fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

خطة غير معلنة … لماذا ترحِّل بريطانيا طالبي اللجوء إلى رواندا؟

92

خطة غير معلنة … لماذا ترحِّل بريطانيا طالبي اللجوء إلى رواندا؟

تعتبر بريطانيا من أكثر الدول ادِّعاءً للحريات والمحافظة عليها؛ إلا أنها مؤخرًا تواجه معارضة كبيرة؛ لاتفاقٍ مثيرٍ للجدل أبرمته مع رواندا، ينص على: إرسال المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يعبرون المانش بطريقة غير قانونية إلى رواندا، في وقتٍ تحاول بريطانيا وضع حدٍّ لتدفق أعداد قياسية من الأشخاص عبر الممر المائي المحفوف بالمخاطر.

وقد بررت الحكومة البريطانية هذا القرار بأنه يأتي لوقف ما أسمته موجات اللجوء المتزايدة التي تعرفها المملكة، حيث يتوافد عليها طالبوا اللجوء من شمال فرنسا عابرين القناة الإنجليزية.

والمتابع لمفات اللجوء في أوروبا يجد أن النية البريطانية لا تخصها وحدها، بل هناك العديد ممن ينوون تطبيق هذا النوع من الإجراءات، بل هناك من سبقتها في ذلك، وهي أستراليا التي شيَّدت مراكز اعتقال للاجئين في جزيرتي: ناورو وغينيا الجديدة.

ويفتح “الميثاق الجديد للهجرة واللجوء” الذي طرحته المفوضية الأوروبية سنة 2020 البابَ أمام عددٍ من الدول الأوروبية لتطبيق خيار ترحيل اللاجئين إلى دولة ثالثة خارج حدود الاتحاد.

نص الاتفاق:

يقضي الاتفاق بأن تصبح رواندا هي الدولة صاحبة محطة الانتظار أو توطين المهاجرين وطالبي اللجوء، الذين يعبرون المانش نحو المملكة المتحدة، وفي المقابل: تتلقى كيغالي نظير هذا التوطين ما يصل إلى 120 مليون جنيه إسترليني(1).

حديث بوريس جونسون:

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال خطاب ألقاه بالقرب من ساحل القنال، بأن: “أولئك الذين يحاولون القفز في قائمة الانتظار أو إساءة استخدام نظامنا” سيجري “نقلهم بسرعة وإنسانية إلى بلد ثالث آمن أو بلدهم الأصلي”.

وشدد على أن: “أي شخص يدخل المملكة المتحدة بشكل غير قانوني أو الذين دخلوها بشكل غير قانوني من شهر يناير / كانون الثاني سيجري نقلهم الآن إلى رواندا”.

وأردف جونسون موضحًا بأن: “رواندا ستكون قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من الأشخاص في السنوات القادمة”، مشيرًا إلى أن الدولة الواقعة في شرق إفريقيا هي “واحدة من أكثر البلدان أمانًا في العالم ومعترف بها لسجلها في الترحيب بالمهاجرين واندماجهم”(2).

غير إنساني:

وانتقدت منظمات اللاجئين الخطة ووصفتها بأنها قاسية، وشككت في تكلفة الخطة وتأثيرها، وتخوفت من سجل رواندا في مجال حقوق الإنسان.

وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن معارضة شديدة ومخاوف بشأن خطة المملكة المتحدة لنقل التزاماتها الخاصة باللجوء، وحثت المملكة المتحدة على الامتناع عن نقل طالبي اللجوء واللاجئين إلى رواندا لمعالجة طلبات اللجوء.

وقالت مساعدة المفوض السامي لشؤون الحماية، جيليان تريجز في بيان: إن “مثل هذه الترتيبات تقوم ببساطة بتغيير مسؤوليات اللجوء، والتهرب من الالتزامات الدولية، وتتعارض مع نص وروح اتفاقية اللاجئين”.

وحثت المفوضية كلا البلدين على إعادة التفكير في الخطط الحالية، كما حذرت من أنه بدلًا من ردع اللاجئين عن اللجوء إلى الرحلات المحفوفة بالمخاطر، ستؤدي إلى بحث اللاجئين عن طرق بديلة، وتفاقم الضغوط على دول المواجهة.

وقالت المديرة التنفيذية لـ”الصليب الأحمر البريطاني”، زوي أبرامز، لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إن الشبكة الإنسانية “قلقة للغاية” بشأن المخطط، معتبرة أن “التكلفة المالية والبشرية ستكون كبيرة”.

وقال الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين، إنور سولومون: إن المؤسسة الخيرية فزعت من قرار الحكومة “القاسي والبغيض”، الذي لن يفعل شيئًا يُذكر لردع الناس عن القدوم إلى المملكة المتحدة.

كما قالت المحامية المتخصصة في قانون الهجرة ميراندا بتلر: إن هناك “أسئلة جدية حول المخاطر التي يواجهها المهاجرون في ظل هذه العملية العاجلة”.

ومنذ نهاية 2018، تزايدت عمليات عبور قناة بحر “المانش” باتجاه بريطانيا، رغم التحذيرات المتكررة من خطورة هذا النوع من الهجرة؛ نظرًا إلى كثافة حركة المرور، والتيارات القوية، وحرارة المياه المنخفضة.

وبحسب بيانات الحكومة الفرنسية، فقد حاول نحو 15 ألفًا و400 مهاجر عبور “المانش” في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، بينهم ثلاثة آلاف و500 كانوا يعانون من مصاعب حين أُنقذوا وأُعيدوا إلى السواحل الفرنسية(3).

المال مقابل البشر:

واتَّهم تيم ناور هلتون من منظمة Refugee Action للاجئين الحكومة بـ”نقل مسؤولياتها إلى المستعمرات الأوروبية السابقة بدلًا من اضطلاعنا بحصتنا العادلة لمساعدة بعض الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في العالم”.

وتابع أن “خطة المال في مقابل البشر القذرة هذه ستكون طريقة جبانة وهمجية وغير إنسانية في التعامل مع الأشخاص الفارين من الاضطهاد والحرب”.

بدورها أشارت مجموعة Detention Action إلى أن الأشخاص الذين سيتم إرسالهم إلى رواندا “سيواجهون على الأرجح اعتقالًا لمدة غير محددة في ظل حكومة تعرف باضطهادها العنيف للمعارضة”.

وتابعت المجموعة في بيان “في الوقت ذاته، تمنح المملكة المتحدة حق اللجوء للاجئين الروانديين الفارّين من الاضطهاد السياسي”(4).

ازدواجية في المعايير:

قبل أشهر قليلة من موافقة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على إرسال آلاف من طالبي اللجوء إلى رواند، وجَّهت المملكة المتحدة إدانة إلى تلك الدولة الإفريقية؛ بسبب فشلها في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها(5).

بريطانيا ليست الوحيدة:

وليست بريطانيا السباقة لهذا النهج، بل سبقتها فيه أستراليا التي تستغل جزيرتي: ناورو وغينيا الجديدة لنفس الغرض، والنتيجة ظهرت في مراكز أقرب إلى مراكز تعذيب، تغيب فيها أدنى شروط العيش الآدمي، دون الحديث عن حقوق الإنسان المنتهكة، كما هي الظروف نفسها التي يعيشها اللاجئون بالمخيمات الأوروبية، وعلى رأسها: مخيمات الجزر اليونانية، حيث “التجويع، التعذيب، العنف، الإهانات، خطاب معاداة الغريب” حسب ما كشف عنه تقرير منظمة أطباء بلا حدود.

يُضاف إلى هذا: ما تنفذه الحكومة الدنماركية من ترحيل قسري في حق اللاجئين السوريين، وقد شرعت سلطات كوبنهاغن منذ صيف 2020 برفض تجديد أوراق الإقامة المؤقتة للاجئين السوريين، معللة إجراءها ذاك بتقارير قالت: إنها تؤكِّد تحسُّن الوضع الأمني ببعض المناطق السورية، فيما يواجه حوالي 1200 لاجئ من مدينة دمشق يعيشون الآن بالدنمارك مصير الترحيل طبقًا لهذه الإجراءات.

وسبقت الدنمارك الدول الأوروبية الأخرى سنة 2020، في تعيين أول سفيرة للهجرة مكلفة بإقامة مخيمات اللاجئين خارج التراب الأوروبي. خطوة بحسب حكومة البلاد تأتي لـ”ثني المهاجرين عن التقدم بطلب للحصول على اللجوء في الدنمارك، وكذا تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتحسين ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وتعزيز سلطات اللجوء والهجرة في دول ثالثة على طول طرق الهجرة”(6).

الخلاصة:

إن ما حدث يُعتبر تجارة فى البشر أكثر منه توفير فرصة للمهاجرين، وكأنهم وقّعوا لـ«جونسون» على بياض للتصرف فى مصائرهم! فإرسال طالبي اللجوء على بعد أكثر من 6000 كيلومتر والاستعانة بمصادر خارجية لإجراءات اللجوء، ليس سياسة إنسانية وكريمة”.

كما أن إرسال أشخاص إلى بلد آخر -ناهيك عن بلدٍ لديه مثل هذا السجل السيئ لحقوق الإنسان- من أجل معالجة طلب لجوئه، هو ذروة عدم المسؤولية، ويظهر مدى بُعد الحكومة عن الإنسانية والواقع والأخلاق.

باختصار: هذه سقطة لا تُغتفر أبدًا، ووصمة فى جبين بريطانيا، ولا يصح أن يكون الحل إرسال اللاجئين إلى مستعمرات قديمة، مقابل حفنة دولارات، فهي تجارة في البشر لم نسمع بها من قبل، ولا يمكن قبولها تحت أي سبب من الأسباب!

وهذا هو الوجه الحقيقي للغرب، فمهما حاولوا نسيانه أو تغطيته عبر وسائلهم المستحدثة وقنواتهم، سيظل هذا الطابع فيهم وعندهم، وهو: لا أخلاق، لا دين، لا ضمير إنساني؛ فالمتحكم الأول فيهم هي المصلحة والشهوة.

1_ العربي الجديد

2_ تي آر تي عربي

3_ عنب بلدي

4_ SWI swissinfo

5_ الإندبندت

6_ تي آر تي عربي

التعليقات مغلقة.