fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان المحتل… تاريخ من الاتفاقيات الهشة والسلام المُجمَّد

150

الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان المحتل… تاريخ من الاتفاقيات الهشة والسلام المُجمَّد

غزة والكيان المحتل؛ طوفان وسيوف، قتلى وجرحى ودمار، وتخوف من نكبة جديدة قد تطال أهالي غزة؛ تشتعل النيران في البقعة التي لم تهدأ يومًا، ففي غزة يدور الصراع المستمر بين الكيان المحتل والفلسطينيين؛ بين مَن يقولون أن الحق لهم في الأرض، ومَن هم أصحاب الأرض.

انقسامات دولية وتأرجح عالمي، فالبعض يقف مع الكيان المحتل والآخر مع الفلسطينيين، والقضية عالقة منذ عشرات السنين، ولكن هل التقى الطرفان يومًا؟ وماذا عن اتفاقيات السلام بينهما؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته، عن بعض النُّقَط المهمة حول الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني المحتل واتفاقيات السلام الهشة بين الطرفين، والمحاولات الدولية للتوصل إلى حل.

هجرة اليهود وبداية الصراع الفلسطيني مع المليشيات الصهيونية:

قصة الصراع والخلاف العميق تبدأ من العام 1917م، وهو العام الذي شهد دخول بريطانيا للمنطقة واحتلالها لكامل أراضي فلسطين بعد أن هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؛ ومن هنا بدأت ملامح الصراع تتشكل “اليهود إلى فلسطين” هكذا كان العنوان، وما شجع على ذلك دعم بريطانيا وفرنسا للحركة الصهيونية والتي كانت تسعى إلى استقطاب اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين.

ففي نوفمبر من ذات العام، أصدرت الحكومة البريطانية بيانًا علنيًّا للعالم ووعدت فيه بمنح اليهود وطنًا قوميًّا لهم، سيكون على أراضي فلسطين! وسمي هذا الوعد: بوعد بلفور، تيمنًا برئيس الوزراء البريطاني آنذاك آرثر بلفور، الذي وقَّع على الوعد حينها.

مع إطلاق الوعد ارتفع معدل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وبدأت تتشكل مليشيات مسلحة تتبع لهم داخل فلسطين، وبحلول العام 1930م عادت لندن لتصدر إعلانًا جديدًا أوصت فيه اليهود حول العالم بالهجرة إلى فلسطين.

ومن هنا بدأ الصراع يأخذ ملامح مختلفة وبدأت تتصاعد حملات العنف بين الفلسطينيين والمليشيات الصهيونية المسلحة، حيث شَكَّل الفلسطينيون منظمة الكف الأسود التي استهدفت التواجد اليهودي والبريطاني في فلسطين، وسعت إلى طرد قوات الاحتلال البريطاني والمليشيات الصهيونية من الأراضي الفلسطينية.

أما اليهود فكان لهم مجموعاتهم العسكرية المسلحة التي هاجمت الفلسطينيين أيضًا، ونهبت ممتلكاتهم واعتدت على أراضيهم الزراعية، وسعت للقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وبحلول العام 1936م اندلعت الثورة الفلسطينية التي انطلقت في البداية بإضراب عام لكنها سرعان ما تصاعدت لتتحول إلى مواجهات بين الفلسطينيين والبريطانيين.

وكعقاب على الثورة قررت سلطات الاحتلال البريطاني حينها حل الهيئات الفلسطينية التي كانت تمثل الشعب الفلسطيني وأعلنت الأحكام العرفية، مع ذلك استمرت المطالبات الفلسطينية بدولة مستقلة تضم كل أراضي فلسطين التاريخية ضمنها، لكن ذلك لم يحدث أبدًا.

ففي العام 1947م أوُصت الأمم المتحدة بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى جزئين: جزء يشكل ما نسبته 45% من الأراضي الفلسطينية الإجمالية وتقام عليها دولة فلسطين؛ وجزء آخر يشكل ما نسبته 55% من الأراضي الفلسطينية ويقام عليها الكيان الصهيوني المحتل، فيمَا تبقى القدس تحت إدارة دولية، لكن ذلك الإعلان لم يقبل به الفلسطينيون والدول العربية حينها، واستغله اليهود بإعلان قيام الكيان الصهيوني المحتل، لتنطلق الحرب بين الكيان الصهيوني والعرب في العام 1948م، الذين ساندو فلسطين لمنع احتلال أراضيها.

وكانت النتيجة انتقال القدس والضفة الغربية لسلطة الأرْدُن، وانتقال قطاع غزة لسلطة مصر، ومنذ تلك اللحظة اشتعل الخلاف أكثر وأكثر فقد تحول الفلسطينيون إلى إستراتيجيات الحرب الخاطفة (بيلتزكريغ) ضد الكيان الصهيوني.

وباتت ملامح الحل في المنطقة غير ممكنة خصوصًا مع تصاعد العنف، في خمسينيات القرن الماضي واندلاع حروب متكررة بين الكيان الصهيوني من جهة والدول العربية من جهة أخرى، مثل: حرب العدوان الثلاثي ضد مصر في العام 1956م، حيث شارك الكيان الصهيوني المحتل في الهجوم على مصر إلى جانب بريطانيا وفرنسا؛ إضافة إلى النكسة العربية عام 1967م حيث سيطر الكيان الصهيوني على العديد من الأراضي العربية خلال تلك النكسة؛ كان من بينها شبه جزيرة سيناء المصرية والجولان السوري، وحرب عام 1973م التي شنتها سوريا ومصر لاستعادة أراضيهما المحتلة.

دور مصر في الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني المحتل:

منذ الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني المحتل في عام 1947م، كانت مصر المدافِع الأول عن حقوق الشعب الفلسطيني؛ انطلاقًا من الثقل الحضاري والتاريخي والإسلامي للدولة المصرية، ولأهمية دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، وللوقوف مع الشعب الفلسطيني في الحفاظ على وحدة أراضية التاريخية؛ فقد خاضت مصر على مدار 25 عامًا 5 حروب ضد الكيان الصهيوني المحتل، وفقدت أكثر من 100 ألف من أبنائها؛ بالإضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى والمصابين، وكان أول هذه الحروب: حرب عام 1948م إلى جانب الدول العربية، ثم حرب العدوان الثلاثي عام 1956م، حيث شنَّت بريطانيا وفرنسا والكيان المحتل عدوانًا ضد الدولة المصرية، بعد تأميمها لقناة السويس.

ثم حرب عام 1967م التي نجح خلالها الكيان الصهيوني المحتل بشكل مؤقت في السيطرة على شبه جزيرة سيناء المصرية، ثم حرب الاستنزاف في المدَّة منذ عام 1967م حتى عام 1970م، التي تمت خلالها العديد من العمليات العسكرية المصرية المُوجعة للكيان الصهيوني المحتل، وكان من أشهرها: ضربات القوات الجوية المصرية خلال يومي: 14 – 15 يوليو 1967م، ومعركة رأس العش، وإغراق المدمرة البحرية إيلات؛ ثم تأتي بعد ذلك حرب 6 من أكتوبر من العام 1973م.

وأعقبت حرب عام 1973م مباحثات غير مباشره بين مصر والكيان الصهيوني المحتل بوساطة أمريكية؛ ثم مباحثات مباشرة بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، وتوصل الطرفان إلى اتفاق ووقعت معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني المحتل عام 1979م؛ ثم انسحب الكيان المحتل من الجزء المتبقي من سيناء تطبيقًا لاتفاقية السلام، باستثناء مدينة طابا التي شهدت نزاعًا قانونيًّا يحكم فيه في نهاية المطاف لمصلحة مصر، لتنهي الحروب بين مصر والكيان المحتل وتشجع الدول العربية على توقيع اتفاقيات مشابهة: كمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، واتفاق أوسلو بين الكيان المحتل وفلسطين، ويتغير الدور المصري والأردني في الصراع العربي مع الكيان الصهيوني المحتل بعد معاهدات السلام إلى الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين.

المحاولات المستمرة بين فلسطين والكيان الصهيوني للتوصل إلى سلام:

تجاذبات السلام والحرب بين الكيان الصهيوني المحتل وفلسطين بدأت سريعًا بعد حرب عام 1967م، حيث صدر القرار رَقْم 242 عن الأمم المتحدة في نوفمبر من عام 1967م دعا القرار إلى انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير، واحترام سيادة أي دولة في المنطقة والاعتراف بها وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام في ظل حدود آمنة ومعترف بها بعيدًا عن أي تهديدات أو تصرفات باستخدام القوة.

صِيغ القرار تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يندرج في إطار التوصيات وليس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعني أن القرار في منزلة أمر يجب تنفيذه، ورغم عدم تنفيذه، لكن ذلك القرار تحوَّل إلى أساس لأي مفاوضات بين الطرفين فيمَا بعد، ففي العام 1991م شهد العالم مؤتمر مدريد الذي رعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الذي هدف إلى تكرار اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام التي وقعت بين مصر والكيان الصهيوني المحتل.

بحيث توقع عدد من الدول العربية اتفاقيات مشابهة، فقد حضر المؤتمر كلٌّ من: الأرْدُن ولبنان وسوريا؛ إضافة إلى الكيان الصهيوني المحتل ومصر، وقد شارك الفلسطينيون أيضًا في هذا المؤتمر بواسطة وفد مشترك مع الأرْدُن، دون أن يشارك ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك أو أي قادة آخرين من منظمة التحرير الفلسطينية التي كان الكيان المحتل يرفض مشاركتها في المؤتمر.

وأدى المؤتمر في نهاية المطاف إلى إبرام معاهدة سلام بين الأرْدُن والكيان المحتل في عام 1994م، فيمَا كانت تلك الاتفاقية بداية لتوقيع اتفاقية بين الفلسطينيين والكيان المحتل.

وهو ما حدث في اتفاقية أوسلو عام 1993م، حيث حاولت مفاوضات أوسلو معالجة العنصر الغائب عن جميع المفاوضات السابقة، وهو إجراء مباحثات مباشرة بين ممثلين عن الكيان المحتل والفلسطينيين الذين مثَّلتهم منظمة التحرير الفلسطينية.

تمثلت أهمية هذه المباحثات في التوصل إلى اعتراف متبادل ونهائي بين الكيان المحتل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد جرت المفاوضات في سرية تامة تحت رعاية النرويج.

ووقع الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في البيت الأبيض في سبتمبر من العام 1993م، وذلك بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون، وتصافح كلٌّ من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء الكيان المحتل إسحاق رابين في مشهد وصف بالتاريخي.

اتفاق أوسلو تضمن عده فقرات، أولها: انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي على مراحل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم إنشاء سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة لمرحلة انتقالية تستغرق 5 سنوات، على أن تتوج بتسوية دائمة بناء على القرار الأممي رَقْم 242 والقرار رَقْم 338.

الاتفاق كان بمثابه الاعتراف الرسمي الأول بين الجانبين، وحل قد يكون طويل الأمد لوجود دولتين على ذات الأرض دون أي مشكلات.

وعلى الرغم من غياب فَقرة تنص على قيام دولة فلسطين، لكن الشروط الضمنية للاتفاق تفضي في النهاية إلى قيام دوله فلسطينية فعلًا، ورغم توقيع الاتفاق وعودة منظمة التحرير للأراضي الفلسطينية بعد ذلك، لم تقبل حركة حماس ومجموعات الرفض الأخرى اتفاق أوسلو، وبدأت بشن عمليات تفجيرية ضد الكيان المحتل، كما عارضت المجموعات المسلحة التي يقودها المستوطنون داخل الكيان المحتل اتفاق أوسلو، وكانت النتيجة تطبيقًا جزئيًّا لذلك الاتفاق الذي كان بداية للسلام.

وفي العام 2000م، حاول الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون إحياء الاتفاق من جديد، ليعود اسم كامب ديفيد للواجهة مع إعادة المفاوضات على قضايا رئيسية، مثل: تنفيذ الحكم الذاتي واللاجئين وحق العودة؛ لتجري مفاوضات جديدة في يوليو بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل يهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، لكنها لم تنتهِ إلى اتفاق معين بالرغم من أنها تناولت قضايا تفصيلية أكثر من قبل.

تمثلت المشكلة الأساسية في أن أقصى ما يمكن أن يقدمه الكيان الصهيوني المحتل يقل عن الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون؛ حينها قدَّم الكيان الصهيوني ما يلي: بداية الانسحاب من قطاع غزة والتنازل عن أجزاء واسعة من الضفة الغربية؛ إضافة إلى منح أراضي أخرى من صحراء النقب إلى الفلسطينيين، لكن مع احتفاظ الكيان المحتل بالمستوطنات الرئيسية، ومعظم أجزاء القدس الشرقية، وقد اقترح الكيان المحتل إشراف الفلسطينيين على الأماكن المقدسة في القدس القديمة، في حين أصر الفلسطينيون على موقفهم من العودة إلى حدود عام 1967م؛ ما أدَّى في نهاية المطاف إلى فشل تلك المفاوضات.

وقد حاول الرئيس الأمريكي بيل كلنتون من جديد جمع الطرفين إلى اتفاق أقوى، حيث أطلق مباحثات إضافية في واشنطن والقاهرة ثم في طابا لاحقًا عام 2001م، لكنها -كما في السابق- انتهت بالفشل، وعلى أثر فشل المباحثات الثنائية بين الطرفين واستئناف النزاع؛ قدمت المملكة العربية السُّعُودية خِطَّة سلام في القمة العربية التي انعقدت في بيروت في مارس من العام 2002م.

تنص مبادة السلام السُّعُودية العربية المشتركة، على ضرورة انسحاب الكيان الصهيوني المحتل إلى حدود عام 1967م، والسماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإيجاد “حل عادل” لقضية اللاجئين، مقابل ذلك تعترف الدول العربية بحق الكيان الصهيوني المحتل في الوجود، وأعادت قمة عربية أخرى عقدت في الرياض عام 2007م التأكيد على مبادرة السلام السُّعُودية، حظيت المبادرة بدعم قوي عربي وعالمي؛ خصوصًا أنها تنص على إقامة الدولتين، لكنها لم تطبق على أرض الواقع بسبب رفض الطرفين تقريبًا.

وعلى إثرها خرجت خريطة الطريق عام 2003م، وهي: خِطَّة سلام أعدتها اللجنة الرباعية التي تضم كلًا من: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ولا تضع الخطة تفاصيل بشأن تسوية نهائية للنزاع بين الكيان الصهيوني المحتل والفلسطينيين، أي: أنها دعت لخارطة طريق تدريجية تفضي في النهاية إلى نهاية الصراع القائم بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني المحتل منذ عقود، وتمنح الطرفين دولًا مستقلة معترف بها، ومع ذلك لم تنفذ تلك الاتفاقيات أيضًا.

اتفاق غير معلن بين الطرفين:

على الرغم من انهيار المباحثات الرسمية بين الطرفين، لكنهم توصلوا بطريقة غير رسمية إلى اتفاق بينهما في ديسمبر 2022م، وتحديدًا بين شخصيتين قياديتين: إسرائيلية وفلسطينية، وهما: يوسي بيلين أحد مهندسي اتفاق أوسلو عن جانب الكيان الصهيوني، ووزير الإعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه عن الجانب الفلسطيني.

الاتفاق الذي تم في جنيف كان التطوير الأبرز فيه يتمثَّل في الاتفاق على مدينة القدس وتخلي الفلسطينيين عن حق العودة، مقابل تبادل للأراضي بين الطرفين، رحل ياسر عرفات عن رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، وجاء محمود عباس ليصبح رئيسًا لفلسطين وممثلًا شرعيًّا للفلسطينيين، وكما حدث في السابق حاولت العديد من الأطراف إحياء المحادثات بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني المحتل من جديد، وذلك في محاوله لوقف العنف وشلال الدماء الذي ما يلبث أن يتوقف حتى يعود من جديد.

ففي العام 2007م عقد الرئيس الأمريكي، وكان آنذاك جورج بوش الابن مؤتمرًا في القاعدة البحرية نابوليس بولاية ماريلاند، في محاولة لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.

وصدر عن المؤتمر بيان مشترك بين القادة دعا إلى الانخراط في مفاوضات يكون هدفها التوصل إلى اتفاق سلام كامل بحلول نهاية عام 2008م، واتفق الطرفان على أن تطبيق فقرات السلام تسبقه إجراءات بناء الثقة المنصوص عليها في خريطة الطريق، وجرت اجتماعات منتظمة بين أولمرت وعباس والتي قيل: إنها حققت تقدمًا جيدًا بخصوص قضايا الحدود، لكنها توقفت فجأة عندما بدأ الهجوم العسكري لجيش الاحتلال الصهيوني على غزة في أواخر عام 2008م.

عوائق إقامة اتفاق سلام بين الفلسطينيين والكيان المحتل:

تكررت المحاولات في أعوام: 2011م و2012م و2013م، لكنها لم تفلح أبدًا في التوصل لاتفاق نهائي، خصوصًا في ظل الانقسام الفلسطيني الكبير حيث تسيطر منظمة التحرير الفلسطينية على الضفة الغربية، في حين تسيطر حركة حماس على قطاع غزة، وتعد الأخيرة أن أي اتفاق توقعه منظمة التحرير هي غير ملزمة بتنفيذه أبدًا، وتتحرك منفرده سياسيًّا وعسكريًّا ما جعل مشهد السلام بعيدًا وصعبًا في كل اللحظات؛ إضافة إلى ذلك سياسيات الكيان الصهيوني المحتل في التوسع ببناء المستوطنات في منطقة الضفة الغربية، وفرض الكيان المحتل لسياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، مثل: ضم مدينة القدس وإعلانها عاصمة للكيان المحتل من خلال قانون القدس الذي سنَّه الكنيست الإسرائيلي في 30 يوليو من العام 1980م جعل هذا القانون الإعلانات الحكومية الإسرائيلية عن مكانة القدس كعاصمة للكيان المحتل وضم شرقي القدس إلى الكيان المحتل قانونًا أساسيًّا في انتهاك واضح للقانون الدُّوَلي؛ إضافة إلى ذلك: رغبة الكيان المحتل بأن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منقوصة السيادة، وتخلي الفلسطينيين عن حق العودة؛ إضافة إلى الضغوطات الأمريكية على الفلسطينيين للقبول برام الله عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية بدلًا من مدينة القدس.

مستقبل حل الدولتين في ظل حرب الكيان المحتل على غزة:

يحاول الكيان الصهيوني المحتل الظهور بمظهر الإنسانية أمام دول العالم؛ فيشارك في مباحثات السلام مع دول المنطقة والسلطة الفلسطينية، ويقدم مقترحاته عن حلٍّ سلمي للصراع، وإنشاء دولة فلسطينية، ولكن على أرض الواقع، فالكيان الصهيوني المحتل بعيد كل البُعد عن السلام ولا يسعى نحوه، وإنما يمارس أبشع أنواع المجازر والانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين؛ ففي ظل الحرب الدائرة التي يشنها الكيان المحتل على قطاع غزة المحاصر ترفض سلطات الكيان المحتل كل النداءات والدعوات الدولية الإنسانية الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار أو حتي تنفيذ هدنة مؤقته لإدخال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات في القطاع المُحاصر؛ لذا فإن ما يروج له الكيان الصهيوني المحتل عن سعيه للسلام واحترامه لحقوق الإنسان والقانون الدُّوَليّ والإنساني هو مجرد دعاية إعلامية لا قيمه لها.

إن الحل السلمي الحقيقي يبدأ بانسحاب الكيان المحتل من جميع الأراضي العربية التي احتلها في حرب عام 1967م -بل وجميع الأراضي التي احتلتها بدون وجه حق- وإلغاء جميع قراراته التي تمس مدينة القدس الشريفة، وعودة جميع الفلسطينيين المهجرين والإفراج عن جميع الأسرى والمحتجزين في سجون الكيان الصهيوني المحتل، والقبول بمبادرة السلام السُّعُودية العربية المشتركة.

فلا سلام في منطقة الشرق الأوسط بين الكيان المحتل والفلسطينيين دون الاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم؛ وعدا ذلك فستكون جميع معاهدات واتفاقيات السلام مجرد اتفاقيات سطحية هشة.

الخلاصة:

– تعود جذور الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني المحتل إلى عام 1917م؛ وقد بدأ بصراع مع المليشيات الصهيونية عقب سقوط الدولة العثمانية واحتلال الأراضي الفلسطينية من قبل بريطانيا، وهجرة الآلاف اليهود القادمين من دول أوروبا إلى فلسطين وإعلان وعد بلفور بقيام وطن قومي لليهود في فلسطين.

– إن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، والتوصل إلى حل عادل لهذه القضية يرضي جميع الأطراف وينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ويضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم هو الحل الوحيد لهذه القضية.

– إن اتفاقية السلام بين مصر والكيان المحتل جاءت بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات وآلاف القتلى المصريين، وتعد مثالًا على تطبيق السلام في منطقة الشرق الأوسط وإنهاء حالة الحرب بين مصر والكيان المحتل، مما شجع العديد من دول المنطقة على توقيع اتفاقيات مشابهة مع الكيان المحتل كان أبرزها الأرْدُن.

– يجب أن تثمر أي مباحثات سلام مستقبلية بين فلسطين والكيان الصهيوني المحتل عن قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967م، وعاصمتها: مدينة القدس، واحترام وحدة أراضيها وعدم التدخل في شئونها وفق مبادرة السلام السُّعُودية العربية المشتركة عام 2002م.

– إن سياسات الكيان الصهيوني المحتل بفرض الأمر الواقع من خلال التوسع في بناء المستوطنات وضم مدينة القدس وسياسة الإملاءات والدعم الأمريكي الواضح للكيان المحتل، وفرض ضغوطات دولية على فلسطين لن تسفر عن أي حل حقيقي للقضية الفلسطينية؛ إذ دون دولة فلسطينية عاصمتها القدس لن تكون هناك أي حلول لهذه الأزمة.

المصادر:

بي بي سي عربية

المصري اليوم

بوابة الشروق

الجزيرة

التعليقات مغلقة.