fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

بعد عام كامل.. المصالحة السعودية الإيرانية في الميزان

49

بعد عام كامل.. المصالحة السعودية الإيرانية في الميزان

لقد مرَّ عام بحلول العاشر من مارس على ملف يُعد من أبرز التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط، وهو إعلان المصالحة بين السعودية وإيران بعد حوالي سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية؛ نتيجة التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة ومنها المملكة، حيث أدت خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين إلى تطبيع العلاقات وإعادة فتح سفارتيهما عبر مبادرة رعتها الصين خلصت إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية والحد من التوترات في المنطقة.

ومن المهم أن نقف على أهم تداعيات وتأثيرات اتفاق المصالحة بين الطرفين طهران والرياض؛ لا سيما أنه كان من أهم تطور شهدته المنطقة خلال الأعوام الأخيرة وسط تحركات إيران نحو دبلوماسية الجوار وتحسين علاقتها ببعض الدول الخليجية، مثل: الإمارات؛ إذ كانت لكل من الطرفين أهدافه المرتبطة بالسياسة الداخلية والإقليمية للمضي في مسار التطبيع وترجيح الدبلوماسية على أي مسارات أخرى غير سلمية.

سنناقش في مركز “رواق” للأبحاث والدراسات، أبرز الملفات، وهي: هل حققت المصالحة السعودية الإيرانية مُبتغاها في المنطقة؟ هل يتوقف الفكر الإيراني لنشر التشيع واستقطاب الفقراء؟ ماذا عن التدخلات الإيرانية في شئون الدول خصوصًا الخليجية؟ هل يمنح إيران الثقة لطرق أبواب بعض الدول العربية الأخرى؟ ما دور طهران في أزمة الملاحة عبر أذرعها في البحر الأحمر؟ وما هي أدوات إيران في نشر التشيع؟

لقد عادت العلاقات مرة أخرى بين طهران والرياض، قبل عام برعاية صينية محّضة، حيث أجرى خلالها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة تاريخية إلى إيران بعد قطيعة استمرت سبعة أعوام، كما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الإيراني على هامش قمة الرياض الإسلامية التي عقدت على خلفية الحرب في غزة، حيث بدأ عددًا من المبادرات الثنائية، بما في ذلك برنامج الإعفاء من التأشيرة لزيادة عدد الزوار وتشجيع سفر رجال الأعمال بين الطرفين، كما زار نائب محافظ البنك المركزي الإيراني محمد آرام الرياض لتطوير العلاقات المصرفية بين البلدين، وزار وفد عسكري إيراني معرض “إيديكس” الرياض بدعوة من السعودية.

نعم. كلها مؤشرات توحي برغبة الدولتين في الحفاظ على عودة العلاقات ومسار التطبيع فيما بينهما، لكن ما تداعيات الاتفاق في المنطقة العربية؟ يمكن القول: إن هناك بعض الإيجابيات التي تحققت واستفاد منها الطرفان، وحاولت إيران من جهة استغلال الفرصة أكثر لخدمة سياسة دبلوماسية الجوار على النحو الذي يحقق مصالحها. (العربية).

هل يمنح إيران الثقة لطرق أبواب بعض الدول العربية؟

يمكن القول بأن الاتفاق الذي جرى برعاية صينية، قد منح إيران الثقة الدبلوماسية لتطرق مزيدًا من أبواب الدول العربية التي لم تكن لها معها علاقات جيدة مثل مصر، والإلحاح الإيراني على تحسين ورفع العلاقات الدبلوماسية معها، وسط مواجهة القاهرة الأمر بنوع من التأني وعدم التعجل، أيضا دعت طهران المغرب والبحرين إلى تحسين العلاقات معهما.

كذلك منح الاتفاق منطقة الخليج التهدئة وخفض التوترات وعدم مهاجمة البُنى التحتية لدوله من قبل الميليشيات والأذرع التابعة لطهران، كما توقفت إيران عن تهديد الملاحة في مضيق هرمز، ويمكنه أن يساعد في فتح الباب أمام حوار أمني بين دول الخليج العربية وإيران والعراق.

كما أن هناك بعض الإيجابيات على بعض الدول العربية مثل العراق الذي حاول التقريب بين جارتيه، وأيضًا سوريا، فقد نجحت الرياض في إعادتها للحاضنة العربية واستعادة مقعدها في الجامعة العربية، مما مكن دمشق من توسيع هامش قدرتها على المناورة بين إيران والدول العربية للتخفيف من عبء السيطرة الإيرانية وفك العزلة عن سوريا عربيًّا.

حتى الآن ورغم اندلاع الحرب الصهيونية على غزة وبعد أشهر عدة على الحرب، ما زالت السعودية وإيران قادرتين على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، أي: إن الاتفاق يشكل عامل استقرار للشرق الأوسط بأكمله، ومع ذلك ما زالت هناك تحديات أمام الاتفاق، وأهمها: استمرار طهران في الاستراتيجية الإقليمية نفسها وأهدافها الخاصة. (العربية).

أزمة البحر الأحمر.. دور إيران في تقوّيض مصالح الدول العربية:

لكن لا يزال ما يحدث من هجمات مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر وثمّة ما يقوِّض مصالح الدول العربية المتشاطئة له، ومنها السعودية، ومع ذلك تستمر إيران في دعم ميليشيات الحوثي في اليمن على مختلف المستويات، ولم يعُد خافيًا الدور الإيراني في هجمات البحر الأحمر حتى إن كثيرًا من المؤتمرات الدولية والمنظمات المعنية بأمن البحرية الدولية وجهت اللوم لطهران، وحثوا على تحملها مسؤولية سلوك الحوثيين في البحر الأحمر، كما أن الصين ذاتها وجهت تحذيرا لإيران في هذا الصدد.

بخصوص الوضع في سوريا والتدخل الإيراني، نجد أن هناك دعمًا لنظام بشار الأسد، فأضحت خلال الآونة الأخيرة تستقبل هجمات إسرائيلية مكثفة بسبب ملاحقة تل أبيب للأهداف الإيرانية وقادة الحرس الثوري الذين لا يكاد يمر يوم من دون إنشاء مقر جديد لهم، وبدلًا من العمل على استعادة سوريا علاقاتها الإقليمية ما زالت ساحة للمواجهات الإيرانية – الإسرائيلية، التي ربما هي سياسة تخدم أجندة إيران في المنطقة.

وعلى ما يبدو أن النظام الإيراني لا يزال يتبع إستراتيجية تتمثل في دمج نفسه مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، بهدف تحقيق أهدافه الخاصة من دون العمل على تحقيق الاستقرار الإقليمي، ومع ذلك ومع كل التطورات تؤكد الإرادة السعودية استمرار الاتفاق والتعايش مع إيران على أمل تحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية لجميع دول المنطقة. (العربية).

الأزهر يرفض نشر التشيع ويطالب إيران بعدم التدخل في شؤون الخليج:

خلال زيارته لمصر قبل سنوات، زعم الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بأنه “لا خلافات بين المذهبين السني والشيعي”، وفي المقابل طالب شيخ الأزهر أحمد الطيب وقتها، الرئيس الإيراني بـ”عدم التدخل في شؤون دول الخليج واحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، كما أكد شيخ الأزهر لأحمدي نجاد “رفضه للمد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة”.

وذكر الأزهر عبر بيان صدر بعد لقاء بين شيخ الأزهر والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: أن الإمام الأكبر “طالب الرئيس الإيراني باحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وعدم التدخل في شؤون دول الخليج، وأكد أنه “يرفض المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة”.

إن تأكيد شيخ الأزهر خلال لقائه مع الرئيس أحمدي نجاد أثناء زيارته إلى مصر قبل سنوات، رفضه للمحاولات الشيعية لاختراق الدول السنية والمساس بمذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن مؤسسة الأزهر والدعاة في مصر يعون جيدًا خطورة المد الشيعي، وأن مصر كانت وما زالت معقلًا لأهل السنة والجماعة، وأن الأزهر الشريف يرفض رفضًا قاطعًا جميع محاولات نشر التشيع بين أهل مصر وشبابها.

وقد عبر الشيخ الطيب لنجاد، ما يتعرض له صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من سب من قبل البعض في إيران، مؤكدًا رفض الأزهر لتلك الممارسات جملة وتفصيلًا، حيث طالب شيخ الأزهر أحمدي نجاد بـ”وقف النزيف الدموي في سوريا الشقيقة والخروج بها إلى بر الأمان”، وطالبه أيضًا بمنح السنة في إيران كامل حقوقهم.

بعد مُضيّ عام على الاتفاق الإيراني السعودي.. ماذا تحقق؟

تحلّ الذكرى الأولى للاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية ووضعه حدًّا للقطيعة التي استمرت 7 أعوام بين الدولتين الجارتين، وتتساءل شريحة من الرأي العام العربي والإيراني أيضًا عن مدى نجاح الاتفاق في تقريب وجهات النظر بين الدول الإسلامية وتخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط، وعما إذا بلغت العلاقات الثنائية بين البلدين المستوى المنشود. (الجزيرة).

يجب أن نفهم: أن كلًّا من إيران والسعودية تحظى بموقع جيوسياسي وجيواقتصادي مهم في منطقة الشرق الأوسط، لكن علاقاتهما الثنائية اتسمت بالتوتر والقطيعة طوال عقود بفعل التنافس الأيديولوجي والاقتصادي والمواقف السياسية المتباينة إزاء تطورات المنطقة.

جذور الخلاف والهجوم على السفارة السعودية في طهران 2016:

ورغم أن مهاجمة محتجين إيرانيين مقر السفارة السعودية في طهران عام 2016 إثر إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر كانت بمثابة القشَّة التي قصمت ظهر البعير، فإنها لم تكن أول قطيعة في تاريخ الدولتين المسلمتين، إذ سبق وقطعت طهران علاقاتها مع الرياض عام 1943 عقب إعدام المملكة حاجًّا إيرانيًّا.

لقد تكرر الخلاف بين السعودية وإيران مرارًا، لا سيما بسبب أحداث شهدتها مواسم الحج، بيد أن الخطاب الثوري الذي رفعته الجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى والحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والموقف الخليجي الداعم للنظام في العراق فتح صفحة جديدة من التوتر بين الرياض وطهران، قبل أن تتحسن في عهد الرئيسين الأسبقين: علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي.

معركة عض الأصابع وطي صفحة الخلاف:

حيث واصلت الدولتان معركة عض الأصابع لفترة دامت 7 أعوام، لكن نجحت الوساطات في جعل أسباب الخلاف طي النسيان، فبعد 5 جولات من المفاوضات بوساطة عراقية نجحت دبلوماسية الصين في مارس 2023 من تفجير مفاجأة تمثلت بالإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

ففي الشارع الإيراني، فقد وصف سفير طهران لدى السعودية علي رضا عنايتي طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين بأنها “إيجابية جدًّا” وأن “الجانبين أنجزا كثيرًا مما أوصى به القادة”، مستدركًا: “لا نقول إننا تمكنا من الحصول على كل ما يلبي طموحنا خلال الفترة الماضية”، وأردف بالقول: “في بداية الطريق، لكن طريق الألف ميل يبدأ بقطع ميل واحد”، مؤكدًا أن “البلدين الشقيقين والجارين اتخذا منذ إعلان المصالحة خطوات جريئة خلال فترة وجيزة تمثلت في تبادل السفراء وفتح الممثليات الدبلوماسية”.

ويؤكد عنايتي أن البلدين جادان في تعزيز العلاقات الثنائية واستكمال جسر العلاقات الذي بدأ بناؤه منذ إعلان اتفاق بكين والعمل على توطيد التعاون على شتى الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها من العلاقات البينية. (الجزيرة).

مؤشر العلاقات بين طهران والرياض:

إن مؤشر العلاقات بين طهران والرياض بات يأخذ طابع في التطور وفقًا للسياسة والخارطة التي رسمها الرئيس إبراهيم رئيسي منذ توليه مقاليد الحكم عام 2021 وتأكيده على ضرورة تنمية علاقات طهران مع الدول الجوار، انطلاقا من مبادئ حسن الجوار؛ مما يستوجب أن تستمر طهران في عدم التدخل في شئون دول المنطقة.

وخُلص إلى أن بلاده تتطلع إلى رؤية متعددة الأطراف في الإقليم والرقي بالعلاقات الثنائية إلى تعاون جماعي على شتى الصعد بمشاركة دول المنطقة وصولًا إلى نظام إقليمي جديد تلعب فيه دول غرب آسيا دورًا مهمًّا في سبيل تلبية تطلعات شعوبها.

التطبيع مع الدول العربية.. لماذا تتريث مصر في عودة علاقاتها مع طهران؟

إن استئناف العلاقات الدبلوماسية ووضع حد للقطيعة بين طهران والرياض يعتبر “خطوة إيجابية” كان لا بُد منها، مؤكدًا أن الدولتين قطعتا خطوات كبيرة في سبيل لم شمل الأمة الإسلامية بوضعهما الخلافات جانبًا، كما أن تبادل السفراء والزيارات المكوكية بين مسؤولي إيران والسعودية والمباحثات الأمنية بين الجهات المعنية لدى البلدين تأخذ شكلًا هادئًا، ولكن ربما على إيران استغلال هذه الفرصة.

كما أن تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، ربما قد ينعكس إيجابًا على علاقات طهران مع عدد من الدول العربية الأخرى، مثل: البحرين ومصر والأردن؛ ذلك أن الولوج عبر بوابة السعودية قادر على فتح العديد من الأبواب الموصدة بوجه طهران في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ولكن على ما يبدو أن مصر لا تزال تراعي المصالح وتضع أسس لعودة العلاقات ومنها عدم التدخل في شئون الدول العربية، وأبرزها: المد الشيعي كما أكد من قبل شيخ الأزهر.

حيث لا تزال مصر تنظر لعودة العلاقات مع طهران بمزيد من التريث والتأنّي في ظل إصرار حثيث من إيران على عودة العلاقات من جديد، وهذا ما أكده وزير خارجيتها مرارًا عبر لقاءات دولية لنظيره المصري سامح شكري وكان أخرها في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولربما ينظر البعض إلى هذه المصالح، بأن المصالحة الإيرانية السعودية قد عرقلت بالفعل قطار التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وقلّصت النفوذ الأمريكي في منطقة غرب آسيا؛ إذ إننا نرى عدم مسايرة الرياض سياسات التحالف الأمريكي البريطاني في البحر الأحمر، كما أنها أسهمت في إبعاد شبح التوتر عن المنطقة ولو بقدر كبير. (الجزيرة).

انعكاس المصالحة على العلاقات التجارية:

يرى مسؤولون إيرانيون وأعضاء في لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم، أنه لا تأثير يُذكر للمصالحة على المبادلات التجارية بين إيران والسعودية حتى الآن، وأن الميزان التجاري بين طهران والرياض كان قد بلغ 800 مليون دولار قبيل القطيعة عام 2016 قبل أن يهبط للصفر بعدها، وأن التبادل التجاري ارتفع قبيل المصالحة بفعل الأنباء الإيجابية التي كانت تنشر حينها إلى نحو 15 مليون دولار، لكنه تراجع إلى أقل من مليون دولار في الذكرى الأولى لتوقيع الاتفاق.

هنا نقول، ورغم إرادة الجانبين: الإيراني والسعودي؛ فإن المبادلات التجارية بينهما لم ترتقِ للمستوى المنشود، وذلك ربما لأسباب سياسية تتعلق بالجانب السعودي أولا، وما تمثله المصالحة من تهديد لبعض القوى الإقليمية والدولية في الدرجة الثانية.

لماذا لم يحقق الاتفاق المستوى المنشود؟

يجب ألا ننسى أن هناك فجوة بالطبع بين الطرفان، فتدخلات إيران في شئون الدول كانت كبيرة، ومن الصعب أن يتم طيها بسهولة؛ لذلك فإن الغاية من تطبيع العلاقات تختلف لدى كل من طهران والرياض، وأن ما حققته كلٌّ من الدولتين يتفاوت وفق ما تريده منه، مؤكدا أن استمرار النظرة الأمنية وأزمة الثقة في العلاقات الإيرانية السعودية حالت دون بلوغ المصالحة المستوى المطلوب.

ولربما أن الجانب السعودي خاض مفاوضات في بغداد ومسقط وبكين لتذليل العقبات التي من شأنها اعتراض مشروع ورؤية 2030، مما برر للرياض إنهاء حالة العداء مع إيران، وأن المصالحة قد حققت نسبيًّا ما ترمي إليه المملكة، لا سيما في تحييد التهديدات وخفض التوتر وتصفير المشكلات لإنجاح سياسات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ورغم جميع الإشادات بالمصالحة، فإنها لم تتوج بتوقيع اتفاق آخر ما عدا استئناف العلاقات الثنائية، وأن الخطوات الإيرانية لبناء الثقة، مثل إلغاء تأشيرة الدخول للرعايا السعوديين، لم تقابل بخطوات سعودية مماثلة، كما أن ولي العهد السعودي لم يلبِ حتى الآن الدعوة الإيرانية لزيارة طهران، رغم قيام الرئيس رئيسي بزيارة الرياض، مما يدل على أن هذه المساعي لا تزال تأتي من جانب واحد. (الجزيرة).

أدوات إيران في نشر التشيع:

– تقديس الولي الفقيه: منذ قيام “الثورة” الإيرانية سعت حكومتها لاحتكار المرجعية في شخص الولي الفقيه ونظرية روح الله الخميني (توفي سنة 1989) التي انفرد بها، والمُتجسدة في حكم “الولي الفقيه”، والتي شرحها وفصلها في محاضراته التي جمعت فيما بعد في كتابه “الحكومة الإسلامية”، وطبقها بعد نجاح ثورته، رغم أنه لم يكن الأعلى في مقام المرجعية العلمية، ولكن عبر ثورته ونظريته نجح الخميني في احتكار الصوت والسلطة على الشيعة، وأنهى ثنائية (الفقيه والسلطان) المتوارثة منذ عهد رجل الدين الشيعي علي الكركي، لتتحول إلى السلطان الفقيه والفقيه السلطان، كما نجح الخميني في الاستيلاء على الثورة وتنحية كل شركائه، وعزل المراجع المعارضة له داخل إيران. (موقع الفرات).

ولكن من المهم أن نشير هنا إلى أن فكرة الولي الفقيه تُغري زعماء الأقليات الشيعية المرتبطين بالنظام الإيراني، بتنفيذ “الثورات” وحصد المكاسب نفسها، ولعل جماعة الحوثيين في اليمن، يمثلون نموذجًا واضحًا للغاية ومعبرًا عن هذا الإغراء في الانقلاب على الحوار الوطني والشرعية، وإصرار زعيمهم على احتكار وإدارة كل شيء، بامتلاكه الشرعية الدينية والعنيفة في آن واحد.

– سياسة تصفية الخصوم: كثيرًا ما تلجأ “الشيعية السياسية” إلى ترويع الاختلاف، وترويع المختلفين عبر قواتها والجماعات المسلحة التابعة لها، ونذكر في ذلك اجتياح جماعة الحوثيين لمدينتي دماج وعمران في يونيو سنة 2014، ثم اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر سنة 2014، وهو ما تمارسه مُختلف الجماعات المُسلحة المنضوية لإيران في المنطقة.

وفي الحقيقة: لقد استخدمت الثورة الإيرانية أداة الترويع والتصفية، وهي النموذج والمثال عند “الشيعية السياسية”، لاحتكار الفضاء الديني والمذهبي والتغلب على الفضاءات السياسية والوطنية داخل إيران. (موقع الفرات).

– استلهام خطابات حسن البنا وسيد قطب: تظهر “الثورة” الإيرانية، كزعيمة ومحاولة إظهار نفسها حركة رائدة في الإسلام السياسي، حيث حاول الخميني وخليفته خامنئي منذ البداية استلهام خطابات كل من حسن البنا وسيد قطب.

كذلك الحديث باسم الأمة والدفاع المزعوم عن القدس والقضية الفلسطينية، ورفع شعار الدعاية “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل” والدعوة للحاكمية وإقامة الدول الإسلامية واتهام الحكومات الوطنية بالخيانة والكفر والعمالة وغيرها من تهم متطرفة.

وكون النظام الإيراني يملك القوة والدعم المادي، فقد مثل نموذجًا جاذبًا للعديد من هذه الحركات التي أسس بعضها على صداه؛ الشيعية ببعض الدول العربية التي تحتفظ بروابط قوية مع إيران. (موقع الفرات).

وقد نجح خطاب “الثورة” الإيرانية في الانتشار وسط الأقليات المسلمة في إفريقيا، بل نجحت إيران في تحويل حركة كبيرة كتلك التي يترأسها الشيخ ابراهيم الزكزاكي نحو التشيع بعد أن كانت سنية، الذي كان له –تحول الزكزاكي نحو التشيع- أثر في ظهور حركة بوكو حرام فيما بعد.

الواضح هنا من السياسة الإيرانية ودولة الفقيه: أن إيران تمتطي أطروحات الإسلام السياسي والتبشير المذهبي لصناعة ولاءات تتبعها وترتبط بها من مختلف البيئات في العالم الإسلامي، وأثرها في جذب انتباه كثير من المتطرفين إليها، مما جعل إيران تبدو نموذجا لدى مختلف حركات التطرف العنيف في المنطقة والعالم الإسلامي. (موقع الفرات).

وبالتالي فقد نجحت إيران ومنذ ثمانينيات القرن الماضي في تأسيس وتدريب أذرع شيعية موالية لها في كثير من البلدان، فيما عرف بظاهرة “أحزاب الله”، مما يمثل فضاءً واسعًا للتشيع السياسي والشيعية السياسية التي تتلقى منها مليارات الدولار سنويًّا من ميزانية الحرس الثوري، في حين يعاني المواطن في طهران من ضنك العيش. (موقع الإستراتيجيات الفكرية).

– تجسير الفجوة مع الفرق الشيعية غير الإمامية: لقد حرصت إيران على تجسير الفجوة بين مختلف فرق الشيعة، أو بين الإمامية تحديدًا وغيرها من الفرق الشيعية على اختلاف درجاتها، المعتدلة والمغالية، عبر إستراتيجيات مختلفة بدعوتهم ومنحهم الفُرص التعليمية، كما حدث مع مؤسس حركة الحوثي، حسين الحوثي، والذي تماهى كليًّا مع خطاب الثورة الإيرانية، وأبدى إعجابه الشديد بشخصية وفكر الخميني، والتي وفرت لحركته وجماعته فيما بعد مختلف وسائل التدريب والدعم حتى استطاع القيام بسبعة حروب ضد بني وطنه.

كما نجحت أيضًا حكومة إيران لاحتواء أقليات شيعية أخرى عبر نفس الشعار، ونجحت في نشر الحُسينيات خارج إيران، وتشييع قطاعات عريضة عبر تلبية مطالب العوز والاحتياج في مناطق الصراعات، عبر بسط سيطرتها الفكرية والمادية والظهور بمظهر المدافع عنهم ضد الأخطار المحدقة بهم.

– استخدام البذخ المادي في نشر التبشير: تشتري إيران الوجدان والولاء للمحرومين منهم في أوساط الأقليات من خلال تقديم الدعم المادي والخدمي عبر مؤسساتها المختلفة مثل مؤسسة الخميني للإغاثة، التي يُنظر لها، باعتبارها أحد وسائل التبشير والتجنيد لنشر التشيع، نظرا لنشاطها العالمي الذي يشمل دولاً عربية وأفريقية على حد سواء، وعبر هذه المؤسسات التعليمية المجانية وتقديم المنح والمكافآت؛ تتم التعبئة والشحن الأيديولوجي للمتدربين خدمة لنشر التشيع البغيض. (موقع الإستراتيجيات الفكرية).

الخلاصة:

– لقد رسَّخت المصالحة السعودية الإيرانية لعدد من التطبيع والمصالحات بين طهران وبعض الدول الأخرى، ولكنه يظل أمر مرتبط بمدى جديّة الجمهورية الإيرانية في علاقاتها مع الدول ومدى توقفها عن التدخل في شئون الآخر ونشر التشيع.

– صحيح إن استئناف العلاقات الدبلوماسية قد وضع حدًّا للقطيعة بين طهران والرياض، وهي “خطوة إيجابية” ومحاولة تنحية الخلافات جانبًا، كذلك الزيارات المكوكية بين مسؤولي إيران والسعودية؛ إلا أن الارتقاء بمستوى العلاقات التجارية تظل متجمدة كما هي.

– حاولت ولا تزال إيران التطبيع العلاقات مع دول كبيرة ومهمة في المنطقة مثل الدولة المصرية ولكن هناك ترقب حذر وحثيث من القاهرة على لسان الوزير سامح شكري بأن التطبيع مع إيران مشروط بعدم تدخلها في الشئون الداخلية لدول المنطقة ومنها الخليجية ووقف فكر المدِّ الشيعي.

– وهذا ما أكده صراحة فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب مع أحمدي نجاد؛ عندما زار القاهرة منذ سنوات في عهد الرئيس مرسي أثناء حكم الإخوان، حيث طلب منه احترام سيادة الدول، وأن نشر الفكر الشيعي مرفوض شكلًا وموضوعًا.

– لقد تأسس الفكر أو التشيّع السياسي في إيران، لأول مرة، على يد الشاه إسماعيل الصفوي، عام 1501م، وهي أجندة إيران التي لا تتوقف، وكانت أسباب جوهرية في قطع علاقات طهران مع كثير من دول المنطقة العربية.

– تشتري إيران الوجدان والولاء للمحرومين منهم في أوساط الأقليات من خلال تقديم الدعم المادي والخدمي عبر مؤسساتها المختلفة، مثل: مؤسسة الخميني للإغاثة، التي تُعد أحد وسائل التبشير والتجنيد لنشر التشيع.

– من المهم جدًّا أن نعلم بأن إيران تنتهج دائمًا سياسة تصفية الخصوم وترويع المختلفين معها عبر قواتها والجماعات المسلحة التابعة لها، وكان اجتياح جماعة الحوثي لمدينتي دماج وعمران في يونيو سنة 2014، ثم بعدها اجتياح العاصمة اليمنية “صنعاء” في سبتمبر عام 2014، وهو ما تمارسه مُختلف الجماعات المُسلحة المنضوية لإيران في زعزعة استقرار المنطقة.

– لا ننسى الدور الإيراني في أزمة الملاحة والبحر الأحمر الآن، عبر أذرعها في تقوّيض مصالح الدول العربية عموما ومصر خاصة؛ لأنها أثرت ولا تزال على حركة الملاحة بقناة السويس بزعم الدفاع عن غزة، في حين أن الكيان المحتل لم يتأثر.

– مهما حدث من مصالحات بين إيران ودول المنطقة، فهو قد يخفف من حِدة التوتر وتقليص النفوذ الإيراني، لكن يظل الحذر موجود ويجب أن يكون كذلك؛ لأن الفكر الشيعي ونشر التشيع هي فكرة وسياسة إيرانية لم ولن تتوقف مطلقًا في تأجيج الصراع في المنطقة منذ عهد الثورة الخمينية وما قبلها.

المصادر:

العربية

الجزيرة

موقع الفرات

موقع الإستراتيجيات الفكرية

التعليقات مغلقة.