fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

اقتراب عودة العلاقات التركية السورية… المصالح والشروط

90

اقتراب عودة العلاقات التركية السورية… المصالح والشروط

بعد سنوات من القطيعة والتصريحات الهجومية والعدائية بين البلدين في ظل ما أحدثه النظام السوري في شعبه من قتل وتفجير وتهجير؛ إلا أن المصالح تقابلت في نهاية المطاف، وتخلى الجانب التركي عن خطابه العدائي المصطنع لنظام بشار الأسد ليستمع إلى صوت المصالح التركية ويوليها اهتمامه ويسعى إليها دون النظر إلى القضية التي كان يتزعمها تحت عنوان نصرة الشعب السوري.

الشعب السوري بين طرفين كلاهما يبحث عن مطامعه:

في الآونة الأخيرة حصلت سوريا على بعض المكاسب على أرض الواقع، وبالأخص علاقتها مع الدول العربية والتي تغيرت نبراتها مع بعض البلدان، وعلاقتها مع الأخرى؛ خاصة مع بعض الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى وإعادة فتح سفارات عربية في دمشق.

هذا بجانب ما أظهرته المؤشرات والتصريحات الدالة على التقارب التركي – السوري، وهو ما أوضحه مسؤولون أتراك؛ أولهم: الرئيس رجب طيب أردوغان، وبدأت الحكاية في ختام قمة طهران، وبوجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بتاريخ:  19 يوليو 2022، ومن وقتها كشفت التصريحات الدبلوماسية عن خط جديد من خطوط العلاقة السورية – التركية ويقال: إنها برعاية إيرانية(1).

الموقف التركي وتحوُّل المصالح:

تراوحت تصريحات الرئيس أردوغان في تأكيده أنه من الضروري اتخاذ مزيد من الخطوات الدبلوماسية مع دمشق، وأنه ليس مُهتمًا بتحقيق انتصار على الرئيس السوري، وأن الأمور تفرض أن يكون هناك تعاون وتنسيق مشترك في مواجهة الإرهاب الذي يهدد البلدين.

 كما أشار الرئيس التركي إلى: أن بلاده ليست لديها شروط مُسبقة، وأن المحادثات مع سوريا لابد أن تكون لها أهداف، وصرَّح أردوغان بأن الرئيس الروسي قد اقترح عليه تعاونًا بين تركيا وسوريا في مواجهة أعمال الإرهاب على حدودهما المشتركة.

وقد تحدث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن العلاقات مع سوريا، مشيرًا في 11 أغسطس 2022 إلى أنه قد التقى بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عُقد في أكتوبر من العام الماضي بالعاصمة الصربية بلجراد، كذلك عقد مسؤولو المخابرات في البلدين عدة اجتماعات تباحثا فيها حول إمكانية تطوير العلاقات الثنائية.

وجاءت زيارة وزير الخارجية السوري، المقداد، إلى موسكو يوم 23 أغسطس 2022؛ لتؤكِّد أن ثمة اتصالات تُجرى ودورًا روسيًّا واضحًا للتوفيق بين أنقرة ودمشق، وتحقيق انفراجة أو اختراق في العداء القائم بينهما، بحيث يتم التركيز على وجود نوع من التعاون المشترك في مواجهة التطورات في شمال سوريا، لكن من دون تحديد القضايا المطروحة للمناقشة(2).

الدوافع الأردوغانية للتقارب مع الدولة الأسدية:

أولًا: من طبيعة أردوغان أن يُغير مواقفه بصورة كبيرة دون أي تحفظات، وقد عكست سياسات أنقرة تجاه بعض دول الإقليم هذه الطبيعة المُتغيرة، مثل العلاقات التركية مع إسرائيل وانتقالها من العداء إلى تأسيس علاقات كاملة بينهما.

وبالتالي فإن أسلوب عمل الرئيس أردوغان وتعاطيه مع التطورات التي تشهدها السياسة الخارجية التركية والتحولات الإقليمية والدولية، يجعلان من موقفه المُتغير إزاء دمشق أمرًا طبيعيًّا بالنظر إلى سياسته منذ عام 2003 وحتى الآن، كما لا يمكن تجاهل أن توجهه الجديد إزاء سوريا يأتي في سياق تعديل أنقرة لمسارها الإقليمي.

ثانيًا هناك قضية اللاجئين السوريين الذين يقترب عددهم من 4 ملايين نازح داخل تركيا، وتركز المعارضة التركية على أن هذه القضية من أسباب الأزمة الاقتصادية في البلاد، وأن ثمة فشلاً للرئيس أردوغان في مواجهة هذه الأزمة، وأن موقفه غير السليم في الصراع السوري هو الذي سمح باستضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين.

وبالتالي يسعى أردوغان إلى إيجاد حل لهؤلاء النازحين وعودتهم، أو على الأقل الوصول إلى صيغة اتفاقات تسمح بعودتهم قبل الانتخابات القادمة والمُقررة في عام 2023، حتى يتجنب هذا الضغط من الأحزاب التركية المُعارضة.

ثالثًا: أوضحت تصريحات الرئيس أردوغان أن ما يقوم به هو نوع من التجاوب مع الرغبة الروسية واسترضاء الرئيس بوتين.

ومن المُلاحظ: أن أردوغان يحاول الاستفادة من الحرب الأوكرانية والظروف التي تواجه موسكو، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، سواء على مستوى الطاقة والمسائل الاقتصادية الأخرى أو حتى على المستوى السياسي والعسكري.

ولا شك أن روسيا تُدرك ذلك جيدًا، وأرادت في مقابل كل هذه المطالب التركية أن تحقق مكسبًا أيضًا يتعلق بدعم الحكومة السورية، ومواجهة الإرهاب، ووقف التقدم العسكري التركي في الشمال السوري، ومواجهة النفوذ الأمريكي المُتزايد في شرق الفرات والداعم للقوات الكردية هناك، كما أن وقف العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا ربما يخفف من الضغوط على القوات الروسية الموجودة هناك، ومِن ثَمَّ يسمح بنقل المزيد منها إلى أوكرانيا(3).

شروط دمشقية لعودة أنقرة مرة أخرى:

نقلت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، عن مصادر مطلعة لم تحددها بالاسم، أن النظام السوري طرح 5 مطالب يتعين على أنقرة تحقيقها من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، تتلخص في:

1_ إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق.

2_ نقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفا جوزو (باب الهوى) إلى سيطرته.

3_ ترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر «باب الهوى» وصولًا إلى دمشق.

4_  ترك السيطرة الكاملة على الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا دير الزور والحسكة، وطريق حلب – اللاذقية الدولي (إم 4) للنظام.

5_ عدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام.

أنقرة ترد على الشروط بشروط:

وذكرت المصادر التي تحدثت لصحيفة “تركيا” أن أنقرة طالبت النظام السوري، بالمقابل بالآتي:

1_ تطهير مناطق وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالكامل.

2_ القضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود.

3_ الاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق.

4_  العودة الآمنة للاجئين(4).

روسيا كلمة السر في صلح سوريا وتركيا:

وعن الدول التي تقوم بوساطة بين البلدين، قال عضو لجنة المصالحة السورية، عمر رحمون: إنه لا يمكن إنكار دور روسيا في التقارب التركي – السوري، حيث يسعى أردوغان إلى رد الجميل للجانب الروسي الذي منح تركيا ميزات اقتصادية كبيرة في عدة مجالات، ووقَّع عدة اتفاقيات تجارية تسهم في إنقاذ الاقتصاد التركي من الهاوية التي كان يسير إليها.

هذا بالإضافة إلى الاعتقاد السائد الآن في أوساط المعارضة السورية هو أن ضغوط روسيا على تركيا هي التي أدت إلى رضوخ أنقرة للحوار وإعادة العلاقات مع دمشق.

وهو اعتقاد يتبناه ساسة أتراك كبار مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حاليا حزب «المستقبل» المعارض، فقد انتقد داود أوغلو، ما وصفه بـ«انجرار حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان وراء المطالب الروسية» وإعادة العلاقات مع النظام السوري، وتسليمه اللاجئين قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم: 2254(5).

الدور الإيراني في المعادلة:

إن المتتبع للملف السوري يجد أن إيران أنه تتبنى منذ عدة شهور اتجاهاً لتهدئة الأجواء بين تركيا والنظام السوري، وتهيئة الظروف لنوع من التطبيع يبدأ تدريجيًّا من خلال التنسيق الأمني والعسكري لمنع أي احتكاكات بين الطرفين، ثم يتصاعد إلى الموقف السياسي، حيث تتم تلبية احتياجات تركية مقابل وقف أنقرة عداءها مع دمشق، وبما يسمح ببلورة صيغة أخرى لحل الأزمة السورية تتجاوز الموقفين الأمريكي والأوروبي بصورة كبيرة ولا تؤثر على الوجود الإيراني في سوريا.

وتتوافق إيران مع تركيا في معاداتها لحزب العمال الكردستاني الذي يمثل تهديدًا لأمن البلدين؛ خاصةً أن هناك حزبين إيرانيين مرتبطين بحزب العمال الكردستاني قد أعلنا مؤخرًا توحيد قدراتهما ومؤسساتهما لدعم العمل المُناهض لإيران، وهو ما يدفع الأخيرة إلى مزيد من العداء مع العمال الكردستاني بأفرعه المختلفة، ويُهيئ أرضية تفاهم بين طهران وأنقرة.

وبالتالي فإن تحقيق الهدوء في العلاقات التركية – السورية والاتجاه لعودة هذه العلاقات، ربما يخدم مصالح إيران، ليس فقط على مستوى حضورها في سوريا، ولكن أيضًا على مستوى العلاقات التركية – الإيرانية.

ومن ناحية أخرى: شهد التعاون الروسي مع إيران تقدمًا كبيرًا في الفترة الأخيرة؛ ليس فقط في الميدان السوري، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين. ولعل العقوبات الغربية المفروضة على كلٍّ من موسكو وطهران، قد هيأت مجالات للتعاون بين البلدين، وهو ما يجعل من سوريا مُرتكزًا مُهمًّا لكلٍ منهما، وبما يفرض عليهما العمل على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها دمشق وبذل جهد كبير للتوفيق بينها وبين أنقرة(6).

أهداف داخلية لتركيا:

رئيس تحرير صحيفة “إندبندنت تركيا” محمد زاهد جول، اعتبر تصريحات أردوغان ذات أهداف “داخلية”، إذ تقف تركيا على أعتاب انتخابات رئاسية مصيرية لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم.

وقال محمد زاهد جول: “يحتاج أردوغان قبل المصالحة مع النظام السوري، والتي قد يسبقها اتصال هاتفي مع الأسد كما قيل مؤخرًا، إلى مبررات أمام الشارع التركي، والأمر الوحيد الذي ربما يُقنع الأتراك، هو أن التعاون مع الأسد أصبح ضروريًّا لمواجهة جماعات متطرفة؛ لا سيما (حزب العمال الكردستاني) وتفرعاتها، على غرار (قوات سوريا الديمقراطية)، وبالتالي تلافي ما يمكن تسميته وجود دولة انفصالية على الحدود بين البلدين”.

ويرى جول أن “وحدة التراب السوري هدف تؤكد عليه دمشق وأنقرة، وتعملان سويًّا على تحقيقه”، لكنه استبعد قدرة سوريا على “تقديم الكثير لتركيا، في ضوء العلاقة القوية بينها وبين حزب العمال الكردستاني المستمرة منذ التسعينات”، بحسب قوله.

مع ذلك لا يبدو أن أردوغان لديه خيارات لتجاهل التقارب مع سوريا، إذ يعتقد المحلل السياسي التركي أنه سيكون لهذه الخطوة “تبعات داخلية”، خصوصًا أن أنقرة على أبواب انتخابات رئاسية بعد 10 أشهر، والأزمة السورية بما فيها موضوع اللاجئين، من القضايا الأساسية في المشهد السياسي الداخلي(7).

ردود الفعل:

أثارت هذه التطورات التركية قلقًا كبيرًا لدى فصائل المعارضة السورية؛ خاصةً السياسية منها، واتضح ذلك من التصريحات التي أدلى بها العديد من قياداتها، والذين أكدوا أنهم أجروا اتصالات مع وزارة الخارجية التركية لمنع هذا التغير، والعودة إلى الموقف الأصلي من النظام السوري. فمثلًا: صرَّح جورج صبرا، الرئيس السابق لائتلاف قوى المعارضة، يوم 22 أغسطس الجاري، قائلًا: إن التصريحات التركية الأخيرة تجاه النظام السوري لم تكن مفاجئة، بل جاءت في مسار انسيابي ومتدرج، لكن المفاجئ هو الذهاب فورًا إلى المصالحة.

ردًّا على المعارضة رسالة طمأنينة:

عقد جاويش أوغلو اجتماعًا مع قادة المعارضة السورية، وسط توالي الكلام عن الحوار مع النظام والتأكيد على ضرورة التصالح أو تحقيق التوافق معه من أجل تحقيق السلام الدائم في سوريا.

واستهدف اللقاء الذي عقد بمقر الخارجية التركية وحضره رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، تقديم رسالة طمأنة للمعارضة بشأن الدعم التركي.

وأكد جاويش أوغلو، عقب اللقاء، أن تركيا تقدر وتدعم مساهمة المعارضة السورية في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا وبدء مفاوضات سياسية، وتشكيل حكومة وحدة خلال سنتين تليها انتخابات(8).

الخلاصة:

لا بد من العلم أن تركيا هي دولة مصالح لا مبادئ، وأن ما يشيعه الإعلام على عكس الواقع تمامًا، وهذا واضح وجلي من الموقف التركي تجاه الشعب السوري؛ فأين هي الشاعرات الرنانة التي تدافع عن المظلومين والمقهورين، وأين الحقوق والحريات حينما تتعارض مع المصالح فتقدم المصالح على الشعارات وهذه ليست نبرة هجومية ولكن حينما يتصادم الضمير الإنساني مع الواقع السياسي المصلحنجي فلن نجد كلمات سوى هذه المكتوبة.

والمتغيرات الحاصلة لا يمكن إنكارها في الموقف التركي من سوريا ولا سيما ما يتعلق بالعلاقة مع النظام؛ إلا أنه سيكون من قبيل المبالغة احتساب ذلك انقلابًا كاملًا في الموقف، وانتقالًا من معسكر لآخر.

ودفعت هذه الانفتاحة على الحوار بين الطرفين الملفات المتشابكة بين البلدين، سواء بين القوى الداخلية أو الأطراف الإقليمية والدولية المُتصارعة.

وقد نرى في القريب العاجل مواقف متغيرة ومتدرجة ببطء، ولكنها كذلك غير مضمونة النتائج، وقد يتراجع عنها في أي وقت، بدليل استمرار استهداف مواقع قوات سوريا الديمقراطية، شرق الفرات وغربيه، بل واستهداف قوات النظام أكثر من مرة مؤخرًا؛ رغم الحديث عن إمكانية الحوار.

1_ بي بي سي

1_ رؤيا الإخبارية

2_ المستقبل للأبحاث والدراسات

3_ الشرق الأوسط “الكشف عن «مطالب متبادلة» لفتح قنوات اتصال بين أنقرة ودمشق  أغسطس 2022 مـ رقم العدد [ 15970]

4_ سوريتنا

5_ الحرة

6_ ميدل إيست

7_ الشرق الأوسطلماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سوريا الأسد؟”

التعليقات مغلقة.