fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أهم التهديدات والتحديات أمام الاقتصاد الصيني!

140

أهم التهديدات والتحديات أمام الاقتصاد الصيني!

لا يعيش التنين الصيني في معزل عن العالم، ولكنه جزء من هذه الكرة الأرضية التي تتأثر بالأزمات العالمية، فالاقتصاد الصيني يعاني من أزمة طاحنة رغم تفوقه على العديد من البلدان، والدليل على ذلك نمو الناتج المحلي للبلاد بأبطأ وتيرة له منذ عام، أي: منذ تفشي وباء فيروس كورونا في الصين، وذلك بداعي تأثيرات أزمة الطاقة الهائلة واضطرابات الشحن، وأزمة العقارات التي ضربت ثاني أكبر اقتصادات العالم.

وقد أشارت إلى ذلك التقارير الرصدية للمؤشرات الاقتصادية؛ فلقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 4.9٪ فقط في الربع الثالث، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهذا أبطأ بكثير من النمو بنسبة 7.9٪ التي سجلتها الصين في الربع الثاني، وهو أيضًا أضعف معدل نمو منذ الفترة من يوليو إلى سبتمبر من العام الماضي 2020، عندما نما الناتج المحلي الإجمالي أيضًا بنسبة 4.9٪.

هذه الأرقام الرصدية ترسم الصورة التي يحاول أن يتخطاها التنين الصيني، وبالرغم من ذلك، هناك العديد من التحديات والصعوبات التي لا بد أن يواجهها الاقتصاد الصيني، وتعتبر من الأسباب التي تسببت في هذه العاصفة الاقتصادية أبرزها:

قوانين تسببت في كارثة:

بعد أن كانت مشكلة الصين على مدى عقود هي الزيادة السكانية السريعة، ما دفع حكومة الحزب الشيوعي إلى فرض سياسات صارمة للحد من النمو السكاني بلغت ذروتها بسياسة الطفل الواحد، التي لا تسمح لأي أسرة بإنجاب أكثر من طفل، أصبحت المشكلة الآن هي ارتفاع نسبة المسنين مع انخفاض معدلات الإنجاب، ما يهدد بشيخوخة المجتمع الصيني قبل أن تصبح البلاد قوة عظمى.

ويقول المحلل الإستراتيجي روني ساسميتا، كبير الباحثين في مؤسسة العمل الاقتصادي والإستراتيجية الإندونيسية: إن عدد الصينيين الذين يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر قد يتضاعف خلال العقدين المقبلين، في حين تنكمش القوة العاملة في البلاد لتصبح الصين أكبر “مجتمع مسن” في العالم.

وتتوقع الحكومة الصينية: أن يمثِّل كبار السن نحو ثلث إجمالي عدد سكان الصين بحلول 2050، إلى جانب الأطفال الذين لم يصلوا إلى سن العمل.

ويرى ساسميتا في تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية على موقعها الإلكتروني أن الأمر ينطوي بالفعل على مفارقة، وهي أن الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والبالغ 1.4 مليار نسمة تحتاج إلى مزيد من الأفراد حتى تحافظ على وتيرة نموها الاقتصادي السريع وبخاصة لكي تتفوق على الولايات المتحدة.

والمشكلة بالنسبة للصين تكمن في ارتفاع نسبة المسنين في المجتمع، وهو ما يؤدي إلى انكماش الشريحة القادرة على الإنتاج فيه.

بمعنى آخر: يواجه الاقتصاد الصيني عددًا من الأعباء نتيجة ارتفاع عدد كبار السن الأقل إنتاجية، الذين يمثِّلون ضغطًا على النظام الصحي وصناديق التقاعد، في حين ما زالت الصين تكافح لتحسين نظام الرعاية الصحية ونظم التقاعد لديها(1).

ثلاث جبهات كارثية:

قالت بعض التقارير: إنه من المستحيل تجاهل التهديد الثلاثي المتمثل في أزمات متزامنة في الطاقة والشحن وقطاع العقارات.

وأشار إيريس بانج، كبير الاقتصاديين في “الصين الكبرى” بمجموعة  ING Group، إلى أن التصنيع “تضرر بشدة” من اضطرابات سلسلة التوريد.

وأشارت في مذكرة بحثية: إلى أن العمليات في بعض الموانئ تأثرت بتفشي فيروس كوفيد والخطوات التي اتخذتها السلطات لاحتوائها خلال الربع الأخير. وفي الوقت نفسه: أدَّت أزمة الطاقة الهائلة إلى تفاقم الأمور.

وقد أشار لاري هو، رئيس اقتصاديات الصين لمجموعة ماكواري، إلى أن التباطؤ في الإنتاج الصناعي كان “أكثر وضوحًا في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة”، مثل: الصلب والأسمنت.

وقد حاولت بكين تهدئة المخاوف بشأن تأثير أزمة الطاقة، وقال فو المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء: “إن نقص المعروض من الطاقة هو مجرد مرحلة، والتأثير على الاقتصاد يمكن السيطرة عليه”.

وبينما ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد هذا العام قال: إنه سيتم تخفيف الأزمة حيث تنفذ الحكومة إجراءات للسيطرة على المشكلة، على سبيل المثال أمرت الصين مناجم الفحم بزيادة الإنتاج، بعد أشهر فقط من إصدار الأمر بالعكس لكبح انبعاثات الكربون، واتفق بعض الخبراء على أن أزمة الطاقة ستتبدد على الأرجح.

وقال لويس كويجس، رئيس اقتصاديات آسيا في أكسفورد إيكونوميكس: “نعتقد أن نقص الكهرباء وخفض الإنتاج سيصبحان مشكلة أقل”.

وفي وقت لاحق من الربع الرابع “بدأ كبار صانعي السياسات في التركيز على النمو ونتوقع منهم أن يبدأوا في الدعوة إلى السعي لتحقيق أهداف المناخ على جدول زمني أكثر قياسًا”(2).

تقرير أمريكي يرصد تحديات أخرى:

بينما يرى تقرير أمريكي آخر أن التهديدات الرئيسية تتمثل في مجالات مهمة ومتداخلة، هي الصحة والديون والعولمة، ووفقًا لتقرير يناير 2022 الصادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يمثل تطوير العقارات 25% إلى 30% من اقتصاد الصين.

ولا يزال التخلف عن سداد الديون بين المطورين الصينيين مستمرًا، وقد شهد العام الماضي عددًا قياسيًّا من حالات التعثر، بدءًا من «إيفرجراند» و«صنشاين 100» والقائمة تطول.

وتقدر «ستاندرد آند بورز» أن ما بين 20% و40% من مطوري العقارات الصينيين قد يواجهون تخلفًا محتملًا.

وفي الحقيقة: يُنذر التعثر في العقارات بالشؤم للاقتصاد ككل، فقد أظهر الاقتصاديون أن معظم فترات الركود إما مرتبطة بالأسهم أو المساكن. وبمجرد أن تهتز أسعار المساكن وتبدأ في الانخفاض، فاعلم أن تأثير الديون هو السبب ومن الممكن أن يتسبب في انهيار الاستهلاك الأوسع.

لم تصل الصين إلى هذا المنعطف الخطر بعد، لكن الدلائل بدأت تشير إلى ذلك، وسيكون من السذاجة الاعتقاد أن القواعد العادية للازدهار الاقتصادي والكساد لا تنطبق أبدًا عليها، أو أن نفترض أن السلطات الصينية يمكنها دائمًا أن تضبط وبفاعلية الأسعار في جميع أنحاء البلاد إلى أجل غير مسمى. ومع ذلك علينا أن نأمل أن تتمكن الحكومة من إدارة سوق الإسكان بشكل أفضل مما فعل الغرب عامي 2007 و2008.

وفيما يخص الصحة، ومع اهتزاز أسواق الإسكان في الصين، فإن آثار سياسة مكافحة الوباء المتبعة جعلت الأمور الاقتصادية أسوأ، فسياسة الصين المتمثلة في «صفر كوفيد 19»، والتي تعد أصعب استجابة طبية وصحية عامة للوباء بين الدول، في مأزق حقيقي.

يأتي ذلك بعد أن حقق موقف الصين الصارم بشأن الوقاية نتائج مذهلة فيما مضى، حين استمرت عجلة العمل في البلاد بالدوران بشكل خالٍ من الفيروس إلى حد كبير في عامي 2020 و2021. ومع ذلك، ومع تحور الفيروس وانتشاره بسرعة اليوم، قد تكون هذه الإجراءات أكثر تكلفة.

أدَّى ارتفاع عدد الإصابات في شنغهاي إلى نحو 20 ألف حالة يوميًّا قبل أسابيع إلى إغلاق المدينة، وفرض الحجر الصحي على 26 مليون ساكن استشاطوا غضبًا لهذا الإجراء، ونعلم أن شنغهاي وحدها تسهم بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، عدا عن كونها أكبر ميناء في البلاد.

ويجري العمل على فرض الإغلاق تباعًا في بقية المدن الصينية إن لم تتحسن الأمور، وبالتالي ستظهر الآثار الاقتصادية السلبية لسياسة كوفيد 19، التي تصعب السيطرة عليها، عاجلًا أم آجلًا في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي خفّض فيه الاقتصاديون بالفعل توقعات النمو للبلاد.

وإذا ضعف الطلب في الصين، فقد يشعر به الجميع خارجها أيضًا، ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الصينية مستعدة أو قادرة على التحول من عدم التسامح المطلق مع الوباء إلى نهج جديد، على الرغم من أن مثل هذا التحول يبدو ضروريًّا بشكل متزايد للدول الأخرى.

التهديد الثالث الذي يواجه الاقتصاد الصيني هو: الديون والقروض الخارجية المحفوفة بالمخاطر، ففي الوقت الذي يحاول فيه العالم المتقدم احتواء التضخم، نرى أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع. ولن تؤدي العديد من القروض التي قدمتها الكيانات الصينية كجزء من مبادرة الحزام والطريق، في بكين، إلى إجهاد الميزانيات العمومية في البلدان منخفضة الدخل فحسب؛ بل إنها ستثقل كاهل البنوك الصينية بالقروض المتعثرة، وهذا بدوره سيؤثر في الأداء الاقتصادي لتلك البنوك التي تعد قنوات رئيسية للاستثمار المحلي الصيني والشركات والاقتصاد، فبحسب تقرير مختبر أبحاث التطوير الدولي الأمريكي (AidData) لعام 2021، أثقلت مبادرة الحزام والطريق الدول النامية بما لا يقل عن 385 مليار دولار من الديون.

وهنا تواجه الصين ثلاث ديناميكيات سلبية: التخلف عن سداد الديون، والقروض المتعثرة في دفاتر البنوك الكبرى والمقرضين الحكوميين، والأضرار الجانبية التي ستلحق بالمصالح الدبلوماسية والجيوسياسية إذا استولت الصين على أصول الدول كجزء من شروط قروض مرهقة في بعض الأحيان(3).

نقاط مشتركة بين الصين والولايات المتحدة:

الأولى: أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد مرَّت بالفعل بمثل هذا الوضع، مع مثل هذا الدين الهائل خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها حلّت هذه المشكلة بسبب النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي بعد الحرب، وفاق النمو الاقتصادي نمو الديون، وعادت نسبة الدين إلى وضعها الطبيعي، وبعد أن دمّرت الحرب الاقتصاد العالمي كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي نجت من الحرب ووسّعت إنتاجها على حساب أوروبا.

الآن أصبح لدى الصين هذه الميزة، والولايات المتحدة الأمريكية محكوم عليها بلعب دور أوروبا المدمّرة، ولا يمكن للغرب أن ينمو الآن على حساب إنتاج البضائع، فتكلفة الإنتاج في الغرب أعلى منها في الصين.

وإذا أغلق الغرب اقتصاده أمام المنافسة مع الصين، فسترتفع التكاليف، ومعها الأسعار، ويبدأ التضخم المفرط على الفور؛ ولهذا السبب *بالمناسبة- يبدو حلم “جعل أمريكا عظيمة من جديد”، من خلال إعادة الصناعة إلى الولايات المتحدة أصبح حلمًا محكومًا عليه بالفشل.

الثانية: تتمتع الصين باستقرار داخلي لا يقارن، وأعتقد أن جميع دول العالم ستتعرض للاضطرابات الداخلية خلال الانهيار المالي، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، فقط تلك الدول المستعدة نفسيًّا وإداريًّا للتحول سريعًا إلى الديكتاتورية وقمع الاحتجاجات هي مَن ستبقى على قيد الحياة.

وفي الصين لا أعتقد أن تكون هناك أي مشكلة في قمع الاحتجاجات، لكن الولايات المتحدة بالفعل على شفا حرب أهلية، بينما يهدد انهيار الاقتصاد هناك بالفوضى في بلد يكدّس فيه المواطنون منازلهم بالسلاح، وتهدد الأزمة الاقتصادية في أمريكا بالتصعيد إلى حرب أهلية، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك في الصين.

الثالثة: كانت روسيا في بداية القرن العشرين في نفس وضع الصين، فقد كان النمو الاقتصادي أكثر من 10% سنويًّا ودخلت البلاد مرحلة تاريخية، عندما ضمنت مجموعة من العوامل نمو اقتصادها، بغض النظر عن الصدمات؛ لذلك لم يكن الدمار الذي أعقب الثورة والحرب الأهلية 1917-1922، والخسائر الفادحة في الحرب العالمية الثانية، قادرة على إيقاف نمو قوة روسيا والاتحاد السوفيتي إلى مكانة القوى العظمى الثانية.

الآن تقف الصين في نفس المكان، فنمو قواها الإنتاجية الداخلية يحمل إمكانات هائلة لدرجة أن حتى الانهيار المالي لن يؤدي سوى إلى إبطاء مسار هذا البلد نحو الزعامة العالمية بشكل طفيف، أما الغرب فقد أضحى تاريخيًّا في مرحلة الغروب(4).

خطط بكين:

وعن خطط بكين لمواجهة مؤشرات الركود واستعادة اقتصادها لعافيته وحيويته، قال الشوبكي: “تحاول الحكومة الصينية معالجة هذا التراجع الاقتصادي عبر خفض معدلات أسعار الفائدة على عكس ما تعتمده الدول الغربية من رفع لمعدلات الفائدة لمواجهة التضخم، وذلك لتحفيز الاقتصاد الصيني كما هناك اتجاه نحو إنفاق مبالغ هائلة على تنمية وتحديث البنية التحتية في الصين، حيث تعتزم بكين إنفاق مبلغ 2.3 تريليون دولار في هذا السياق، وهذا الرقم الضخم جدًّا هو ضعف ما ستنفقه الولايات المتحدة الأميركية على تحديث وتطوير بنيتها التحتية التي خصصت لذلك مبلغ 1.1 تريليون دولار، وذلك في مسعى من الصين لإحياء وإنعاش القطاع العقاري المتداعي في البلاد، وبالتالي إنقاذ وظائف وأعمال نحو 50 مليونًا ممن يعملون في قطاع العقارات الصيني، وهو ما يسهم في تنشيط الاقتصاد وتعافيه من عثرات جائحة كورونا، ومن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاد العالم برمته”(5).

الخلاصة:

تحاول الصين إعادة الهيكلة الكاملة للاقتصاد الخاص بها، للمرور في المشروع الدولي لها، وهو السيطرة على العالم عن طريق الاستثمارات والاقتصاد المتعدد المجالات، وبالتالي إذا كانت الصين تنوي ذلك؛ فلا بد من أن يكون دور الشركات المملوكة للدولة محصورًا في عدد قليل من الصناعات ذات الصِلة، وعندئذٍ فقط يصبح بوسع الصين استعادة ديناميتها والإبقاء على نموها الاقتصادي على المسار الصحيح.

ولا شك أن هناك حربًا شرسة وقوية بين جميع الأطراف العالمية، وأبرزهم: الصين والغرب، والمنتصر في هذه الحرب سيكون له القيادة العالمية في العديد من المجالات، وكذلك حلحلة الديون والتحديات الصعبة التي يواجهها، وبالتالي تحاول الصين الوقوف على القمة دون النظر إلى القاع لتثبت للشركاء أنها القادرة على القيادة الاقتصادية للعالم رغم جميع التخوفات الموجودة.

1_ جريدة العرب الاقتصادية

2_ صدى البلد

3_ الخليج

4_ روسيا اليوم

5_ سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.