fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحرب الأوكرانية … الروس يسابقون الزمن لحسم المعركة فما الدوافع؟!

199

الحرب الأوكرانية … الروس يسابقون الزمن لحسم المعركة فما الدوافع؟!

تحاول روسيا مسابقة الزمن لحسم المعركة مع أوكرانيا؛ وذلك خوفًا من التدخلات الأوروبية مهما تعاظمت لغة الكبرياء الروسي، وللمقاومة الشرسة من الجيش الأوكراني والقوات الشعبية الرديفة؛ الأمر الذي ربما يزيد من أمد الحرب بما يتعارض مع ما ذهبت إليه كل المؤشرات الأولية بأن المواجهة لن تكون أكثر من نزهة خلوية لجنرالات الروس لاستعراض عضلاتهم وقوتهم القتالية.

وقد شهدت التطورات الحربية الكثير من الأحداث منذ بداية الحرب، والعقوبات الأوروبية على الجانب الروسي كل يوم في ازدياد، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يتراجع عن قرع طبول الحرب ولا يريدها أن تتوقف، بل هو عازم ومستمر على تحقيق أهدافه التي بدأ من أجلها الحرب، وعلى الرغم من عزل روسيا اقتصاديًّا عن العالم الخارجي!

فعلى مدار الأيام القليلة الماضية سمع دوي رشقات رشاشة متبادلة ودوي صفارات الإنذار وصواريخ ومدافع بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية على حدود العاصمة، وبعض المدن المجاورة لها، حتى وصلت إلى كييف، فيما تناقلت بعض المصادر الإعلامية تفاصيل المشهد الذي يبدو كأنه يسير نحو “حرب شوارع” حقيقية.

حروب روسيا الثلاثة:

حروب روسيا الثلاث الماضية هي أمثلة بارزة على كيفية استخدام القوة العسكرية بطرق محدودة لبلوغ المقاصد السياسية؛ فقد استمر غزو جورجيا في عام 2008 خمسة أيام فقط، لكنه أجبر الدولة على تقديم تنازلات سياسية مهينة.

وفي أوكرانيا عام 2014، نُشرت الوحدات العسكرية النظامية الروسية على نطاق واسع لبضعة أسابيع، وثبت أنه تصرف كافٍ لإرغام كييف على التوقيع على اتفاق سلام مؤلم.

وعندما تدخلت روسيا في سوريا عام 2015، توقع بعض المحللين الغربيين وقوع كارثة على غرار الغزو السوفياتي لأفغانستان الذي بدأ في 1979 وانتهى بعد عشرية موجعة في مستنقع آسن إلى الانسحاب المهين؛ بدلاً من ذلك، كانت الحرب الأهلية السورية بمثابة ساحة اختبار لأكثر الأسلحة الروسية تطورًا(1).

روسيا تحاول حسم الموقف بسرعة:

وزارة الدفاع الروسية أصدرت أوامرها لجميع قواتها بالهجوم على الاتجاهات كافة، في إشارة إلى صعوبة الحسم الميداني سريعًا كما كان يتوقع الغالبية العظمى من المتابعين للمشهد في ظل الفارق الكبير في القدرات التسليحية والقتالية لجيشي البلدين.

وفي إطار القصف الروسي العشوائي، ذكرت وزارة الدفاع الأوكرانية ورئيسة بلدية فاسيلكيف (جنوب غرب كييف): أن البلدة تعرضت لصواريخ روسية؛ ما أدَّى إلى اشتعال النيران في خزانات النفط بقاعدة “كلو” الخاصة النفطية، وتصاعد ألسنة النار والدخان في العاصمة، في تطور يعكس استهداف روسي ممنهج للمنشآت النفطة والنووية، كما حدث قبل يومين حين استهدفت مخزنًا لحفظ النفايات النووية في كييف لحظة وجود عمال داخله.

وعلى مدار الأيام الماضية خلت كييف تمامًا من المارة المدنيين فيما تحولت إلى ساحة عسكرية لا يرى فيها إلا العربات العسكرية والجنود، ولا يسمع فيها إلا صوت الرصاص والرشقات وصافرات الإنذار، فيما قبع مَن تبقى مِن السكان في الملاجئ؛ لا سيما مترو الأنفاق الذي أغلقته بلدية العاصمة، وحوَّلت منشآته كملاجئ للسكان(2).

وعلى الرغم من إرادة روسيا بحسم المعركة مع أوكرانيا؛ إلا أن الدب الروسي يواجه مقاومة شرسة من الجيش الأوكراني، خاصة بعد المساندة والدعم الأوروبي والأمريكي؛ بالإضافة إلى القوات الشعبية الرديفة، وهي المقاومة التي وصفها مسؤولان أمريكيان بارزان بأنها “أشد مما كان متوقعًا”، حسب تصريحاتهما لشبكة “سي . إن . إن” (CNN) الأمريكية؛ مرجعة ذلك إلى أن الدفاعات الجوية الأوكرانية كان أداؤها أفضل مما كان متوقعًا في تقييمات الاستخبارات الأمريكية قبل الهجوم الروسي؛ الأمر الذي كبَّد الروس الكثير من الخسائر في الأرواح والعتاد.

سيناريوهات القتال:

على رغم الضربات الجوية والصاروخية الروسية، ورد في تقرير لمجلة “دير شبيجل” الألمانية للكاتب الإستراتيجي والعسكري البارز ويليام ألبيركي، أنه من الصعب على الروس تدمير أجزاء كبيرة من هياكل القيادة الأوكرانية بهجمات إلكترونية وغارات جوية، لافتًا إلى أن المعركة الحقيقية ستكون برية.

وأوضح: “أن أوكرانيا تدرك أنها ستخسر المعركة التكنولوجية، لكن الحرب الحديثة لا تزال تدور حول السيطرة على الأراضي، وهذا هو المجال الذي سيكون فيه الجيش الأوكراني قادرًا على القتال”.

ولفت إلى أن أمام السيناريو المتمثل في معركة برية صعبة للغاية، ونوه إلى أن “الجغرافيا والطرق والدفاعات الأرضية في أوكرانيا مختلفة تمامًا، وستكون صعبة على الجنود الروس، وأعتقد أن أمامنا بعض أسابيع صعبة”.

وردًّا على سؤال حول إمكانية غزو كييف، قال ألبيكري -وهو مدير قسم الإستراتيجية والتكنولوجيا والحد من التسلح في مركز أبحاث لندن-: “يجب أن يكون هذا السيناريو كابوسًا مطلقًا حتى بالنسبة للإستراتيجيين الروس … لا يوجد جندي يريد القتال في بيئة حضرية؛ خاصة في القرن الحادي والعشرين(3).

مقاومة غير متوقعة:

أبرز ما كشفته الحرب حتى الآن هو: أن روسيا أمام مقاومة صلبة من الجيش الأوكراني لم يتوقعها الروس، وَفْق مسؤولين أميركيين، ولوحظ ذلك في صمود العاصمة كييف، في الوقت الذي يواصل الرئيس فولوديمير زيلنيسكي مباشرة مهماته والتواصل مع نظرائه للحصول على مزيدٍ مِن الدعم، والأهم: قيادة جبهة بلاده جنبًا إلى جنب مع كبار مسؤوليه على الرغم من محاولات الإجلاء من قِبَل حلفائه.

أحد مشاهد المقاومة الأوكرانية كانت في مدينة خاركيف الصناعية القريبة من الحدود مع روسيا، حيث صَدَّ الأوكرانيون أمس الأحد 27 فبراير (شباط) محاولة توغل روسية في عمق المدينة بعد نصب كمين للعديد من قوات المشاة، فقتل بعضهم وأسر آخرون.

كما أظهرت لقطات نشرتها القوات الأوكرانية صباح الأحد، دمارًا لحق بخمس مدرعات من طراز “تايغر إم” روسية في أحد شوارع خاركيف، ووثقت اللقطات استيلاء الجنود الأوكرانيين على الذخيرة والمعدات الروسية، ومنها: صواريخ مضادة للدبابات، وَفْق صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وشوهدت عربة مدرعة من الطراز نفسه تحترق على أحد تقاطعات خاركيف، في حين قال السكان: إن المدينة بدت تحت سيطرة القوات الأوكرانية، وذكر حاكمها أوليه سينهوبوف عبر منشور في مواقع التواصل الاجتماعي أنهم “ينهون تطهير المدينة من العدو”.

أما في كييف؛ فقد أمرت السلطات الأوكرانية السكان بالبقاء في منازلهم حتى صباح يوم الاثنين للفراغ من القبض على المتسللين الروس الذين انخرطوا في عدة اشتباكات مع القوات الأوكرانية والمتطوعين المدنيين خلال الليل، ولم تسمع أصوات إطلاق نار خلال النهار، وقال عمدة المدينة فيتالي كليتشكو عبر رسالة مصورة: “كييف تواصل الصمود ولا توجد فيها قوات روسية”.

تحديات لوجستية:

روسيا تملك ثاني أقوى جيش في العالم بعد الولايات المتحدة وَفْق تصنيف “غلوبال فايرباور” لعام 2022، لكن القوة الروسية المتمثلة في عددٍ هائل من المقاتلات والدبابات والتقنيات المتطورة لا يبدو أنها كافية للحسم من دون تخطيط لوجستي فاعل، وَفْق خبراء دفاعيين.

وفي الحرب الحالية تواجه روسيا صعوبات في إمداد قواتها، وانعكس هذا في تكبدها خسائر بشرية ومادية شملت المدرعات والمقاتلات بفضل الدفاعات الجوية الأوكرانية التي كان أداؤها أفضل مما توقعته المخابرات الأميركية، وَفْق شبكة “سي . إن . إن”.

وردًّا على أسئلة “إندبندنت عربية” حول تأخر الحسم الروسي في أوكرانيا، أشار نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي سابقًا مايك مالروي إلى أن الجيش الأوكراني كان فعَّالًا للغاية في استهداف خطوط الإمداد؛ مما أضر بقدرة الروس في تحقيق المتطلبات اللوجستية.

ولذلك لم تسيطر روسيا بعد على الأجواء الأوكرانية؛ إذ يستمر الأوكرانيون في القتال لفرض السيطرة على المجال الجوي في الوقت الذي تواصل فيه المقاتلات الأوكرانية الاشتباك مع المقاتلات الروسية لمنع وصولها إلى بعض مناطق البلاد؛ الأمر الذي يصعب على الروس الحركة والرؤية لضرب الأهداف من الجو.

دعم غير مسبوق:

يمتلك الجيش الأوكراني عددًا من الأسلحة المضادة للطائرات تشمل الصواريخ الموجهة بالرادار، والصواريخ الحرارية؛ فضلًا عن المدافع المضادة للطائرات، كما زودت الولايات المتحدة الجيش الأوكراني بصواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات خلال الأسابيع الأخيرة.

وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أكَّد: أن الدول الأعضاء في التكتل قررت تخصيص 450 مليون يورو لشراء أسلحة وتسليمها للجيش الأوكراني لمساعدته في مقاومة الهجوم الروسي.

وصرَّح بوريل بعد اجتماع عبر الفيديو مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي سبقته محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأوكراني: أن الأخير قال: “إنه يحتاج إلى طائرات يمكن أن يقودها الأوكرانيون”، وبحسب بوريل فإن “الدول الأعضاء تمتلك هذا النوع من الطائرات وستوفره؛ إضافة إلى أسلحة أخرى لازمة للحرب”.

وأردف: أن مساعدات الاتحاد الأوروبي تضاف إلى المعدات والأسلحة التي قررت كثير من الدول الأعضاء تقديمها بمفردها.

وأكَّد عدد من المسؤولين الأوروبيين: أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت في تسليم كميات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا السبت، “لتمكينها من الدفاع عن نفسها”(4).

أهداف بوتين على لسان الخبراء:

نشرت مجلة لوبوان الفرنسية ما قاله خبراء حاولوا فك شفرة “التأثير النهائي المطلوب” للهجوم الروسي، فتقول لوبوان (Le Point) في بداية تقريرها: إن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأساسي منذ إعلانه الحرب على أوكرانيا كان واضحًا، وهو: تأمين الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًّا في البلاد فولوديمير زيلينسكي؛ مما جعل قوات بوتين تلاحقه في المراحل الأولى من الغزو.

لكن هل يشكل احتلال كامل هذه الدولة المستقلة منذ 24 أغسطس / آب 1991 هدفًا حربيًّا يحقق ما يسميه الجيش الروسي “الأثر النهائي المنشود” لسيد الكرملين؟ تتساءل المجلة؟ فهذا ليس مؤكدًا تمامًا؛ إذ يعتقد العديد من الضباط والخبراء المختصين بالشأن أن الخطة الروسية التي تتكشف شيئًا فشيئًا لا تهدف بالضرورة إلى الاستيلاء على كامل أوكرانيا التي هي أكبر من فرنسا، وَفْقًا للوبوان.

بل يرى هؤلاء دائمًا -وَفْقًا للمجلة-: أن موسكو ربما تستهدف فقط الضفة الشرقية لنهر دنيبر الذي يقسِّم البلاد إلى قسمين، من الجنوب إلى الشمال، وستكون العاصمة كييف التي تمتد على جانبي النهر هدفًا أيًضا.

وبدءًا من جنوب البلاد يعتقد هؤلاء الخبراء: أن القوات الروسية تسعى للصعود على طول نهر دنيبر، في محاولة لتطويق 40 ألف جندي أوكراني موجودين في شرق البلاد.

لكن هل ستحاول موسكو بعد ذلك الاستيلاء على الجزء الغربي من البلاد؟ هذا ما يقول الخبراء إنه احتمال وارد، لكنه مستبعد.

ويرى أحد المختصين -حسب المجلة-: أن المنطق الهجومي الفوري للروس يركز على الاستيلاء على جسور نهر دنيبر “لقطع طريق الانسحاب” للقوات الأوكرانية التي تواجههم في شرق البلاد.

وتنسب لوبوان إلى الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي السفير برنار باجولي -الذي له دراية جيدة بجهاز الأمن الداخلي والخارجي المحيط بفلاديمير بوتين- قوله: إن النية الحقيقية لبوتين واضحة وتتمثل في “إعادة تشكيل الإمبراطورية السوفيتية ومنطقة نفوذها”.

ولهذا السبب يقول باجولي: “لست متأكدًا على الإطلاق من أنه سيرغب في قصر احتلاله على الجزء الشرقي من أوكرانيا؛ أظن أنه سيقرر بحسب الظروف والفرص، وسيأخذ ما في وسعه”.

ويضيف: أن ما يزيد جرأة بوتين هو ما يراه من ضعف أوروبا، وكذلك ضعف الولايات المتحدة، خصوصًا بعد خروجها من العراق وأفغانستان.

ويصر باجولي على أن “أهداف فلاديمير بوتين تتعدى مجرد غزو الأراضي، إنه براغماتي، في أوكرانيا لا يُعرَف بالضرورة هدفه النهائي؛ إذ نرى قواته تتقدم، لكننا نلاحظ أيضًا نوعًا من التردد في الاستيلاء على كييف بالقوة”.

ويعتقد باجولي أن بوتين كان يظن أن فولوديمير زيلينسكي كان سيهرب بمجرد بدء الهجوم كما فعل أشرف غني في كابل، وهو يسعى أولًا بالقوة إلى تحييد أوكرانيا عسكريًّا وسياسيًّا، ثم تحويلها إلى نظام دمية كما هو الحال في بيلاروسيا.

أما الدبلوماسي المختص في الجغرافيا ميشيل فوشي فيرى: أن بوتين يريد كييف، لكن الجزء الغربي من البلاد -الذي لم يتم ضمه إلى السوفييت حتى عام 1945- لا يهمه، فهو منطقة لا يمكن السيطرة عليها من قِبَل القوات الروسية.

أما الابتزاز النووي فترى لوبوان أنه أصبح بمثابة عبث بوتيني، لكنه ليس جديدًا أيضًا؛ ففي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 إبان أزمة قناة السويس، لوَّح بهذا التهديد المارشال الروسي نيكولاي بولجانين رئيس مجلس الوزراء السوفييتي، ثم كتب بعد ذلك إلى نظيره الفرنسي غي موليه النص التالي: “في أي وضع ستجد فرنسا نفسها إذا تعرضت لعدوان من جانب دول أخرى لديها الوسائل الرهيبة للتدمير الحديث؟!”، وقد فهمت باريس تلك الرسالة، وفي اليوم التالي أوقفت هي ولندن عمليتهما في مصر، لكن يجب ألا يغيب عن بوتين أن تلك أيام ولت والأمور قد تغيرت(5).

وبالنظر إلى المعطيات السابقة نجد أن روسيا تعاني رغم القوة والعتاد الظاهر، وإرادة الرئيس الروسي تتصادم مع الواقع القوي، والاتحاد الأوروبي؛ خاصة وأن العقبات تخطت المتوقع، والاقتصاد الروسي أصبح في عزلة تامة عن الاقتصاد العالمي، وكان من المتوقع أن تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية في أسرع وقت ممكن، حتى يتفرغ الجانب الروسي لمواجهة النتائج المترتبة على هذه الحرب، ولكن القوة الأوكرانية أظهرت بسالتها أمام الجانب الروسي؛ فأصبح الوضع معقدًا أمام الرئيس فلاديمير بوتين.

1_ الشرق الأوسط

2_ الامان

3_العين

4_ الجزيرة

5_ الاندبندت

التعليقات مغلقة.