fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مصرع الرئيس الإيراني ووزير خارجيته… حادث أم اغتيال؟ وماذا عن خليفة خامنئي المتوقع بعد مصرع رئيسي؟

47

مصرع الرئيس الإيراني ووزير خارجيته… حادث أم اغتيال؟ وماذا عن خليفة خامنئي المتوقع بعد مصرع رئيسي؟

عقب الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، ووزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان”، جراء سقوط الطائرة التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران؛ سارعت القيادة الإيرانية إلى إصدار التوجيهات الخاصة بتفعيل المادة (131) من الدستور الإيراني، القاضي بتولي نائب الرئيس “محمد مخبر” صلاحيات ومسؤولية الرئيس والإعداد لانتخاب الرئيس القادم خلال مدة 50 يومًا، لتعطي إشارة واضحة أن الحادث لن يتسبب في أي تعطل لأمور الدولة، ومتابعة شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية.

ولكن سريعًا ما طُرحت العديد من التكهنات حول طبيعة حادث تحطم طائرة رئيسي أكان متعمدًا أم لا، في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من توترات متصاعدة، وتفاقم للأزمة الاقتصادية في الداخل الإيراني، وما جرى الحديث عنه إعلاميًّا عن ترشيح عدد من الساسة الإيرانيين لخلافة المرشد الأعلى الحالي “على خامنئي”، ومن بينهم: إبراهيم رئيسي، ومجتبى خامنئي؛ إذ يُعد منصب المرشد الأعلى في إيران، من المناصب المحورية المهمة في صنع السياسة الإيرانية في الداخل والخارج.

فمَا تفاصل تحطم طائرة الرئيس الإيراني؟ وكيف سيؤثر الحادث المفاجئ في الداخل الإيراني في ظل ما كان يتداول إعلاميًّا عن إعداد رئيسي لتولي منصب المرشد الأعلى؟ وكيف كانت ردود الفعل داخليًّا وخارجيًّا؟ وما مستقبل السياسة الإيرانية الخارجية بعد مصرع رئيسي؟

يسلط مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على حادث مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في تحطم الطائرة التي كانت تقلهم، واحتمالية تدبير الحادث، وتداعيات الحادث داخليًّا وخارجيًّا في هذه السطور الآتية.

تفاصيل مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية:

في 19 من مايو الماضي 2024م، كشفت وسائل إعلام إيرانية أن طائرة مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” ووفدًا مرافقًا له من أعضاء حكومته أبرزهم وزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان” قد سقطت بالقرب من مدينة جلفا الواقعة على الحدود مع أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، بعد وقت قصير من إقلاعها. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

وقد أشارت وسائل الإعلام الإيرانية؛ إلى أن الطائرة المروحية التي سقطت، هي واحدة من بين 3 مروحيات كانت تقل الرئيس الإيراني والوفد المرافق له، وقد تم وصول مروحيتين تقلان بعض الوزراء وعددًا من المسؤولين الإيرانيين إلي وجهتهم بسلام، في حين أن المروحية التي سقطت هي التي كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية.

وفي ساعات صباح اليوم التالي 20 مايو 2024م، أعلن التليفزيون الإيراني الرسمي وفاة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” ووزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان” في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلهم. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

ويأتي الحادث في ظل ما تشهده الساحتين الإقليمية والدولية من صراع محتدم بين العديد من القِوَى، أبرزهم إيران والكيان المحتل على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وارتفاع حوادث الاغتيالات التي نفذها الكيان المحتل منذ بَدْء الحرب في قطاع غزة في 7 من أكتوبر 2023م، إذ يلجأ الكيان المحتل وفي بعض الأوقات الولايات المتحدة، إلى الاغتيالات السياسية كأداة للتخلص من الخصوم أو إضعافهم والحد من قدراتهم، أو كما يصفها المراقبون بأنها قد تكون أداة للتغطية علي الفشل في بعض الأزمات القائمة.

وسيناريو قيام الولايات المتحدة أو الكيان المحتل بإسقاط طائرة الرئيس الإيراني ليس الوحيد، فقد يكون حادث اغتيال داخلي؛ نظرًا للصراع الدائر بين القادة الإيرانيين لخلافة المرشد الأعلى “علي خامنئي”، وبالرغم من منطقية هذه الاحتمالات؛ إلا أن القطع بأحدها مستبعدًا، خاصة مع عدم وجود أدلة كافية تثبت أيًّا من هذه السيناريوهات، ومع ذلك يبقى الاستفهام الأكبر حول إقلاع الطائرة دون وجود تجهيزات كافية فيها رغم سُوء الأحوال الجوية الخطِرة في مناطق عبورها في محافظة أذربيجان الشرقية.

سقوط طائرة رئيسي حادث أم اغتيال مدبر:

بالنظر إلى المناوشات الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة؛ إذ شنت إيران هجومًا ضد الكيان المحتل في إبريل الماضي، وصف بالتمثيلي لحفظ ماء الوجه، ردًّا على قصف الكيان المحتل القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع إبريل الماضي، في سابقة تقوم بها طِهران.

فإن احتمالية قيام الكيان المحتل باغتيال الرئيس الإيراني ووزير الخارجية، تبقى ضعيفة؛ فالكيان المحتل عالق وَسَط حرب غزة التي كبدته خسائر عديدة في العتاد والأفراد منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، وَسَط أزمة سياسية داخلية وأشد الأزمات التي يتعرض لها الكيان المحتل طوال تاريخه، وفي ظل رأي عالمي رافض للعدوان المستمر على قطاع غزة، وتدهور غير مسبوق في علاقات تل أبيب الخارجية الدولية، كما أن الكيان المحتل يعمل على استغلال سياسة إشعال الصراعات وتأجيج الطائفية في المنطقة التي تنتهجها طِهران لترسيخ وتعزيز قوته الإقليمية وفرض الهيمنة على المنطقة؛ لا سيما في سوريَا ولبنان، عبر تنفيذ ضربات جوية متكررة وانتهاك السيادة السورية واللبنانية، والتلويح المستمر بحرب شاملة على لبنان. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

لذلك يرى الساسة الإسرائيليون: أن السياسة الإيرانية تأتي في صالح الكيان المحتل، وتخدم مشروعاته وتطلعاته لإضعاف دول المنطقة، وإخراجها واحدة تلو أخرى من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن الولايات المتحدة تستخدم إيران بين حين وأخر لتعزيز التحالفات الإقليمية؛ فتارة توقع واشنطن الاتفاقيات مع طهران وتطلق يد إيران في المنطقة، وتارة أخرى تنتهج واشنطن سياسة العقوبات والضغوطات على إيران، وذلك يأتي ضمن المصالح الأمريكية المتغيرة في المنطقة.

ويمكن القول: إن احتمالية قيام الولايات المتحدة أو الكيان المحتل باغتيال الرئيس الإيراني ووزير الخارجية تبقى مستبعدة؛ لذلك برز أيضًا، احتمالية أن يكون مصرع رئيسي نتيجة لصراع على خلافة المرشد الأعلى؛ حيث إن طبيعة النظام السياسي في إيران ينقسم بين المؤسسة الدينية والحكومة، ويكون للمرشد الأعلى الإيراني وليس الرئيس القول الفصل في جميع السياسات الإستراتيجية.

وخلال الأعوام القليلة الماضية؛ برز إبراهيم رئيسي، ومجتبى خامنئي، كأكثر الشخصيات المرشحة لخلافة المرشد الأعلى الحالي “علي خامنئي”؛ إذ إن رئيسي منافسًا قويًّا على خلافة المرشد، ويحظى بدعم وتأييد العديد من الكوادر والنخب السياسية والاقتصادية في إيران.

في حين يحظى مجتبى نجل المرشد بتأييد الأجهزة الأمنية؛ لا سيما الحرس الثوري لخلافة والده؛ مما أدى إلى خلافات مع أنصار رئيسي من عناصر التيار الأصولي، وتجلت الخلافات بين الفريق الاقتصادي الموالي لرئيسي، والفريق الاقتصادي الموالي للحرس الثوري.

كما برز صراع بين أنصار الحكومة، وأنصار مجتبى في البرلمان؛ إذ يدعم “محمد قاليباف” رئيس البرلمان مجتبى، بينما تدعم مكونات التيار الإصلاحي ترشيح حسن حفيد الخميني في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2025م، بينما رأى أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة الحاليين؛ أن معظم أعضاء المجلس يدعمون مقترح بتشكيل لجنة من خمس شخصيات يختارون المرشد من بينهم، بدلًا من أن يتم تنصيب شخص واحد خلفًا للمرشد. (روسيا اليوم).

وتفاقم الخلافات قد يكون دفع الدولة العميقة في إيران إلى استغلال حالة التوتر الشديد بين إيران والكيان المحتل لإبعاد رئيسي عن خلافة المرشد؛ إلا أن ذلك يبقى مجرد تكهنات، وبالنظر إلى البيانات الرسمية الصادرة من إيران، فإن المجلس الأعلى للتحقيق في إيران قد صدر بيان في 29 من مايو 2024م، استبعد فيه أن يكون سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناتج عن عمل تخريبي.

ردود الفعل على مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية:

عقب الإعلان عن فقدان الاتصال بالطائرة التي تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية؛ سارعت العديد من الدول إلى استعدادها تقديم الدعم اللازم للمساعدة في عمليات البحث عن الطائرة الرئاسية، إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إنه يشعر بحزن شديد إزاء حادث سقوط الطائرة التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي”، مشيرًا “إلى أن تركيا على اتصال وتنسيق كاملين مع السلطات الإيرانية، وعلى استعداد لتقديم أي دعم ضروري”.

وإثر ذلك نقلت وسائل الإعلام الإيرانية، أن طهران طلبت من أنقرة الاستعانة بطائرة مسيرة ومروحية لها قدرات تتعلق بالرؤية الليلية والحرارية، وعقب ساعات أعلن التلفزيون الرسمي أن فرق الإنقاذ الإيرانية توجهت إلى “إحداثيات الحادث” بعد أن رصدت المسيرة التركية “بيرقدار أقينجي” حُطَام المروحية، وخصصت وزارة الدفاع التركية، مسيرة “أقينجي” ومروحية مزودة بتقنية الرؤية الليلية من طراز “كوجار”، للمشاركة في أعمال البحث والإنقاذ. (سكاي نيوز عربية).

وقد أثارت استعانة إيران بالطائرة المسيرة التركية العديد من التساؤلات حول قدرات المسيرات الإيرانية؛ إذ لطالما روجت وسائل الإعلام الإيراني عن قدرات مسيراتها والتي استخدمت في الهجوم الإيراني على إسرائيل أواخر إبريل الماضي؛ ولذلك سارع العميد أصغر عباس قلي زادة قائد فيلق عاشوراء بالحرس الثوري في محافظة أذربيجان الشرقية قوله: “إن طائرات مسيرة إيرانية هي التي توصلت إلى موقع حُطَام طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي”، مضيفًا: “تلقينا مساعدة من الطائرات المسيرة التركية، وأنها كشفت نقطة سوداء، لكن عندما وصلت قواتنا إلى هناك، أصبح من الواضح أن ما رصدته الطائرة التركية لم يكن المروحية”؛ إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية لم تعلق على تصريحات العميد أصغر عباس قلي؛ كما وحملت ردود الفعل الدولية التضامن والدعم لطهران، إذ قالت الحكومة العراقية في بيان: “إنها أصدرت تعليماتها لوزارة الداخلية والهلال الأحمر وجميع الجهات المختصة لعرض الإمكانات المتوفرة على إيران للمساعدة في البحث عن طائرة الرئيس الإيراني التي فُقدت في شمال إيران”.

كما أعربت المملكة العربية السُّعُودية عن دعمها لإيران، وقالت: “إنها مستعدة لتوفير أي مساعدة لازمة”، وعقب الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية، نعت الرئاسة المصرية في بيان “تنعى جمهورية مصر العربية بمزيد من الحزن والأسى الرئيس إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية لإيرانية”، مضيفة: “الرئيس عبد الفتاح السيسي يعرب عن تضامن جمهورية مصر العربية مع القيادة والشعب الإيراني في هذا المصاب الجلل”. (روسيا اليوم).

وقدم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تعازيه في وفاة رئيس إيران إبراهيم رئيسي، فيمَا قالت وزارة الخارجية الصينية إن الرئيس الصيني شي جين بينغ، قدم تعازيه في وفاة الرئيس الإيراني.

تداعيات مصرع الرئيس رئيسي في الداخل الإيراني:

لا شك أن وقوع هذا الحادث بهذا الشكل المفاجئ، يجعلنا نركز على طريقة إدارة الأزمة من الجانب الإيراني؛ حيث إن طهران أدارت هذه الأزمة على أكثر من مستوى، ففي الجانب السياسي؛ خرج المرشد الأعلى في خطاب للشعب الإيراني عقب ساعات قليلة من الحادث، دعا فيها الشعب إلى عدم القلق على مستقبل البلاد.

ويبدو أن النظام الإيراني احتاج لاستهلاك الوقت لأقصى وقت ممكن حتى يتمكن من ترتيب الأوضاع في الداخل والاستعداد للتعامل بثبات مع وقع الحدث وضخامته؛ كما تم تفعيل المادة 131 من الدستور الإيراني والتي تشير إلى أنه “في حال فراغ منصب رئيس البلاد يتم تكوين مجلس انتقالي يتكون من رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول للرئيس، والذي يجب أن ينظم انتخابات رئاسية في غضون (50) يوم”، لذلك جرى التوافق على تعين “محمد مخبر” كرئيس مؤقت للبلاد. (بي بي سي عربية).

وإعلاميًّا ركز التلفزيون الرسمي الإيراني على لقاءات مقتضبة مع وزراء في الحكومة وبعض مسئولي الهلال الأحمر الإيراني، وتركزت الرسالة الإعلامية في أن سوء الأحوال الجوية هو السبب المرجح للحادث، مع تأكيدها على صعوبات المنطقة التي سقطت فيها الطائرة، من طبيعة وعرة وطقس ممطر منخفض الحرارة ومناطق للغابات المليئة بالحيوانات المفترسة، ما يوحي للمشاهد بتقبل مسبق بأن فرص النجاة محدودة للغاية.

وفي الجانب الأمني: ركز الحرس الثوري والأجهزة الأمنية على الدفع بفرق الإنقاذ المتنوعة والدفع بمسيرات لمناطق الحادث، كما أجرى قادة الحرس عدة لقاءات في محافظة أذربيجان الشرقية وبالقرب من منطقة الحادث، ومن المرجح أن تُسفر الفترة الانتقالية الحالية في إيران، عن انكفائها على ترتيب البيت الداخلي مرحليًّا، لحين انتهاء المدة المحددة لإجراء انتخابات رئاسية ثم الدخول في ماراثون انتخابات رئاسية واختيار رئيس وتشكيل حكومة بعد ذلك؛ لذا قد تشهد بعض الملفات الخارجية تجمدًا خلال الفترة المقبلة، ومنها على سبيل المثال: المباحثات غير المباشرة التي كان قد أُعلن عنها قبيل الحادث، التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في سلطنة عُمان، وهو نفسه ما حدث عندما تولى رئيسي؛ إذ تجمدت المباحثات التي كانت تجرى في نهاية عهد الرئيس الإيراني الأسبق “حسن روحاني” لعدة أشهر.

ومن القضايا الداخلية الإيرانية المحورية أيضًا؛ خليفة “على خامنئي”؛ إذ مثل “إبراهيم رئيسي” أحد أبرز المرشحين الأوفر حظًّا لتولي منصب المرشد، في حال خلو هذا الأخير، ووصفته بعض الأوساط بأنه كان (مرشح الدولة العميقة) على أساس أنه جاء من السلك القضائي، الذي ترأسه قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية. (مركز السلام للدراسات الإستراتيجية).

ومع غيابه عن المشهد، ربما أصبح الطريق معبدًا أمام نجل المرشد الحالي “مجتبى خامنئي” لخلافة والده في المنصب الأهم في إيران، خاصة بعد إبعاد عدد من المرشحين البارزين من أمثال رئيس مجلس الشورى السابق، “علي لاريجاني”، ووفاة آخرين من أمثال الرئيس الإيراني الأسبق “هاشمي رفسنجاني” والمرجعين الدينيين البارزين: “محمود هاشمي، شاهرودي ومحمد مصباح يزدي”.

وربما قام النظام الإيراني، خلال الفترة الأخيرة، بتهيئة الأجواء السياسية والإعلامية تمهيدًا لاحتمالية خلافة “مجتبى خامنئي”، إذ تشكل مجلسَا الشورى وخبراء القيادة بشكل أساسي، من الأصوليين المتشددين، ليكونا “أكثر إطاعة” تمهيدًا لاختيار المرشد القادم.

مستقبل السياسة الإيرانية الخارجية بعد رئيسي:

شهدت العلاقات الإيرانية الخليجية منذ تولي الرئيس “إبراهيم رئيسي” رئاسة الجمهورية الإيرانية في أغسطس 2021م، تطورًا تدريجيًّا إيجابيًّا بشكل ملحوظ، والتي بدأت برفع مستوي التمثيل الدبلوماسي مع الإمارات العربية المتحدة والكويت، ثم جاءت المصالحة الإيرانية السُّعُودية برعاية الصين في مارس 2023م، بعد سنوات من القطيعة وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما فتح المجال أمام جولة لوزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في يونيو من العام ذاته، لزيارة عدد من دول الخليج منها الإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان. (الجزيرة).

لذلك لُقب عبد اللهيان بمهندس تطبيع العلاقات مع الجانب الخليجي، ولا سيما السعودي؛ كما أدت تلك التحركات الدبلوماسية إلى انفراجة كبرى في العلاقات الإيرانية الخليجية، وذلك بالتركيز من قبل الجانبين علي القواسم المشتركة واتباع سياسة تصفير المشكلات، والحفاظ على مبدأ حسن الجوار إلي حد كبير، بدلًا من العزف علي الخلافات والصراعات، وبالرغم من ذلك لا يمكن القول بتحسن تام في جميع جوانب العلاقات العربية الإيرانية في السنوات الأخيرة، فلا تزال الخلافات الجوهرية قائمة؛ إلا أن الكثير ينظر بترقب إلى مستقبل العلاقات العربية الإيرانية.

وكما هو معلوم: أن الصوت الحاسم في ملفات الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية بشكل عام، يتمثل في المرشد الأعلى وقيادات الحرس الثوري؛ لكن من المهم أيضًا تحديد قدرة الأشخاص المنوط بهم تنفيذ هذا القرار، من حيث المرونة وفتح قنوات للاتصال وتمهيد السبل، وهو ما يشير إلى أن طِهران ستكون محط أنظار العالم في الأيام القادمة، ومن سيكون خليفة رئيسي: هل هو من المتشددين أم من الإصلاحيين؟ وهل سيكون على نفس القدر من المرونة والذكاء الدبلوماسي، خاصة فيمَا يتعلق بملف العلاقات الإيرانية الخليجية والذي من مصلحة إيران أن تستثمر إيجابيًّا فيه بشكل كبير؛ لذا فمن المرجح ألا تتأثر السياسات الإقليمية الإيرانية، كون أن المرشد والحرس الثوري ستظل لهما هيمنة وسيطرة كبيرة على هذا المِلَفّ وغيره من الملفات الخارجية، وبالتالي ستكون تلك السياسات كما هي ولن تتغير إلا بحدوث تغييرات كبري في الإقليم من شأنها أن تضر بمصالح إيران بشكل كبير كحادثة اغتيال قاسم سليماني على سبيل المثال في عام 2020م.

وبالنظر إلى العلاقات الإيرانية الغربية خلال فترة رئيسي؛ فقد ترك رئيسي إرثًا يعزز عدم المواجهة الشاملة مع الغرب، وبالرغم من أنه كان ينتمي قلبًا وقالبًا للمعسكر المتشدد، فقد استطاع في ذات الوقت أن يفتح قنوات أوسع مع الغرب؛ أسهمت في جني مكاسب سياسية واقتصادية لإيران، وتجلى هذا بوضوح في طلب طِهران من الولايات المتحدة مساعدتها على الكشف عن مكان الطائرة قبل العثور عليها، وتفعيل الاتحاد الأوروبي نظام الخرائط لمساعدة فرق البحث والإنقاذ الإيرانية، وسبقت كل ذلك بأيام المحادثات غير المباشرة في سلطنة عُمان بين طِهران وواشنطن. (سكاي نيوز عربية).

وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية مع روسيا والصين؛ فخلال سنوات حكم رئيسي اتجهت إيران بشكل واضح نحو روسيا والصين، ولا يوجد شك في أن الرئيس الإيراني الجديد لن يحيد عن هذا التوجه، لكن هناك تحد بشأن أن يكون هذا التوجه شرقًا بنفس الوتيرة التي جرت مع رئيسي الذي وصفته بكين وموسكو بكلمات إيجابية للغاية، وسوف يتوقف هذا على قدرة الدبلوماسية الإيرانية في عهد الرئيس الجديد، على تحقيق نوع من التوازن بين توسيع قنوات التواصل مع الغرب، وفي نفس الوقت تعزيز الشراكة القائمة بالفعل مع روسيا والصين.

الخلاصة:

– مثل مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلهم؛ مفاجأة كبرى داخليًّا وخارجيًّا، ودفع إلى طرح العديد من التكهنات حول طبيعة الحادث، ومدى تأثيره في السياسة الإيرانية والقضايا الخارجية المحورية والسياسة الداخلية، لا سيما خليفة “على خامنئي” المرشد الأعلى في إيران، وحسابات الربح والخسارة جراء الحادث المفاجئ؛ في ظل ما انتهجه الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” من سياسة خارجية تراوحت بين التصعيد والتهدئة؛ خاصة على صعيد التقارب مع الدول العربية، وتحديدًا الخليجية وتعزيز علاقات إيران الخارجية بروسيا والصين.

– مثل خروج المرشد الأعلى “علي خامنئي” إلى الشعب الإيراني في خطاب عقب تحطم طائرة رئيسي، ودعوة المواطنين إلى عدم القلق والتماسك؛ محاولة لترتيب الداخل الإيراني من قبل الدولة العميقة، واحتواء حادثة مصرع رئيسي، في ظل ما يحظى به رئيسي في بعض دوائر الدولة الإيرانية، من دعم وتنافسه المحتدم مع “مجتبى خامنئي”، نجل المرشد الأعلى “علي جامنئي” على منصب المرشد؛ إذ يحظى الأخير بدعم من الحرس الثوري الإيراني وعددٍ من كوادر الدولة المقربة من والدة.

– بالنظر إلى أن صنع السياسات الخارجية الإيرانية، وقيادة دفه العلاقات الخارجية، والتي تتم عبر المرشد الأعلى “علي خامنئي”؛ فإن تأثير الملفات الإيرانية الخارجية، كالمصالحة الخليجية الإيرانية والتقارب مع الدول العربية والتقارب الإيراني مع كلٍّ: من روسيا والصين، وتدخلات إيران المستمرة في العديد من الدول العربية، لن تتغير بشكل جوهري؛ وإنما التغيير في إيران يقتصر على الأشخاص وليس على سياسات المرشد.

المصادر:

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

روسيا اليوم

بي بي سي عربية

مركز السلام للدراسات الإستراتيجية

الجزيرة

سكاي نيوز عربية

التعليقات مغلقة.