fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

التعقيدات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا

156

التعقيدات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا

يعيش العالم الحديث بشيء من التكامل المجتمعي والاقتصادي، فلا يمكن القول بأن أزمة اقتصادية ما تؤثِّر على بلدٍ دون الأخرين، ولكن كما رأينا في العديد من الجوائح والأمراض والأوبئة والأزمات فهي تؤثِّر بالطبيعي على الاقتصاد العالمي بالكامل، فما بالنا بحرب عسكرية بين بلدين زخمهما الاقتصادي كبير؟!

إن دائرة الحرب الروسية – الأوكرانية لا يمكن حدها بالبلدين فقط، فأذرع هذه الحرب تطال كل أنحاء العالم، والتعقيدات الاقتصادية والعواقب المالية لا يمكن أن نستثني منها أحدًا، فبعد نشوب الحرب؛ أثَّر ذلك على اقتصاد العالم بأكمله، خاصة وأن طبول الحرب دقت في وقتٍ تتصاعد فيه متاعب الاقتصاد العالمي مع اقتراب مرحلة ما بعد كوفيد – 19، وإعادة فتح الاقتصادات حول العالم.

ويهدد هذا النزاع المسلح عددًا من السلع الأساسية المهمة، بمفاقمة الاضطرابات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في مسار تعافيه من أزمة كوفيد – 19، وبتعقيد الأوضاع الداخلية في روسيا وأوروبا؛ بالإضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الاقتصادات الهشة حول العالم، البعيدة تمامًا عن هذا الصراع وحساباته.

وعلاوة على ذلك: فمن المُتوقع أيضًا أن تمتد تداعيات هذا النزاع، من خلال قنوات إضافية: كالعقوبات والإجراءات المضادة لها، والتحالفات، لتضيف تعقيدات طويلة الأجل إلى منظومة التكامل الاقتصادي العالمي، تدفع نحو المزيد من التفكك الحاصل منذ الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عقدٍ، مرورًا بالنزاع التجاري قبل أعوام، وأخيرًا: بأزمة كوفيد – 19ومآلاتها.

نطاقات الحرب الاقتصادية على روسيا:

وَفْقًا للقرارات التي أعلنتها كلُّ دول التحالف الغربي، بما ذلك سويسرا المحايدة تاريخيًّا ومخزن الأموال المسروقة من شعوب العالم، شملت هذه القرارات المجالات التالية:

1_ الشخصيات القيادية في النظام والحكم والجيش الروسي، ورغم أنها ليست ذات تأثير مادي ومالي مباشر، لكنها في تقدير الغرب ذات تأثير معنوي، وقد تؤدي إلى تفكُّك حلقة القيادة والسيطرة في قمة جهاز الدولة.

2_قطاع المصارف والبنوك، وخصوصًا شبكة ربط النظام النقدي والتحويلات المصرفية عن طريق نظام “سويفت”.

3_مقاطعة التجارة الخارجية الروسية تصديرًا واستيرادًا من أجل خنق الاقتصاد الروسي.

4_مقاطعة قطاع الطاقة (النفط والغاز) والبحث عن بدائل لهما من مصادر أخرى، وهنا تتبدَّى مقدار الانتهازية الاستعمارية للغرب، فهم يسعون للحصار الاقتصادي، لكنهم في الوقت نفسه لم يغلقوا صنبور الغاز الطبيعي الروسي؛ نظرًا إلى حاجاتهم الشديدة إليه في الأجل القصير (سنة إلى 3 سنوات)، حتى يتمكَّنوا من إيجاد بديل مضمون ودائم، وبأسعار مناسبة.

وهنا سيكون من أكبر الأخطاء الإستراتيجية للجزائر ومصر وقطر: أن تقدِّم هذه البدائل لأوروبا، ولو كان ذلك متاحًا لديهم، وهو لحسن الحظ غير متوفّر بالقدر الكافي، ولا بالوسائل المتاحة، ولا بالأسعار المناسبة.

5_وقف تدفّقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من هذه الدول إلى روسيا.

6_الحصار الإعلامي ووقف بث القنوات الفضائية ووكالة الأنباء الحكومية الروسية.

7_الحصار الجوي المدني والتجاري وإغلاق الأجواء الأوروبية أمام الطائرات المدنية والتجارية الروسية.

8_ مقاطعة الأنشطة الرياضية الروسية، وحرمان الفرق الروسية من كل الأنشطة الدولية(1).

التأثير في أسواق النفط العالمية:

فعلى صعيد أسواق النفط والغاز، فقد تخّطت أسعار النفط عتبة الـ 100 دولار للبرميل، وللمرة الأولى منذ سنوات، ولحقتها أسعار الغاز بالارتفاع في أوروبا بنسبة 35 % خلال ساعات التداول الأولى بعد اندلاع الأزمة ليتجاوز سعر العقود الآجلة للغاز مستوى 1400 دولار لكل 1000 متر مكعب، أن تأثير ارتفاع أسعار النفط والغاز سيكون بالإيجاب على الإيرادات المالية النفطية للدول العربية المنتجة والمصدرة لهذين المنتجين.

 أما الدول المستوردة للنفط، فسيكون التأثير سلبيًّا، وعلى شكل ارتفاع فاتورة النفط واستنزاف الاحتياطيات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم وكلف الإنتاج وزيادة اعباء الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، كما أن ارتفاع معدلات التضخم من شأنه زيادة حدة المعضلة التي تواجهها البنوك المركزية على مستوى العالم، ففي حين أن ارتفاع معدلات التضخم تدفع البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، فإن التباطؤ الاقتصادي المتوقع أن تحدثه الأزمة سيضغط باتجاه إبقاء أسعار الفائدة منخفضة؛ لتشجيع النمو الاقتصادي.

ومن جهة أخرى: ما يطرح حاليًا هو إمكانية أن تحل بعض الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، مثل: السعودية وقطر والجزائر، مكان روسيا لتعويض الأسواق الأوروبية النقص المحتمل لتوقف تزويد روسيا بالنفط والغاز، وخاصة في حال شمول العقوبات النفط والغاز مستقبلًا.

وهذا الاحتمال ليس بالأمر السهل في المدى القصير على الأقل؛ لأنه يحتاج إلى ترتيبات كبيرة على صعيد العقود، وسلاسل التوريد، والصعيد اللوجستي في الدول المستوردة، وعلى صعيد أسواق الأسهم؛ فقد تراجعت أسعار الأسهم العالمية والعقود الآجلة للأسهم بشكل وبدرجات متفاوتة بعد جلسات الافتتاح التي تبعت دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، لكنها ما لبثت أن صححت نفسها.

أسواق المال:

ومن الطبيعي أن تكون التوترات أقل حدة في أسواق المال الدولية، فروسيا وأوكرانيا ليستا من اللاعبين الرئيسين في تلك الأسواق بالمقابل، قفز سعر الذهب الفوري ليصل لأعلى مستوى له منذ أواخر العام 2020، وذلك نتيجة تدفق المستثمرين على أصول الملاذ الآمن في ظل غرق أسواق الأسهم عالميًّا في المنطقة الحمراء، وفيما يتعلق بأسواق العملات، فقد تفاعلت مع التطورات الميدانية؛ إذ شهد الروبل الروسي أكبر خسائر له لأول مرة منذ عام 2016، ووصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأميركي واليورو.

الأمن الغذائي العالمي:

وعلى صعيد الأمن الغذائي، تعتمد نحو 14 دولة عربية على الواردات الأوكرانية والروسية في أكثر من 10 % من استهلاكها من القمح، ما يضعها أمام أزمة انعدام أمن غذائي محتملة في حال تم عرقلة حرية حركة النقل، ويشكل هذا الواقع مصدر قلق لتلك الدول، فعلى سبيل المثال: تستورد مصر 60 % من حاجتها من القمح من روسيا و30 %من أوكرانيا، في حين تستورد الجزائر 25 % من حاجتها من القمح من روسيا، أما المغرب فتستورد 26 % من حاجتها من القمح من أوكرانيا، وإن سلمت الموانئ الأوكرانية من الاستهداف؛ فإن وتيرة الإنتاج ستنخفض، ولا سيما إذا طال أمد الحرب.

تأثير العقوبات على الاقتصاد العالمي:

وفيما يتعلق بالعقوبات، فسيظهر تأثيرها بشكل جلي في حالة شمول العقوبات الاقتصادية قطاع الطاقة (النفط والغاز)، عندها قد ينظر الأوروبيون وحليفهم الأميركي للدول العربية المنتجة للغاز والنفط، كقطر والسعودية والجزائر، بوصفها مصدرًا يمكن أن يعوض بعض النقص في إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا، ومصدرًا لمنع الارتفاع الشديد في أسعار النفط العالمية عبر زيادة إنتاجهم من النفط، ولا نعلم حجم الاستثمارات العربية بالأوراق المالية والسندات الروسية والتي قد تتأثر بالعقوبات المفروضة على تلك الأوراق والأرباح المتأتية منها، وخاصة إذا ما تم قطع وصول روسيا لخدمة سويفت.

أما الآثار على برامج المساعدات للاجئين في الدول العربية؛ فإن تأثير تدفق اللاجئين من منطقة الحرب إلى دول الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تشكل ضغوطًا على برنامج المساعدات العالمي للاجئين الذي يستفيد منه لاجئو الدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا(2).

هل تنجو روسيا مرة أخرى؟

سبق لروسيا أن نجت من موجات من العقوبات الغربية في أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، الأمر الذي تسبب بتدهور الروبل وتضاؤل الاستثمار الأجنبي.

وردًّا على ذلك: وضعت موسكو ما يُشار إليه باسم: “روسيا الحصينة”، وهي إجراءات مصممة لضمان عدم انهيار الاقتصاد أو النظام المالي الروسي جراء فرض عقوبات جديدة، كان لدى صندوق الثروة الوطني، وهو صندوق الثروة السيادية الروسي، أصول بقيمة 182 مليار دولار، أو ما يقرب من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لوزارة المالية.

كما أن لدى البلاد ديونًا خارجية ضئيلة مقارنة بالقوى العالمية الأخرى واحتياطيًا كبيرًا من العملات الأجنبية المتراكمة لدى البنك المركزي، فضلًا عن أن موسكو اتبعت سياسة “إزالة الدولرة” لعدة سنوات، ودعت شركاءها، مثل: الصين، والهند، إلى تسديد مدفوعاتها بعملات أخرى في العام الماضي، وقالت روسيا: إنها ستسقط الدولار من صندوق الثروة الوطني.

ولتقليل مخاطر الانقطاع عن المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الغرب، أطلقت موسكو نظام الدفع الخاص بها “مير” الذي يستخدم على نطاق واسع في روسيا، وفي بلدان الاتحاد السوفياتي السابق.

بينما لم تشعر النخب السياسية الروسية سوى بضغوط قليلة أو معدومة جراء العقوبات الغربية، فإن السكان الروس هم مَن يشعرون بقسوة هذه الإجراءات منذ سنوات، إذ انخفضت مستويات المعيشة بشكل مستمر مع انخفاض مطرد في القدرة الشرائية مقرونًا بالتضخم المرتفع حاليًا وبضعف الروبل، لكن على الرغم من شعور سكان البلاد بالضيق لم يغير الكرملين موقفه وتظهر استطلاعات الرأي أن بوتين ما زال يتمتع بالدعم الشعبي(3).

نظرة أبعد من العقوبات:

علاوة على التداعيات الاقتصادية المباشرة، سواء للعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، والإجراءات الروسية المقابلة على الاقتصاد الأوروبي والعالمي كذلك، فمن المُتوقع أن تنتج عن هذه العقوبات، غير المسبوقة قياسًا على الاقتصاد المُستهدف، تداعيات طويلة الأجل على بنية النظام المالي والتكامل الاقتصادي العالميين.

وكشفت هذه العقوبات عن التحكم الكامل والفوري للحكومات الغربية في المنظومة المالية العالمية، حتى ما يخرج منها رسميًّا عن سيطرة الحكومات، وتديره البنوك والشركات الخاصة، مثل: منظومة سويفت على سبيل المثال.

ويُضاف إلى ذلك: العقوبات الشاملة والفورية على مؤسسات وأفراد روس بدون أطر أو إجراءات قانونية، وكذلك تجميد الجزء الأكبر من الاحتياطي الروسي الأجنبي، بل والحديث عن مصادرته.

ومن الحتمي أن تثير حدة هذه العقوبات ونطاقها، وآلية تطبيقها، مخاوف عدد كبير من بلدان العالم؛ خاصة النامية الكبري، وفي مقدمتها: الصين، وبلدان في أمريكا اللاتينية وآسيا، وحتى في الشرق الأوسط نفسه من هشاشة اقتصاداتها أمام عقوبات الحكومات الغربية.

وقد تدفعها هذه المخاوف -المنطقية- إلى السعي لتجاوز النظام المالي والمصرفي الحالي الذي تسيطر عليه الدول الغربية، من خلال بدائل لمنظومة المعاملات المالية الدولية الراهنة، وتنويع الاحتياطيات الأجنبية لحمايتها، والسعي لاستخدام عملات بديلة عن الدولار في التبادل التجاري، لتجنب مصير مماثل لروسيا حال الدخول في صراع مع قوى غربية كبري.

ومن المُتوقع أن تقود الصين هذه المساعي؛ بسبب توتراتها القائمة مع الولايات المتحدة، وتعرضها بالفعل لعقوبات اقتصادية، تتعلق بهونج كونج ومقاطعة جينجيانج، بالإضافة إلى ثقلها في الاقتصاد العالمي.

وقد يدفع ذلك الصين للعمل نحو تطوير بدائل، قد تشمل زيادة التبادل التجاري بالعملة الصينية عوضًا عن الدولار، وتنويع احتياطاتها الأجنبية التي تتخطى 3 تريليونات دولار، وطرح منظومة CIPS التي تسهل تسوية وتبادل المعاملات بالعملة الصينية، كآلية بديلة عن المنظومة الغربية لتبادل المعاملات بالدولار.

ومن المؤكد أن مثل هذا التحول لن يكون فوريًّا أو كاملًا، ولكنه سيبدأ على الأغلب، وسيستمر خلال سنوات، ويكتسب زخمًا جديدًا مع كل حزمة من العقوبات الاقتصادية تفرضها الدول الغربية في صراعاتها المختلفة(4).

بيان خبراء صندوق النقد الدولي:

اجتمع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في الرابع من مارس برئاسة السيدة كريستالينا غورغييفا، المدير العام للصندوق.

وفي الاجتماع قدَّم خبراء الصندوق إحاطة موجزة للمجلس عن الأثر الاقتصادي للحرب الدائرة في أوكرانيا، وعن المساعدة المالية التي يمكن تقديمها عبر المسار السريع للبلدان المتضررة منها.

وتُواصل الحرب في أوكرانيا تداعياتها المأساوية بحصد الأرواح وجلب المعاناة الإنسانية؛ بالإضافة إلى إلحاق خسائر فادحة بالبنية التحتية المادية في البلاد.

وقد أرسلت موجة من اللاجئين قوامها أكثر من مليون لاجئ إلى البلدان المجاورة، وفي إثر ذلك أُعلِن فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا.

وبينما يظل الموقف على درجة كبيرة من التقلب وتخضع الآفاق لدرجة استثنائية من عدم اليقين، فإن العواقب الاقتصادية بالغة الخطورة بالفعل، فقد حدثت طفرة في أسعار الطاقة والسلع الأولية -بما في ذلك القمح وغيره من الحبوب- مما زاد من الضغوط التضخمية الناشئة عن انقطاعات سلاسل الإمداد والتعافي من جائحة كوفيد – 19.

وسيكون لصدمة الأسعار تأثير على العالم بأسره، وخاصة على الأسر الفقيرة التي يشكل الغذاء والوقود نسبة أكبر من إنفاقها.

وإذا تصاعد الصراع فسيكون الضرر الاقتصادي أكثر تدميرًا، وسيكون للعقوبات المفروضة على روسيا تأثير جسيم على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية العالمية، مع انتقال تداعيات ملموسة إلى البلدان الأخرى.

وفي كثيرٍ من البلدان، تخلق الأزمة الراهنة صدمة معاكسة على صعيدي: التضخم والنشاط الاقتصادي، وسط ضغوط الأسعار المرتفعة بالفعل، وسيكون على السلطات النقدية أن تراقب بعناية أثر ارتفاع الأسعار الدولية على التضخم المحلي، من أجل تحديد الاستجابات الملائمة لمواجهته.

ومن ناحية أخرى: سيكون على سياسة المالية العامة دعم الأسر الأشد ضعفًا، للمساعدة على تعويض الزيادة المستمرة في تكاليف المعيشة، وستخلق هذه الأزمة مفاضلات معقدة على صعيد السياسات، مما يضفي مزيدًا من التعقيد على مشهد السياسات في الوقت الذي يتعافى فيه الاقتصاد العالمي من أزمة الجائحة.

وفي أوكرانيا بالإضافة إلى الخسائر البشرية، فإن الخسائر الاقتصادية جسيمة بالفعل، فالموانئ والمطارات مغلقة من جراء الأضرار التي لحقت بها، وكثير من الطرق والكباري إما تضررت أو دُمِّرَت.

وفي حين أنه من الصعب للغاية تقدير الاحتياجات التمويلية على وجه الدقة في المرحلة الراهنة، فقد بات واضحًا بالفعل أن أوكرانيا ستتكبد تكلفة باهظة للتعافي وإعادة الإعمار.

وفي هذا السياق طلبت أوكرانيا الحصول من الصندوق على تمويل طارئ قدره 1,4 مليار دولار في إطار “أداة التمويل السريع”، ويتوقع خبراء الصندوق تقديم هذا الطلب إلى المجلس التنفيذي للنظر فيه في مطلع الأسبوع القادم.

وستؤدي العقوبات المعلنة مؤخرًا على البنك المركزي للاتحاد الروسي إلى فرض قيود شديدة على وصوله إلى الاحتياطيات الدولية لدعم عملته ونظامه المالي.

وقد أدَّت العقوبات الدولية على النظام المصرفي الروسي واستبعاد عدد من البنوك من شبكة “سويفت” إلى الحد بدرجة كبيرة من قدرة روسيا على تلقي المدفوعات عن صادراتها، وسداد مقابل وارداتها، والدخول في معاملات مالية عبر الحدود.

وبينما من المبكر للغاية التنبؤ بالتأثير الكامل لهذه العقوبات، فقد رأينا بالفعل هبوطًا حادًّا في أسعار الأصول، وكذلك في سعر صرف الروبل الروسي.

أما البلدان التي تربطها بأوكرانيا وروسيا علاقات اقتصادية وثيقة إلى حدٍّ كبيرٍ؛ فهي معرضة بشكل خاص لمخاطر ندرة الإمدادات وتعطلها، وهي الأشد تأثرًا بتزايد تدفقات اللاجئين.

وقد طلبت مولدوفا زيادة الموارد المتاحة لها من خلال البرنامج الحالي الذي يدعمه الصندوق وتعديل مراحل صرف هذه الموارد، لكي تتمكن من سد تكاليف الأزمة الراهنة، وخبراء الصندوق يعكفون حاليًا على مناقشة الخيارات الممكنة مع السلطات المولدوفية.

وسيواصل خبراء الصندوق مراقبة التداعيات على البلدان الأخرى في المنطقة، ولا سيما التي لديها برامج حالية يدعمها الصندوق والتي تتسم بمواطن ضعف كبيرة أو مواطن انكشاف لمخاطر الأزمة.

وسيكون للحرب الدائرة والعقوبات المرتبطة بها تأثير حاد أيضًا على الاقتصاد العالمي. وسيشير الصندوق على البلدان الأعضاء بكيفية معايرة سياساتها الاقتصادية الكلية على نحو يسمح لها بإدارة مجموعة التداعيات الناجمة عنها، والتي تشمل الاضطرابات التجارية، وأسعار الغذاء والسلع الأولية الأخرى، والأسواق المالية.

وسيواصل الصندوق تقييم الموقف المتطور، وتقديم المشورة بشأن السياسات والدعم المالي والمساعدة الفنية لبلداننا الأعضاء في الوقت المناسب وحسب الحاجة، بالتعاون الوثيق مع شركائنا الدوليين(5).

الخلاصة:

إن توقيع العديد من العقوبات الاقتصادية العديدة على بلدان العالم المختلفة؛ أدى ذلك إلى تحسب البلدان لفرض هذه العقوبات عليها، وعملت معظم البلدان على تفادي هذه العقوبات وتقليل أضرارها بقدر المستطاع وعلى سبيل المثال: إيران؛ أدَّت العقوبات المفروضة عليها إلى تطوير آليات مضادة للتعايش مع هذه العقوبات، والالتفاف عليها، بما في ذلك إخفاء أصول المؤسسات والأفراد المستهدفين، وخلق قنوات ومؤسسات بديلة للمعاملات المالية الخارجية، وأسواق سوداء لتجارة السلع المحظورة من أو إلى البلدان المستهدفة.

وبدوره أدى ذلك التراجع في أضرار العقوبات المُركزة، إلى اللجوء إلى عقوبات أشد وأكثر ضررًا وشمولًا، تنتفي عنها صفة الاستهداف للنظام الحاكم أو مؤسسات أو أفراد فاعلين بعينهم، وتتوسع أضرارها لتشمل الاقتصاد برمته، ومِن ثَمَّ المواطنين وأمانهم المعيشي، ربما رغبة في زيادة الضغوط الشعبية الداخلية على الأنظمة المستهدفة، وهو ما يمكن ملاحظته في العقوبات الأخيرة على روسيا.

وبسبب التكامل الاقتصادي، والاعتماد المتبادل، فإن العقوبات الاقتصادية على روسيا، من خلال حصار قطاعها المالي وتجارتها، ورد الفعل الروسي المحتمل، قد تضر في الوقت ذاته، بأوروبا بسبب اعتمادها على الطاقة الروسية، كما أضرت القيود الأمريكية على الصين أثناء النزاع التجاري، وستضر أكثر إذا تم التوسع في فرضها، بالاقتصاد الأمريكي بسبب اعتماده على المكونات والسلع المُصنعة في الصين.

وفي حين يتضرر الاقتصاد الروسي (والصيني) بطبيعة الحال بالعقوبات والقيود الاقتصادية واسعة النطاق هذه، فإن الرهان هنا قد يكون على قدرة هذه الأنظمة على تخطي تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وضغوطهم؛ نظرًا لأنها تصنَّف كأنظمة غير ديمقراطية لا تخضع للمساءلة الشعبية وفقًا لبعض التصنيفات الأكاديمية.

1_ ميادين

2_ الرأي

3_ D.W

4_ مركز الأهرام للدراسات

5_ صندوق النقد الدولي

التعليقات مغلقة.