fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

هل انتكاسات روسيا بأوكرانيا قد تعرقل بناء نظام عالمي جديد؟

253

هل انتكاسات روسيا بأوكرانيا قد تعرقل بناء نظام عالمي جديد؟

لا يكاد ينفض الحديث عن النظام العالمي والتغيير الجديد في القوى السياسية والاقتصادية العالمية؛ خاصة مع بدايات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، والذي وقع في 24 فبراير 2022؛ هذه الحرب كشفت العديد من الخبايا التي كانت غير واضحة للمتابع البسيط والقارئ العادي، وتتراوح هذه الأحاديث والمناقشات ما بين السلوك الروسى الهجومي، ورد الفعل الغربي الدفاعي.

هذه الأحداث الأخيرة تشير إلى أن النظام العالمي بات قريبًا، وأصبح وشيكًا، أو لعله بدأ فعلًا، فاللحظة العالمية الراهنة تشهد مخاض نظام عالمي جديد، وقد كشف تحليل أمريكي: أن العالم يتحرك بديناميكية شديدة وغير هادئة تقوم فيها عدة قوى بمراجعات؛ بهدف تغيير النظام الدولي القائم.

النظام الدولي ومفهومه:

تعبير “النظام الدولي” يشير إلى “مجموعة التفاعلات والأنشطة السياسية الدولية التي تنظم العلاقات، بناءً على قواعد ومعايير سلوكية وهياكل مؤسسية، وأطر تنظيمية محددة، والجهود الجماعية لمعالجة المشاكل التي يواجهها العالم، والتي تتجاوز قدرات كل دولة منفردة، وتتطلب تنسيقًا بين دول العالم”.

تأسيس أول نظام دولي:

يعود تأسيس أول نظام دولي إلى عام 1864 حتى العام 1946، وكان مركزه أوروبا، ومن المنصوص فيه: أن تتولى فيه بريطانيا مسؤولية الحفاظ على توازن القوى العالمي ضد أي صعود محتمل لقوى جديدة.

وبعد انكسار ألمانيا في معركة العلمين على الأراضي المصرية، انتهت الحرب العالمية الثانية بتغيير كبير في الخريطة السياسية للعالم، وظهرت قوتان عظميان جديدتان في العالم، هما: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، أي: روسيا حاليًا؛ إذ إن الحرب العالمية الثانية أدَّت إلى إضعاف دول أوروبا، وعلى رأسها دول الحلفاء، ومنها: فرنسا، وبريطانيا، ولم تعد الدولتان تسيطران على العالم، وانقسم العالم إلى كتلتين هما: الكتلة الغربية بزعامة أمريكا، والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي، وعندما انهارت الإمبراطورية الشيوعية لم يفكر الغرب في حل حزب الناتو، ولا في وقف العداوة مع موسكو.

وبدلًا من بناء نظام جديد، أصرَّ الغرب على النظام الموجود، واعتقدوا أن عدوهم تفكَّك، لكن مهمتهم بقيت كما هي متمثلة في زيادة حجم مجتمع ديمقراطيات السوق الحرة” كما يعتقدون، وخلال العقود الثلاثة التالية عملوا على توسيع النظام الليبرالي الغربي ليصبح نظامًا عالميًّا(1).

القوة العسكرية الغربية:

حلف الناتو أو منظمة حلف شمال الأطلسي عام 1949، ويهدف إلى ردع أي تهديد توسعي من قِبَل الاتحاد السوفيتي في القارة الأوروبية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظل لأكثر من 20 عامًا، ترسخ مشروعها للهيمنة العالمية عبر الجمع بين إطار أيديولوجي جاذب، ومجموعة من أدوات القوة الفاعلة، كحلف شمال الأطلسي والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في شرق أوروبا ووسط آسيا.

وقد نجحت أمريكا في استغلال الاتحاد الأوروبي عبر دمجه بالمنظومة الدفاعية الأمريكية وعدم تمكينه؛ بسبب العلاقات المميزة بينها وبين دول أوروبا الشرقية، من تحقيق استقلاله الأمني(2).

إرهاصات العالم الجديد وكلمة السر (الصين – روسيا):

لم تمضِ سنة على التصعيد الذي شهدته منطقة شرق آسيا، وبعد أن شنَّت روسيا عملية عسكرية على أوكرانيا، على الرغم من كلِّ محاولات الزجر وخطابات التهويل الأطلسية، وخصوصًا الأميركية، فغدا المشهد مشحونًا بالدلالات الكبرى التي تتعدى المآلات المتوقعة إلى سيناريوهات من المحتمل أن ينجم عنها توزيع جديد للقوى في المسرح الدولي.

كما أجرت الصين نحو 150 طلعة جوية في منطقة الدفاع الجوي الخاصة بتايوان، بالتزامن مع تلميحات الرئيس الصيني شي جين بينغ المتكررة بضرورة تنفيذ شعار “صين واحدة”، ما يعني فعليًّا ضم تايوان عبر إسقاط نظام الحكم الانفصالي، وإعادة توحيد الصين تحت مظلة سياسية واحدة(3).

بوتين يتصدر والصين تدير:

بحسب مراقبين في أوروبا والولايات المتحدة، فإنه على الرغم من أن بوتين هو مَن أثار هذا التحول في النظام العالمي، فإن الصين هي التي ستحدده، بحيث يرتبط بإستراتيجيات الرئيس الصيني، وتحديدًا فيما يتعلق بثلاثة أمور، وهي: سياساته الخارجية، ورؤيته لنظام دولي بديل والمخططات الاقتصادية والسياسية الكبرى لجينبينغ.

ويقول بعض المراقبين: إنه مع تزايد اعتماد موسكو الاقتصادي على بكين، مثلما ظهر في بيان لها؛ فإن “بكين” سيكون لها الصوت الحاسم في المشهد الدولي الجديد.

وإلى جانب البيان المشترك الذي ظهر في وقت لاحق، كشف بوتين عن صفقة جديدة للنفط والغاز تقدر قيمتها بنحو 115.5 مليار دولار، وهي ثالث أكبر مورد للغاز للصين، من الاستمرار في زيادة الصادرات إلى بكين خلال ربع القرن المقبل، وعلاوة على ذلك مددت شركة النفط الروسية العملاقة “روسنفت” وشركة البترول الوطنية الصينية “سي إن بي سي”، صفقة قائمة لتوريد 100 مليون طن من النفط على مدى السنوات الـ 10 المقبلة.

وبعد بضعة أسابيع من دخول الدبابات إلى أوكرانيا، رفعت بكين القيود المفروضة على واردات القمح من روسيا، ومع إضعاف العقوبات الاقتصادية الغربية للاقتصاد الروسي أعلنت البنوك الروسية أنها ستصدر من الآن فصاعدًا بطاقات باستخدام نظام مشغل بطاقة “يونيون باي” الصيني.

وقال الأستاذ بكلية “كينجز”: إن هذا التغيير مهم بالنظر إلى أن خطط الرئيس الصيني لأمته دخلت مرحلة تنافسية جديدة وأكثر حدة.

وقررت بكين زيادة الإنفاق الدفاعي مخصصة 7.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لإنشاء جيش على مستوى عالمي بحلول العام 2035، وهناك توجه صارم للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، والتركيز الشديد على الترويج لبديل للدولار كعملة دولية.

ويقول مراقبون: إن علاقة شي مع موسكو ستثبت أنها مفيدة لالتزامه السياسي الأوسع ببناء دولة كاملة ومتجددة وقوية على الساحة الدولية بحلول عام 2049 الذي يمثِّل الذكرى الـ 100 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية(4).

التراجع الروسي في الحرب الأوكرانية:

أشارت “سي إن إن” إلى أن التراجع الروسي في ساحة المعركة بأوكرانيا يقلق الصين، لوجود مصلحة مباشرة لها في الحرب؛ لا سيَّما أن علاقتها توطدت مع موسكو أكثر من أي وقت مضى. ومِن ثَمَّ فإن هزيمة روسيا في الحرب من شأنها أن تقوي شوكة الغرب، في حين تصبح أقل فائدة وموثوقية للصين في تنافسها مع الولايات المتحدة والقوى العظمى.

وقد تمثِّل الهزيمة الروسية أيضًا مصدر إلهاء للولايات المتحدة، بما قد يمكن واشنطن من التركيز على نحو أكبر على بكين.

ومن هذا المنطلق: ترى الشبكة أن شي يجازف بتعريض بلاده لعقوبات غربية وردود دبلوماسية قد تضر بمصالحها الخاصة، إذا واصل دعم بوتين في وقت حرج للزعيم الصيني، الذي تفصله أسابيع عن حصوله على فترة ولاية ثالثة مخالفة للمعايير، في المؤتمر 20 للحزب الشيوعي(5).

الملف النووي الإيراني:

الملف النووي الإيراني على ارتباط بالأحداث، وليس شرطًا أن تعجل الحرب بإتمام الاتفاق كما تقول بعض التحليلات لإدخال إيران إلى سوق الطاقة وتعويض النقص في الإمدادات الروسية، بل على العكس يمكن أن تعرقل ظهوره وتفشل المفاوضات، إذا ما رصدت أمريكا والناتو ملامح نظام عالمي جديد، فيه ملامح تحالف شرقي ـ روسي ـ إيراني ـ صيني، وبالتالي تغليب الميزان الإستراتيجي على الميزان الاقتصادي.

وهذا لن يضر حيث أبدت إيران عدم اهتمامها بإتمام اتفاق لا يحقق شروطها، ولن يتوقف تنامي إيران ومحور المقاومة على هذا الاتفاق في عالم يشهد قواعد جديدة قيد التشكل(6).

الشرق الأوسط في النظام العالمي:

العالم يتشكل الآن مرة أخرى، وهناك أخطار تتهدد المنطقة العربية، خصوصًا وأن جارتيها الكبيرتين: الشرقية والشمالية، إيران وتركيا، تسيران في مسارات أيديولوجية مختلفة، بل متعاكسة مع المسارات العربية التي تسعى نحو الاستقرار والتنمية الاقتصادية والانسجام مع المجتمع الدولي، بينما تسعى كلٌّ من: تركيا وإيران إلى الهيمنة عبر التشدق بأيديولوجية دينية، تقوم على زعزعة استقرار المنطقة وإضعاف دولها بهدف جعلها تابعة لها. ومقابل هذا الخطر: أصبح ضروريًّا على الدول العربية أن تنسق جهودها وتستثمر إمكانياتها من أجل أن تسند بعضها بعضًا؛ اقتصاديًّا وسياسيًّا، وربما عسكريًّا في المستقبل.

الدول العربية الكبرى، يمكنها أن تشكل تجمعًا اقتصاديًّا وتحالفًا سياسيًّا وحتى عسكريًّا، قائمًا على احترام سيادة كل منها وعدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لبعضها البعض، ولكن في الوقت نفسه، التباحث والتنسيق حول أفضل السبل للتعاون الاقتصادي والثقافي والأمني، وكيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة والتماسك بين دولها، سواء عبر توثيق العلاقات الثنائية، أو عبر اتخاذ مواقف دولية موحدة أو متقاربة، يمكنها أن تخدمها جميعًا.

فلا شك أن الدول العربية بمجموعها تمتلك إمكانياتٍ بشريةً وطبيعيةً وصناعيةً وعسكريةً واقتصاديةً كبيرة، إن أُحْسِن استغلالُها بعقلانية، وقد حان الوقت لاستثمارها من أجل الحفاظ على الكيان العربي العام من التشتت أو التفكك، وحماية المصالحة المشتركة للدول العربية، مع الإبقاء على التنوع السياسي والثقافي الحالي، الذي لا يؤثر على التعاون وتنسيق الجهود لمواجهة الأخطار والاحتمالات المستقبلية بكل أشكالها، بل سيكون عامل ثراء وقوة وتخصص لتحصين الشرق الأوسط من الأخطار في عالم يعج بالمتغيرات(7).

الخلاصة:

لا يخفى على القيادة الروسية والصينية أن الولايات المتحدة الأمريكية وأخواتها يعانون من معضلات جمة في الساحة الدولية، كذلك ينحدر بها سلم القوى، ويترنح الكرسي التي لطالما تربعت عليه لسنوات عديدة.

كذلك قد يكون هناك توجه لدى واشنطن، وهو: اعتمادها على مبدأ وقف الحروب الأبدية؛ سيجعلها تعتمد أكثر فأكثر على سياسة استنزاف الخصوم، وتجويف ركائز القوة لديهم من الداخل.

كذلك لا بد للدول العربية من الصحوة، وعدم الاكتفاء بدور الصامت المتفرج على الأوضاع دون تحريك ساكن، ولابد من الشروع في إجراءات التقارب والتعاون المشترك والوثيق والعمل بالممكن من أجل تحقيق الطموح.

وبالنسبة للصين وروسيا فهما يلعبان دورًا عالميًّا قويًّا يستند عليه معظم دول العالم الثالث للخروج من الهيمنة الأمريكية، ولكن ربما يؤدي الاندفاع الروسي دون تحديد أهدافه إلى الوقوع في مستنقع الخسائر دون معرفة طريق الخروج منه.

1_ عربي بوست

2_ D.W

3_ الميادين

4_ الأندبندت

5_ رؤية الإخبارية

6_ العهد الإخبارية

7_ سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.