fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

عودة جديدة للعلاقات الإماراتية السورية … الأهداف والدوافع

103

عودة جديدة للعلاقات الإماراتية السورية … الأهداف والدوافع

تعرف السياسة على أنها لا موقف ولا قرار، فقط المصالح هي مجمل الأفعال.

في خطوة جديدة بعد انقطاع دام لأكثر من 10 سنوات تقريبًا للعلاقات بين “دبي” و”دمشق”، قام عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي بزيارة العاصمة السورية في مقابلة خاصة مع رئيس النظام السروي بشار الأسد، ما يعد تحولًا مهمًّا ومثيرًا في قطار التقارب العربي مع النظام السوري، متناسيًا كلَّ الجرائم التي حدثت وتحدث للشعب السوري على أيادي شبيحة النظام النصيري؛ هذا التحول المخيف بدأت به الإمارات في انتظار لباقي الدول بالتتابع لمدِّ جسور التواصل مرة أخرى ما يعني أن النظام الأسدي قد فرض نفسه مرة أخرى وعاد إلى الواجهة.

ناقش بشار الأسد رئيس النظام السوري مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد سبل التطوير والتعاون الثنائي في شتى المجالات؛ لا سيما أن الدولة السورية تعاني من دمار وخراب شديد ونقص حاد في جميع المجالات، ما يعني أن الجانب السوري حريص على إتمام هذه المقابلة على أكمل وجه، وذلك للحصول على الدعم اللوجستي والسياسي في ظلِّ العقوبات المزعومة فرضها على النظام الأسدي.

البداية ومراحل التطوير:

رأت الإمارات مع انطلاق الثورة السورية مطلع عام 2011، مثل دول خليجية أخرى، في حراك الشعب السوري فرصةً لاحتواء النفوذ الإيراني وتطويقه في المنطقة؛ فانضمت إلى جهود عزل النظام السوري داخل جامعة الدول العربية، وأدّت دورًا مهمًّا في دعم المعارضة السورية، وخصوصًا في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي جَرَى تشكيلها مطلع عام 2012 لحل الأزمة السورية خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتجنُّب الموقفين: الروسي والصيني المؤيدين للنظام، لكنَّ الموقف الإماراتي لم يستمر طويلًا؛ إذ بدأت أبوظبي منذ عام 2013  تتخذ موقفًا غامضًا من الثورة السورية، وصارت تقدِّم مساعدات للنظام السوري في إطار تحول نظرتها إلى الصراع في سورية، من كونه فرصةً لاحتواء إيران إلى كونه جزءًا من الحرب على الإرهاب(1).

ففي عام 2014، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إدراج شركة النفط الإماراتية “بانغيتس العالمية” Pangates International Corporation Limited ضمن القائمة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات؛ وذلك نتيجة خرقها العقوبات المفروضة على النظام السوري، وقيامها بتزويد سلاح الجو التابع له بوقود الطائرات(2).

وكانت أبو ظبي تحولت قبل ذلك إلى ملجأ لرؤوس الأموال والأصول المالية التابعة للنظام السوري والشخصيات المقربة منه، الهاربة من العقوبات الغربية، وذلك على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميًّا بين البلدين منذ مطلع عام 2012.

وبعكس مواقف دول الخليج الأخرى، امتنعت أبوظبي عن انتقاد التدخل العسكري الروسي في سورية في عام 2015، وبعد شهرين تحول الموقف الإماراتي من الصمت إلى الترحيب بالتدخل الروسي؛ إذ صرَّح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية السابق، أنور قرقاش، أن روسيا تستهدف في سورية عدوًّا مشتركًا بينها وبين الإمارات، وفي عام 2016، أعلنت الإمارات أنها تشارك روسيا رؤيتها للحل في سورية؛ ما يعني ضمنًا أنها لا تعارض استمرار نظام الأسد، وكانت الإمارات أول دولة عربية تعيد فتح سفارتها في دمشق، في ديسمبر 2018(3)(4).

وفي مطلع عام 2020، جَرَى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012، وعلى الأثر بدأت أبوظبي بإرسال مساعدات طبية إلى النظام السوري لمواجهة تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19).

وقامت أيضًا بتمويل عملية إعادة بناء بعض المباني العامة، ومحطات الطاقة الحرارية، وشبكات المياه في دمشق، ونشرت وسائل إعلام غربية تفاصيل حصول تعاون بين الإمارات ونظام الأسد لمواجهة تركيا في كلٍّ مِن سورية وليبيا، بما في ذلك دعم أبو ظبي محاولات النظام السوري إشغال تركيا في إدلب أواخر عام 2019، ومطلع عام 2020؛ بما يمكِّن اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الإجهاز على طرابلس.

وفي 20 أكتوبر 2021، بلغ التطبيع بين الجانبين ذروته، حينما أجرى رئيس النظام السوري اتصالًا هاتفيًّا مع الشيخ محمد بن زايد، جرى خلاله الاتفاق على إيفاد وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إلى دمشق، وقد سبق ذلك قيام وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، محمد سامر خليل، بزيارة إلى دبي تلبية لدعوة للمشاركة في “إكسبو دبي 2020”.

خلفيات محتملة لدواعي قرار العودة:

بالنسبة إلى النظام السوري، شكَّل دعم دول الخليج لشتى جماعات المعارضة وإصرارها على إسقاط الأسد الفجوة الأساسية بين الطرفين في ذروة الحرب السورية، إذ دعمت دول مجلس التعاون الخليجي حلفاء للولايات المتحدة، مثل: الجيش السوري الحر بالأسلحة والمال بدرجات متفاوتة، ولكن في العامين الأخيرين، تحوَّلت دفة الخليج نحو إعادة التعامل مع نظام الأسد لدوافع عِدَّة، أولها: القناعة المتزايدة بأن الحرب في سوريا انتهت لصالح الأسد، وأن ثمَّة ضرورة لدمج سوريا قدر الإمكان في محيطها العربي لتفادي وجود دولة فاشلة قد تُلقي بظلال من عدم الاستقرار على جوارها القريب، وكذا لمحاولة منافسة وتطويق الدور الإيراني المتعاظم في سوريا، الذي يفتقد لأدوات اقتصادية وتجارية عديدة تملكها بوفرة دول الخليج.

بالنسبة لأبو ظبي، تعود بدايات هذا التحوُّل نحو التعاون مع الأسد إلى الأرضية المشتركة التي أوجدها التعاون العسكري مع الروس الحاضرين عسكريًّا في سوريا منذ عام 2015، فقد رأت الإمارات أن الساحة السورية أضحت منطقة يزداد فيها نفوذ إيران وتركيا على حساب العرب، وأن قبول الأسد وما يُتيحه من فتح باب التفاهم مع روسيا، وإبرام اتفاق روسي – خليجي لإعادة توجيه بوصلة نظام الأسد بعيدًا عن الإيرانيين والأتراك كليهما، قد يكون مخرجًا جيدًا يُحقِّق أقصى ما يُمكن من الأهداف الخليجية.

علاوة على ذلك: كان موقف أبو ظبي الراسخ في التيارات الإسلامية على مختلف أطيافها دافعًا لها كي تنأى بنفسها عن دعم جماعات المعارضة السورية الإسلامية في معظمها؛ إذ ترتكز السياسة الإماراتية الإقليمية اليوم بالأساس على مواجهة جميع التيارات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، في حين تظل السياسة السعودية مُنصبَّة بالأساس على مواجهة إيران جيوسياسيا وتحجيم تمدُّدها، ومِن ثمَّ تظل ورقة استغلال نفوذ بعض الجماعات الإسلامية السُّنية في مواجهة إيران حاضرة في ذهن الرياض على عكس أبو ظبي، التي لا يغيب عن تحرُّكاتها بالطبع مناوءة النفوذ التركي، رُغم الانفتاح الاقتصادي الأخير بين البلدين عقب زيارة بن زايد إلى أنقرة.

نتيجة لهذه الحسابات، تمتلك الإمارات الدوافع الأكثر إلحاحًا لاستعادة العلاقة مع النظام السوري، وهي دوافع لا تتشاركها بقية دول الخليج بالقدر ذاته، إذ تبقى السعودية بمنأى عن سيناريو إعادة العلاقات مع الأسد، كما أن مسيرة إصلاح العلاقات بين أنقرة والرياض مؤخرًا تبدو أكثر جدية وأشمل على المستوى السياسي، حيث تُظهِر المملكة قلقًا أقل حيال النفوذ التركي في سوريا، ولا يسعها في الأخير -على غرار دول غربية عديدة- أن تتجاهل ما يمكن أن تُمثِّله أنقرة من ثقل إستراتيجي في محاولات خلق توازن مع إيران.

على صعيد آخر: يظل موقف قطر من استئناف العلاقات مع الأسد على حاله، فمع أن الدوحة قلَّصت تدريجيًّا دعمها للمعارضة السورية، فإنها تبقى معادية للنظام كما تكشف توابع زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق، حيث دعت قطر إلى وقف تطبيع العلاقات مع سوريا، وقال وزير الخارجية القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” خلال مؤتمر صحفي مشترك في واشنطن مع نظيره الأميركي “أنطوني بلينكن”: “إن موقف قطر سيبقى على حاله، وإننا نعتقد أن تغيير الموقف ليس خيارا قابلا للتطبيق”(5).

آراء متباينة:

يرى المؤيدون لعودة العلاقات العربية مع دمشق: أن هناك دولًا، من بينها: “إيران” القوة الإقليمية المؤثِّرة في سوريا، تحاول عرقلة عودة العلاقات العربية السورية إلى سياقاتها الطبيعية؛ خاصة الدول الخليجية المناهضة لإيران في المنطقة.

إذ سيكون على إيران التوافق مع المتغيرات التي تطرأ على سياسات الحكومة السورية التي لا بد أن تكون أكثر انسجامًا مع المواقف العربية، وأكثر بُعدًا عن المواقف الإيرانية تجاه جملة من الملفات الخلافية بين بعض الدول العربية وطهران حول الصراعات في سوريا واليمن، ونفوذ إيران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدولتين، وكذلك لبنان والعراق.

ويرى متابعون: أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.

هذا النفوذ تعززه حملات التغيير في التركيبة السكانية لصالح الشرائح الاجتماعية الحليفة لإيران في جغرافيات العاصمة ومحيطها، وصولًا إلى الحدود اللبنانية، وفي جنوب سوريا على الحدود مع الأردن وشرقًا باتجاه الحدود العراقية(6).

الموقف الأمريكي:

انتقدت الولايات المتحدة في تصريحات للمتحدث باسم الخارجية نيد برايس للصحفيين زيارة الوزير الإماراتي، مؤكدًا على أن واشنطن لا تدعم أي جهد للتطبيع مع النظام السوري أو إعادة تأهيله، واصفًا إياه بـ”الديكتاتور الوحشي”(7).

الموقف القطري:

جاءت تصريحات وزير خارجية قطر، محمد عبد الرحمن آل ثاني، بشأن عدم تفكير الإمارة الخليجية حاليًا في التطبيع مع النظام السوري، لتؤكد أنه لا إجماع عربيًّا، على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق.

وقد أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة التي دعمت قديما المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ نحو عقد(8).

الدوافع الإماراتية للتطبيع مع سوريا:

يمثِّل التطبيع الإماراتي مع النظام السوري جزءًا من إستراتيجية علنية اتضحت ملامحها منذ سنواتٍ، وتشمل إضافة إلى إعادة تأهيل النظام السوري، تسهيل وصول نظم عسكرية إلى السلطة في العالم العربي، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي بعد أن قامت أبو ظبي بتوقيع اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات معها بداية من أيلول/ سبتمبر 2020.

ويمكن تحديد جملة أسباب تقف وراء تسريع خطوات التطبيع مع النظام السوري، والعمل على إعادة تأهيله عربيًّا وإقليميًّا، أهمها: أن أبو ظبي تسعى لطي صفحة الربيع العربي، ولا شك في أن إعادة تعويم حتى أكثر النظم العربية إجرامًا ووحشية من شأنه أن يغلق الدائرة ويطوي معها هذه الصفحة من تاريخ الشعوب العربية من منظور هذه الإستراتيجية، وتضع هذه الإستراتيجية الإمارات في موقع أقرب إلى الموقفين: الروسي والصيني (وكذلك الإسرائيلي الأقرب إلى روسيا والإمارات في الموقف من الانتقال الديمقراطي عربيًّا) منها إلى الموقف الأميركي، والغربي عمومًا.

وفي وقت تروِّج أبو ظبي بأن هدفها مِن إعادة العلاقات مع النظام السوري هو تعزيز الحضور العربي في سورية في مواجهة نفوذ إيران، يبدو عسيرًا على الفهم إمكانية تحقق ذلك من خلال دعم الأسد، حليف إيران، فتاريخيًّا لم يؤدِّ دعم دول الخليج لنظام الأسد من السبعينيات حتى عام 2005 إلى إبعاد سورية عن إيران، بل وازاه تعزيز مثابر للتحالف بين دمشق وطهران! وتنظر أبو ظبي باهتمام أيضًا إلى أي فرص اقتصادية تتصل بإعادة الإعمار في سورية أو بخريطة الطاقة وخطوط نقلها في المنطقة.

ويبدو أن الإمارات تستغل ضعف الموقف الأميركي في موضوع التطبيع مع النظام السوري، للاندفاع أكثر في هذا الاتجاه؛ إذ يأتي الانفتاح المتزايد لأبو ظبي على النظام في دمشق بعد موافقة واشنطن على تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر (وإسرائيل) والأردن عبر الأراضي السورية، ومن خلال دعم تمويل البنك الدولي للاتفاق الرباعي المصري – الأردني – السوري – اللبناني بهذا الشأن، بما في ذلك إصلاح خطوط نقل الغاز والكهرباء في الأراضي السورية.

يضاف إلى ذلك: أن واشنطن لا تبدي موقفًا حازمًا في معارضة خطوات التطبيع التي تتخذها دول عربية مع النظام السوري؛ إذ اقتصرت المواقف الأميركية خلال الفترة الأخيرة على توضيح أن الولايات المتحدة “لا تدعم جهود التطبيع مع نظام الأسد”، كما كان موقف وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، باهتًا بهذا الخصوص؛ إذ قال خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيرَيه الإسرائيلي والإماراتي، في تشرين الأول / أكتوبر 2021: “ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات” مع نظام الأسد(9).

الملخص:

إن النظام السوري يحتاج إلى التوأمة من جديد مع الوطن العربي ليضفي على نفسه الشرعية التي نزعت بسبب قتل وتعذيب وتهجير المواطنين السوريين، وتسعى الإمارات العربية إلى لعب ذلك الدور بالوساطة بين الجانب السوري والعربي، وذلك عن طريق فرض نفسها بصدارة المشهد، وإرسال العديد من الزيارات الرسمية وغير رسمية؛ لتؤكِّد أن النظام السوري متعافٍ؛ إلا أن الحقيقة لا يمكن تغييرها، وأن التاريخ لا يمكن أن ينسى ما فعله النظام النصيري تجاه المواطنين العزل.

1_ مجموعة عمل اقتصاد سوريا

2_ وزارة الخزانة الأمريكية

3_ عرب نيوز

4_ البيان

5_ الجزيرة

6_ وكالة أنباء الأناضول

7_ فرانس 24

8_ الحرة

9_المركز العربي للأبحاث والدراسات

التعليقات مغلقة.