fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

طوفان الأقصى يعيد الحسابات مرة أخرى في ملف التطبيع العربي الصهيوني!

39

طوفان الأقصى يعيد الحسابات مرة أخرى في ملف التطبيع العربي الصهيوني!

توالت في الأيام الأخيرة وقبل 7 أكتوبر2023 العديد من التصريحات والزيارات والبرقيات الخاصة بعملية التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني المحتل، في ظل ما كان يعانيه إخواننا في الدولة الفلسطينية المحتلة من ظلم وقهر على يد المحتل الغاشم خاصة، وفي قطاع غزة المحاصر، فمن الإمارات إلى البحرين مرورًا بعمان، وصولًا إلى السعودية والتي كانت في طريقها هي الأخرى لمد بساط التطبيع مع اليهود ليصل إلى بلاد الحرمين.

كل هذه الأحداث سارت في مسارها، ولكن أهالي قطاع غزة ومقاومتهم، كان لهم كلمة أخرى يعملون على إيصالها إلى الدول العربية والإسلامية، ومحاولة تذكيرهم بحقيقة الأمور وواقعيتها، والتي ربما تعرفها جيدًا جميع الشعوب العربية والإسلامية، وهي الحقيقة التي نص عليها القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿‌وَلَنْ ‌تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].

فهذه الآية هي الفاضحة والكاشفة لنوايا اليهود التي لا تكاد تنفك عنهم؛ لأنها جزء أساسي ورئيسي من عقيدتهم اليهودية، وبالتالي جاء طوفان الأقصى ليكشف الغل والحقد الذي بداخلهم، وحرصهم على قتل وبتر الإسلام واجتثاث جذوره من قلوب المسلمين؛ إما بالقتل، وإما بالإغراء، وإغراقهم في الفتن لتتحقق أهدافهم بالنصر على الأمة الإسلامية؛ وذلك لأن الحرب بيننا وبينهم هي حرب عقدية لا يمكن إنكارها أو تحريفها؛ لأنها معلومة لدى الجميع.

على الرغم من أن عام 2020 هو العام الذي وقَّعت فيه كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على اتفاقيات متتالية لإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع حكومة الاحتلال، وهو العام الذي رقصت فيه إسرائيل من شدة الفرح أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكان بمثابة نصر لحكومة نتن ياهو معتبرة أن العملية “عهد جديد من السلام”.

مفهوم السلام لدى العرب والصهاينة:

إن العرب يتحدثون عن السلام القائم على العدل، أو مبادلة الأرض بالسلام، والإسرائيليون يتحدثون عن السلام مقابل السلام، وتوقفوا حتى عن الحديث عن الأمن الاقتصادي؛ لأنه يعني بقاء الشعب الفلسطيني على قسم من أراضي فلسطين التاريخية، وهم يريدون فلسطين كلها، على النحو الذي تفاخر به بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة عندما عرض خريطة إسرائيل، والتي تشمل الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان(1).

طوفان الأقصى استخرج شهادة تأخير لمسار التطبيع الصهيوني:

فلا شك أن طوفان الأقصى سوف يحدث حالة من الجمود في مسار التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل رغم كل الضغوط الأمريكية، وكذلك لم يعد بمقدور عدد من العواصم العربية، سواء التي طبَّعت أصلًا أو كانت في طريقها إلى ذلك، أن تجد أي مبررات مهما كانت هزيلة كي تقدمها لاستمرار هذا النهج الذي سيستنزف أي رصيد لها بين أبناء شعبها وسيضر بسمعتها في المحيط.

كذلك نجد أن الصعوبة المتناهية التي ستجدها واشنطن في المرحلة المقبلة إن هي قررت المضي قدمًا في محاولة توسيع ما يسمى معسكر السلام العربي من خلال اتفاقات أبراهام التي ستدخل حاليًا غرفة الإنعاش لمدة قد تطول.

كما أن واشنطن فقدت -وربما إلى الأبد- أي وجاهة سياسية أو أخلاقية تجعلها قادرة على تقديم نفسها كوسيط قادر على الدفع بأي تسوية تضمن الحد الأدنى من شروط التسوية المتوازنة أو العادلة، خاصة وأن مواصلة الحديث عن حل الدولتين لم تعد له أي مصداقية أو قيمة يعتدّ بها؛ لأن مثل هذا الحل يفترض بداهة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وهو ما لا أحد يسعى إليه بالمرة مع أنه يتحوَّل إلى نظام فصل عنصري واضح حسب القدس العربي(2).

ولعل من أبرز السلبيات التي ستواجه ملف التطبيع العربي الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى هي كالتالي:

الرياض وتل أبيب عودة إلى نقطة الصفر:

شكل الهجوم المفاجئ في الـ7 من أكتوبر على الكيان الصهيوني ضربة قوية للزخم الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يعتبر بمثابة ورقة ترشيح الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية القادمة للفترة الثانية على التوالي، وهو إبرام اتفاق تطبيع بين المملكة العربية السعودية وحكومة الاحتلال، وكان يعتبره المسؤولون الإسرائيليون بـ “حسن الختام” لرحلة شاقة من العمل الدبلوماسي وإثبات القدرات العسكرية.

وكان يتعامل البيت الأبيض ويمهد لهذا الاتفاق على أنه المكسب الدبلوماسي المحسوب للرئيس بايدن، وهو يعزز حملته للانتخابات الرئاسية عام 2024، وخصوصًا أنه يواجه تراجعًا في شعبيته بين المواطنين الأميركيين، لكن عملية “طوفان الأقصى” أعادت العملية برمتها إلى النقطة صفر، وقضت على أحلام بايدن الذي صار اليوم مهمومًا بضمان أمن “إسرائيل” ذاتها(3).

ومن هنا نجد أننا أمام موقف سعودي محرج يحتاج إلى مزيد من الوقت والحجج التي ربما يجب على النظام السعودي أن يتخذها من أجل إقناع الشعب السعودي، وهذا يؤخر عملية التطبيع، وبالتالي نحن أمام تجمد فعلي في طريق التطبيع السعودي الإسرائيلي، كذلك لا يمكن الجزم بأن السعودية لم تتأثر بما يحدث في غزة، وأن المفاوضات التي ربما لا نعلم عنها شيئًا قد تناولت الأحداث الجارية بشكل مهم ومعقد، وأن القيادة السعودية أخذت في الحسبان ردود الأفعال في الشارع السعودي.

زوال هيبة إسرائيل وهجرة مستوطنيها:

إن طوفان الأقصى زرع الخوف والرعب في قلوب “المستوطنين” بغلاف غزة، والتجربة القاسية التي عاشوها، مع عجز الكيان الإسرائيلي وجيشه عن حمايتهم؛ مما دفعهم إلى الهروب في “هجرة عكسية”، وهو ما تخشاه إسرائيل التي تسعى لجذب يهود العالم للهجرة إليها، وكذلك المستثمرين، وهو ما يؤثر على أهداف التطبيع بالتكامل الاقتصادي.

 كما أن “الطوفان” مزق تمامًا الصورة التي لطالما رسمتها إسرائيل لنفسها باعتبارها دولة قوية لا تُهزم، ولا تنال منها أي قوة، وهو ما جعلها مهجرًا ليهود العالم، وقوة جاذبة للانهزاميين والمنبطحين من العرب، سعيًا إلى التطبيع، باعتبارها حامية الحمى التي لا يشق لها غبار، فهذا الانهيار ولو لعدة ساعات لـ”إسرائيل”، وانكشاف هشاشتها وهوان شأنها أمام “طوفان الأقصى”، يضرب مساعي التطبيع مع بعض الدول العربية في مقتل، أو على الأقل يجبر الساعين للتطبيع على التوقف والتريث(4).

وبالتالي فإن الدول العربية عرفت الحقيقة العملية التي حدثت على أرض الواقع وأنها ليست بحاجة إلى التطبيع مع دولة هشة وضعيفة تعتمد فقط على الغير، وفرضية هزمها ممكن وواقع من الممكن أن يتحقق في أي وقت ممكن.

الغضب الشعبي العربي وترسيخ عدم قبول اليهود في أوساطهم:

إن المظاهرات المتواصلة المؤيدة للفلسطينيين في البلدان العربية والإسلامية تظهر إمكانية التعبئة للحرب الحالية، ولهذا من المرجح أن يكون عدد كبير من الحكومات العربية مهتمة بإنهاء هذه الاحتجاجات في أسرع وقت وبشكل نهائي قدر الإمكان، قبل أن تهدد استقرارها.

ولهذا قد لا يكون من الممكن استئناف التقارب مع إسرائيل إلا عندما تصمت الأسلحة ويستفيد الفلسطينيون أيضًا على سبيل المثال في شكل نسخة جديدة من حل الدولتين.

 وقد حدَّد رئيس الوزراء القطري، آل ثاني إطارًا لذلك حين قال إنه “لم يعد من الممكن ترك القضية الفلسطينية تحت السجاد لفترة أطول”(5).

وقد لفت الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، إلى أن استطلاعات للرأي في المملكة العربية السعودية تشير إلى أن 2 بالمئة من السعوديين يؤيدون التطبيع(6).

فهناك الكثير من البلدان العربية التي تعيش شعوبها في وادٍ وحكامها في وادٍ آخر، وفرضية احتمال قبول الشعوب العربية بقبول المواطنين الصهاينة بقبولهم في أوساطهم أصبحت شبه مستحيلة؛ خاصة ما رأيناه في الشوراع العربية، حتى لو لم تكن بالصورة الملائمة؛ إلا أن الحقيقة هي الرفض التام لهؤلاء المحتلين لأراضينا.

كذلك يعي حكام العرب تداعيات “طوفان الأقصى” وما سببته الأحداث من بركان الغضب الذي يجتاح الشعوب العربية من المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق أهالي غزة، والقتل الذي يمارسه بحق سكانها؛ نساءً، وأطفالًا، وشبابًا، ورجالًا، وشيوخًا، ومن المتوقع انفجار هذا الغضب في وجوه الكثير من الحكام، بما يهدد عروشهم.

فقدان المكاسب السياسية والإستراتيجية:

ربما يجد المطبعون أنفسهم أمام حقيقة لا يستطيعون إنكارها، وهي: أنهم لن يحققوا أي مكاسب سياسية، أو قيمة مضافة يُعتد بها أو يُراهن عليها، فما قبل الطوفان ليس كبعده على الإطلاق.

على النقيض تمامًا بالنسبة للداخل الصهيوني، فقد يحقق التطبيع لهم شيئًا من التنفيس والدعاية والتضليل الإعلامي، لكنه في المقابل لن يحقق لهم أي مكاسب سياسية أو عسكرية ملموسة على الأرض بعد هذه الحرب؛ لهذا سنلاحظ: أن قيادات الكيان المتعاقبة مستقبلًا فاترة مع التطبيع، وليست بجذوة الحماس السابق، على اعتبار أن أهم عنصر لهم وهو الأمن مفقود ومهدد، ومصيرهم بأيدي محور المقاومة وليس بيد المطبعين الفاقدين لكل أوراق الضغط والتأثير بعد جلاء ضجيج الطوفان(7).

الملخص:

لقد عطل طوفان الأقصى العديد من المسارات وأفشل الكثير من الخطط الإسرائيلية والتطبيعية، وأصبح اليوم الجميع يتكلم بمستواه الحقيقي وبمقداره الفعلي، وأن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، وأن أمانه لن يتحقق على أرضنا وبين بناتنا وأمهاتنا، وأنه حتما سيزول، ولن يضرنا من خاننا أو باع قضيتنا العربية والإسلامية والمدافعة عن الأرض والعرض، وأن حكام العرب وإن كانوا يظنون أنهم بهذا التطبيع سيرفعون المعاناة عن إخواننا بالداخل الفلسطيني فسيعاودون الفكر مرة أخرى والقرارات مرات أخرى، وبالتالي فالكيان المحتل أمام حقيقة واقعيه بأنه منبوذ، ولا يمكن التعايش معه.

1_ الشروق

2_ مانت كارلو الدولية

3_ الميادين

4_ الجزيرة

5_ D.W

6_ روسيا اليوم

7_ الرؤية

التعليقات مغلقة.