fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

صُلح وفتح معابر … مَن الرابح من تطبيع العلاقات بين إسبانيا والمغرب؟

156

صُلح وفتح معابر … مَن الرابح من تطبيع العلاقات بين إسبانيا والمغرب؟

قطيعة صارمة حكمت على المملكة المغربية وإسبانيا بالقطيعة لمدة عام كامل، فبعد إصرار الطرفين على الفرقة بين البلدين، أصدر البلدين مؤخرًا بيانًا مشتركًا يعلنان فيه عودة المياه لمجاريها بينهما، واستئناف التعاون وفتح مرحلة جديدة من الشراكة على “أسس أكثر صلابة”، وهو ما يعد “مصالحة تاريخية” بين البلدين جاءت بعد لقاء جمع الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.

وفتح تخلي إسبانيا عن حيادها التقليدي بشأن قضية الصحراء الغربية الباب أمام تطبيع العلاقات مع الرباط، في خطوة أتاحها تغيير مدريد موقفها إزاء نزاع الصحراء الغربية لصالح الرباط.

نص البيان المشترك:

فتحت الرسالة الموجَّهة من رئيس الحكومة الإسبانية فخامة السيد بيدرو سانتشيز إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم 14 مارس 2022، والمحادثة الهاتفية بين جلالته ورئيس الحكومة الإسباني يوم 31 مارس، صفحة جديدة في العلاقات بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية؛ وعيًا من إسبانيا والمغرب بحجم وأهمية الروابط الإستراتيجية التي تجمعهما، والتطلعات المشروعة لشعبيهما للسلام والأمن والرخاء، فإنهما يدشنان اليوم بناء مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية.

وفضلًا عن استنادها إلى مبادئ الشفافية والحوار الدائم والاحترام المتبادل واحترام وتنفيذ الالتزامات، والاتفاقات الموقَّعة بين الطرفين، فإن المرحلة الجديدة تستجيب لنداء صاحب الجلالة الملك محمد السادس “بتدشين مرحلة غير مسبوقة في علاقة البلدين”، وصاحب الجلالة الملك فيليبي السادس “للسير سويا لتجسيد هذه العلاقة الجديدة”، كما تتوافق هذه المرحلة مع إرادة رئيس الحكومة الإسبانية فخامة السيد بيدرو سانتشيس ” لبناء علاقة على أسس أكثر صلابة”.

وبهذه الروح يعتزم البلدان وضع خارطة طريق دائمة وطموحة.

تشكِّل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب لحظة مهمة لتعزيز خارطة الطريق المذكورة، وتحديد الأولويات للاجتماع المقبل، الرفيع المستوى، المقرر عقده قبل نهاية السنة الجارية.

على هذا الأساس تتضمن خارطة الطريق العناصر الآتية:

1- تعترف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حلٍّ متوافق بشأنه، وفي هذا الإطار تعتبر إسبانيا المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدَّمها المغرب سنة 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع.

2- سيتم معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيدًا عن الأعمال الاحادية أو الأمر الواقع.

3- سيتم الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظَّم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري.

4- سيتم إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين، حالًا، وبشكل متدرج إلى حين فتح مجموع الرحلات.

5- في نفس الإطار، سيتم إطلاق الاستعدادات لعملية مرحبا.

6- سيتم تفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية، بهدف تحقيق تقدم ملموس.

7- سيتم إطلاق مباحثات حول تدبير المجالات الجوية.

8- سيتم إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة، وفي هذا الإطار سيتجتمع الفريق الدائم المغربي الإسباني حول الهجرة قريبًا.

9- سيتم القيام بالتنسيق في إطار رئاسة كل منهما لمسلسل الرباط للفترة 2022-2023، بشكل يسلِّط الضوء على التعاون المثالي في هذا المجال، لصالح مقاربة شاملة ومتوازنة لظاهرة الهجرة.

10– سيتم إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها: الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي.

11- سيكون تسهيل المبادلات الاقتصادية والمواصلات بين البلدين موضوع اجتماع سيُعقد قريبًا.

12- سيشكل مجال التربية والتكوين المهني والتعليم العالي أولوية خلال هذه المرحلة الجديدة، ولهذا الغرض سيتم إحداث فريق عمل متخصص.

13- سيتم تعزيز التعاون الثقافي، وفي هذا الإطار سيتم إحداث فريق عمل قطاعي في مجال الثقافة والرياضة، كما سيتم إعطاء دفعة جديدة لمجلس إدارة مؤسسة الثقافات الثلاث.

14- سيتم رفع تقارير أنشطة الاجتماعات وفِرَق العمل المحُدثة أو المُفعّلة للاجتماع رفيع المستوى.

15- سيبدأ البلدان في التواصل حول تحيين معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون لسنة 1991، على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.

16- سيقوم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وفخامة رئيس الحكومة الإسبانية السيد بيدرو سانتشيس بتعيين لجنة مكلفة بالسهر على تنفيذ هذا البيان، في أجل 3 أشهر“(1).

الرابح الأكبر من هذا البيان:

من الناحية السياسية: يُعَدُّ التحول الذي طرأ في موقف إسبانيا من قضية الصحراء المكسب الأبرز للمغرب في سبيل حلِّ النزاع الدائر منذ 46 سنة، إذ حاز على تأييد لطرحه من بلد مؤثر داخل الاتحاد الأوروبي، يضاف إلى الدعم الذي عبرت عنه ألمانيا لذات الطرح في ديسمبر / كانون الأول الماضي، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أواخر 2020.

من جهة أخرى: للعلاقات مع الرباط أهمية إستراتيجية لمدريد، إذ يمثّل المغرب بوابة اقتصادية لأوروبا نحو العمق الإفريقي، ويشترك البلدان في العمل على عددٍ من القضايا الإقليمية، على رأسها: مكافحة الهجرة غير النظامية، والاتجار بالبشر، ومحاربة الجريمة المنظَّمة والإرهاب.

واقتصاديًّا: يأتي قرار فتح المعابر البرية على مستوى ثغرَي سبتة ومليلية المحتلين كقُبلة حياة للساكنة المغربية المتاخمة لهما، التي تعرف احتقانًا كبيرًا منذ إغلاق تلك الحدود بسبب الأزمة الدبلوماسية والجائحة الصحية قبلها، مما انفجر بسببه احتجاجات شهدتها مدينة الفنيدق (شمالي البلاد) السنة الماضية(2).

وحسب الإحصائيات يعيش نحو مليون مغربي من هذا النشاط التجاري غير المشروع، بينهم 300 ألف امرأة حسب مصادر غير رسمية، وحسب المصادر الرسمية المغربية 3500، يشتغلن “نساء بغلات” (حسب الاصطلاح الإعلامي)، يحملن ويهربن السلع من المدينتين المعفاتين من الضرائب لبيعها لمتاجر المغاربة، ويسجل هذا النشاط رقم معاملات يتعدى 2.7 مليار دولار سنويًّا.

والمكسب في هذا النطاق كذلك لتجار الثغرين المحتلين، الذين سيجدون منفذًا من هذا الخناق الاقتصادي المشدَّد، لكن الربح الاقتصادي الأكبر لإسبانيا يكمن في حركة العبور الموسمية للجالية المغربية بأوروبا لقضاء الصيف في بلادهم، التي تُعَدُّ موانيها الأكثر جذبًا لهذه الحركة، لقربها الجغرافي وبالتالي انخفاض أسعار النقل البحري.

وفي سنة 2019 زار المغرب نحو 3 ملايين مغربي مغترب ونحو 800 ألف مركبة عبرت من المواني الإسبانية، وحسب الأرقام الإسبانية تُدِرّ تلك العملية الموسمية، المعروفة بـ”مرحبا”، عائدات تزيد على مليار و150 مليون يورو سنويًّا، بما يجعل إسبانيا الرابح الأساسي من هذه العملية(3).

دوافع إسبانيا لتحسين العلاقات مع المغرب:

وفق سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “سيدي محمد بن عبد الله” (حكومية /  شمال)، فإن “هناك عوامل كثيرة تدفع إسبانيا لتحسين علاقاتها مع المغرب وجعل العلاقات قوية كما كانت في السابق”.

وقال الصديقي للأناضول: “إن هذه العوامل يمكن إجمالها في محددين كبيرين، أولهما: المحدد الاقتصادي بمختلف أبعاده سواء في مجال الاستثمار والتبادل التجاري والصيد البحري، حيث إن المغرب وإسبانيا يظلان بلدان قويان على صعيد ضفتي المتوسط”.

وأضاف: “إن المحدد الثاني أمني، ويضم عناصر متنوعة على رأسها أمن الحدود وتهديد الإرهاب العابر للدول والهجرة غير النظامية، وإن كانت هذه الأخيرة في الأصل قضية إنسانية واجتماعية واقتصادية تحتاج حلًّا بعيدًا عن تغليب الجانب الأمني”.

واعتبر أن “البعد الأمني لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي؛ لأن الإسبان لن يشعروا بالأمن وحدودهم مشكوك في أمرها؛ لأن المغرب يظل عامل استقرار، ويظل عاملًا أساسيًّا في حماية أمن أوروبا، وخاصة دول جنوب المتوسط”.

وشدد على أن “إسبانيا لن تنام مرتاحة البال إذا كانت حدودهم الجنوبية مشكوك في أمنها”(4).

ملفات مشتركة:

حيال ذلك يوضِّح المحلل السياسي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أن التقارب سيبدأ بتركيز الجهود على مواجهة التحديات الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب وبلورة مقاربة متطورة لمسألة الهجرة واستكشاف مجالات جديدة على الصعيد الاقتصادي، سواء في إطار العلاقات الثنائية أو في سياق رؤية الازدهار المشترك التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي في أفق 2027.

ويرى بودن أنه سيتم التطرق لتنشيط تبادل فوائد المزايا الإستراتيجية لموقع البلدين، وكذا إعادة تنشيط آلية اللجنة العليا المشتركة، ومختلف الآليات الثنائية الأخرى، وإغناء الإطار التعاقدي للعلاقات بين بلدين لهما جوار حتمي بتحدياته وفرصه.

من جهة أخرى: أبرز المتحدث ذاته، أن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للعاهل المغربي الملك محمد السادس تمثِّل مؤشرًا دالًّا على دخول العلاقات بين البلدين في مرحلة إيجابية هادفة، يمكنها أن تشكل نقطة تحول إستراتيجية في إطار دينامية مكثفة بالعوامل المشجعة.

مشيرًا إلى أن إسبانيا، تُعبِّر بوضوح عن قناعاتها بخصوص قيمة مبادرة الحكم الذاتي التي قدَّمتها المملكة المغربية عام 2007 كحل منطقي ومرجعي للنزاع حول الصحراء المغربية، ومركزية الوحدة الترابية للبلدين، يمثِّل التزامًا جديدًا للمملكة الأوروبية مع المغرب كشريك إستراتيجي أساسي في شمال إفريقيا(5).

الخلاصة:

سيحاول البلدين إقامة علاقة مبنية على منطق البراغماتية، وبالتالي: سيستغل البلدان الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية في سبيل بناء علاقات التكامل والاندماج، من أجل تحقيق المصالح المشتركة القائمة على مبدأ حسن الجوار والثقة المتبادلة؛ خاصة وأن الرباط ومدريد مرتبطان بأزيد من 16 مليار أورو قيمة المبادلات الخارجية، وبأن المغرب يعتبر ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي.

وأن الصادرات الإسبانية نحو المغرب قد ارتفعت بنسبة 29 في المائة في سنتي: 2020 و2021، وأن 17 ألف شركة إسبانية لها علاقة تجارية مع المغرب، و700 أخرى مستقرة في البلد الجار.

هذا وبلغت قيمة الواردات من إسبانيا أزيد من 60.36 مليار درهم حتى متم سبتمبر 2021، بينما فاقت الصادرات نحو إسبانيا 35.21 مليار درهم خلال نفس الفترة، وَفْق بيانات مكتب الصرف (حكومي).

فكل هذه الأرقام السالفة ستحتاج إلى مراجعة الحسابات جيدًا لعدم خسارتها مرة أخرى.

1_ البوابة الوطنية للمغرب

2_ بي بي سي

3_ تي آر تي عربي

4_ الأناضول

5_ العين

التعليقات مغلقة.