fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

هجمات في الداخل الروسي: هل خرجت الحرب الروسية الأوكرانية عن السيطرة؟

42

هجمات في الداخل الروسي: هل خرجت الحرب الروسية الأوكرانية عن السيطرة؟

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث في شهر فبراير الماضي 2024م، ولم تُسفر حتى هذه اللحظة عن هزيمة مؤكدة لأحد الطرفين، بل شهدت الحرب تطورات عدة خلال العامين الماضيين؛ كان أبرزها وصول نيران الحرب إلى الأراضي الروسية، بعد أن كان مسرح عملياتها مقتصرًا على الأراضي الأوكرانية؛ فقد أدى الإمداد الغربي الواسع بالطائرات المسيرة والصواريخ إلى أوكرانيا إلى نجاح كييف في توجيه ضربات عسكرية إلى الأراضي الروسية في بيلغورود وكورسك وروستوف، وغيرها.

بالتزامن مع نجاح القوات الأوكرانية في وقت سابق من العام 2022م في شنِّ هجوم مضاد على عدة محاور، تمكنت عبره من استعادة السيطرة على العديد من الأراضي، وتحديدًا خاركيف، ومع دخول الحرب عامها الثالث ووصول نيرانها إلى الأراضي الروسية، تغيرت إستراتيجية موسكو في أوكرانيا من هجوم واسع النطاق للسيطرة على الأراضي الأوكرانية بما فيها العاصمة كييف وإسقاط الحكومة الأوكرانية، إلى اقتصار الحرب على مناطق الشرق والجنوب الأوكراني، ومحاولة إحكام السيطرة على المقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا.

فما تفاصيل الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية؟ وكيف أثرت الهجمات الأوكرانية وطول أمد الصراع على الأهداف الروسية من الحرب؟ وكيف يمكن قراءة تطورات المشهد الحالي للصراع الروسي الأوكراني؟ ومع دخول الحرب عامها الثالث، إلى أين تتجه الأمور بين روسيا وأوكرانيا؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على الصراع الروسي الأوكراني، والضربات الأوكرانية في الداخل الروسي، وتأثيراتها على الأهداف الروسية من الحرب، والدعم الغربي الهائل لأوكرانيا، في هذه السطور الآتية:

وصول الحرب في أوكرانيا إلى الأراضي الروسية:

عندما انطلقت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 من فبراير 2022م، توقع العديد من المراقبين انهيارًا سريعًا للقوات الأوكرانية، وسيطرة روسية على معظم الأراضي والمقاطعات الأوكرانية، بما فيها العاصمة كييف، ولكن بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، طالت نيرانها المدن الروسية القريبة والبعيدة من الحدود الأوكرانية، فحتى إبريل عام 2024م، قتل 120 شخصًا، وأصيب نحو 651 آخرين في الضربات الأوكرانية على مقاطعة بيلغورود الروسية وحدها (الشرق الأوسط).

وطالت الضربات الأوكرانية أيضًا مقاطعات بريانسك وكورسك وروستوف وكراسنودار، بل وحتى تعرض قصر الكرملين لهجوم بطائرة مسيرة انتحارية، وقع في يوم 3 مايو من عام 2023م، وسريعًا ما نقلت وسائل الإعلام الروسية تصريحات مراقبين وساسة روس بأن الهدف من الهجوم على الكرملين هو اغتيال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، بالرغم من نفي الرئيس الأوكراني ذلك.

ولم يتوقف الأمر عند هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على المدن الروسية، بل ظهرت مجموعات شبه عسكرية روسية مسلحة معادية لنظام الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، أعلنت عن مسؤوليتها عن العديد من الهجمات والضربات العسكرية في الداخل الروسي؛ كان أشهرهم “فيلق المتطوعين الروس”.

وتعهد قائدهم “دينيس كابوستين” بمزيد من الغارات عبر الحدود داخل روسيا، وكشف عن احتجاز أسرى من الروس والعودة بهم لأوكرانيا خلال هجوم واسع استهدف مقاطعة بيلغورود الروسية في مايو 2023م، وإلى جانب “فيلق المتطوعين الروس”، تنشط أيضًا حركة “فيلق حرية روسيا”، وتصف روسيا هذه المجموعات المسلحة شبه العسكرية، التي تنفذ عمليات عسكرية ضد المقاطعات الروسية الحدودية، بالمقاتلين الأوكرانيين (بي بي سي عربية)، لكن كييف تقول: إن هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى مجموعتين شبه عسكريتين روسيتين مناهضتين للكرملين.

ولا تخفي المجموعتان رغبتهما في تفكيك وإسقاط نظام الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. وقد وصف مراقبون غربيون في الماضي الفيلقين الروسيين بأنهما جزء من فيلق دولي يشارك في الدفاع عن أراضي أوكرانيا. وبرز “فيلق المتطوعين الروس” في مارس 2023م، حيث شارك في غارة عبر الحدود في منطقة بريانسك الروسية، وأعلن وقتها مشاركة 45 شخصًا من الفيلق في تلك الغارة.

وبالنظر إلى تواجد العديد من الآراء المعادية للحرب في الداخل الروسي، خاصة بين الأقليات الأوكرانية في العديد من المدن الروسية والتي شاركت في تظاهرات عدة رافضة للحرب في أوكرانيا؛ يمكن القول: إن أجهزة الاستخبارات الغربية والأوكرانية قد نجحت في تجنيد عدد من المواطنين الروس من أصل أوكراني في الفيالق المعادية للكرملين لتنفيذ عمليات هجومية في الداخل الروسي.

وفي ظل التصعيد المتبادل بين الغرب وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وفشل الإستراتيجية العسكرية الروسية في أوكرانيا في ظل الدعم الغربي الهائل، الذي عرقل الأهداف الروسية؛ إضافة إلى انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونشر روسيا لصواريخ إستراتيجية ورؤوس حربية نووية في بيلاروسيا وكالينينجراد، وتصريح الرئيس البولندي عن رغبة بلاده في نشر أسلحة نووية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بولندا.

حذر “ديمتري ميدفيديف”، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، من خطر نشوب حرب نووية مع الغرب عن طريق الخطأ. وقال ميدفيديف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية: “إن تسليم طائرات (إف-16) لأوكرانيا قد يكون أحد أسباب الحرب النووية المحتملة”. (الجزيرة).

تصريحات ميدفيديف بين الحين والآخر عن توسع نطاق الحرب أو تحولها إلى حرب نووية تعكس ازدياد غضب المسؤولين الروس وصناع القرار من الدعم الغربي الهائل لأوكرانيا.

مع تعقد الجبهة أكثر ووصول نيرانها إلى الأراضي الروسية، وفشل الإستراتيجية الروسية الموضوعة للسيطرة السريعة والخاطفة على المدن والبلدات الأوكرانية وإنهاء الحرب سريعًا، يبدو أن الحرب في أوكرانيا والصراع الروسي الغربي قد بدأ يخرج عن نطاق السيطرة.

تكتيكات وإستراتيجيات القوات الأوكرانية في استهداف المدن الروسية:

أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية تطورًا في تكنولوجيا التسلح في ساحة معركة حديثة للغاية، حيث تؤدي الطائرات دون طيار وتكنولوجيا الروبوتات القتالية دورًا مهمًا في مهام المراقبة والاستطلاع والقتال. وقد تنذر هذه التقنيات بعالم تجري فيه النزاعات المسلحة إلى حد بعيد عن طريق التحكم عن بعد، وربما في يوم من الأيام عن طريق الذكاء الاصطناعي. ويطلق البعض عليها حرب الخوارزميات أو الحروب الإلكترونية.

وأصبحت الحرب في أوكرانيا مختبرًا للحروب المستقبلية؛ إذ يؤدي الابتكار سواء من قبل المدنيين أو العسكريين دورًا حيويًا ومحوريًا في ساحة المعركة. ويُعد تطور التقنيات للاستخدام العسكري واستخدامها بطرق مبتكرة وجديدة في ساحة المعركة سمة رئيسية للحرب الروسية الأوكرانية، فقد استخدم كلا الجانبين: الروس والأوكران مجموعة واسعة من الطائرات المسيرة مختلفة الطرازات والأنواع لأغراض الاستطلاع والهجوم وتوجيه الضربات واسعة النطاق واستنزاف أنظمة الخصم. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات).

وكان يُنظر إلى الطائرات العسكرية المسيرة الرئيسية في أوكرانيا من طراز “بيرقدار” التركية الصنع على أنها تغير قواعد اللعبة؛ إذ ساعدت بشكل كبير في تدمير العديد من أنظمة المدفعية الروسية والعربات المدرعة. ويبلغ سعرها التقديري: 2.8 مليون دولار، وهو بالرغم من أنه لا يزال باهظًا، إلا أنه يُعد أرخص بكثير من الطائرات القتالية التقليدية دون طيار المستخدمة في صراعات أخرى؛ مثل: “ريبر” الأمريكية البالغة 32 مليون دولار، والتي استخدمتها الولايات المتحدة في العديد من حروبها المختلفة حول العالم (سكاي نيوز عربية).

لكن الحرب الحديثة كشفت عن نقاط ضعف الطائرات دون طيار الأكبر والأكثر تكلفة؛ إذ من المحتمل أن يتم إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، حيث إن الطائرات دون طيار بطبيعتها معرضة لهجمات العدو وتضيع بشكل روتيني في ساحة المعركة؛ ولهذا السبب، فإن استخدام طائرات دون طيار رخيصة ومتاحة تجارياً لتنفيذ المهام العسكرية أمر ضروري للغاية، وهناك حاجة لكميات هائلة منها.

تستخدم القوات الأوكرانية نحو 10 آلاف طائرة مسيرة شهريًّا، وقد أظهرت حرب الطائرات المسيرة بين روسيا وأوكرانيا فاعلية كبيرة في جبهات القتال، وعكست تطور حروب القرن الحادي والعشرين، وتُعد الطائرات المسيرة الأوكرانية السلاح الأهم والأبرز في مهاجمة المدن الروسية المتاخمة للحدود الأوكرانية.

إذ تشنُّ القوات الأوكرانية هجمات بعشرات المسيرات على بيلغورود وكورسك وروستوف، ما يؤدي إلى استنزاف الدفاعات الجوية والصاروخية الروسية ووصول جزء من المسيرات إلى أهدافها المحددة. وتعتمد القوات الأوكرانية بشكل كبير على المسيرات؛ إذ أظهرت فاعلية عالية في جبهات القتال، وكانت أحد العوامل الرئيسية في إطالة أمد الصراع، وفشل القوات الروسية في حسم الحرب سريعًا.

ويمكن القول: إن القوات الأوكرانية تعمل على استنزاف القوات الروسية عبر المسيرات بالتزامن مع هجمات صاروخية وبرية؛ إلا أن خط الدفاع الروسي الذي شيدته القوات الروسية في المقاطعات التي ضمتها روسيا، وتحديدًا “قطار القيصر” في دونيتسك، يبقى العائق الأكبر أمام تقدم القوات الأوكرانية وفشل هجومها المضاد في الصيف الماضي.

تغير الأهداف العسكرية الروسية في أوكرانيا:

أدى صمود القوات الأوكرانية وقتالها العنيف على جميع محاور تقدم القوات الروسية في الأسابيع الأولى من بدء الهجوم الروسي الشامل على الأراضي الأوكرانية، بالتزامن مع الدعم الغربي واسع النطاق وغير المحدود لأوكرانيا واستخدام تكتيكات واستراتيجيات عسكرية جديدة، إلى تغيير الأهداف العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ففي 24 من فبراير عام 2022م، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إطلاق عملية عسكرية روسية خاصة في أوكرانيا بهدف حماية سكان الدونباس، على حد وصفه؛ وفي واقع الأمر، لم تكن مجرد عملية عسكرية محدودة، كما وصفها الرئيس بوتين ووسائل الإعلام الروسية الرسمية، وإنما كانت حربًا شاملة، واسعة النطاق؛ انطلقت من الشمال والشرق والجنوب الأوكراني. وهدفت موسكو إلى تحقيق هدفين إستراتيجيين: الأول إجبار حلف شمال الأطلسي (الناتو) على سحب بنيته التحتية من الدول القريبة من الحدود الروسية، والعودة ببنية الحلف العسكرية إلى حدود عام 1997م، بمعنى أوضح؛ خروج الحلف من شرق أوروبا بالكامل، والعودة إلى الحدود الألمانية البولندية.

وكان الهدف الروسي الثاني وراء هذه الحرب هو السيطرة على العديد من المدن الأوكرانية، بما فيها العاصمة كييف، وإسقاط الحكومة الأوكرانية وتنصيب حكومة جديدة موالية لروسيا. وكان واضحًا التفوق الروسي في بداية الحرب، والقدرات الروسية على إدارة الجبهة؛ إذ نجحت القوات الروسية في السيطرة على العديد من المناطق في خيرسون، وميكولايف، وزابوريجيا، ودونيتسك، ولوغانسك، وكييف، وسومي.

ولكن سريعًا ما أخذت الأمور بالتغيير؛ حيث انهال الدعم الغربي بالأسلحة الأحدث والأكثر تطورًا في العالم إلى أوكرانيا، وهو ما أسفر بعد أشهر معدودة من الاجتياح الروسي الشامل عن نجاح القوات الأوكرانية في صد القوات الروسية في شمال البلاد وحول العاصمة كييف؛ كما استعادت في وقت لاحق أجزاءً شاسعة من الأراضي في الشرق والجنوب، وتحديدًا في خاركيف، وخيرسون، وصدت هجمات في أوديسا وميكولايف.

وفي ظل التغير السريع والمفاجئ لمجريات الأحداث، بعد أشهر قليلة من الاجتياح الروسي، عمدت روسيا إلى تغيير إستراتيجيتها العسكرية في أوكرانيا، من السيطرة على جميع الأراضي والمقاطعات والمدن الأوكرانية، إلى التركيز على إقليم دونباس، والمقاطعات الجنوبية الأوكرانية شمالي شبه جزيرة القرم؛ ففي إبريل من عام 2022م، انسحبت القوات الروسية من شمالي أوكرانيا باتجاه بيلاروسيا، واعتمدت روسيا على قوات مجموعة فاغنر الخاصة إلى حد كبير في معارك باخموت وآزوف ستال في إقليم دونيتسك.

هذا التغير في الإستراتيجية والأهداف الروسية يعكس نجاح الغرب في عرقلة الخطط الروسية، كما أن دخول روسيا على خط نزاعات أخرى حول العالم؛ مثل: انقلابات الساحل الأفريقي، وصراع أرمينيا وأذربيجان 2023م، ومحاولات لعب دور سياسي في الحرب بين الكيان المحتل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، يظهر المساعي الروسية لتخفيف التركيز الغربي عن جبهة أوكرانيا.

دوافع الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا:

وتمثلت الأسلحة الغربية التي تلقتها أوكرانيا من الدول الغربية في قاذفات الصواريخ المضادة للدبابات والدروع، من طراز جافلين من النسخة الأمريكية الأحدث، وكذلك القاذفات المضادة للدبابات التي أنتجتها بريطانيا بالتعاون مع السويد، وهو الصاروخ الأكثر تطورًا في العالم؛ إذ إنه قادر على تدمير الدبابات الأكثر تدريعًا وقوة.

ودخلت أجهزة الاستخبارات الغربية التابعة لدول حلف شمال الأطلسي على الخط؛ حيث عملت على رصد كافة التحركات العسكرية الروسية، والقيام بعمليات التجسس وجمع المعلومات، واختراق شبكات الاتصالات العسكرية بين الوحدات والتشكيلات العسكرية الروسية؛ وهو ما مكَّن القوات الأوكرانية من توجيه بعض الضربات العسكرية المؤثرة؛ منها: على سبيل المثال ضرب الطراد موسكوفا، أهم القطع البحرية الروسية في البحر الأسود. وخلال العامين 2022م – 2023م، بلغت حجم المساعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا نحو 170.8 مليار دولار.

وبالنظر إلى حجم الدعم الغربي الهائل إلى أوكرانيا، فيمكن القول: إن الولايات المتحدة تطمح إلى الحفاظ على تماسك المعسكر الغربي، خاصة بعد الضعف النسبي الذي لحق بالولايات المتحدة مؤخرًا؛ مثل: الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وفشل استراتيجيتها العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، وصعود الاتحاد الروسي والصين كأقطاب منافسة للنفوذ الأمريكي.

كما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز ترابطها العسكري والأمني مع أوروبا، من خلال زيادة اعتماد الدول الأوروبية على منظومات الدفاع الجوي الأمريكية، تحسبًا للقوة الصاروخية الروسية المتطورة؛ خاصة بعد انتهاء اتفاقية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى.

وتعمل واشنطن أيضًا على الحصول على تفوق نسبي في منطقة أوراسيا، يمكنها من تحجيم النفوذ الروسي ثم الصيني. ففي إطار التنافس مع كلٍّ من: الصين وروسيا، تمتلك الولايات المتحدة ميزة نسبية في قوتها البحرية، التي تمنحها القدرة على استغلال محيطات العالم التي تغطي أكثر من ثلثي سطح الكوكب، والدفاع عن المصالح الأمريكية حول العالم.

إذ يمكن للبحرية الأمريكية أن تنشر جزءًا كبيرًا من قواتها في أي لحظة، في مناطق العمليات البعيدة، ولا سيما غرب المحيط الهادئ، والمحيط الهندي، ومنطقة الخليج العربي، والمياه حول أوروبا. وهذه الأماكن هي الأهم للمصالح الأمريكية حول العالم؛ مثل: دعم القوات الأمريكية، والقواعد العسكرية المنتشرة، وردع الاعتداءات المحتملة، وطمأنة الحلفاء والشركاء، ودعم الأنشطة الأخرى الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع؛ بالإضافة إلى عمليات مكافحة الإرهاب والاستجابة للأزمات والاحتواء.

وفي مقابل هذا التفوق البحري للولايات المتحدة، تسعى واشنطن للتفوق الأرضي أيضًا، بما يزيد من فرص احتفاظها بالهيمنة العالمية؛ ولذلك هدفت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تدور في فلكها، إلى تحويل أوكرانيا لنموذج أشبه بأفغانستان، لاستنزاف القدرات العسكرية الروسية المتطورة، مثل الصواريخ الفرط صوتية التي اضطرت روسيا لاستخدامها. وتقليص قدرة روسيا على بيع الأسلحة، والتي تُعد أحد مصادر إيراداتها الخارجية؛ بالإضافة إلى إضعاف روسيا كحليف للصين، القوة الصاعدة في مواجهة الولايات المتحدة، إلى جانب الدفع في اتجاه تخلي روسيا عن حلم تحولها لدولة كبرى منافسة للهيمنة الأمريكية؛ والارتضاء بكونها قوة متوسطة إقليمية في أوراسيا.

الاستنتاجات:

إن الرغبة الأمريكية في القضاء على المنافسين واللاعبين الدوليين الجدد، ومحاولة الحد من القوى الصاعدة، تنذر بتصعيد خطير، وانزلاق الأمور نحو كارثة نووية كبرى؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق نصر عسكري على روسيا عبر استنزافها في أوكرانيا، وإطالة أمد الصراع، وضخ مئات المليارات من الدولارات في تمويل أوكرانيا بالعتاد العسكري؛ ما سيشكل ضغطًا على النظام الروسي، ويسفر في النهاية عن زعزعة استقرار روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، وإغراقها في أزمات داخلية، بل وربما تفككها إلى جمهوريات مختلفة، كما حدث سابقًا مع الاتحاد السوفيتي، ومن ثم تتفرغ الولايات المتحدة لاستهداف خصمها الآخر في الشرق؛ أي: الصين عبر خلق توترات مشابهة في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي؛ إذ إن نجاح الولايات المتحدة في استراتيجيتها الواضحة، بإضعاف روسيا وتفكيكها، سيضمن بقاء الولايات المتحدة قوة مهيمنة عالمية لعدة عقود قادمة، وستصبح روسيا نموذجًا للقوى الصاعدة إذا ما حاولت تحدي الهيمنة الأمريكية.

ومن جهة أخرى: تطمح روسيا إلى تحطيم الهيمنة الأمريكية في شرق أوروبا، واستعادة مناطق النفوذ السوفيتي السابقة، وإبعاد حلف شمال الأطلسي عن الحدود الروسية. ويبدو أن طرفي الصراع لم ينجح أي منهما في تحقيق أي من أهدافه حتى اللحظة؛ في ظل الإصرار الروسي على القضاء على النظام الأوكراني الموالي للغرب من جهة، والدعم الغربي الهائل لأوكرانيا لاستنزاف روسيا من جهة أخرى، وقد تخرج الحرب عن نطاق السيطرة في أي وقت خاصة مع نشر الأسلحة النووية في شرق أوروبا وانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.

الخلاصة:

– سعى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، إلى السيطرة العسكرية السريعة في هجوم عسكري خاطف، على المدن الأوكرانية، وتنصيب حكومة جديدة موالية لروسيا في أوكرانيا، ولكن الدعم الغربي الهائل لأوكرانيا، حال دون تحقيق ذلك الهدف، ومع إطالة أمد الصراع، واتساع الجبهة، ووصول نيران الحرب إلى المقاطعات الروسية؛ تغيرت الإستراتيجية العسكرية الروسية في أوكرانيا، من السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، إلى السيطرة على مدن الشرق والجنوب الأوكراني، واقتصار الحرب في هذه المناطق؛ إلا أن القوات الأوكرانية لا يزال بمقدورها توجيه هجمات وضربات عدة في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا.

– أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية؛ فاعلية عالية للطائرات المسيرة والصواريخ، وعكست تطور الحروب والصراعات في القرن الحادي والعشرين، وقد ساهمت الضربات الأوكرانية بمختلف المسيرات والصواريخ؛ إضافة إلى الدعم الغربي الهائل لأوكرانيا؛ إلى عرقلة الأهداف الروسية وتصعيد خطير من قبل روسيا والغرب، خاصة مع نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا.

– تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى إطالة أمد الصراع الروسي الأوكراني؛ لاستنزاف الاتحاد الروسي، وجعل أوكرانيا أشبه بأفغانستان جديدة؛ للحد من القوة الروسية الصاعدة، وتحويل الهزيمة الروسية المتوقعة من قبل الغرب في أوكرانيا، إلى نموذج للقوى الأخرى التي تراها الولايات المتحدة تهديدًا لنفوذها ومصالحها؛ مثل الصين؛ إذ تواجه الولايات المتحدة خلال العقد الأخير، تحديات من قبل روسيا والصين؛ لذلك جاء الدعم الغربي الهائل، الذي تجاوز مئات المليارات من الدولارات لأوكرانيا، بأحدث الأسلحة الغربية.

المصادر:

سكاي نيوز عربية

مونت كارلوا الدولية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات

روسيا اليوم

مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية

اندبندنت عربية

الشرق الأوسط

بي بي سي عربي

الجزيرة

التعليقات مغلقة.