانية. وبالرغم من دعم روسيا لحميدتي وقوات الدعم السريع؛ إلا أن موسكو لم تغلق سفارتها في الخُرْطُوم بعد بداية الحرب كما فعلت سفارات غربية عدة؛ بل نقلت أعمالها إلى بورتسودان، وظل السفير الروسي يباشر أعماله منها. وتحتل السِّفَارة موقعًا كبيرًا في حي المطار، كما تحيط بها حراسة أمنية شديدة التعقيد، وهو ما يشير إلى أن موسكو ما زالت متمسكة بمصالحها في السودان.

ويبدو الأمر ملتبسًا ومعقدًا بالنسبة للعلاقة التي تربط روسيا والجيش السوداني، وتربطها في الوقت ذاته مع قوات الدعم السريع؛ إلا أن دخول أوكرانيا على خط المواجهة في السودان قد زاد الأمر تعقيدًا أكثر؛ حيث أشارت العديد من وسائل الإعلام إلى أن طائرات مسيرة متطورة نفذت عدة غارات وضربات على مواقع لقوات الدعم السريع في أغسطس وسبتمبر 2023م، بالتزامن مع مشاركة عناصر من القوات الخاصة الأوكرانية في هجمات طالت وحدات الدعم السريع في العاصمة الخُرْطُوم. (سكاي نيوز عربية).

وبالرغم من احتياج أوكرانيا للعديد من شحنات الأسلحة والذخيرة لمواجهة التوغل الروسي في أراضيها؛ إلا أن لكييف حسابات أخرى أيضًا وراء مشاركتها في الصراع الدائر في السودان. فهزيمة قوات الدعم السريع وسيطرة الجيش السوداني على كامل أراضي البلاد، بما فيها مناجم الذهب وحقول البِترول والموارد الطبيعية، لا سيما في منطقة دارفور على الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى، سيقطع إمدادات موسكو من هذه الموارد، وسيزيد من فاعلية العقوبات الغربية أكثر على موسكو.

كما أن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد سلم شحنات من الأسلحة إلى أوكرانيا سرًّا قبل اندلاع الحرب الأهلية في السودان؛ إذ يمتلك السودان مخزونًا قديمًا من المُعِدَّات العسكرية، ولديه صناعة دفاعية قوية. وبحسب مسؤولين عسكريين أوكرانيين وسودانيين، زود البرهان كييف سرًّا بالأسلحة بعد وقت قصير من الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022م.

ويفتقر الجيش السوداني إلى عناصر قوات النخبة الخاصة المدربة على حرب المدن والشوارع؛ لذا جاء طلب البرهان للدعم من أوكرانيا في أعقاب اشتباكات واسعة في العاصمة الخُرْطُوم الصيف الماضي، وسريعًا ما لبت أوكرانيا طلب البرهان وسارعت للدخول على خط الحرب الدائرة في السودان.

اللاعبون الدوليون الجدد في الصراع الدائر في السودان:

خلال الأسابيع الأخيرة، نشر موقع بلومبرغ صورًا من الأقمار الاصطناعية تظهر طائرات إيرانية الصنع من طراز مهاجر في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش السوداني. وتتسم الطائرات من هذا الطراز بأنها ذات محرك واحد وقادرة على إصابة أهدافها بدقة.

وقد سبق للبيت الأبيض أن اتهم إيران بتزويد روسيا بطائرات من الطراز نفسه خلال حربها في أوكرانيا، وهي الاتهامات التي نفتها طهران. وفي نوفمبر من العام الماضي 2023م، عقد رئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان” لقاءً مفاجئًا مع الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية آنذاك، وذلك بعد قطيعة استمرت عدة سنوات بين الخرطوم وطهران. (إرم نيوز).

ومثَّل دخول إيران على خط الصراع الدائر في السودان مفاجأة كبرى للمراقبين؛ إذ إن إيران لطالما تعمل على تأسيس شبكة أذرع وكيانات وجماعات مسلحة موالية لها في العديد من الدول العربية. ويبدو أن ثروات السودان وموارد إقليم دارفور هي الأخرى قد جذبت طهران، والتي قد بدأت دعمها للخرطوم في مسعى للحصول على قدر أكبر من النفوذ على سواحل البحر الأحمر.

حيث إن طهران تبحث عن مرافئ لسفنها في البحر الأحمر في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث في هذا المعبر الحيوي المهم في المنطقة، مما يقرب طهران أكثر من دعم مليشياتها في اليمن القريبة جغرافيًّا من السودان. ومن جهة أخرى: قد نشهد تأسيس ذراع إيراني جديد في السودان على غرار ما حدث في عدد من الدول العربية.

وفي ظل تفاقم الأزمة في السودان وزيادة حدة المواجهات ودخول قوى خارجية عدة على خط الصراعات الجارية في السودان، يبدو أن دارفور مثل جنوب السودان قد دخلت في الإستراتيجيات الدولية، وخاصة الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية وغيرها، منذ زمن بعيد. واستهدفت هذه الإستراتيجيات على المدى البعيد فصل دارفور عن السودان، كما فعلت بالجنوب.

وذلك نظرًا لما يتمتع به إقليم دارفور من موقع متميز مطل على غرب إفريقيا، وهو الإقليم الذي يشهد صراعًا دوليًّا محمومًا بسبب ما يزخر به من موارد نفيسة ونادرة. والمعروف أن الكيان المحتل منذ خمسينيات القرن الماضي في عهد “دافيد بن غوريون” قد اعتمد في مواجهة العالم العربي إستراتيجية “شد الأطراف”، والمقصود بها شغل العالم العربي بمشكلات وقلاقل في أطرافه حتى تنخفض حدة المواجهات بين الدول العربية والكيان المحتل، وذلك بإثارة القلاقل في أطراف العالم العربي؛ خاصة مع ذوي الأصول غير العربية، في محاولات لإثارة الفتن بين مكونات القطر الواحد، كالأكراد في العراق والأمازيغ في المغرب العربي. ويبدو أن السودان بات على أعتاب عصر مظلم غير واضح المعالم.

مستقبل السودان وإقليم دارفور في ظل المخططات الدولية لتقسيم البلاد:

في ظل استمرار المواجهات العسكرية في العديد من المدن السودانية بين مليشيات الدعم السريع والجيش السوداني، فإن كل السيناريوهات تشير إلى أن الجولة الثانية من الحرب ستكون في دارفور. وإن لم ينتبه العالم أجمع ويوقف ذلك بأي شكل، ستكون كارثة تفوق الوصف والتوقعات.

إذ إن انتصار الدعم السريع وتمكنه من الاستيلاء على الدولة وما فيها سيرفع سقوف الطموحات بما يتجاوز أرض السودان، لكن قبل أن تصل رايات الدعم السريع إلى دول الجوار، بخاصة تشاد، سيكون عليه أن يخوض معارك ضد القبائل الإفريقية، حيث الثأر حاضر بين قبائل كثيرة اقتتلت في الماضي لأسباب لا تتجاوز العراك؛ هناك حيث التنافس على الأرض بين المزارعين والتعالي العنصري بين الجميع، وكل يرى في الآخر كافة المناقص.

القبائل الإفريقية ترى في عرب البادية ضيفًا ثقيلًا عابرًا من وراء الحدود يريد أن يشاركهم في الأراضي الزراعية المعروفة بالحواكير، بينما تظن القبائل العربية نفسها أنها تسمو بنسبها وأصلها العربي على ما سواها، وهنا تتحول مكاسب الخرطوم في الحرب الجديدة القديمة في دارفور، وستتحرك المليشيات العربية مدفوعة بالزهو وآليات الدولة في معاركها الجديدة. (الشرق).

وفي حالة ما إذا تمكن الجيش السوداني من حسم الحرب في المدن والولايات السودانية، ستتحول مليشيات الدعم السريع إلى مليشيات غاضبة تمتلك أدوات مادية أفضل بجانب تدريب ساخن، وتسخر كل ذلك في حرب جديدة وغير محسومة في دارفور، فالانسحاب نحو دارفور لن يكون نزهة، فمعظم الحركات المسلحة في دارفور لن تقابل العناصر المهزومة بالزهور، وستخرج من حالة الحياد إلى المواجهة الكاملة.

الخلاصة:

يُعد إقليم دارفور واحدًا من أغنى مناطق العالم بالثروات الطبيعية والمعدنية والحيوانية، كما يتميز بموقع جغرافي هام كونه قريبًا من شمال إفريقيا ومحاذيًا لدول الساحل الإفريقي ودول جنوب الصحراء. وشكل التنوع الديموغرافي القبلي في الإقليم والخلافات والنزاعات المتكررة بين سكانه عاملًا في دخول قوى خارجية لإثارة الفتن والقلاقل في السودان؛ على رأسهم: روسيا وأوكرانيا وإيران والكيان المحتل والولايات المتحدة؛ إذ تسعى العديد من القوى الخارجية إلى فصل الإقليم عن السودان أو على الأقل السيطرة على موارد الإقليم المختلفة، عبر أذرع ووكلاء ينشطون في المنطقة.

منذ تأسيس الكيان المحتل أواخر أربعينيات القرن الماضي، وما أعقبه من دخول للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، وُضعت إستراتيجيات طويلة الأمد لزرع الفتن والصراعات وزعزعة استقرار العديد من الدول العربية. وكان للسودان نصيب من تلك السياسة؛ إذ تعمل القوى الغربية والكيان المحتل على تفكيك السودان وفصل إقليم دارفور عن باقي البلاد. وسريعًا ما دخلت العديد من القوى الأخرى على الخط، طمعًا في موارد الإقليم الهائلة؛ كان أبرزهم: روسيا التي سيطرت عبر ذراعها فاغنر على حقول النفط ومناجم الذهب في جنوب دارفور.

على الرغم من كون أوكرانيا تخوض حربًا مع روسيا؛ إلا أن استجابة كييف لطلب رئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان” بالتدخل قد مثلت مفاجأة وأظهرت وصول الحرب الروسية الأوكرانية إلى الأراضي السودانية. إذ أتت كييف لمحاربة فاغنر الداعم الأكبر لقوات حميدتي، والتي تسيطر على مناجم الذهب في دارفور. وسريعًا ما دخلت إيران هي الأخرى على الخط، وبات الصراع الدائر في السودان أكثر تعقيدًا ومدفوعًا بقوى خارجية لديها حسابات ومصالح وأطماع في موارد وثروات دارفور، وبات مستقبل السودان خطيرًا في ظل التدخلات الدولية المستمرة.

المصادر:

الشرق الأوسط

الجزيرة

العربية

اندبندنت عربية

بي بي سي عربية

سكاي نيوز عربية

إرم نيوز

الشرق

التعليقات مغلقة.