fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ما بعد فاجنر.. صور تواجد الميليشيات الروسية في الشرق الأوسط

78

ما بعد فاجنر.. صور تواجد الميليشيات الروسية في الشرق الأوسط

تمتلك روسيا أذرعًا عسكرية وميليشيات قتالية منتشرة في كلِّ ربوع العالم، فعلى سبيل المثال: كان أشهر قوات فاغنر، والتي كانت تنتشر في كلٍّ من: سوريا وليبيا، وبدرجة أقل في السودان، رغم نفي مسؤولي تلك الدول، وكذلك موسكو، بوجود مقاتلين من فاغنر على أراضيها.

ويراقب العالم التمدد الروسي في الدول المنكوبة والنامية وبخوف كبير، في ظل التحولات السياسية التي شهدتها هذه البلدان في الفترة الأخيرة، ولهذا السبب أصبحت ساحة صراع بين القوى العظمى التي تبحث عن نفوذ إستراتيجي واقتصادي فيها.

وشاركت الميليشيات المسلحة الروسية بأشكال مختلفة في الحروب الأهلية في البلدان المختلفة، من خلال التدريب والقتال وصيانة العتاد العسكري، وسجلت الميليشيات الروسية في سوريا منذ 2015، بعد أربع سنوات من اندلاع الأزمة، حيث انتشرت عناصرها في عدة مناطق على غرار العاصمة دمشق، والساحل الغربي باللاذقية، وفي حلب شمالا وحماة وحمص وتدمر بالوسط، ودير الزور بالشرق، والحسكة والقامشلي بأقصى الشمال الشرقي.

وكان يقدر عدد عناصر فاغنر في سوريا بنحو ألفي عنصر، لكنها جندت نحو 3 آلاف عنصر آخرين من الجنسية السورية، وفق بعض التقديرات، مقابل مرتبات تتراوح ما بين 1200 و4 آلاف دولار.

الميليشيات العسكرية في روسيا:

يوجد في روسيا أكثر من 40 مجموعة عسكرية من هذا النوع، حسب ما أعلنه سابقًا نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف، من دون أن يحدد بالضبط أي مجموعات بعينها، فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا يشار إلى مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة “كمتطوعين”.

وسجلت قوات “أحمد” الشيشانية الخاصة، أول “جمعية متطوعين” وقعت على عقود مع وزارة الدفاع، حسب ما أعلنته الوزارة(1).

خارطة توزيع الميليشيات الروسية في الشرق الأوسط:

يقدر عدد عناصر المرتزقة في سوريا بنحو ألفي عنصر، لكنها جندت نحو 3 آلاف عنصر آخرين من الجنسية السورية، وفق بعض التقديرات، مقابل مرتبات تتراوح ما بين 1200 و4 آلاف دولار.

وتمثل ليبيا ثاني أهم الدول العربية التي ينتشر بها المرتزقة الروس، بنحو 1500 إلى 2000 عنصر، رغم انسحاب العشرات منهم للقتال في أوكرانيا، لكنها تدير نحو 5 آلاف من المرتزقة الأفارقة، وفق وكالة “نوفا” الإيطالية.

وينتشر بعض المرتزقة في عدة قواعد عسكرية جوية شرقي وجنوبي ووسط البلاد، أبرزها: قاعدة الخادم الجوية، وقاعدتي: براك الشاطئ وتمنهنت الجويتين، وقاعدة الجفرة الجوية.

أما نشاط المرتزقة في السودان فيعود إلى النظام السابق لعمر البشير، الذي نشر عناصرها في البلاد في ديسمبر 2017، لتقديم الدعم العسكري والأمني للبلاد، مقابل استفادة شركتها “أم إنفست” من امتيازات تعدين الذهب خاصة في جبل عامر بدارفور(2).

شركات جديدة بديلة لـ”فاغنر”:

توضح الوثائق الداخلية للحكومة الروسية، كيفية عملها على تغيير قوانين التعدين والثروات في الشرق الأوسط، حيث تطمح في إزاحة الشركات الغربية من منطقة ذات أهمية إستراتيجية.

ويعد هذا جزءًا من عملية استحواذ الحكومة الروسية على أعمال مجموعة فاغنر وهي منظمة مرتزقة روسية، فُككت بعد الانقلاب الفاشل في يونيو 2023، وتدار الآن العمليات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، في الغالب باسم “فيلق الاستطلاع” الروسي، الذي يديره الرجل المتهم بالوقوف وراء محاولة قتل سيرغي سكريبال بغاز الأعصاب، نوفيتشوك، في أحد شوارع المملكة المتحدة – وهي تهمة نفتها روسيا(3).

هيكل شركات المرتزقة الروسية:

لفهم التركيبة المعقدة لهذه الشركات، دعونا نُشِر الآن إلى أبرزها، ويعتبر أحد أهم الأعضاء في القائمة هي:

 شركة “إينوت” (E.N.O.T):

أسس المجموعة عام 2011 القومي الروسي “إيغور مانغوشيف”، وهي مجموعة يلفها الكثير من الغموض وسرعان ما تركز هدفها على تجنيد الروس الراغبين في القتال في مقاطعة دونباس الأوكرانية، ومنذ عام 2015 تدربت هذه المجموعات في صربيا وبيلاروسيا، وجندت مقاتلين من جميع الأعمار بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 12-18 عامًا.

تشمل المجموعة أيضًا أفرادًا من جنسيات وأصول عدة، سواء روسيا أو الجبل الأسود وصربيا وبيلاروسيا ومرتفعات قرة باغ، وتُصنِّف هذه المجموعة نفسها بأنها “مجتمع أرثوذكسي روسي”، ونعرف الآن أنها قامت بأنشطة مسلحة في أوكرانيا وسوريا، لكن علاقة المجموعة مع النظام الروسي سرعان ما توترت إثر خشيته من إمكانية تحويل نشاطها لاستهداف النظام السياسي نفسه، وهو توتر صاحبته حملة أمنية لتصفيتها. وبحلول عام 2022 حُكم على زعيم المنظمة رومان تلينكيفيتش بالسجن بتهمة تنظيم مجتمع إجرامي والابتزاز والتهديد بالقتل أو التسبب في أذى جسدي خطير، وفي أوائل فبراير 2023 أُصيب مانغوشيف نفسه برصاصة قاتلة في مؤخرة رأسه أثناء وجوده داخل أوكرانيا.

شركة “أنتي تيرور – أوريل” (Antiterror-Orel):

بدأت الشركة عملها في العراق في عمليات إزالة الألغام وحماية البنية التحتية للطاقة في العراق في التسعينيات، لكن مثلها مثل مجموعة فاغنر شاركت في مهام ببعض البلدان الإفريقية مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وكينيا ونيجيريا.

تكونت المجموعة بشكل رئيسي من الضباط السابقين أو ضباط الصف الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة الروسية أو القوات المحمولة جوًّا أو مشاة البحرية.

كان عملاء من هذه المجموعة هم الذين أنشأوا عام 2013 شركة “الفيلق السلافي” (Slavonic Corpus PMSC) التي كانت بمنزلة مقدمة لشركة فاغنر.

يساعدنا نموذج شركة أوريل على فهم المنظومة المعقدة التي تترابط بها تلك الشركات، فهي عبارة عن شبكة تنشأ وتفنى الشركات فيها وترث بعضها بعضًا، فبجانب أن هذه المجموعة كانت جزءًا رئيسًا من نشأة فاغنر، فإنها كانت كذلك نواة شركة أخرى هي “ريدوت أنتي تيرور” (Redut-Antiterror)، وهي تتكون كذلك في الغالب من عسكريين روسيين سابقين، وخاصة من فوج القوات الخاصة التابع للقوات الروسية المحمولة جوًّا. تأسست الشركة عام 2008، وشاركت في الحرب الروسية، وكانت من أوائل القوات التي دخلت إلى أوكرانيا.

شركة “آر اس بي” (RSB-Group):

سُجلت رسميًّا في موسكو لأول مرة عام 2011 بوصفها منظمة غير ربحية، وأُنشئت على يد مزيج من ضباط الاستخبارات العسكرية الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي السابقين. شاركت هذه الشركة في حماية السفن البحرية في المياه الإفريقية قبالة شواطئ الصومال وفي خليج غينيا، وعملت في إزالة الألغام في ليبيا، وشاركت كذلك في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014(4،5،6).

جنود روس تحت ستار الشركات الخاصة:

ما سبق يسلط الضوء على نقطة مهمة، وهي أن وجود ضباط سابقين في مثل هذه المجموعات (وخاصة من الاستخبارات العسكرية) يسمح لهذه المجموعات بالتواصل مع المخابرات الروسية للحصول على البيانات أو ربما لتجنيد مصادر استخبارات بشرية، بل وتوجيه البنية التحتية للمراقبة والاستطلاع من أجل خدمة أهدافها، التي بالتأكيد تتشابك مع أهداف الدولة الروسية.

ويُعَدُّ هذا فارقًا جوهريًّا بين الشركات الخاصة الروسية وبين نظيرتها الغربية عمومًا (والأميركية خصوصًا)، وهي: أن الأولى تظل تابعة -بأشكال مختلفة- للإدارة الروسية وأهدافها السياسية، وليست بأي حال من الأحوال مجرد مؤسسات رأسمالية تهدف إلى تحقيق الربح من خلال الاستثمار في تجنيد ونقل المواطنين بمعزل عن الدولة. بالطبع تظل الشركات الغربية قريبة من السياسات الخاصة بدولها، لكنها ليست مرتبطة بها تماما كما هو حال الشركات الروسية.

في الواقع، فإن الشركات العسكرية الخاصة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأوليغارشية القريبة من رجال الكرملين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه (وهم رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين بنوا ثروتهم في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، مثل مالك فاغنر يفغيني بريغوزين)، وبذلك يعمل معظمها عبر روابط غير رسمية مع الحكومة الروسية، لكن جنود تلك الشركات ليسوا فقط من ضباط الجيش السابقين، بل تقوم بعض تلك الشركات بالحصول على الأفراد من كل الخلفيات عبر الإنترنت، وتدريبهم للعمل جنودًا.

وخلال السنة الأولى للحرب الأوكرانية غمرت إعلانات فاغنر المدن الروسية، داعية الشباب للمشاركة في الحرب مع شعارات: “الوطن، الشرف، الدم، الشجاعة، فاغنر”، الغريب أن الكثير من جنود فاغنر هم بالأساس من المعتقلين المدانين والموضوعين على القوائم السوداء لأجهزة الأمن الروسية(7).

تأسيس شركة أمنية روسية في سوريا:

في هذا الإطار، صادقت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة نظام الأسد على تأسيس فرع لشركة أمنية روسية في سوريا، بهدف تقديم خدمات حراسة أمنية للمنشآت وحقول النفط في سوريا، حسب وثيقة نشرها موقع “سيريا ريبورت” الاقتصادي في 18 إبريل/ نيسان الجاري.

وأظهرت الوثيقة موافقة وزارة الاقتصاد والتجارة على تسجيل افتتاح شركة أجنبية تحمل اسم “اربوست – إم” الخاصة، ومحدودة المسؤولية للشخص الواحد، واسمها الأجنبي RPOST – M، حيث افتتحت فرعًا لها في دمشق.

وتتخذ الشركة من منطقة دمشق الجديدة جزيرة 16 شارع الفيلات بناء 116 مقرًّا لها منذ 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، أي بعد 10 أيام من تقديم طلب الترخيص، فيما يبلغ رأسمال الشركة نحو 500 ألف روبل روسي (ما يعادل 5 آلاف و350 دولارًا أمريكيًّا تقريبًا)، وتساوي قرابة 75 مليون ليرة سورية.

وتأسست شركة (RPOST-M LLC) في العاصمة الروسية موسكو في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتهتم في تجارة قطع السيارات والتخزين حسب سجل الأعمال الروسي “كومبانيوم“، ويملكها غريخوف مكسيم يوريفيتش.

وحول هوية مؤسسة الشركة، كشفت مجموعة All Eyes On Wagner المتخصصة في متابعة أنشطة مجموعة فاغنر الروسية، في 19 إبريل / نيسان الجاري، معلومات حصرية عن مؤسّس الشركة الأمنية الروسية في سوريا، بأنه ضابط كان يعمل لصالح المخابرات الروسية في الصين.

وقالت المجموعة على حسابها في موقع إكس: “نحن نؤكد بثقة تامة أن مكسيم غريخوف ضابط في المخابرات الروسية (GRU)، وعمل في هونغ كونغ تحت غطاء في شركة “إيروفلوت”، وأضافت أنه يعمل مسؤولًا عن شركة Erpost-M LLC، وهي شركة شحن روسية تقدم خدمات في سوريا.

و”إيروفلوت” هي شركة طيران كانت الأكثر أهمية لدى المخابرات الخارجية الروسية، حيث تتخذ عددًا كبيرًا من المكاتب التمثيلية في الخارج، ويترأسها ضباط محترفون في المخابرات الروسية حسب تحقيق أجراه موقع “ذا إنسايدر” الروسي.

وأكد التحقيق أن غريخوف كان ضابطًا سريًّا يترأّس مكتب شركة الطيران “إيروفلوت” في هونغ كونغ، ويتلقى راتبه من المخابرات العسكرية الروسية، بينما تدفع شركة الطيران تكاليف المكاتب ونفقات السكن والسفر، لكن بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عاد رفقة ضباط آخرين إلى موسكو(8).

مرسوم الأسد لتكوين شبيحة النظام من المرتزقة:

سعى نظام الأسد إلى إصدار قوانين نص عليها مرسوم 55 لعام 2013، تحت عنوان “شركات الحماية والحراسة الخاصة”، لكنها عُرفت بـ”الترفيق” محليًّا، وكانت تهدف إلى التعريف عن لجان الشبيحة والمجموعات المحلية المسلحة الموالية لنظام الأسد، والتي تقدم المرافقة والحماية للبضائع والقوافل التجارية التي يسيرها مسؤولون مقرَّبون من النظام.

وعلى خلفية القانون تأسست عدة شركات أمنية في سوريا، بعضها تتبع لإيران وأخرى لروسيا، تحت ذريعة حماية الممتلكات الشخصية والعامة والمعادن الثمينة ونقل الأموال والمجوهرات وحراسة الأنابيب ومحطات تكرير النفط والفوسفات، وغيرها من الثروات الاقتصادية المهمة في البلاد؛ إلا أن الشركات الأمنية عملت إلى جانب قوات نظام الأسد في بعض العمليات العسكرية، ولعل أبرزها شركة الصياد التي كانت تعمل مع القوات الروسية لملاحقة خلايا تنظيم “داعش” في البادية السورية، بالإضافة إلى شركة سند للحراسة والأمن التي كانت تشرف عليها مجموعة فاغنر، وتقوم بخدمات حراسة للمنشآت النفطية التي تسيطر عليها روسيا، مثل حقول التيم والورد والشعلة النفطية في دير الزور.

بينما تمتلك مجموعة القاطرجي القابضة التي تعمل على استجرار النفط من مناطق سيطرة “قسد”، شركة المهام للحماية والحراسات الأمنية، بالإضافة إلى عدة شركات تقدّم خدمات حماية أمنية، بينما الشركات التابعة لإيران من بينها شركة الفجر للحماية، التي تحمي قوافل النفط التي تنتقل بين العراق ومصافي النفط في حمص وبانياس من هجمات تنظيم “داعش”.

الخلاصة:

لا شك أن النظام الروسي يعيش على تحركات ميليشياته في العالم، وهي إستراتيجية بوتين في تحقيق طموحاته لعودة الاتحاد السوفييتي من جديد، وعودة الهيبة الروسية في العالم من جديد، وبالتالي هذه الميليشيات تعمل وفق خطة محكمة ومعدة مخابراتيًّا على أعلى مستوى؛ سواء كانت هذه الميليشيات في إفريقيا أو منطقة الشرق الأوسط أو أوروبا، كل هذه الميليشيات تقوم بحرب الوكالة ورعاية المصالح الروسية لسحب البساط من الولايات المتحدة الأمريكية.

وتشكل شركات الحماية والحراسة الأمنية التي نشطت في مناطق نظام الأسد، بوابة أمام حلفاء نظام الأسد في تشريع حماية مصالحهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية في سوريا، من خلال جعلها ضمن شركات تبدو قانونية، لكنها في الواقع شاركت نظام الأسد في نهب ثروات البلاد وتهجير أهلها.

والناظر إلى الأوضاع السورية يجد أنها حلبة مصارعة كبيرة تجتمع فيها كل الأطماع والقوى العالمية، وكل له مصالحة الخاصة والتي يسعى لتحقيقها سواء كانت ايران أو روسيا أو العراق أو الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذه القوى لها مصالحها الخاصة في سوريا، وذلك لغيبة القيادة المؤسسات الحامية للبلاد.

كما أن من لا يملك قرار نفسه لا يملك حماية أرضه، والشعب السوري فقد قدرته على حكمه للبلاد نتيجة التدخلات الأجنبية والجماعات المسلحة التي مزقت البلاد؛ كل يعمل على حسب مصالحه إلى القلة القليلة، وبالتالي نحن أمام ضياع هوية بلد عربي بالكامل.

المصادر:

1_ D.W

2_ بي بي سي

3_ بي بي سي

4_ الاندبندت

5_ الشرق

6_ الحرة

7_ الجزيرة

8_ السورية نت

9_ نون بوست

التعليقات مغلقة.