fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ما مستقبل فاغنر في إفريقيا بعد تمردها على الحكومة الروسية؟

95

ما مستقبل فاغنر في إفريقيا بعد تمردها على الحكومة الروسية؟

لا شك أن روسيا كانت تعتمد في وجودها وتوسعاتها في إفريقيا بشكل كبير على مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية، التي يتزعمها يفجيني بريجوجين، لكن باتت هناك حالة من عدم اليقين بشأن دور المجموعة العسكرية الخاصة بعد تمردها الفاشل في روسيا، وبالتالي فأصبحت دون غطاء مدعوم من القيادة الروسية؛ مما قد يجعل مستقبلها في إفريقيا على حافة الهاوية.

ومن المرجح أيضًا: أن يكون لقوات فاغنر دورٌ خارج حدود روسيا، لا سيما بعد ما أصبحت كارتًا محروقًا بالنسبة للجيش الروسي؛ فإما أن توقع عقودًا مع الحكومة للاندماج إلى الجيش، أو أنها تغادر خارج البلاد إلى بيلاروسيا، وبالتالي العمل سيكون بشكل منفرد مع بعض الحكومات في إفريقيا.

في هذه السطور، سنحاول في مركز “رواق”، الإجابة عن بعض الأسئلة.. ما السيناريوهات المتوقعة بعد فشل الانقلاب على الحكومة الروسية؟ وما انعكاسات ذلك في العملية الروسية على أوكرانيا وعلى الداخل الروسي؟ وهل كان الغرب متفرجًا أم أنه بطل الحكاية منذ البداية؟ وبعد أن انتهى الأمر بالتفاوض وحل القضية بأنصاف الحلول: هل يعني ذلك أن ما حدث حقًّا كان مسرحية مخابراتية بوتينية؟ وما مستقبل قوات فاغنر في إفريقيا بعد التمرد المزعوم؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في السطور التالية.

هل تمرد فاغنر حقيقة أم مسرحية؟

يرى محللون: أن فلاديمير بوتين ربما يكون قد خدع الجميع مجددًا ونفذ مسرحية مع طباخه الأمين ليقطف الرؤوس ويقلب الموازين، وقد يكون نفذها بمخطط من استخباراته واستدرج قائد فاغنر يفغيني بروغوجين حتي تأخذه العزة بالإثم، وينفذ ما خطط له سيد الكرملين، دون أن يعلم حتى لو كاد أن يكون الثمن رأسه بعد دخول قديروف المعركة وإرسال قوات أحمد الشيشانية لوأد تمرد فاغنر، قبل أن يتم الإعلان عن قبول بروغوجين مبادرة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ليعيد مقاتلي مجموعة فاغنر إلى قواعدهم من أجل حقن الدماء الروسية على حدِّ قوله، ولكن بالطبع مقابل ضمانات أمنية كبيرة لميليشيا فاغنر.

إلا أن ذلك لم يحل دون أن يذهب الغرب إلى فرضية أن روسيا تعيش فوضى عارمة حقًّا، وأن قبضة الرجل الحديدي انفلتت، وربما سيضحون به قريبًا؛ سواء بخطئه عندما مدَّ الحبل لقائد ميليشيا فاغنر أو بتخطيط من أعدائه بالغرب، وخاصة ما تسمى بالدولة العميقة في أمريكا، فالغرب الشامت ترقب وراقب كل ما حدث بفرح وما كان غير ممكن في حلم أي عدو لفلاديمير بوتين رأوه حقيقة على الأرض بأم الأعين، عندما كانت أرتال الدبابات وأسراب الطائرات متجهة إلى موسكو؛ إضافة إلي انشقاقات هنا وهناك من أفواج روسية التحقت بميليشيات فاغنر المتمردة، وسمعوه بتصريحات من رجل كان في الأمس الطباخ والحليف ثم انقلب في لحظة إلى عدو مبين طعن بوتين في ظهرة غدرًا كما قال سيد الكرملين.

هجوم قائد فاغنر على بوتين:

بينما لم يتردد قائد فاغنر يفجيني بروغوجين الذي أعلن التمرد، بأن يعلنها صراحةً (لقد أخطأت يا بوتين) قبل أن يعود زعيم فاغنر إلى بيت الطاعة، وينسحب بجنوده إلى حيث أرسله سيده في الكرملين حينها كان لزامًا على الجميع التفكر بأن هذا فقط هو ما بدى وربما ما زال وراء الأكمة ما ورائها، فالأسئلة كثيرة، والتوقعات تتقاطع هنا وتتضارب هناك، فإن كان ما حدث هو انقلاب حقًّا على بوتين؛ فلماذا وصل الحال بروسيا إلي تمرد فاغنر؟

في وقت يمكن اعتبار زحف قوات فاغنر بأوامر زعيمها بروغوجين نحو موسكو حدثًا جللًا وصاعقًا؛ إلا أن هذه الخيانة والطعنة بالظهر على حد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد بدأت فعليًّا قبل يوم من زحف مجموعة فاغنر عندما نشر زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين مقطعًا مصورًا يتهم فيه وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة بالجيش الروسي فاليري غيراسيموف بقصف مركز لقواته، وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية، لكن هذا لم يكن كافيًا ليتراجع قائد فاغنر عن تحدي سلطة بوتين المطلقة، ورغم أن بريغوجين قد اعتاد أن يهاجم جنرالات بوتين ويشتمهم بأفظع الألفاظ؛ إلا أن بوتين ظل متفرجًا على هذا التناحر الداخلي بين قواته التي تحارب في أوكرانيا.

قوة موازية للجيش الروسي:

ولطالما كانت التفسيرات لصبر بوتين على تلك الإهانات لقائد ميليشيا فاغنر لجنرالاته بأن سيد الكرملين يستخدم مجموعة فاغنر وزعيمها كقوة موازية لقيادات الجيش، حتي يقطع الطريق على أي منهم في الانقلاب على الرئيس حتى جاء اليوم الذي بات حامي الرئيس حراميه، وربما كاد أن يكون قاتله حينما خرجت الأمور عن السيطرة، وتجرأ بريغوجين على التحرك نحو الانقلاب على بوتين.

ما فتح الباب على أحد احتمالين بحسب محللين رأوا أنه: إما أن بريغوجين لاعب في مسرحية بوتينية استخباراتية هدفها تمكين بوتين من الإطاحة ببعض الرؤوس حوله أو الإلهاء عن مخطط خطير لضربة غير تقليدية في أوكرانيا، وأما أن بريغوجين كان واثقًا من شعبيته السياسية في روسيا، وأنه يوجد لديه أنصار في مستويات قيادية عليا أعطته الجُرأة لتنفيذ انقلابه.

ما السيناريوهات المحتملة؟

وفي حال كان السيناريو الأول: هو ما تم نسجه في الكواليس، فإن ما حدث من مفاوضات وإقناع بريغوجين بالعدول عن انقلابه، إنما كان لتقوية بوتين عبر إنهاء التمرد في اللحظة التي اعتقد الجميع أن الحرب الأهلية ستحطم روسيا، وذلك بحل وسط عبر عفو بوتين عن قائد مجموعة فاغنر النادم عن خطئه وإعطائه بعض الضمانات، بينما يتمكن بوتين من قطف رؤوس أعدائه في الداخل والإطاحة بهم مع تنفيذ هجوم كبير وكاسح في أوكرانيا، بعد أن اعتقد الغرب أن سلطة بوتين قد انهارت أو انتهت.

أما السيناريو الثاني: الذي يميل إليه العديد من المحللين بأن قائد مجموعة فاغنر، اعتقد أنه قادر على الضغط على بوتين للإطاحة بأعدائه قبل أن يفاجئه رئيس روسيا باعتباره خائنًا ومتمردًا ما جعله أمام خيار واحد وهو العودة إلي بيت الطاعة البوتيني، لأن البديل هو ما يجعله خائن أمام كل الروس؛ حال وضع يده بيد الغرب الذي بدتّ بهجته وشماتته كبيرة بما يحدث في روسيا بعز حربها.

ورغم اكتفاء قادة الغرب بتأكيد أنهم يراقبون عن كثب ما يحدث في روسيا؛ إلا أن إعلام الغرب أظهر كل الفرح، ووصل حد الحديث عن أن التمرد المسلح الذي شنته قوات فاغنر لم يكن تصرفًا تلقائيًّا أو وليد الصدفة؛ بل كان تأكيدًا لوجود قنوات تواصل خلفية بين زعيم ميليشيا فاغنر وبين الإدارة الأمريكية؛ خاصة وأن بريغوجين استبق تمرده بالحديث عن أن حلف الناتو لم يكن يخطط لشنِّ أي هجوم على روسيا، وأن الحرب قامت على كذبة من جنرالات بوتين.

دور الاستخبارات الغربية:

ورغم أن الغرب كان يعلم تمامًا بأنه مستحيل انتصار ميليشيات فاغنر على الجيش الروسي في ظل التفوق الكاسح للجيش وإعلان رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف دخول الحرب وإرساله لآليات عسكرية محمله بمقاتلي “قوات أحمد الشيشانية”، لمواجهة تمرد قوات فاغنر وسحق قائدها بروغوجين، لكن الغرب ما زال يراهن على أن مثل تلك الهزة الكبيرة لبوتين تؤكد مجددًا: أنه يواجه خطر فقدان قبضته على السلطة، فحتى بعد أن فشلت ثورة فاغنر المسلحة، كما تسميها تقارير غربية، فإن رئاسة فلاديمير بوتين ستغدو في حال غير مسبوقة من الضعف جراء تضرر سلطته وهزِّ صورته كزعيم مطلق، وبداية خسارته الحتمية، وحربه في أوكرانيا التي بدأ جيشها بحسب الأنباء يتقدَّم في الجبهات.

ما مستقبل قوات فاغنر في إفريقيا؟

بحسب مسئولون أمريكيون: فإن الإدارة الأمريكية تعكف على دراسة مدى تأثير تمرد مجموعة فاغنر ضد المؤسسة العسكرية الروسية على عمليات المجموعة العسكرية الخاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتنظر الإدارة الأمريكية الي مجموعة فاغنر من منظور التنافس مع روسيا في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتتهم مجموعة فاغنر بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان وتنشط مجموعة فاغنر في العديد من البلدان حول العالم، أبرزها: ليبيا، والسودان، وسوريا، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطي، وموزمبيق، وفنزويلا، وبوركينا فاسو، ومدغشقر، وسبق للجيش الأمريكي أن اشتبك بشكل مباشر مع مجموعة فاغنر في سوريا.

مسئولون أمريكيون:

وبحسب مسئولين أمريكيين؛ فإن من بين الاحتمالات التي يدرسها المحللون السياسيون: احتمالية أن يتراجع قادة الدول الإفريقية عن توظيف مجموعة فاغنر بعد مشاهدة زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين ينقلب على رعاته؛ وكان أحد الخيارات التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأعضاء مجموعة فاغنر هو توقيع عقد مع القوات المسلحة الروسية.

وفي البنتاغون رفض المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الجنرال باتريك رايدر، التكهن بمستقبل فاغنر، لكنه أدان تصرفات المجموعة في إفريقيا، وغيرها.

وأضاف رايدر: أن لمجموعة فاغنر تأثيرًا مزعزعًا للاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط، وبالتأكيد يشكلون تهديدًا؛ ولهذا السبب تم إعلانهم منظمة إجرامية عابرة للحدود على حدِّ وصفة.

ولكن قد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوسائل إعلام روسية في وقت قريب: “إن نشاط مجموعة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى سيستمر”.

من جهته، قال مايكل مولروي، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاغون: “إن أحداث مطلع الأسبوع يمكن أن تضر فاغنر في إفريقيا”، وأضاف سيُنظر إليهم على أنهم غير مستقرين للغاية، وربما يشكلون تهديدًا للقيادة في تلك البلدان حيث إنهم كادوا أن يبدأوا انقلابًا في بلادهم.

وقال مسؤول أمريكي ثانٍ: “هناك فرصة لاستفادة المجموعة من تمردها على الرغم من المخاطر الواضحة على منظمة بريغوجين؛ فقد تؤدي مسيرة فاغنر المفاجئة نحو موسكو التي لم تواجه مقاومة تذكر إلى تعزيز سمعتها، مما يؤدي إلى المزيد من الأعمال في أفريقيا”.

نشاط مجموعة فاغنر في سوريا:

لا شك أن قوات فاغنر تلعب دورًا حاسمًا في مساعدة فلاديمير بوتين لتحقيق أهدافة فيما يتعلق بالأمن القومي الروسي، فنشر هذه المجموعة من المرتزقة في دول مختلفة حول العالم مع عمليات التضليل التي تقوم بها موسكو يعد جزءًا من إستراتيجية روسيا لزيادة تأثيرها ونفوذها العالمي من خلال ما يسمى بعمليات المنطقة الرمادية؛ واستغلال الفراغات السلطوية في مناطق متعددة حول العالم بدءًا من أمريكا اللاتينية ووصولًا إلي الشرق الأوسط وإفريقيا.

وبالفعل، نجحت موسكو خلال العقد الأخير في تحقيق أهدافها وتعزيز نفوذها سواء في أوكرانيا وسوريا وحتي في الدول الإفريقية، كما ساعد هذا التوغل والانتشار في تمويل فاغنر التي تعتمد على أرباح العقود الروسية من الموارد الطبيعية في البلدان التي تعمل فيها، مثل: حقوق التعدين.

وبالتالي، فإن الاستخدام الأمني للمجموعة يفرض وجودًا روسيًّا على المستوي الاقتصادي تقوم فاغنر بتأمينه، ففي عام 2015 أرسلت موسكو قوات فاغنر للتدخل في الحرب الأهلية السورية؛ بهدف حماية موارد الطاقة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مقابل دعمها كانت تحصل على 25% من إنتاج أي حقل نفطي يتم استعادته لصالح بشار الأسد، واستطاعت أن تعيد أربعة حقول كبيرة للنفط والغاز في سوريا.

نشاط مجموعة فاغنر في إفريقيا:

فقد وجهت روسيا أنظارها إلي القارة الإفريقية عام 2017 لتعزيز استفادتها الاقتصادية من نشاط المجموعة، حيث تمتلك القارة نصيبًا وافرًا من الموارد الطبيعية والمعادن، وتحتاج موسكو للمواد الأولية من المعادن، مثل: المنجنيز، والكروم، كما لدى روسيا خبرة في قطاع الطاقة يمكن أن تقدمها للدول الغنية بالبترول في القارة الإفريقية.

وتفيد التقارير الغربية، بأن شركة لوك أويل الروسية العاملة في قطاع الطاقة لديها مشروعات في الكاميرون وغانا ونيجيريا، وتتطلع للاستحواذ على حصة في جمهورية الكونغو، وهي أهداف ومصالح ساهمت مجموعة فاغنر في تحقيقها وحمايتها وقد سعت المجموعة الي استغلال حاجة الدول الإفريقية الي الدعم الأمني ضد تصاعد الصراعات الداخلية، وضعف القوي الأمنية في مواجهة التنظيمات الإرهابية والفصائل المسلحة.

فدخلت هذه الدول من أجل تعزيز وجودها، وفتح الباب أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الماس والذهب واليورانيوم، وقد بدا ذلك جليًّا في موزمبيق حيث جاء تدخل فاغنر في إطار مواجهة الإرهاب، وفي عام 2018 ظهرت فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطي حيث عملت على حماية كبار الشخصيات في البلاد بجانب استغلال المناجم، وقد تطورت بعض مناجم الذهب وحصلت عمليات التعدين التي كانت تجري بطرق بدائية واستفادة من الثروات الضخمة التي كانت تنتجها تلك المناجم.

دور مجموعة فاغنر في السودان أثناء حكم البشير:

وفي السودان، فقد استعان الرئيس عمر البشير بخدمات المرتزقة الروس للمساعدة في دعم نظامه المترنح آنذاك في عام 2017 بعد لقاء جمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وَعدَ فيه البشير القيصر بجعل السودان مفتاح إفريقيا لروسيا، حيث تضمنت الخطط المشتركة بينهما إنشاء قاعدة عسكرية للقوات البحرية الروسية في البحر الأحمر في بورتسودان، وهو مشروع دعمته فاغنر منذ ذلك الحين كما زودت فاغنر السودان بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات بما في ذلك الشاحنات العسكرية والمركبات البرمائية وطائرات الهليكوبتر للنقل الجوي حتي سقوط البشير في 2019.

ورغم، أن المجموعة تعمل في مناطق مختلفة حول العالم لخدمة المصالح والأهداف الروسية؛ إلا أن السلطات الروسية تنفي أي ارتباط بينها وبين فاغنر، بالرغم من أنه يوجد روابط وثيقة بين إدارة مجموعة فاغنر وجهات عسكرية واستخباراتية في موسكو، إذ تمتلك فاغنر معسكرات تدريب في روسيا، فهم المعشوقون السريون الذين يؤدون المهام الخطرة لصالح بوتين، لكنهم يبقون وراء الستار؛ هكذا تبقي فاغنر القوة الغامضة التي تعمل في الظلام.

كذلك، فإن الدستور الروسي يمنع إنشاء شركات عسكرية خاصة أو جيوش مرتزقة، لكن هناك ثغرات قانونية تسمح للشركات التي تديرها الحكومة بإنشاء وامتلاك قوات أمن مسلحة خاصة، وهنا يأتي دور قوات فاغنر في استغلال هذه الثغرات للعمل في منطقة رمادية شبة قانونية لخدمة موسكو.

ما الدول التي تمتلك شركات عسكرية خاصة؟

روسيا ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك شركات عسكرية خاصة، فالولايات المتحدة، وجنوب إفريقيا، والعراق، وكولومبيا لديها أيضًا شركات عسكرية خاصة تعمل في الداخل والخارج، لكنها ليست بالشكل التي تبدو عليها فاغنر.

انتشار المرتزقة في الدولة المتنازعة داخليًّا:

ما زال ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب أحد المشكلات التي تعرقل الجهود المحلية والدولية لحل الأزمات في دول، مثل: ليبيا، السودان، مالي، الصومال، وغيرها من الدول الإفريقية، وبالطبع من هؤلاء المرتزقة اتساع نفوذ شركة “فاغنر” الروسية في ليبيا -على سبيل المثال-.

وبالتزامن مع انتشار تلك الشركات، فقد دقت المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن انتشار المرتزقة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة في النزاعات المسلحة التي تجتاح العديد من بلدان العالم، وفرضت عقوبات عديدة على فاغنر وقائدها، ويمكن القول أن فاغنر اليد الخفية لروسيا التي تساعدها على توسيع نطاق نفوذها دون خسائر بشرية مع تحقيق مكاسب اقتصادية، وفي النهاية تظل مجموعة فاغنر محل جدل كبير وواسع تتضارب فيه الحقائق والشائعات في ظل إنكار موسكو تبعيتها لها، وهو توجه يتوقع استمراره لفترة طويلة.

ما مستقبل النفوذ الروسي في إفريقيا بعد التمرد؟

من الواضح تمامًا: أن المستجدات التي طرأت على مجموعة “فاغنر”، ستكون حاسمة في رسم السياسة الخارجية لموسكو مستقبلًا، والدليل أن الفرنسيين يقومون حاليًا باستغلال هذا الوضع الهش لمجموعة “فاغنر” وغياب قيادة على رأسها من أجل استعادة بعضٍ مِن نفوذهم في القارة السمراء من خلال رأب الصدع الدبلوماسي.

بينما تعلم موسكو أنها ستكون أمام سباق مع الزمن للحفاظ على المكتسبات المحققة في الفترة الماضية، من خلال تكثيف الزيارات الرسمية للبلاد الإفريقية، وتأكيد وقوف روسيا معهم من خلال توريد السلاح والقمح، وزيادة الاستثمارات؛ لتخفيف وطأة الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

وبعد الأحداث الأخيرة، يواصل الغرب حاليًا الضغط على البلدان الإفريقية التي تتعامل مع فاغنر، والتهديد بتسليط العقوبات عليها؛ إذ تصنف البلدان الغربية منذ وقت بعيد “فاغنر” كمنظمة إجرامية مرتزقة عابرة للحدود، ولا يمكن استمرارها.

الخلاصة:

– من الواضح خسارة ثقة الرئيس بوتين في ميليشيات فاغنر التي كانت رأس حربته في هذه الحرب وتوسعاته في إفريقيا.

– إن قوات فاغنر لم تعد بنفس القوة بعد التمرد الفاشل؛ فإما أن تندمج مع الجيش، أو أن تبحث عن بلدان أخرى بعيدًا عن الغطاء الروسي؛ ما يعني أن أمريكا لن تتركها بعد ذلك، وهو ما لوحت به بالفعل.

– لا شك أنه قد حدث تصدع في الكرملين بشكل أو بآخر، مما دفع بوتين أن يقبل بأنصاف الحلول، لكنه يُعد تصرفًا ذكيًّا حتى لا يعيد سيناريو الانقلاب في 1917 على القيصر الروسي نيكولاي الثاني مما تسبب في هزيمة نكراء لروسيا في تلك الحرب.

– أرى أن التمرد، إما إنه مسرحية من الرئيس بوتين ليتخلص من بعض المحيطين به، أو أن التمرد حقيقة بدعم غربي لقائد فاغنر وإغرائه بالمال، وبعض الوعود الأخرى التي قد تتكشف بعد ذلك؛ لا سيما أن رئيس الاستخبارات الأمريكي قد زار كييف قبل التمرد بـ 24 ساعة.

– إن إنشاء قوات شبه عسكرية خطر على أي دولة وأمنها القومي أيًّا كانت قدرتها، ولنا في قوات الدعم السريع أسوة؛ تلك التي انقلبت على الجيش، وباتت تمثِّل تهديدًا واضحًا للدولة بأكملها.

– كما أن تصرف قائد فاغنر كانت خطوة غير محسوبة بالمرة، بالرغم من إنه قد استدرك ذلك مبكرًا، فهو قد يُحدث خسائر في الجيش الروسي حال استمراه نحو موسكو، لكنه بالتأكيد لن يصمد طويلًا أمام الجيش الروسي الذي استطاع أن يحتل دولة مجاورة في أيام وشهور قد ألحق بها خسائر بالغة، وبنية تحتية دُمرت وهي بحاجة إلى أكثر من 500 مليار دولار وفق تقارير غربية لإصلاحها.

يجب على بعض الأنظمة الإفريقية ألا تستعين مطلقًا بشركات عسكرية أو شبه عسكرية، فهو يعد نوعًا أو شكلًا من أنواع الاحتلال؛ لأن مثل هذه الشركات تأتي في المقام الأول لتحقيق أهدافها ومصالحها الشخصية، والدليل أنها قد انقلبت على جيشها الرسمي (شركة فاغنر نموذجًا)، وبالتالي لن يحمي الدولة سوى أبنائها.

المصادر:

– بي بي سي عربي.

– سكاي نيوز عربية.

– صوت بيروت انترناشيونال.

التعليقات مغلقة.