fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الاستفادة الروسية من العدوان الصهيوني على غزة

78

الاستفادة الروسية من العدوان الصهيوني على غزة

يعاني العالم المعاصر من ويلات الحروب، وخاصة أن هناك فجوة اقتصادية كبيرة تلقي بظلالها على حياة  كثير من الدول، وهذه الحروب لا تكاد تنفصل عن أي قطر من أقطار الأرض، فلا نكاد نرى الغرب بدون الحرب الروسية – الأوكرانية وغيرها، وكذلك آسيا بدون ما يحدث في بورما وغيرها، وإفريقيا بدون السودان وليبيا، فهذا هو حال العالم اليوم إلى أن سطرت غزة في صفحات الضمير العالمي خذلان هذه الأكذوبة العالمية والتي تنادي بالعدالة والحرية للشعوب، فلا شك أن احتلال الكيان الصهيوني لدولة فلسطين هو وصمة عار وخزي في حق دول العالم.

وعلى الرغم من الكوارث والحروب والدمار نتيجة الحروب إلا أنها تكون في بعض الأحيان منح للغير، فعلى سبيل المثال: يرى كثيرٌ من المحللين والخبراء أن حرب غزة مع الكيان الصهيوني هو تغيير جذري وشامل في الحرب الروسية الأوكرانية، وأن هذا التغيير لصالح الدب الروسي الذي يرى أن الساحة خالية الآن وتسمح لوضع قواعد اللعبة وفق رؤيته هو، وبالتالي نحن هنا نلقي الضوء على المكاسب الروسية من حرب غزة مع الكيان الصهيوني.

ولمعرفة هذه المكاسب علينا أن نفهم الموقف الروسي منذ بداية الحرب والمعلن على الصعيد الدولي على لسان الدبلوماسيين الروس.

الموقف الروسي من حرب غزة

بعد عملية طوفان الأقصى البطولية والتي نفذتها حركات المقاومة في غزة، أعلنت الخارجية الروسية أن موقفها ثابت من الأحداث الفلسطينية، وهو أن حل النزاع المستمر منذ 75 عامًا لا يمكن سوى بالدبلوماسية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال دميتري بيسكوف متحدث الرئاسة الروسية: إن الحرب الحالية والقائمة بين إسرائيل وفلسطين يجب أن تعود إلى الاتجاه السلمي، وذلك في أقرب وقت ممكن(1).

أول ظهور لروسيا في ساحة الأحداث الفلسطينية

كان أول ظهور للدب الروسي في المشهد والأحداث الحاصلة بين غزة والكيان المحتل، عند لقاء وفد حماس برئاسة مسؤول العلاقات الدولية في الحركة موسى أبو مرزوق مع ممثلي وزارة الخارجية الروسية(2).

وكان لهذا اللقاء دلالات واضحة على أن هناك حديثًا داخل الغرف المغلقة والتي لم يفصح عنها الساسة، وهذه الأحاديث ربما يكون لها تأثير قوي وفعال في الشرق الأوسط، ولفهم هذه الزيارة علينا أن نأخذ في عين الاعتبار أن زيارة موسى أبومرزوق لروسيا سبقتها زيارة وزير الخارجية الإيراني على باقري كاني، حيث زار موسكو والتقى نظيره الروسي قبلها بأيام قليلة، وكان العنوان المعلن لهذه الزيارة أنها لمناقشة التعاون الثنائي في قضايا أمنية دولية غير محددة.

وقد وصف الكيان الصهيوني هذه الزيارة بالفاحشة تدعم الإرهاب، وتضفي الشرعية على الفظائع التي يرتكبها إرهابيو حماس، كما دعى الحكومة الروسية إلى طرد إرهابيي حماس على الفور(3).

بيان حركة حماس والإشادة بـ”بوتين”

وبعد هذا اللقاء وفي ظل الأحداث المتتالية جاءت إشادة حركة حماس بموقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبالجهود الدبلوماسية الروسية، في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، وذلك خلال لقاء وفد من الحركة مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف.

وقالت “حماس”، في بيانها: “أشاد وفد الحركة بموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجهود الدبلوماسية الروسية النشطة، وأكد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه جريمة الإبادة الجماعية، التي تقوم بها الحكومة الصهيونية”(4).

علاقة روسيا بالكيان الصهيوني

هناك علاقة قوية بين الكيان الصهيوني المحتل وبين الدب الروسي، وتربط بينهما علاقة قوية ووطيدة، هذه العلاقة تطورت خلال الأعوام الماضية، خاصة وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، ونرى ذلك من خلال وقوف معظم دول العالم خلف كييف والاتحاد الأوروبي؛ إلا أن إسرائيل خرجت تنادي بمبادرتها بلعب دور الوسيط بين الطرفين لحل الأزمة الموجودة، وكذلك أعلنت رفضها التام لإرسال أسلحة فتاكة لأوكرانيا(5).

وهنا نجد أن روسيا تربطها علاقات قوية بين الجانبين، وبالتالي نحن أمام خيار صعب بالنسبة لروسيا؛ إلا أن روسيا تعرف من أين يؤكل الكتف في السياسة، وتعرف أن مصالحها في الشرق الأوسط متعلقة بعدة محاور، من ضمنها: دعم المقاومة والميليشات في كل المحاور؛ لأن معظم الأنظمة تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.

محددات الموقف الروسي:

قد يرى البعض الموقف الروسي أنه مقارب لنصرة القضية الفلسطينية، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلعب بدور السياسي والمحارب لصالح بلده روسيا وإعادة حلم الاتحاد السوفييتي؛ لأن الموقف الحالي هو محاولة لإرضاء الجو العام داخل روسيا، ولعلنا هنا يمكن أن نضع المحددات الرئيسية للموقف الروسي:

1_ المصالح المتنوعة مع دول المنطقة.

2_ العلاقة مع إيران وحماس، وما يُسمى “محور المقاومة” في لبنان واليمن.

3_ المسلمون الروس والواصل عددهم إلى ما يقرب من 25 مليون روسي.

وفي ظل انشغال روسيا مع أوكرانيا ومواجهة فلاديمير بوتين لزيلنسكي داخل كييف؛ إلا أن الكل يعلم أن أوكرانيا تحارب بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذه الحرب هي محاولة أمريكية لإنهاك قوى الدب الروسي، ومع ذلك يعلم بوتين جيدًا أن الهدف من وراء الحرب هي الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يمر يوم عليها إلا ونجد سيل من التصريحات والدعم والحشد لصالح أوكرانيا، إلى أن جاءت الحرب الفلسطينية وعكست الدور الأمريكي الذي ظن البعض أنه تلاشى.

دور الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الفلسطينية:

يعلم الجميع أن دولة الكيان المحتل هي دولة غاصبة للحقوق، وأنها الابن الضال للولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأحداث الأخيرة أعادت الولايات المتحدة الأمريكية  إلى قلب الصراع في الشرق الأوسط، وأسقطت أي حديث عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة.

وظهر ذلك في الدعم الأمريكي العسكري والسياسي اللامحدود لإسرائيل، وفي استخدامها المتكرر لـ”الفيتو” في مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون اتخاذ قرار لوقف إطلاق النار(6).

المكاسب الروسية:

لا شك أن طوفان الأقصى أعطى فرصة كبيرة لروسيا لسعيها للاستفادة من هذه الحرب الدائرة، وكما يصفها الخبراء والمحللون أنها هدية الامريكان لروسيا، ونرى أن روسيا لا يمكن أن تترك الفرصة لغيرها ليستغلها، وتحاول أن تحصد هذه المكاسب وفق رؤيتها.

ولعلنا هنا نبرز بعض هذه المكاسب:

1_ تعزيز مكانة روسيا في الشرق الأوسط، فيما ترى موسكو علاقتها بحركة حماس جزءًا من إستراتيجية الشرق الأوسط التي تهدف إلى تعزيز مكانتها في الجنوب العالمي.

2_ الهجوم على الغرب؛ إذ سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إلقاء اللوم على الغرب في الأزمة في الشرق الأوسط.

3_ محاولة روسيا لعب دور صانع السلام في المنطقة.

4_ صرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا، وأن تؤدي الاضطرابات في الشرق الأوسط إلى تحويل الدعم الغربي عن أوكرانيا، مما يسهل على روسيا تعزيز سيطرتها الإقليمية على أجزاء من أوكرانيا.

5_ تخفيف ضغط الآلة الإعلامية الغربية على الشعب والحالة النفسية للشعب الروسي جرَّاء استمرار حرب أوكرانيا.

6_ تراجُع الدولار أمام الروبل الروسي مع اندلاع واستمرار حرب غزة إلى حاجز 92 روبل.

7_ حرب غزة ستشغل الولايات المتحدة فترةً من الزمان عن التوتر بين الصين وتايوان.

8_ تعزيز قوى موسكو وبكين في الشرق الأوسط استغلالًا لحالة السخط الشعبوي على واشنطن.

9_ استفادة روسيَّة واضحة من قَطْع بعض دول بأميركا الجنوبية (بوليفيا) علاقاتها مع إسرائيل.

10_ خلو الملعب الأوكراني أمام روسيا يعزز فرصها في فرض “سلام القوة” دون أي تنازلات.

11_ إطلاق يد الصين في ملف تايوان مع انشغال القطب الأميركي بحرب غزة ودعم إسرائيل.

12_ تزايُد الضغط على واشنطن في العواصم الغربية قبل الشرق أوسطية الرافضة لسياساتها المساندة لإسرائيل وقتل المدنيين.

13_ الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط وسط عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن الصراع بين إسرائيل و”حماس” لديه القدرة أن يجذب المناطق المجاورة. (11،12،7،8،9،10).

الملخص:

مهما نادت الدول العظمى بالمبادئ وغيرها من العبارات الحقوقية والضمير الإنساني، وغيره، تبقى الحقيقة التي لا يمكن تغييرها، وهي أن هذه الدول لا تعرف سوى مصالحها والعمل على تحقيق مكاسبها الخاصة، ولا يمكن أن تسقط دمعة من عيونهم من أجلك، وبالتالي لا بد على الأمة العربية والإسلامية أن تعلم هذه الحقيقة ولا يغرها الشعارات والنداءات؛ فماذا قدَّمت هذه الدول من حقيقة على أرض الواقع لرفع معاناة الشعب الفلسطيني؟!

والدب الروسي وبالعودة للزمن الحديث الماضي، نجد أنه يحب نفسه ويعيش من أجل مكاسبه الخاصة، كما تعيس الولايات المتحدة الأمريكية، وما نراه هو مجرد مسلسل أهداف يختلف من بلد لآخر، والخاسر الوحيد هو الشعب المسلم والعربي.

وأن ما يحكم روسيا مصالحها؛ ولذلك مواقفها هي مجرد مكاسب لها.

المصادر:

1_ سكاي نيوز

2_ يورو نيوز

3_ الشروق التونسية

4_ سبوتنك

5_ فرانس 24

6_ هسبيرس

7_ رصيف22

8_ الشرق الأوسط

9_ D.W

10_ فرانس 24

11_ سكاي نيوز

12_ العرب

التعليقات مغلقة.