fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

العلاقات التركية الأمريكية خلاف يتعمق وروسيا تقترب

41

العلاقات التركية الأمريكية خلاف يتعمق وروسيا تقترب

خلال العقد الأخير، شهدت العلاقات الخارجية التركية تغييرات عدة؛ من سياسة “صفر مشاكل” إلى صدامات وتجاذبات مع دول عديدة؛ أبرزها: دول الشرق الأوسط. ومع دخول الولايات المتحدة على خط الصراعات في المنطقة، وانتهاج واشنطن سياسات تتعارض مع مصالح أنقرة فيما يتعلق بالتعاون الأمريكي الكردي وخلافات تركيا في شرق المتوسط؛ ظهرت بوادر الشقاق التي أثرت سلبًا على طبيعة العلاقات السياسية التركية الأمريكية.

فأخذت بوصلة العلاقات التركية الخارجية تتأرجح بين تقارب مع الشرق تارة، وتقارب مع الغرب تارة أخرى، خصوصًا مع ما شهدته العلاقات في عام 2020 من صدامات عدة بين تركيا واليونان وقبرص. ومع وصول الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” إلى البيت الأبيض، ازدادت الخلافات بين واشنطن وأنقرة. فقد شهدت العلاقات الأمريكية التركية في عهد بايدن فتورًا إلى حدٍّ ما، حيث لم تلتزم تركيا بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، كما عززت التعاون الاقتصادي مع تكتل البريكس خلال السنوات الأخيرة.

فكيف يمكن قراءة مشهد العلاقات التركية الأمريكية خلال الفترة الأخيرة؟ وما أبعاد الخلافات التركية الأمريكية وآثارها على العلاقات بين البلدين؟ وما مستقبل العلاقات التركية الأمريكية في ظل التقارب الروسي التركي؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على الخلافات التركية الأمريكية الأخيرة ومستقبل العلاقات بين البلدين في ظل التقارب الروسي التركي، في هذه السطور الآتية:

العلاقات التركية الأمريكية بين شد وجذب:

خلال العقد الأخير، ظهرت العديد من الخلافات بين واشنطن وأنقرة، بدءًا بالدعم الأمريكي المقدم والمستمر للجماعات الكردية المسلحة في سوريا خلال سنوات الحرب على داعش، مرورًا بالصدامات التركية اليونانية في شرق المتوسط، ووصولًا إلى الجدل الأمريكي التركي حول صفقة الصواريخ الروسية “إس – 400” إلى تركيا.

كما كان من اللافت للنظر أيضًا التردد التركي في المصادقة على عضوية كلٍّ مِن: فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي خلال العامين الماضيين. واختلفت الرؤى الأمريكية والتركية إزاء العديد من القضايا، انطلاقًا من مصالح كل منهما لمحددات أمنهما القومي ومصالحهما التي أصبحت متباينة، مما تسبب في توتر العلاقات بين البلدين. ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

رفض أنقرة لعقوبات واشنطن على طهران؛ فقد أصرت أنقرة على استيراد النفط والغاز من طهران رغم العقوبات الأمريكية التي ازدادت حدتها في فترة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب”. وقد عبر وزير الخارجية التركي عن ذلك بقوله: إن تركيا تعارض العقوبات الأمريكية على إيران وليست ملزمة بتطبيقها، في الوقت الذي أكد فيه وزير الطاقة التركي مواصلة شراء الغاز الطبيعي من إيران. ولتركيا مصلحة واضحة في استمرار واردات الطاقة من إيران، تتمثل في القرب الجغرافي بين البلدين إذ يتشاركان حدودًا مشتركة؛ إضافة إلى جاذبية أسعار النفط والغاز الإيراني، فضلًا عن جودته.

كما فاقمت الخلافات التجارية بين تركيا وواشنطن التوتر بين البلدين؛ إذ تعد التجارة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية أحد العوامل الأساسية في رسم العلاقات السياسية بينهما، فخلال السنوات الأخيرة، اتجهت الولايات المتحدة إلى زيادة سياسة الحمائية التجارية وفرض تعريفات جمركية على العديد من دول العالم، ومن بينها تركيا، مما دفع الأخيرة للرد بفرض رسوم جمركية على قائمة من السلع الأمريكية.

ونتيجة لذلك، اتجهت الإدارة الأمريكية السابقة لمراجعة الإعفاءات المقدمة لتركيا من الرسوم الجمركية على بعض السلع، وهي خطوة أضرت بصادرات تركيا إلى السوق الأمريكية بقيمة 1.7 مليار دولار. ومع بدء الحرب الروسية الأوكرانية وفرض حزم مختلفة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، انتهجت تركيا سياسة مختلفة عن الحلفاء الغربيين في التعامل مع روسيا، إذ استمرت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا؛ كما استضافت تركيا جولات المفاوضات بين موسكو وكييف خلال عام 2022، مما يعكس استمرار اتساع الفجوة بين تركيا وحلفائها الغربيين، وتحديدًا الولايات المتحدة.

الدعم الأمريكي للجماعات الكردية في سوريا:

مثَّل الدعم الأمريكي للجماعات الكردية في سوريا والعراق أزمة ألقت بظلالها على العلاقات التركية الأمريكية، وعدت من أهم القضايا الخلافية بينهما. فقد وضعت الولايات المتحدة الأكراد كجزء من سياساتها في المنطقة بدءًا من عام 1991 مع حرب الخليج الثانية؛ حيث استخدمت واشنطن الأكراد بين حين وآخر في حرب العراق عام 2003، والحرب على داعش في سوريا. ودعمت واشنطن المقاتلين الأكراد في سوريا، وتحديدًا وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التي تشكل عصب قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

على الرغم من أن أنقرة تصف “وحدات حماية الشعب الكردية” بالإرهابية وتستمر في الضغوط العسكرية لطردها من شمال سوريا، نظرًا لروابط هذه الوحدات بحزب العمال الكردستاني؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية بررت دعمها لهذه الوحدات بحاجتها إلى حليف داخل سوريا لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي تقدم حينها بسرعة عبر أراضي سوريا والعراق.

وقد ازداد القلق التركي بعد فشل عملية السلام المحلية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني عام 2015، واعتبرت أنقرة أن واشنطن لم تأخذ مخاوفها الأمنية على محمل الجد؛ إذ أن سياسة التعاون بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد لقتال داعش، من شأنها تهديد الأمن القومي التركي وقد تساعد في قيام دولة كردية مستقلة على الحدود التركية.

مما دفع تركيا جزئيًّا إلى العمل بشكل أوثق مع روسيا، حيث طالبت موسكو، وهي الداعم الأساسي لدمشق، برحيل القوات الأمريكية في سوريا. وترى تركيا أن تنامي القوة الكردية سواء في سوريا أو العراق يُعد تهديدًا أمنيًّا واستراتيجيًّا بالنسبة لها.

وبالرغم من إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب” سحب معظم القوات الأمريكية من سوريا، وبرر مسؤولون أمريكيون حينها أن هدف الانسحاب هو تفادي الانخراط في “صراع دموي” بعد أن أعلنت تركيا حينها أنها ستنفذ عملية عسكرية في شمال سوريا؛ إلا أنه في الوقت الراهن لا تزال هناك بعض القوات الأمريكية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا.

وتعالت الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تنادي بانسحاب القوات الأمريكية الموجودة في الخارج، خاصة الموجودة في العراق وسوريا؛ وذلك عقب اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي. وظلت هذه القوات محل جدل بين المشرعين والساسة الأمريكيين حتى قبل اندلاع حرب غزة الأخيرة، ما بين مطالب بانسحاب فوري لها ومعارض لذلك، خاصة القوات الموجودة في سوريا. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

ويرى بعض المراقبين أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تخشى من تكرار سيناريو الانسحاب من أفغانستان الذي أفضى إلى عودة حركة طالبان إلى سدة الحكم. وعلى الرغم من كل ذلك، يظل هذا الملف من أهم القضايا الأمنية الخلافية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.

غاز شرق المتوسط وتعارض الرؤية الأمريكية التركية:

منذ إجراء الدراسات والأبحاث الجيولوجية على منطقة شرق المتوسط، والتي أظهرت وجود احتياطيات من الغاز الطبيعي تبلغ حوالي 345 تريليون قدم مكعب من الغاز، منها 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض دلتا النيل بمصر، ونحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز في منطقة حوض المشرق، قبالة شواطئ قبرص والكيان المحتل ولبنان وسوريا، وحوالي ثلاثة ونصف مليار برميل من النفط. (الجزيرة).

زادت الصراعات والخلافات في منطقة الشرق الأوسط، وحدثت العديد من الأمور التي يمكن ربطها مباشرة بهذه الاكتشافات. وسريعًا ما دخلت الولايات المتحدة على الخط بعد الاحتكاكات التركية اليونانية القبرصية خلال السنوات الأخيرة. وتُعد صناعة غاز شرق المتوسط، التي تبلغ العقدين من الزمن، أحدث قطاع بترولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ تمتد الصناعة البترولية الإقليمية في بعض الأحيان ما بين سبعة عقود إلى قرن من الزمن تقريبًا.

ويمكن ملاحظة الاهتمام الأمريكي بقضية غاز شرق المتوسط من خلال تنامي دور واشنطن الملحوظ في السنوات الأخيرة، واهتمامها المتزايد بالمنطقة، ومحاولة واشنطن إقناع حكومات هذه المنطقة بأن نجاحها في مجالي الأمن والطاقة في المستقبل سوف يعتمد على الدعم الأمريكي.

فقد زار العديد من المسؤولين الأمريكيين العواصم الكبرى في المنطقة من أجل حثها على تعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية فيما بينها، وعلى تخفيف حدة التوترات المتصاعدة في المنطقة، خاصة بين اليونانيين والأتراك بسبب الأزمة القبرصية، وبين الإسرائيليين واللبنانيين بسبب الخلافات الحدودية. وعملت الولايات المتحدة على صياغة اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين الكيان المحتل ولبنان. (مركز باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية).

كما نظمت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية، مثل “مجلس الأطلسي”، العديد من الفعاليات والأنشطة لبحث مستقبل منطقة شرق المتوسط، فالولايات المتحدة، الساعية لفرض وجودها في العديد من المواقع الإستراتيجية العالمية، وضعت شرق المتوسط ضمن استراتيجيتها الأساسية، وأخذت بدعم قبرص واليونان والكيان المحتل ومصر في مشاريعهم الاقتصادية الطاقية في شرق المتوسط، وإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في يناير 2020م، وإقصاء أنقرة عن المشاركة؛ ما أثار حفيظة تركيا التي كانت تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة، وقد بدا ذلك جليًا في التدخل التركي في ليبيا وسوريا.

ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى إدارة الملفات الخلافية الطاقية في شرق المتوسط بما يضمن المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وهو ما بدا جليًّا في انحياز الولايات المتحدة للكيان المحتل في خلافات الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية بما يتعارض مع القانون الدولي؛ ولذلك تخلق الولايات المتحدة الصراعات في شرق المتوسط وتفاقمها لتأكيد سيطرتها على المنطقة.

ومنذ بدء الحرب في قطاع غزة ونشر الولايات المتحدة لحاملة الطائرات الأمريكية شرق المتوسط، عبر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عن مخاوفه في 10 أكتوبر 2023م، عندما تساءل عن سبب إرسال الولايات المتحدة لحاملات طائرات إلى الكيان المحتل. ولا يُعد هذا “القلق التركي” من الحاملات الأمريكية هو الأول من نوعه، فقد سبق لوزارة الخارجية التركية أن أعلنت عن دعمها لجمهورية شمال قبرص غير المعترف بها دوليًّا، بعد رسو غواصة أمريكية بالقرب من شواطئها. (العربية).

العلاقات التركية الروسية.. مصالح مؤقتة أم تغيير في السياسة الخارجية التركية.

وقعت تركيا وروسيا صفقة صواريخ “إس – 400” في عام 2017م، وبدأت عملية تسليمها في 2019م. وقامت تركيا بنشر هذا النظام الدفاعي الروسي الصنع في أنقرة، وهو ما عارضته الولايات المتحدة الأمريكية، وعدته تهديدًا لأمن التكنولوجيا والأفراد في الجيش الأمريكي، وأنها لا تتوافق مع التكنولوجيا الخاصة بالناتو. فالتحركات الفردية لأعضاء الحلف تشكل تهديدًا للحلف، وتقارب تركيا مع روسيا يتناقض مع مصالح أعضاء الحلف، كما أنها توفر أموالًا طائلة لقطاع الدفاع الروسي وتعطي موسكو الفرصة لاستعادة تأثيرها ونفوذها السياسي والعسكري. (المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات).

ولذلك عدت صفقة صواريخ “إس – 400” الروسية أحد أكبر العقبات في العلاقات التركية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. وهي منظومة صاروخية للدفاع الجوي تغطي واحدة من أكبر الثغرات الدفاعية في البلاد، وتجعلها قادرة على إسقاط الطائرات التي تهدد أراضيها، وتستطيع تدمير قائمة من الأهداف الجوية تشمل الطائرات الحربية بأنواعها والطائرات المسيرة “درونز” والصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة.

ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وبالرغم من كون تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي؛ إلا أن أنقرة حرصت على ممارسة دور حيادي في الأزمة الأوكرانية، وجمع روسيا وأوكرانيا إلى طاولة التفاوض، ولم يكن من الصعب ملاحظة تنامي العلاقات التركية الروسية خلال تلك الأزمة على كافة الأصعدة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، في مقابل استمرار توتر العلاقات التركية الأمريكية، وتعثر محاولات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

الأمر الذي عزز التكهن باستمرار تنامي العلاقة بين الجانبين: التركي والروسي خلال الحِقْبَة الجديدة من ولاية أردوغان، باعتبارها امتدادًا لنفس شبكة السياسات والمصالح التي تجمع بين الجانبين، لكن الأمر الذي بات لافتًا هو أن هناك تغيرًا يطرأ على سياسة أنقرة تجاه أطراف الأزمة، يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كنا بالفعل بصدد حِقْبَة جديدة من السياسة الخارجية التركية، أم أنها مجرد إجراءات لإحداث توازن بين روسيا والغرب؟ وكسب أوراق ضغط وتفاوض جديدة تضمن لتركيا جني المزيد من المكاسب من طرفي الصراع.

لا سيما أن أنقرة تعتبر هي اللاعب الأساسي في حل أزمتي الطاقة والغذاء في العالم، وتعتبر حليفًا حيويًا ومؤثرًا على المستويين الإقليمي والدولي، ما يجعل من الصعب التخلي عن شراكتها، أو معاداتها، ويمكن القول: إن لأنقرة براغماتيتها الخاصة في تحقيق المكاسب وجني الثمار في أكثر من مِلَفّ، ودخول تركيا على خط أزمتي الطاقة والغذاء قد أكسبها دورًا محوريًا في هذه الملفات.

فخلال العام الماضي 2023م، تقدمت تركيا بمبادرة لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي اشتملت على عدة بنود كان من أهمها: قبول أوكرانيا بكونها دولة محايدة تمامًا، مع ضمان استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها، وعدم اعتراض روسيا على أي حكومة أوكرانية ينتخبها الشعب الأوكراني، إضافة إلى نزع سلاح أوكرانيا، وخفض عدد قواتها البرية إلى 150 ألف جندي نظامي، و100 ألف جندي احتياط، مع تدمير جميع أنظمتها الحربية المتقدمة التي يمكن أن تشكل تهديدًا ضد روسيا، وحظر تطوير أو حيازة أي من هذه الأنظمة المحظورة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية. (الشرق).

وإجراء استفتاء شعبي تحت إشراف الأمم المتحدة في شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، بما فيها لوغانسك ودونيتسك، بشأن رغبة مواطنيها في الانضمام إلى روسيا أو أوكرانيا. كما ضمت أيضًا: إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا، واستعادة الأصول المالية الروسية التي تم الاستيلاء عليها إلى أصحابها، وتعهد الولايات المتحدة وحلف الناتو بعدم التوسع شرقًا، وعدم ضم أي دولة من الجمهوريات السوفياتية السابقة، مقابل عدم اعتراض روسيا على انضمام السويد أو أي دولة أوروبية أخرى لا تقع على حدود روسيا إلى حلف الناتو. (الشرق).

وبالنظر إلى بنود مبادرة السلام التركية وتماشيها مع الأهداف الروسية في أوكرانيا إلى حد كبير، عبر نزع سلاح أوكرانيا وضمان حياديتها، وما يتعلق بإقليم دونباس والقرم؛ يمكن القول إن تركيا قد تجاوزت حدود البراغماتية السياسية التقليدية وباتت تنتهج سياسة تقربها أكثر من روسيا في خطوة مفاجئة من قبل دولة عضو في التكتلات الغربية وحليف أساسي للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا يُعد توجهًا مفاجئًا بالنسبة إلى المراقبين للسياسات التركية الخارجية.

مستقبل العلاقات التركية الأمريكية في ظل الخلافات المتفاقمة بين الجانبين:

في العادة، استمرت المصالح الاقتصادية بين الطرفين بوتيرة قوية في الماضي، على الرغم من توتر العلاقات السياسية بينهما بين فترة وأخرى، وهو ما يفسر تخطي حجم الاستثمارات الأمريكية بالسوق التركية أكثر من 117 مليار دولار خلال الفترة من عام 2000م وحتى عام 2020م، بجانب وصول المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 32 مليار دولار خلال العام 2023م. (سكاي نيوز عربية).

وعلى الجانب السياسي، قد لا تكون لدى الإدارة الأمريكية رغبة في دفع تركيا للاقتراب أكثر من روسيا، كون تركيا تُعد جزءًا مهمًّا من الإستراتيجية الأمريكية في شرق أوروبا والشرق الأوسط لما تتمتع به من موقع جغرافي، وما تضمه من قواعد عسكرية لحلف الناتو، إلى جانب قدم العلاقات التركية الأمريكية والتي تعود إلى الحرب العالمية الثانية.

ولذلك، من المرجح استمرار الشد والجذب في العلاقات التركية الأمريكية دون بلوغ مرحلة تغيير بوصلة السياسة الخارجية التركية، لما سيكون له من تداعيات سلبية على المصالح التركية. وبالنظر إلى نجاح سياسات الشد والجذب التركية خلال السنوات الأخيرة في تحقيق عدة مكاسب في تقاربها مع روسيا وتحسين علاقاتها مع دول الإقليم؛ إضافة إلى نجاح تركيا في الضغط على فنلندا والسويد للحد من علاقاتهما المتنامية مع حزب العمال الكردستاني، فإن تركيا ستستمر في انتهاج هذه السياسة.

وعند النظر إلى مستقبل العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، خاصة في حال فوز المرشح الجمهوري والرئيس السابق “دونالد ترامب” بالرئاسة، يرى بعض المراقبين الأمريكيين: أن ذلك من الممكن أن يعني نقطة تحول جديدة في مسار العلاقات التركية الأمريكية؛ نظرًا لتمتع أردوغان بعلاقات وثيقة مع ترامب رغم الخلافات، على العكس تمامًا من الرئيس الحالي بايدن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الخلاف بين البلدين لم يكن فقط خلافًا مؤقتًا مرهونًا بالعلاقات بين الرئيسين، بما يعني انتهائه بمجرد قدوم رئيس أمريكي آخر، ولكن الخلاف بين البلدين أعمق بكثير، وحتى إن أدى ذلك إلى حدوث تحسن ملحوظ في مسار العلاقات في المرحلة المقبلة، لكنه لن يعني انتهاء الخلاف ووضع حلول سريعة لحل القضايا الخلافية بينهما.

بل إن الأمر سيحتاج إلى بعض الوقت؛ خاصة في ظل التغيرات المتلاحقة والسريعة التي يشهدها النظام الدولي الحالي، وسعي كلا البلدين لتحقيق مصالحهما، والمساعي التركية الحالية للانضمام إلى تكتل البريكس، والتي عدت خطوة تركية جديدة نحو زيادة التقارب أكثر مع الشرق.

الخلاصة:

تراكمت العديد من الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة، وطالت العديد من القضايا المتنوعة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، والعلاقات التركية الخارجية مع خصوم الولايات المتحدة، أبرزهم روسيا. وشكلت القضية الكردية التي تمثل محورًا مهمًّا في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، عاملًا في تفاقم الخلافات؛ فالولايات المتحدة الأمريكية قد عززت من تحالفاتها مع الجماعات الكردية، ما دفع أنقرة إلى التقارب مع موسكو وتنمية علاقاتها أكثر، بحثًا عن مصالحها الخاصة في سوريا بعيدًا عن الولايات المتحدة.

شكلت الخلافات الإقليمية بين دول شرق المتوسط على مناطق السيادة في البحر الأبيض المتوسط، مع اكتشافات الغاز والبترول الأخيرة، نقطة خلافات حادة أيضًا في العلاقات التركية الأمريكية. فدعم الولايات المتحدة لقبرص واليونان قد أثار حفيظة تركيا التي انتهجت سياسات تصعيدية مع جيرانها في المنطقة. وبالنظر إلى التقاربات التركية الأخيرة، يمكن القول: إن تركيا قد انتهجت سياسة جديدة مع دول الجوار في التعامل مع خلافات غاز شرق المتوسط، وبالرغم من ذلك لا تزال الخلافات قائمة.

وبالنظر إلى السياسة التركية تجاه روسيا، وما تردد عن رغبة أنقرة في الانضمام إلى تكتل البريكس، يمكن القول: إن تركيا باتت تنتهج سياسة خارجية جديدة تنطلق من مصالحها الخاصة بعيدًا عن الغرب والولايات المتحدة؛ وقد بدا ذلك جليًا فيما جاء ببنود مبادرة السلام التركية لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، وتماشيها مع الأهداف الروسية في أوكرانيا، في خطوة تركية بعيدة عن سياسة الحلفاء الأوروبيين التصعيدية تجاه الاتحاد الروسي.

المصادر:

الجزيرة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية

العربية

DW

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

الشرق

سكاي نيوز عربية

روسيا اليوم

التعليقات مغلقة.