fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أين العراق من خرائط قمم التطبيع؟!

123

أين العراق من خرائط قمم التطبيع؟!

القديم الجديد العنوان الأكثر شهرة وفضول في الوطن العربي “تطبيع العلاقات العراقية مع إسرائيل”؛ فلا يزال يطرح بين الحين والآخر وتتعالى معه الأصوات المؤيدة والمعارضة، وسط صمت رسمي في ظلِّ انشغال الشارع العراقي بقضاياه المعيشية والاقتصادية اليومية.

فالأوراق مختلطة بين مؤيدٍ للتطبيع بذريعة حل النزاعات، ورافضٍ له؛ بداعي الحفاظ على القضية الفلسطينية، فالحكومة العراقية ترفض التطبيع، لكنها تناقض خطابها بعد حذفها عبارة من الجواز العراقي مفادها: “يُسمح لحامل الجواز بالسفر إلى دول العالم كافةً عدا إسرائيل”.

وبهذا لن يكون قطار التطبيع الذي انطلق مؤخرًا من دول خليجية بعيدًا عن المرور بالعراق، فعلى الرغم من الصورة القاتمة التي تشهدها الساحة العراقية، والصراع الإقليمي والدولي الذي يتحكم بكثير من التجاذبات السياسية، فإن قراءة متأنية لتفاصيل المشهد قد تجعلنا نخرج بنتيجة: أن التطبيع مع دولة إسرائيل له أبعاد دبلوماسية تنسجم مع العلاقات الخارجية بحكومتها الجديدة.

القمة الرباعية في مدينة العقبة:

هناك من رأى أنَّ القمة الرباعية الأخيرة التي عُقدت في مدينة العقبة الأردنية في 25 آذار / مارس الماضي، وجمعت قادة كلٍّ من: مصر، والعراق، والأردن، والإمارات، والسعودية بمستوى أقل، تمثِّل استمرارًا لاجتماعات ولقاءات عديدة سابقة شهدتها الأعوام الثلاثة المنصرمة في: القاهرة، وعمان، وبغداد، وأبو ظبي، وهي تتمحور في إطارها العام الشامل حول بحث سبل تعزيز التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين دول تربطها قواسم جغرافية وتاريخية وثقافية مشتركة، وتواجهها تحديات سياسية وأمنية واقتصادية متشابهة، إن لم تكن متطابقة ومتماثلة في بعض الأحيان؛ فضلًا عن العمل على صياغة رؤى وتصورات واقعية لاحتواء مشاكل المنطقة وأزماتها، وبالتالي: تجنيبها المزيد من مزالق الفوضى والاضطراب والتصارع والاقتتال.

ولعلَّ ما ظهر من تصريحات على لسان الزعماء المشاركين، الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، عكس بصورة أو بأخرى تلك الرؤى والتصورات التي ذهب إليها البعض في تحليله وقراءاته لقمة العقبة الأخيرة، مع التأكيد أنها لم تأِت بجديد يختلف عما بلورته وخرجت به القمم السابقة بين الأطراف المشار إليها، قمة القاهرة في آذار / مارس 2019، وقمة نيويورك في أيلول / سبتمبر 2019 -التي عُقدت على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة- وقمة عمّان في آب / أغسطس 2020، وقمة بغداد في حزيران / يونيو 2021.

قد تبدو هذه الرؤية سطحية إلى حدٍّ كبيرٍ ما لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأطراف المشاركة وأهدافها، ودوافعها وأجنداتها، وأحجامها، وإمكانياتها، وظروفها، فضلًا عن مجمل الأوضاع والتحركات والتحديات والملفات الإقليمية والدولية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها وإغفال إسقاطاتها المباشرة والثقيلة على مَن جلسوا وتحدثوا، وتحاوروا وتباحثوا في همومهم ومشاكلهم وأزماتهم، وهواجسهم، ومشاريعهم المشتركة.

النقطة المهمة والجوهرية التي يفترض الإشارة إليها هنا: تتمثل بأن القمم الثلاثية السابقة بلورت ما أُطلق عليه اسم: “مشروع الشام الجديد”، كتكتل اقتصادي بين العراق ومصر والأردن، مع إمكانية ضم أطراف أخرى إليه مستقبلًا، مثل: السعودية، والإمارات، وتركيا(1).

الشام الجديد:

كان الكاظمي أطلق تعبير “الشام الجديد” لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة أغسطس الماضي، وقال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركي إنه يعتزم الدخول في مشروع إستراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحًا أنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.

وقال الخبير الإستراتيجي العراقي حسين الجاسر لموقع “سكاي نيوز عربية”: إن فكرة “الشام الجديد” ليست وليدة اللحظة، وإنما طُرحت خلال ولاية رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، إلى أن عزمت حكومة الكاظمي على إكماله لما يحمله من مكاسب اقتصادية”.

الشرق الجديد:

وأضاف الجاسر: أن مشروع “الشام الجديد” يقوم على أساس التفاهمات والمصالح الاقتصادية في المقام الأول بين العراق ومصر والأردن.

وتابع: “المشروع يعتمد على الكتلة البشرية الضخمة لمصر، مقابل الثروة النفطة الضخمة التي يمتلكها العراق، وتنضم لهما الأردن بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط العراق بمصر”.

وذكر الخبير العراقي: “من المرجح أن يكون الشام الجديد نواة لتكتل أوسع، قد يضم قريبًا دول عربية أخرى، بهدف ترجيح دول الاعتدال بالمنطقة، في ظل تصاعد وتيرة العنف والتطرف جراء دعم دول إقليمية للحركات الراديكالية والتيارات المتطرفة ببلادنا العربية”.

ويوضح الجاسر: أنه من الوارد أن نرى من العام القادم شرق جديد على أثر الشام الجديد، وحينها سيكون العامل الأول في ذلك التطور المرتقب هو الاقتصاد، فهناك مشروعات ضخمة مطروحة بين دول الخليج والشام الجديد لم تظهر للعلن بعد”(2).

قد يصدر قرار التطبيع من النجف:

ما زالت أصداء الادعاءات الأخيرة لنائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني تتردد في الساحة العراقية؛ إذ واجهت هذه التصريحات ردود فعل رافضة من جانب العراقيين الذين اتهموا الأعرجي بمحاولة تضليل الرأي العام، كما حذر البعض من مشروع درسته الولايات المتحدة وإسرائيل وأدواتهم في المنطقة لفرض التطبيع على دول المنطقة.

في هذا السياق صرَّح بهاء الأعرجي لـTRT عربي بأن “من الضروري أن نعترف بأن العراق مهيأ جدًّا لتطبيع علاقاته مع إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وقد يصدر القرار من النجف لا من بغداد، وستدخل الولايات المتحدة على الخط وتنسّق الإجراءات الدبلوماسية إلى حين التوقيع على معاهدة السلام، وبداية العلاقات السياسية والاقتصادية”.

ويبدو أن هذا التصريح أثار حفيظة المقربين من زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر؛ إذ اتهم حساب “صالح محمد العراقي” على تويتر، الحساب الذي يديره الشخص المقرب من مقتدى المعروف بأنه وزير الصدر، إذ وصف الأعرجي في تغريدته بأنه “عدو النجف”، موجهًا تهديدًا صريحًا كتب فيه: “إن لم يتأدّب أدّبناه”.

وبخصوص التهديد شديد اللهجة ردّ بهاء الأعرجي القيادي السابق في التيار الصدري وأوضح لـTRT عربي قائلًا: “هناك خصوم تحاول تحريف كلامي، فتصريحاتي كانت للتنبيه، لا للمطالبة بالتطبيع مع إسرائيل، وأنفي أن يكون المقصود بكلامي المرجع الديني السيد علي السيستاني، أو السيد مقتدى الصدر”.

وختم الأعرجي تصريحه بقوله: “لمَ هذه الازدواجية والتحيز؟ فاشتراك حزب الله اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يمضي ضمن اتفاقية معلنة، وعلى الرغم من ذلك لم يتعرّض الحزب للتخوين أو الاتهام نتيجة ذلك، فلماذا تُتّهَم القيادات الشيعية في العراق وتُشوَّه صورتهم أمام جمهورهم؟ وعلينا أن ننفتح على الدول الأخرى في سبيل إنقاذ اقتصادنا، بشرط عدم اختراق سيادة الدولة العراقية”(3).

زيارة الوفود العراقية لإسرائيل:

وفي سياق متصل كانت صفحة “إسرائيل بالعربية” على تويتر، قد ذكرت في يناير 2019، أن “ثلاثة وفود عراقية زارت إسرائيل في العام الفائت، كان آخرها الأسابيع الأخيرة من عام 2018”.

وذكرت الصفحة أن: “الضيوف العراقيين زاروا متحف ياد فاشيم، الذي يخلِّد ذكرى ضحايا الهولوكوست، والتقوا أكاديميين ومسؤولين حكوميين إسرائيليين”، مؤكّدة أن “وزارة الخارجية الإسرائيلية تدعم هذه المبادرة، ولفتت إلى أن الوفود ضمت شخصيات عراقية سنية وشيعية لها تأثير في العراق”.

كما قال تقرير تلفزيوني إسرائيلي، حينها: إن الهدف من هذه الزيارات السرية كان وضع “البنية الأساسية لعلاقات مستقبلية” بين العراق وإسرائيل، مضيفًا: أنّ التركيز خلال الزيارات “غير الرسمية” كان على مسائل ثقافية واجتماعية، وأن أعضاء الوفود ناقشوا مسائل تتعلق بالتاريخ اليهودي العراقي.

وطالب عضو هيئة رئاسة مجلس النواب العراقي، حسن كريم الكعبي، آنذاك، وزارة الخارجية بالتحقيق بما أوردته وسائل إعلام رسمية إسرائيلية بشأن زيارة ثلاثة وفود عراقية.

ودعا الكعبي في بيان لجنة العلاقات الخارجية النيابية بالتحقيق في هذه الزيارة ومدى دقتها، والكشف عن أسماء المسؤولين الذين قاموا بالزيارة وبالخصوص من أعضاء مجلس النواب”(4).

الظروف المحيطة:

ما يتعلق بالظروف المحيطة ومجمل الحراك الإقليمي والدولي، من الصعب جدًّا النظر إلى قمة العقبة الرباعية بمعزل عن قمة شرم الشيخ الثلاثية التي سبقتها بوقت قصير جدًّا، وجمعت كلّاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت؛ إذ أشارت الرئاسة المصرية، في بيان لها: إلى “أن القمة بحثت تعزيز العلاقات بين الدول وأهمية التعاون والتنسيق والتشاور، بما يلبي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة، وأمن الطاقة، واستقرار الأسواق العالمية، إلى جانب عددٍ من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك”.

ولكن الأكاديمي الإماراتي القريب من أوساط الحكم في أبو ظبي، عبد الخالق عبد الله، صرح بأنَّ “قمة شرم الشيخ التي جمعت قادة مصر والإمارات وإسرائيل هي الأولى من نوعها بين أبرز شركاء أميركا في المنطقة، ورسالتها تتوجه إلى الشريك الأميركي، وإلى الخصم الإيراني المصمم على تهديد جواره الجغرافي”، مضيفًا: “رسالة القمة لواشنطن هي: هل أنتِ معنا أو مع إيران؟ هل ستقف أميركا مع شركائها أو ستنحاز إلى طهران وستندفع إلى اتفاق معها بأي ثمن؟”.

جوهر القضية إذًا هو: كيفية تحجيم إيران وإضعافها، ودفع خطرها عن “إسرائيل” ودول المنطقة السائرة في طريق التطبيع، وهو ما طرحه بعض كبار ساسة المنطقة بصورة أوضح في مؤتمر النقب السداسي الذي استضافته “إسرائيل” مؤخرًا، بمشاركة وزراء خارجية كلٍّ مِن: الولايات المتحدة، ومصر، والإمارات، والمغرب، والبحرين إلى جانب “إسرائيل”، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، “ناقش وزراء خارجية الدول المشاركة في قمة النقب في سديه بوكير قضايا مختلفة، في مقدمتها التهديد النووي الإيراني”.

ولا تبتعد حمّى القمم المتلاحقة، وبحضور “إسرائيل” المباشر أو غير المباشر ودورها المحرك، عن الزيارات والجولات المتبادلة لكبار زعماء المنطقة، كزيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للإمارات منتصف شهر شباط / فبراير الماضي بدعوة رسمية من ولي العهد الإماراتي، بعد قطيعة وخصام داما بضعة أعوام، وقبل ذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينت للإمارات في 12 كانون الأول / ديسمبر 2021، في أول زيارة لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى أبو ظبي.

كما أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة للإمارات لا تخرج عن سياق مجمل الحراك المتعدد الجوانب والاتجاهات، الذي قد يهدف في جزءٍ منه إلى العثور على صيغ مقبولة لإخراج بعض الأنظمة التي تورطت في صراعات وحروب عبثية من المأزق والمستنقعات التي سقطت فيها، كما هو الأمر بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات في حربهما على اليمن، والتي دخلت عامها الثامن من دون جدوى.

هكذا، إنَّ قمة العقبة الرباعية، بمدخلاتها ومخرجاتها، لا يمكن أن تنفصل عما سبقها وما تلاها وما سيليها من حراك، ولن تكون القمم ولقاءات الكبار واجتماعاتهم المسار الوحيد لجرِّ العراق إلى سكّة التطبيع، وإذا غادر الكاظمي منصبه، ربما سنشهد مَن يحلّ محلّه ويشغل مقعده في أي قمم أخرى، سواء في شرم الشيخ أو العقبة أو أبو ظبي، لكن كلَّ المسارات سوف تكون وعرة وشائكة ومتعثرة(5).

الخلاصة:

إن قطار التطبيع انطلق دون وقوف في محطات، حتى العراق الذي كان يرفض أساس القضية أصبح اليوم هذا الملف مطروح على الطاولة؛ ما يعني أنه من الممكن التنفيذ في أي وقت من الأوقات، كما يمكن القول: إنّ التطبيع مع “إسرائيل” والقبول بها والتعاطي معها كعنصر من عناصر المنظومة الإقليمية والمجتمع الدولي يعد النقطة المحورية في “صفقة القرن”، وقبله الشرق الأوسط الكبير، وكذلك الشّام الجديد، وإن لم يتم التصريح بذلك، وبوضوح وصراحة “صفقة القرن” و”الشرق الأوسط الكبير”.

كما أن مشروع “الشام الجديد”، في بعض مضامينه وأبعاده غير الواضحة والضبابية، يلتقي مع ما يسمى بمشروع “صفقة القرن”، الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مطلع العام 2020، وهو خطة لتسوية القضية الفلسطينية وإنهائها لمصلحة الكيان الصهيوني، وتوظيف القدرات المالية العربية لترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين وتكريسه.

وبالرجوع قليلًا إلى الوراء نكشف حقيقة أن فكرة المشروع ونواته تعود إلى البنك الدولي، عبر دراسة أعدها وأصدرها في شهر آذار / مارس 2014، لكن بخريطة جغرافية أوسع شملت دول بلاد الشام: سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين المحتلة؛ إضافة إلى تركيا والعراق ومصر، وقد طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز بعد “مؤتمر مدريد للسلام” بين الفلسطينيين والصهاينة في العام 1991، ليأخذ المفهوم والمصطلح بعد ذلك أبعادًا أوسع، من خلال حملات التنظير والتسويق والترويج المتواصل له في مختلف المحافل السياسية والفكرية والأكاديمية، والإعلامية الغربية، وحتى بعض الأوساط والمحافل العربية.

1_ميادين

2_ سكاي نيوز

3_ تي آر تي

4_ الحرة

5_بي بي سي

التعليقات مغلقة.