fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أهداف زيارة الرئيس العراقي لواشنطن.. ومستقبل الوجود العسكري الأمريكي

46

أهداف زيارة الرئيس العراقي لواشنطن.. ومستقبل الوجود العسكري الأمريكي

أتت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في  15 إبريل 2024 الماضي، في ظل وجود العديد من الملفات والأحداث المهمة التي وقعت بالمنطقة، وقد تشارك العراق في جزء من هذه الأحداث، خاصة بعد التحركات الإيرانية الأخيرة بإطلاق رشقات صاروخية على الكيان الصهيوني؛ هذه البيئة الأمنية المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط لم تكن غائبة عن طاولة المسئولين الدوليين؛ بالإضافة إلى التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية المعقدة التي يعيشها العراق، وتحديًدا في إطار العلاقة مع الولايات المتحدة.

ورغم أهمية الملفات التي ناقشها السوداني مع بايدن، فقد حظي موضوع الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بأهمية كبرى، وهذا ما كان واضحًا في لقاءات السوداني مع المسؤولين الأمريكيين، خصوصًا أن هذه الزيارة تأتي في سياق استكمال أعمال اللجنة العسكرية العليا المعقودة بين بغداد وواشنطن، لإعادة تشكيل وضع القوات الأمريكية في العراق، في ظل مطالبات مستمرة من قِبل قوى الإطار التنسيقي الحاكم، وتحديدًا الفصائل المسلحة المقربة من إيران، بإنهاء وجود هذه القوات، عبر وضع جدول زمني يحدد المدة اللازمة لانسحاب كل القوات من العراق، بما فيها قوات التحالف الدولي ضد “داعش”.

أبرز الملفات على طاولة السوداني وبايدن:

ناقشت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة عددًا من الملفات ذات الأولية لكلا الجانبين، وكان أبرز تلك الملفات ما يلي:

أولًا: الملف الاقتصادي:

احتلت الملفات الاقتصادية أهمية على جدول أعمال رئيس الوزراء العراقي؛ إذ يظهر ذلك من خلال تشكيلة الوفد الوزاري المرافق له في الزيارة، والتي ضمت كلًّا من: وزراء المالية والطاقة والنفط، ورئيس البنك المركزي العراقي، كما سبقت الإشارة؛ إذ ناقش رئيس الوزراء العراقي عددًا من الملفات الاقتصادية مع الرئيس الأمريكي على رأسها زيادة الاستثمارات الأمريكية في الاقتصاد العراقي، ولا سيما في قطاع النفط، وقد أسفرت الزيارة عن توقيع 18 مُذكرة تفاهم مع عدد من الشركات الأمريكية في مجالات النفط والطاقة والتكنولوجيا والإلكترونيات.

وعلى الرغم من جهود السوداني، في تعزيز الاستثمارات الأمريكية في العراق، ولا سيما في مجال النفط، فإن العلاقات الأمريكية العراقية في المجال الاقتصادي تواجه تحديات، لعل من أهمها: الامتعاض الأمريكي من الدور المتزايد للصين في العراق؛ إذ عززت الصين أنشطتها بشكل كبير في قطاع الطاقة العراقي، وفازت بنسبة 87% من جميع عقود مشروعات النفط والغاز والطاقة التي تم منحها في البلاد خلال عام 2022، وأصبحت تمتلك حصصًا في حقول “الأحدب” و”الحلفايا” و”الرميلة” و”غرب القرنة 1″ من خلال شركة “تشاينا بتروليوم آند كيميكال كورب”؛ وهو الأمر الذي يجعل قطاع النفط –أحد أكبر قطاعات الاقتصاد العراقي– غير مُغرٍ بالنسبة لعدد من الشركات الأمريكية، كما يجعل الحكومة الأمريكية غير مُرتاحة للتوسع الصيني في قطاع النفط العراقي؛ وبالتالي ضعف شهية المستثمرين الأمريكيين.

كما تُعد العقوبات الأمريكية المفروضة على القطاع المالي والمصرفي العراقي، إحدى أبرز التحديات التي تواجه العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ إذ فرضت الولايات المتحدة منتصف العام الماضي قيودًا على وصول العراق لاحتياطاته النقدية، والتي تبلغ حوالي 100 مليار دولار يقع معظمها في الولايات المتحدة؛ مما أدى إلى تحكم ضمني للفدرالي الأمريكي في الدولار في العراق، وأصبح بإمكانه أن يرفض طلبات العراق للحصول على الدولار، وذلك مثلما فعل الفدرالي الأمريكي عندما أصر على ربط البنك المركزي العراقي بالمنصة الإلكترونية من خلال نظام سويفت لتتبع الحوالات؛ لملاحقة حركة الدولار والتأكد من عدم ذهابه إلى دول مُعادية للولايات المتحدة أو خاضعة للعقوبات، في إشارة إلى إيران تحديدًا.

وعلى الرغم من امتثال العراق للطلبات الأمريكية واتخاذه إجراءات ضد عدد من البنوك العراقية التي تتهمها الولايات المتحدة بتسهيل إيصال الدولار لإيران والجماعات المسلحة الموالية لها، فإنه لا تزال هناك بعض القيود الأمريكية على المجال المصرفي للعراق، وهو ما أدى إلى تقييد الوصول إلى الدولار، والذي أدى بدوره إلى ارتفاعات ملحوظة في أسعار بعض السلع الرئيسية في أسواق المواد الغذائية والخضروات ما بين 5% إلى 20%، وارتفاع أسعار الدواء بنحو 13%، فيما وصل التضخم إلى مستوى تجاوز 6% مع انقضاء الربع الثالث من عام 2023.

ثانيًا: مُستقبل الوجود الأمريكي في العراق:

ناقش رئيس الوزراء العراقي مسألة الوجود الأمريكي في العراق ومُستقبل قوات التحالف الدولي؛ إذ أشار إلى أن العراق توصل إلى إطار عمل في الحوار الأمني المشترك مع الولايات المتحدة؛ يقضي برفع الأمر إلى اللجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية، التي ستقوم بتقييم القدرات والظروف التشغيلية، ولاحقًا تحديد موعد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.

وتُعد مسألة الوجود الأمريكي في العراق من أبرز القضايا المحورية في العلاقات العراقية الأمريكية، فمنذ توليه السلطة، يواجه رئيس الوزراء العراقي ضغوطًا مُتزايدة من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران وامتداداتها السياسية في الإطار التنسيقي (الظهير السياسي الرئيسي لحكومة السوداني) من أجل طرد القوات الأمريكية، وقد تعاظمت هذه الضغوط في أعقاب مقتل القيادي في حركة النجباء، مشتاق طالب السعدي، في 4 يناير 2024، بغارة أمريكية، وما تبع ذلك من حملة قصف جوي أمريكي طالت أهدافًا في العراق، وأدت إلى مقتل القيادييْن في كتائب حزب الله العراقي، أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي، كرد فعل انتقامي على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة “البرج 22” في الأردن.

أما بالنسبة للجانب الأمريكي فإن انسحاب القوات الأمريكية من العراق لا يُعد خيارًا إستراتيجيًا في الوقت الراهن؛ إذ من المُرجح أن يكرِّس الانسحاب نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وبالتالي تعزيز سيطرتها على مراكز صنع القرار في العراق، والتي تهيمن على أجزاء واسعة منها بالفعل من خلال الامتدادات السياسية لها في البرلمان ومجالس المحافظات.

فضلًا عن أن تعاظم نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران قد تكون له تداعيات سلبية على الوضع الجيوسياسي في المنطقة، خصوصًا في ظل التنافس الأمريكي مع إيران؛ وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد تخسر منطقة نفوذ مهمة في الشرق الأوسط وواحدة من أهم نقاط التماس مع إيران، كما يعني الانسحاب الأمريكي أيضًا التسليم بأن إيران قد ربحت حرب النفوذ ضد الولايات المتحدة في العراق؛ وهو ما سيترتب عليه تحويل العراق لمحافظة إيرانية.

ولا يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى اختلال توازنات القوى على المستوى الجيوسياسي فقط، وإنما يمتد ليطرح تساؤلات حقيقية في الداخل الأمريكي عن جدوى الوجود الأمريكي في العراق منذ 2003، وعما إذا كانت الولايات المتحدة قد حققت بالفعل أهدافها من خلاله.

بالنسبة لرئيس الوزراء العراقي، فإن مسألة الوجود الأمريكي في العراق تُعد تحديًا رئيسيًا لحكومته، فعلى الرغم من أنه قد صرَّح في عدة مرات برغبة بغداد في الانسحاب الأمريكي من العراق، فإنه وعلى عكس الفصائل المسلحة المدعومة من إيران وقوى الإطار التنسيقي، لا يريد انسحابًا كليًّا للقوات الأمريكية من العراق؛ ذلك لأنه يدرك أن القوات الأمنية العراقية لم تصل بعد إلى الدرجة التي تمكنها من مواجهة تنظيم داعش كليًّا.

فعلى الرغم من أن القوات الأمنية العراقية وقوات الحشد الشعبي، هي التي تنهض بالأساس بمهمة قتال تنظيم داعش على الأرض، فإن رئيس الوزراء يدرك أن القوات الأمريكية توفر مستوى مُتقدمًا من الرصد والاستطلاع على مدار 24 ساعة خصوصًا في المناطق النائية، والتي ينشط فيها التنظيم والقدرة أيضًا على توفير معلومات استخباراتية دقيقة واستباقية لدرء الهجمات الإرهابية للتنظيم، ولا يمتلك العراق حاليًا هذه القدرات المتطورة، والتي تنهض بها أساسًا الولايات المتحدة، كما يتخوف السوداني، من أن أي انسحاب أمريكي من العراق في الوقت الراهن، وفي ظل انشغال معظم فصائل الحشد الشعبي في التصعيد الحالي في المنطقة، قد يؤدي إلى حدوث فراغ أمني قد يستغله تنظيم داعش لمعاودة هجماته بصورة أكبر من السابق وربما السيطرة على بعض القرى في المناطق النائية من البلاد.

ثالثًا: التوتر في المنطقة:

تناولت الزيارة ملف الحرب في غزة، وضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع، وقد أكَّد الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة مُلتزمة “بوقف إطلاق النار الذي سيعيد الرهائن إلى وطنهم ويمنع الصراع من الانتشار إلى ما هو أبعد مما هو عليه بالفعل”.

وفيما يتعلق بالهجوم الإيراني ضد إسرائيل، والذي جرى تنفيذه في 14 إبريل 2024، فقد أشار رئيس الوزراء العراقي إلى “أهمية ضبط النفس في الشرق الأوسط”، وقال في مقابلة تلفزيونية إن العراق يرفض استخدام مجاله الجوي من أي دولة، مضيفًا: “لا نريد أن ينخرط العراق في الصراع. وأكرر وأؤكد أن هذا التصعيد سيدخل المنطقة في حسابات خطرة ولن يستطيع أحد أن يتحكم في ارتداداتها”.

وجدير بالذكر: أن رئيس الوزراء العراقي يجد نفسه في معضلة حقيقية، فيما يتعلق بالتصعيد بين إيران وإسرائيل، فمن ناحية فإنه لا يرغب في أن يكون العراق ساحة لصراع إقليمي بين إيران من جهة أو إسرائيل أو الولايات المتحدة من جهة أخرى، فمنذ توليه السلطة كان السوداني يصبو لأن يكون الاستقرار في العراق هو السمة الغالبة على فترة حكمه ليتمكن من معالجة المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العراق؛ إلا أن التصعيد الحالي بين إيران (حليف العراق) وإسرائيل يسهم في جر العراق إلى حرب مفتوحة في المنطقة حال توسعه.

وقد أثر الاستهداف الإيراني لإسرائيل في زيارة رئيس الوزراء العراقي في شقين: الأول: هو ما يتعلق بتوقيت الضربة؛ إذ استهدفت إيران إسرائيل في الوقت الذي كان رئيس الوزراء العراقي متجهًا إلى واشنطن، والعامل الثاني هو وجود تقديرات تشير إلى مشاركة الفصائل المسلحة العراقية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي في الهجوم الإيراني على إسرائيل؛ وهو ما سبب إحراجًا لرئيس الوزراء العراقي، ولعل هذا الأمر هو ما دفع السوداني لعدم انتقاد التدخل الأمريكي لإسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية فوق العراق؛ إذ أشار إلى “أن القدرات الأمنية العراقية لا تزال قيد التطور؛ الأمر الذي لا يمكنها من حماية المجال الجوي العراقي” في إشارة إلى السكوت والقبول الضمني بإسقاط الولايات المتحدة للمسيرات والصواريخ الإيرانية في الأجواء العراقية.

رابعًا: العلاقة بين بغداد وأربيل:

ناقش السوداني مع بايدن قضية العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق؛ إذ تأمل حكومة الإقليم أن تمارس واشنطن ضغطًا على بغداد من أجل حلحلة الملفات العالقة بينهما، والتي يأتي على رأسها قضية حصة الإقليم من موازنة العراق، وقضية تصدير النفط عبر خط كركوك- جيهان، والمتوقف بسبب دعوى قضائية أقامتها الحكومة العراقية ضد السلطات التركية لمشاركتها في تصدير نفط الإقليم دون موافقة بغداد.

وقد ناقشت السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي، مسألة استئناف تصدير نفط الإقليم مع وزير النفط العراقي حيان عبدالغني، قبيل زيارة السوداني لواشنطن. كما يأمل الإقليم في أن يشمل الدعم الأمريكي لتطوير القدرات الأمنية والعسكرية للعراق، قوات البشمركة، بجانب تزويد الإقليم بمنظومات دفاعية تمكنه من صد الهجمات الإيرانية ضد مواقع تابعة له(1).

ضياع أهم الملفات:

ومن الواضح أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لم يذهب إلى واشنطن لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، على نحو ما كانت تأمل الفصائل العراقية المسلحة التي تجاوزت مصطلح “الانسحاب”، والحديث عن “طرد” القوات الأمريكية، وأكبر دليل على ذلك ما صدر عن السوداني نفسه، من تصريحات في لقائه مع الصحفيين في واشنطن ردًا على سؤال بشأن الجدل الدائر حول وجود قوات قتالية أمريكية في العراق، وهل تضمنت المباحثات التي أجراها مع الإدارة الأمريكية جدولًا زمنيًّا واضحًا للانسحاب؟ فكان جوابه: “لا وجود لقوات قتالية في العراق كي تنسحب.

كذلك فإن تصريحات السوداني تكشف أنه وصل إلى توافق مع الأمريكيين حول بقاء القوات الأمريكية في العراق، وأنه لن يتردد في الصدام مع الفصائل المسلحة، بخاصة ما تسمى بـ«المقاومة الإسلامية في العراق»، التي كانت قد أعلنت أنه «لا قيمة لاستبدال الاحتلال الأمريكي لمسمياته، تارة بـ(التحالف)، وأخرى بـ(شراكة أمنية مستدامة)، وغيرها، ما دامت قواته المحتلة على صدر العراق الجريح تستبيح سيادته، وتنتهك أجواءه، وتسيطر على القرار الأمني فيه(2).

أبرز التحديات أمام السوداني لتحقيق أهداف الزيارة:

يبقى التساؤل المهم بعد ذلك هو مدى إمكانية أن تحقق زيارة السوداني لواشنطن الأهداف المرجوة منها؛ بمعنى أن نرى لهذه الزيارة في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة وفى ضوء المعطيات السابق طرحها نتائج يعتد بها، بحيث تجعل من الزيارة مرحلة جديدة في العلاقات العراقية الأمريكية تنتج تطورًا فعليًّا فيها.

الواقع يقول أن ثمة حدودًا لتطلعات السوداني بشأن تحقيق نتائج ضخمة من تلك الزيارة؛ بمعنى أن ثمة قيودًا أو كوابح بإمكانها التأثير على مستوى تلك النتائج ونجاعتها؛ منها على سبيل المثال:

1_ البعد الداخلي:

ويرتبط بالقناعات السياسية لدى القوى والأحزاب الشيعية التقليدية، والتي يدين معظمها بنمط ولائي سواء السياسي أو حتى الديني المرجعي لإيران ولديها أذرع عسكرية من مليشيات مسلحة. والمفارقة هنا: أن معظمها يشكل الحشد الشعبي الذي يمثل الإطار المسلح لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، والتي تمثل الحاضنة السياسية التي جاء منها السوداني نفسه لمنصبه؛ هذه التعقيدات تفرض رؤية مغايرة بين الالتزامات التي يفرضها منصب رئيس الوزراء فيما يتعلق بإدارة السياسة الخارجية للدولة؛ لا سيما تجاه الولايات المتحدة، وبين مواقف تلك القوى بخصوص توصيفها لهذه العلاقات.

يمكن القول: إن هناك “ازدواجية” في مواقف تلك القوى نفسها بشأن رؤيتها للعلاقات الأمريكية العراقية (بعضها يريد بقاء الولايات المتحدة تحت مسميات جديدة، والبعض الآخر يرفض المظهر العسكري لهذه العلاقات، والبعض الثالث يرى في الانسحاب الأمريكي؛ إهدارًا لمكتسباته السياسية)، وكلها عوامل تضع نتائج تطوير العلاقات بين العراق والولايات المتحدة في ضوء زيارة السوداني الحالية لواشنطن على المحك بالنسبة للداخل العراقي وتفاعلات القوى السياسية بشأنها، لا سيما مع تطورات الإقليم والتي تشهد تصعيدًا خطيرًا في أعقاب استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في سوريا مؤخرًا، وقيام إيران باستهداف الأراضي المحتلة داخل إسرائيل يوم 13 إبريل الجاري ردًّا على ذلك. وهنا يأتي متغير فصائل المقاومة الإسلامية في العراق التابعة للمليشيات المسلحة، ومدى الرهان على أنها ستكون طرفًا في حال أرادت إسرائيل الرد على هذا الاستهداف الإيراني مستقبلًا.

2_ مدى قدرة السوداني على إدارة التوازن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة:

حتى اللحظة يمكن القول: إن السوداني ربما لديه القدرة السياسية التي تمكنه على خلق سياسة توازن يدير بها مصالح العراق بين إيران والولايات المتحدة، لكنه في الواقع لا يملك أدوات ضغط كافية على الطرفين لتحقيق هذا التوازن؛ وربما تجاه الجانب الإيراني تحديدًا؛ فإيران هي التي تمتلك أوراق ضغط أقوى على الحكومة العراقية نابعة من تأثيرها على المليشيات المتعددة؛ فضلًا عن تأثيرها على الأحزاب والقوى السياسية فيها. والأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة التي تمتلك أوراق ضغط اقتصادية كبيرة على أي حكومة عراقية نتيجة سيطرتها على الاحتياطي النقدي الناتج عن عائدات بيع النفط العراقي ووضعه لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذى تتحكم فيه وزارة الخزانة الأمريكية وهى التي تحدد حجم المبالغ المصروفة من هذا العائد تجاه الحكومة العراقية، وحجم المبالغ التي يتم حجزها. وترتبط هذه العملية بمدى استجابة العراق لمطالب الولايات المتحدة بالسيطرة على مصارف تهريب الدولار لإيران (تشير المعلومات إلى تجاوز عائد بيع النفط العراقي حاجز الـ 100مليار دولار). هذا الواقع يعنى أن الولايات المتحدة تمتلك أدوات التحكم في الاقتصاد العراقي والتأثير فيه بقوة كبيرة.

في هذا الصدد يبدو العراق الغنى باحتياطه النقدي يواجه أزمة اقتصادية طاحنة ناتجة عن ارتفاع سعر صرف الدولار في مواجهة العملة المحلية، ويبدو أن زيارة السوداني تستهدف فعليًّا حل تلك الإشكالية، أو -على أقل تقدير-: التوصل لتفاهمات ضرورية بشأنها.

3_ الانتخابات الأمريكية:

بناء شراكة بمعنى وتفاهمات جديدة بين العراق والولايات المتحدة، انطلاقًا من تفعيل اتفاقيات الإطار الإستراتيجي وفقًا لما يريده أو يتطلع إليه رئيس الحكومة العراقية شياع السوداني خلال زيارته للولايات المتحدة؛ يبدو أنه يعبر عن تطلعات تأتى متأخرة لأنها تُطرح على إدارة ستواجه سباق الانتخابات بعد ستة شهور تقريبًا من تاريخ تلك الزيارة.

ومن المعروف أن الإدارات الأمريكية لا تتخذ قرارات استراتيجية قوية في فترات اقتراب موسم الانتخابات، وبالتالي فإن الخروج بصيغة تفاهمات “كاملة وشاملة وجديدة” لنمط جديد من العلاقات السياسية بين العراق والولايات المتحدة، كما يتطلع السوداني، بات أمرًا غير متوقع إلى حد ما، وكل ما سيحدث هو أن تسوق الحكومة العراقية نتائج تلك الزيارة باعتبارها تمثل نجاحًا دبلوماسيًا للسوداني، وأن أقصى ما يمكن التوصل إليه فعليًا هو مجرد تفاهمات تتعلق بعمل اللجنة العسكرية وبعض السياسات المالية، دون أن يعنى ذلك التوصل إلى اتفاقات فعلية تعيد هيكلة وصياغة وتفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي(3،4).

سيناريوهات مستقبلية للتواجد الأمريكي بالعراق:

بالنظر لطبيعة المحادثات الأمنية التي جرت بين السوداني والمسؤولين الأمريكيين، وتحديدًا وزارة الدفاع والخارجية، فقد أشارت هذه المحادثات إلى مشهد تكتنفه درجة كبيرة من عدم اليقين، بخصوص مستقبل تواجُد القوات الأمريكية في العراق، ففي مقابل إعلان السوداني عن حاجة العراق إلى إنتاج وضع جديد للعلاقة مع الولايات المتحدة، وتحديدًا في الجانب العسكري، إلا أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين خلال اللقاء مع السوداني أشارت بدورها إلى تصميم أمريكي على استمرار النهج الإستراتيجي ذاته في العراق، عبر التحول من الاتفاقات الأمنية إلى الشراكة الشاملة، ما يضع بدوره الوجود العسكري الأمريكي في العراق، أمام ثلاثة سيناريوهات مستقبلية؛ هي:

السيناريو الأول:

والذي يفترض بدوره استمرار تواجُد القوات  الأمريكية في العراق، إذ تنظر الولايات المتحدة إلى الوضع في العراق على أنه لا زال ضمن دائرة الخطر، بالنظر لطبيعة الصراعات الداخلية والخارجية المرتبطة به، وبالتالي فإن الانسحاب من العراق، يعني أن تكون الولايات المتحدة على استعداد للتعامل مع تداعيات هذا الانسحاب، كما أن إصرار إدارة بايدن على الربط بين قدرة العراق على تحمُّل مسؤوليته الداخلية والخارجية، وبين الانسحاب من العراق، يؤشر إلى طبيعة الاهتمام الأمريكي بالبقاء في العراق؛ نظرًا لأهميته الجيوسياسية في المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

السيناريو الثاني:

والذي يفترض توصُّل الجانبين: العراقي والأمريكي وفق سياق أعمال اللجنة العسكرية العليا، إلى دور جديد للقوات الأمريكية في العراق، سواءً عَبْر إمكانية دمجها ضِمن قوات التحالف الدولي، أو الإبقاء على عدد محدود جدًا من المستشارين العسكريين والفنيين؛ إذ اتفق السوداني مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية على استئناف جلسات اللجنة العسكرية العليا في منتصف حزيران/ يونيو المقبل، ويؤشر القبول الأمريكي بالتفاوض مع العراق على وضع هذه القوات إلى وجود تفهُّم أمريكي لطبيعة المطالب العراقية بضرورة إنتاج شراكة جديدة مع العراق، خصوصًا في ضوء الضغوط التي تمارسها قوى الإطار التنسيقي القريبة من إيران، إذ تسيطر هذه القوى على البرلمان والحكومة، وبالتالي تتحكم بمسار الحوار مع الولايات المتحدة، كما أن إدارة بايدن هي الأخرى بدأت تنظر لأهمية إعادة تشكيل دور القوات الأمريكية في العراق، خصوصًا أن أي إخفاق في هذا الملف، يمثل فرصة انتخابية للجمهوريين في سباق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2025.

السيناريو الثالث:

يفترض هذا السيناريو انسحاب الولايات المتحدة من العراق، وإنهاء الوجود العسكري؛ إذ يشير الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أيلول/ سبتمبر 2021، إلى جانب انسحابها السابق من العراق في كانون الأول / ديسمبر 2011، إلى إمكانية أن تتقبل فكرة الانسحاب من العراق مرة أخرى، خصوصًا أن الظروف المحيطة بتواجُد القوات الأمريكية في العراق، أصبحت عدائية للغاية، في ظل عجز متواصل من قِبل الحكومات العراقية المتعاقبة -ومنها حكومة السوداني- عن كبح جماح الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة الموالية لإيران ضد المواقع والمقرات الأمريكية، ومن شأن استمرار هذه الهجمات أن تؤدي بالنهاية لخروج القوات الأمريكية من العراق، أو إعادة التمركز في قواعد عسكرية جديدة على الحدود مع العراق، وتحديدًا في الأردن أو دول الخليج(5).

سيناريو التعاون الاقتصادي بين واشنطن وبغداد:

السيناريو الأول:

 تسهيلات لتحويل الدولار للعراق، فمن المُرجح أن تُسفر الزيارة لاحقًا عن تفاهمات بشأن آلية مشتركة بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأمريكية يتم بموجبها اعتماد آلية لفحص البنوك العراقية، وتحديد معايير إجرائية لعمليات تحويل الدولار لهذه البنوك ومراقبة أوجه صرفه؛ وهو: ما يعززه الإعلان خلال الزيارة عن تشكيل فريق مشترك بين العراق والولايات المتحدة لمراجعة الانتهاكات التي ارتكبتها البنوك العراقية الخاضعة لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية واتخاذ الإجراءات التصحيحية.

السيناريو الثاني:

من المرجح أيضًا أن يضغط الجانب العراقي من أجل الحصول من الجانب الأمريكي على وعد بتجديد الإعفاءات الأمريكية للعراق من العقوبات على إيران في مجال استيراد الطاقة من إيران؛ إذ يستورد العراق بين الثلث و40% من إمداداته من الطاقة من إيران؛ وعليه فإن أي عقوبات أمريكية على استيراد الطاقة قد تصيب شبكة الكهرباء العراقية بالشلل خصوصًا في فترة الصيف، والتي يتزايد فيها الطلب على الكهرباء في العراق.

إذًا يمكن فهم المخاوف العراقية في ضوء الخبرات السابقة لتعامل الولايات المتحدة مع قضية الطاقة على وجه التحديد؛ إذ عرقلت الولايات المتحدة في 2023 جهود بغداد لاستيراد الطاقة عبر تأخير الموافقات الأمريكية اللازمة لتحويل المبالغ المالية العراقية المخصصة لدفع قيمة الغاز الإيراني؛ الأمر الذي دفع طهران إلى خفض حجم الصادرات بمقدار النصف في مايو 2023، وهو ما أسهم في تفاقم أزمة الكهرباء في العراق؛ لأن خفض تدفقات الغاز الإيراني قد أتى في شهر مايو؛ أي: على أعتاب الصيف، وهو الوقت الذي تشهد فيه شبكة الكهرباء العراقية ضغطًا كبيرًا(6).

الخلاصة:

أن تطور العلاقات الأمريكية العراقية، سيظل مرهونًا في المقام الأول بارتدادات الحرب في قطاع غزة؛ لأنها نقطة محورية في كافة الملفات العالقة، ذلك أن التوصل إلى تفاهمات بشأن هذه الملفات سيتطلب مناخًا جيوسياسيًّا مستقرًا وهادئًا، وهو ما ليس متوفرًا في الوقت الحالي في ظل تصاعد الحرب في القطاع وامتدادها إلى دوائر أخرى، هذا إلى جانب اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية؛ وهو: ما يجعل من التوصل إلى إطار جديد وشامل للعلاقات بين واشنطن وبغداد أمرًا مستبعدًا في الوقت الحالي على الأقل.

فلا تزال العلاقات الأمريكية العراقية بعيدة إلى حد كبير عن تأطيرها رسميًا في صورة “شراكة ندية” بين بلدين كما تتصور حكومة السوداني؛ لأنها -كما سبق القول- ترتبط وتتوقف على علاج العديد من الإشكاليات التي تتوسط تلك العلاقة؛ سواء على مستوى الداخل العراقي أو على مستوى تفاعلات العراق الخارجية التي يلعب متغير العلاقات مع إيران وجماعاتها الولائية دورًا بارزًا فيها.

كذلك يمكن القول بأن المعيار الرئيسي لأي حوار إستراتيجي ناجح؛ سيكون عبر التزام الولايات المتحدة كدولة، وليس إدارة بايدن فقط، بالبقاء في مسار إستراتيجي واضح ومستقر في العراق، وفق جداول زمنية واضحة وصريحة، توضح التزامات الطرفين، وحقوق كل منهما وواجباته؛ إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح بالانسحاب من العراق، بمجرد هزيمة “داعش”، أو احتواء إيران والفصائل الولائية المرتبطة بها، بل عبر وضع برامج واضحة وشاملة، تساعد العراق كدولة ومؤسسات على الحياة، وضبط مؤسساته الأمنية والمدنية وتطويرها وتفعيلها، وصولًا لتحقيق الغاية النهائية المتمثلة، بعراق قادر على أن يكون عضوًا فاعلًا في المجتمع الدولي، وقادرًا على التأثير في التوازنات الإقليمية، وعنصر أمن واستقرار في الشرق الأوسط.

كما أنه من الممكن القول بأن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة في فرض مزيد من العقوبات على إيران العقوبات الإضافية بغرض الردع لم تعد فعالة ولن يكون لها أي تداعيات عملية، وستأتي النتائج الأكثر وضوحًا من تحرك بايدن إما لإبقاء القوات الأمريكية أو سحبها أو تقليص حجمها من العراق وفي أي مكان آخر في الشرق الأوسط.

1_ بي بي سي

2_ مونت كارلو

3_ مركز المستقبل للدراسات

4_ مركز الأهرام للدراسات

5_ أبعاد

6_ وكالة الأنباء العراقية

التعليقات مغلقة.