fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تأثير الصراع السوداني – السوداني على مستقبل سد النهضة

111

تأثير الصراع السوداني – السوداني على مستقبل سد النهضة

أحداث ساخنة ومعارك ملتهبة يشهدها السودان الشقيق إثر صراع دام بين قوات الدعم السريع من جهة، والجيش السوداني من جهة أخرى، وسط تخوفات من تفاقم الوضع هناك بما ينذر بعواقب وخيمة على مستقبل المنطقة، وعلى أوضاعها: الأمنية والاقتصادية والسياسية، وفي القلب من ذلك تبرز قضية سد النهضة الإثيوبي كأحد أبرز القضايا التي يمكن أن تتأثر بالصراع السوداني، وفي هذا الموضوع يستعرض مركز “رواق” مدى تأثير الصراع السوداني على مستقبل سد النهضة، وما السيناريوهات المتوقعة التي يمكن أن تشهدها هذه الأزمة خلال الفترة المقبلة.

الخلاف حول السد:

أزمة سد النهضة الإثيوبي أزمة سياسية ومائية تدور حول بناء إثيوبيا سدًّا على النيل الأزرق -أحد روافد نهر النيل الذي يمر عبر السودان ومصر-؛ الأمر الذي أثار قلق ومخاوف القاهرة والخرطوم إزاء مخاطر التأثير السلبي لسد النهضة على مياه النيل وتقليل الكمية المتدفقة إلى الدولتين، ومنذ عام 2011 تجري مفاوضات ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل بشأن هذه القضية، وقد شهدت الأزمة العديد من التطورات السياسية والدبلوماسية والقانونية في الأعوام الأخيرة.

وبينما كانت هناك العديد من المفاوضات بين الدول الثلاث للبحث عن حلٍّ سلمي للأزمة؛ إلا أنه وحتى الآن، لم تتوصل الدول الثلاث لاتفاق شامل حول سد النهضة، ولا يزال هناك خلاف حول العديد من المسائل، مثل: سرعة ملء السد وطريقة تشغيله، وتأثيره على حصة مصر والسودان من مياه النيل.

وبينما يعتبر الوضع الحالي متأزمًا ويمثِّل تحديًا للسلم والأمن الإقليميين في شرق إفريقيا، وبينما تتسع رقعة الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا بسبب التحركات أحادية الجانب التي تقوم بها إثيوبيا في ملف السد، كانت مصر تعوِّل كثيرًا على الخرطوم وعلى دعمها وتعضيد موقفها في ملف سد النهضة؛ فجاءت الأحداث الجارية في السودان لتزيد الأمور تعقيدًا، فيما يتخوف البعض من أن يؤدي الصراع العسكري السوداني – السوداني إلى بعثرة الأوراق المصرية في ملف السد؛ مما يعني أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الصراع السوداني وبين مستقبل سد النهضة.

الحليف الأقرب لمصر:

ولطالما اعتبرت مصر السودان حليفًا لا يمكن الاستغناء عنه في نزاعها الطويل مع إثيوبيا حول سد النهضة المثير للجدل؛ خاصة أن مصر قد وصفت مشروع الطاقة الكهرومائية التي تدشنه إثيوبيا على النيل الأزرق بأنه تهديد وجودي؛ نظرًا لما ينطوي عليه استكماله من احتمالات التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، التي تُعد العامل الأكثر أهمية لحياة المصريين(1).

لذا تترقب مصر عن كثب الوضع وما سوف تسفر عنه الأحداث لدى جارتها التي تقع في الشمال منها؛ إذ تعد السودان هي الحليف الأقوى والأقرب لمصر في أزمتها مع أديس أبابا في ملف سد النهضة، ومِن ثَمَّ فإن خلف الصراع الدائر فوق أرض السودان نظامًا سياسيًّا ضعيفًا لا يقوى على دعم بلاده أو مصر في قضية السد الإثيوبي، فإن ذلك من شأنه إلحاق الضرر بمصر وبمصالحها، وبموقفها في النزاع حول أزمة السد.

كذلك الحال أيضًا إذا أسفر الصراع العسكري في السودان عن وصول نظامٍ معادٍ لمصر، أو -على أقل تقدير- غير متوافق معها؛ فإن ذلك سوف يضعف موقف مصر في ملف سد النهضة، فقد يدير النظام الجديد ظهره إلى القاهرة ويبدأ مرحلة من الوفاق مع النظام الإثيوبي لا سيما في ملف السد؛ مما يقوض من حقوق مصر ومطالبها ويضفي شرعية على موقف أديس أبابا.

إثيوبيا واستغلال الموقف:

وبينما مصر تترقب بحذر ما يجري فوق أرض السودان، ممنية نفسها بأن ينتهي الصراع ويحظى السودان الشقيق بأمنه واستقراره، توجد هناك إثيوبيا على الطرف الآخر تترقب وتترصد هي الأخرى، ولكن ترقب أديس أبابا يختلف عن ترقب القاهرة؛ فالأخيرة لا تريد للصراع السوداني – السوداني أن يستمر أو يطول، بينما الأولى تحاول تحين الفرصة من أجل خدمة مصالحها في ملف السد.

ووفقًا لتقارير استخباراتية عدة، فإن أمد الصراع السوداني سيكون طويلًا في ظل توازن الوضع العسكري إلى حد ما بين طرفي الصراع، فضلًا عن غياب الرغبة وعدم وجود بوادر من كل طرف للقبول بالهدنة والبحث عن حل تفاوضي وسلمي، وبالتالي فإن الصراع السوداني مرشح للاستمرار طويلًا، وهو ما يعني أن السودان لن يكون له موقف متماسك في ملف السد، بل قد لا يكون له موقف من الأساس حول هذه القضية، الأمر الذي من شأنه تعزيز موقف إثيوبيا؛ سواء على الصعيد الإقليمي أو الصعيد الدولي(2).

من عوامل تأثير الصراع السوداني على مستقبل سد النهضة، أن طول الحرب السودانية المتوقع لها أمدا طويلا، قد تتزامن مع عملية الملء الرابع للسد الذي تنتوي إثيوبيا القيام به خلال هذا الصيف، وهو ما يعني أن السودان سيكون مشغولا بصراعاته العسكرية ومن ثم قد لا يبدي أية تحفظات على عملية الملء الرابع للسد، وهذا من شأنه إضعاف الموقف المصري وجعل القاهرة وحيدة في نزاعها مع إثيوبيا التي لم تلتزم ولم تأبه بأية تحذيرات عن خطورة عمليات الملء والخطوات أحادية الجانب التي تقوم بها.

رسائل تحذيرية:

تعقَّد الموقفُ السوداني، وتصرفات إثيوبيا أحادية الجانب، وإصرارها على المضي قدمًا في عمليات الملء المختلفة؛ جعل العديد من الخبراء والمعنيين بملف المياه والري يصدرون رسائل تحذيرية إلى الأجهزة المصرية المعنية، لافتين إلى أن إثيوبيا التي استغلت أحداث 2011م في مصر ودشنت سد النهضة، لن تتورع أبدًا عن استغلال أحداث السودان لتكملة ما بدأته في ملف السد، ومؤكدين أن حالة عدم الاستقرار سواء في مصر أو السودان تخدم إثيوبيا جيدًا.

ووفقًا لتحذيرات الخبراء؛ فإن أعمال التعلية في جسم السد تتم على قدم وساق، إذ تستغل أديس أبابا حالة عدم الاستقرار وغياب الأصوات المنادية باستئناف المفاوضات مرة أخرى، وتحاول بشتى الطرق استكمال أعمال التعلية وأعمال التخزين تمهيدًا للملء الرابع الذي تنتويه إثيوبيا، مشيرين إلى أن الأخيرة سوف تمارس سياسة الأمر الواقع في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث(3).

الخلاصة:

  • تعلم إثيوبيا أن الصراع السوداني وحالة عدم الاستقرار التي تعانيها الخرطوم سيجعل الأنظار تنصرف عن سد النهضة، ومن ثم لن تكون هناك معارضة لأعمال التعلية والملء التي يشهدها السد، بل إن إثيوبيا تحاول تكرار تجربة أحداث 2011م التي حدثت في مصر والاستفادة من أية مكاسب تتحول فيما بعد إلى حقيقة وإلى أمر واقع؛ لذلك هي تسرع من خطواتها مستغلة الصراع السوداني.
  • عدم تماسك السودان يحول دون الوصول إلى وجهة نظر واحدة وموقف واحد تجاه قضية الصوت، وهو ما يعني تعزيز الموقف الإثيوبي وإضفاء نوعًا من الشرعية على تحركاتها في ملف السد، وقد يزيد من هذه الشرعية وصول تيار معادي لمصر أو غير متوافق معها إلى سدة الحكم في السودان.
  • على مصر أن تتحرك مبكرًا قبل حلول صيف هذا العام -موعد الملء الرابع التي تنتويه إثيوبيا- وتتبنى تحركات أكثر وضوحًا وقوة؛ سواء على الصعيد الإقليمي أو الصعيد الدولي، وبيان مدى خطورة عمليات الملء والخطوات أحادية الجانب من قبل أديس أبابا، ومدى تأثير ذلك على الأمن المائي المصري.
  • كما يجب على مصر أن تسعى لتعزيز موقفها من خلال تجهيز ملفات أو دراسات تبيِّن مدى تضرر السودان الشقيق من السد، حتى يتسنى لمصر استخدام هذه الدراسات العلمية كصوت يعبر عن الموقف السوداني حال عدم صدور موقف رسمي من قبل الخرطوم بسبب الأحداث هناك.

مصادر تم الاستعانة بها:

  1. بي بي سي، “اشتباكات السودان: مصر تواجه معضلة في التعامل مع الصراع في البلد المجاور”، نشر في 23 إبريل 2023.
  2. مصر 360، ” بعد معارك السودان: هل من معطيات جديدة لأزمة سد النهضة؟”، نشر في 24 إبريل 2023.
  3. العربية، “هل تستغل إثيوبيا حرب السودان لإنهاء الملء الرابع للسد؟”، نشر في 25 إبريل 2023.

التعليقات مغلقة.