fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

روسيا وطالبان والمصالح المشتركة

153

روسيا وطالبان والمصالح المشتركة

 

العاصفة 333 كانت البداية:

لم يكن يدور في عقل أحد أن تكون هذه البداية التي تبعد 7927 يومًا عن أحداث 11 سبتمبر، ستشكِّل التاريخ لسنواتٍ، بل لعقودٍ قادمةٍ، العاصفة 333 كانت بداية هذه الأحداث؛ هذا هو الاسم الذي أطلقه الاتحاد السوفيتي على عملية غزو أفغانستان، هذا الغزو الذي بدأ بسيطرة الجيش الأحمر على مطار كابول في ساعات قليلة، وعلى الرغم من أن إدوارد شيفرنادزه وزير خارجية الاتحاد السوفيتي الأسبق أكَّد أن هذا الغزو تم عن طريق اثنين أو ثلاثة فقط في المكتب السياسي، وأنه هو وجورباتشوف كانا معارضين لهذا الغزو؛ إلا أن هذا الغزو قد تم، وكان البداية الفعلية لسقوط وتفتت الاتحاد السوفيتي، لتتتابع سلسلة من الأحداث بداية من المجاهدين الأفغان، وخروج السوفيت، حتى نصل إلى 11 سببتمبر، وما تبعها من أحداث، أهمها: اجتياح أفغانستان من قِبَل الولايات المتحدة، لتخرج منها في 2021، وتعود طالبان للصدارة من جديد.

طالبان ودول الجوار بعد الصعود الأخير:

لا يشك أحد من المتابعين لما يحدث في أفغانستان أن طالبان في 2021 غير طالبان في 1996، فقد حرصت طالبان من اليوم الأول على تهدئة كل العالم، وفتح صفحات جديدة، وكان من أهم هذه التصريحات ما قاله رئيس “المجلس الأعلى لإنقاذ أفغانستان”، القيادي الميداني السابق في “طالبان”، محمد أكبر أغا، في حديث لوكالة “تاس” الروسيةفي 5 ستبمبر: “روسيا تعتبر جارة لنا، علينا ترتيب علاقات واسعة مع موسكو؛ لأن ذلك يصب في مصلحة طالبان”.

وقال عن إيران: “إيران وباكستان هما كذلك بلدان يجب تسوية علاقات معها، نحن بحاجة إليهما، وهما بحاجة إلينا”.

وكان أكثر هذه التصريحات وضوحًا ما قاله دكتور محمد نعيم، المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان: “إن شكل النظام الجديد في أفغانستان سيتضح قريبًا”، مضيفًا: “إن الحركة لا ترغب في العيش في عزلة”، كما دعا إلى “علاقات سلمية مع المجتمع الدولي”.

مؤتمر موسكو من أجل أفغانستان والمساومة الروسية:

دعت روسيا من أيام إلى مؤتمر “موسكو من أجل أفغانستان” هذا المؤتمر الذي من المقرر أن يعقد يوم 20 من أكتوبر الجاري تحت رعاية الصين، وإيران، وباكستان، والهند، وقد دعا ممثل الرئيس الروسي وإن كان لم يُسمِ حركة طالبان بشكلٍ مباشرٍ، بل أعلن ذلك بشكلٍ مواربٍ: “سيُطلب من أعضاء المجموعة الحاكمة في أفغانستان حضور محادثات موسكو”، وهذا الاجتماع الدولي الثاني الذي تدعو إليه روسيا بشأن الأوضاع في أفغانستان، والأول بعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم هناك.

يؤكد الكاتب والباحث همبر سليم: “تعتقد الإستراتيجية الروسية أن خطرًا أمنيًّا داهمًا يأتي من أفغانستان راهنًا، وأنه سيتعاظم بالتقادم؛ لذلك فإن مساومة ما مع حركة طالبان، قائمة على مبادلة الاعتراف المشروط بالتعاون التام في الملف الأمني العسكري، يُمكن أن يُلبي تلك المخاوف تمامًا”.

وتابع: “سليم” في حوارٍ له مع سكاي نيوز “في هذا الوقت، تريد الولايات المُتحدة والدول الأوربية تعهدًا والتزامًا سياسيًّا من حركة طالبان بعددٍ مِن المُحددات المتعلقة بحقوق النساء والحريات العامة، وحقوق الإنسان، وشكل اللعبة السياسية في أفغانستان”.

روسيا والتقارب مع طالبان علاقات لم تتوقف:

وَفْق ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست عن الباحث البريطاني المتخصص في الشأن الروسي صمويل راماني، فإن هناك تواصلًا بين روسيا وطالبان منذ عام 2007، وهذا التواصل يأتي من اقتناع موسكو بالتحديات المشتركة بينها وبين طالبان، بل تعتبر روسيا طالبان هي الضمان والأمان للحديقة الخلفية للاتحاد السوفيتي.

يظهر استعداد روسيا للتقارب مع طالبان من عدة وجوه:

أولًا: السياسة الدولية هي سياسة الأمر الواقع، فمنظمات الأمم المُتحدة تتعاون مع الحركة من باب “الأمر الواقع”، لحلِّ بعض مشكلات الأوضاع الصحية والتعليمية والاقتصادية داخل أفغانستان، أما الولايات المنحدة والدول الأوروبية فهي لم تتخذ بعد موقفًا ناجزًا، سواء بالاعتراف بطالبان أو بحضور مؤتمر موسكو، هذا المؤتمر الذي سيكون أول مؤتمر دولي بحضور حكومة طالبان.

ثانيًا: ترحيب روسيا بوفد طالبان في زيارته في التاسع من يوليو الماضي:

  فعلى الرغم من أن موسكو صنَّفت طالبان كجماعة إرهابية في 2003؛ إلا أنها رحبت بوفد طالبان، بل وجعلت هذا المؤتمر الصحفي الذي عقد في موسكو عقب هذا اجتماعها بوفد طالبان كمنبر إعلامي تحدث فيه المتحدث باسم وفد الحركة، شهاب الدين ديلاوار، ليؤكِّد على عِدَّة أمور لتجميل صورة الحركة وتعطي طمأنينة، أهمها: “سنتخذ جميع الإجراءات؛ لضمان عدم تواجد تنظيم داعش على أراضي أفغانستان”، وتأكيده أن “الحركة تجري مفاوضات مع ممثلي المجتمع الأفغاني لتحديد الهيكل العام للدولة”.

ثالثًا: روسيا وطالبان والأجندة الواحدة:

أهم بنود هذه الأجندة الواحدة ما أعلنه دكتور محمد نعيم: “أن طالبان سوف ترعى المصالح الروسية في دول الجوار الأفغاني، وأنها لا يمكن أن تهاجم أصدقاء وحلفاء روسيا في المنطقة؛ خاصة دولة طاجيكستان التي ترتبط بحدود طويلة مع أفغانستان تصل إلى 1206 كم.

كما تعهدت طالبان على لسان رئيس مكتبها السياسي في قطر، الملا عبد الغني برادر، بإعادة العمل في القنصلية الروسية في مزار شريف، وحماية كل الدبلوماسيين الروس في المدينة.

الدوافع والأهداف من علاقة روسيا بطالبان:

تقف وراء رغبة روسيا في توثيق العلاقات مع طالبان، عدة أولويات وأهداف، يمكن تناولها كالآتي:

  1. التركيز على الأمن الإقليمي:

كعادة الدول الكبرى لا تقدِّم شيئًا بلا ثمنٍ، فإنها تتعامل ببراجماتية شديدة مع طالبان، فهي ترحب بالتعاون معها؛ إلا أنها حتى الآن لم تزيل الحركة من قائمة الجماعات الإرهابية، وربما يمكن تفسير ذلك بأن روسيا تنتظر اللحظة التي ترى فيها وفاء طالبان بتعهداتها أولًا بعدم الإضرار بالأمن الإقليمي والروسي، وعدم السماح للإرهابيين بالتسلل إلى دول الجوار الأفغاني التي لروسيا مصالح فيها.

ولعل أحد أهم العوامل الرئيسية التي تحرك الدافع لدى روسيا للتعاون مع طالبان والرهان عليها خلال الفترة المقبلة هو الاستقرار الإقليمي وتاريخها المؤلم في أفغانستان؛ لذا فروسيا بالأساس تبحث عن حدودٍ آمنة لحلفائها في آسيا الوسطى في سبيل منع انتشار الإرهاب وتهريب المخدرات.

  1. محاربة الإرهاب:

هذا هو المبرر الأكثر الذي يسوِّق له المسؤولون الروس للتقارب مع طالبان، أن التعاون مع الحركة ضروري للغاية لمكافحة تنظيم «داعش» ولاية خرسان الذي تأسس في نهاية 2015، ويضم بين أعضاء منشقين من حركة طالبان، وأفراد من باكستان، وأفراد من دول آسيا الوسطى بعضهم عائد من ساحات القتال في سوريا والعراق، ويكفي أن طاجكستان فقط تقدِّر مَن قاتل مِن أبنائها إلى أكثر من 1000 شخص، قد قاتلوا في سوريا والعراق.

وهذا التوغل لأفراد داعش في هذه المنطقة هو ما دفع رئيس المخابرات الروسية ألكسندر بورتنيكوف خلال اجتماع عقد في طشقند بأوزبكستان في10 نوفمبر 2019 لقادة الأجهزة الأمنية في مجموعة الدول المستقلة التي تضم حاليًا جمهوريات سوفييتية سابقة “نسجِّل نشاطًا متزايدًا لوحدات من تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان”، وأكَّد على أن تنظيم داعش يحاول الانتقال إلى آسيا الوسطى انطلاقًا من أفغانستان”، وتابع: أن “ولاية خرسان” هي على صلةٍ بمجموعتين مسلحتين أخريين، هما: “جماعة أنصار الله” و”الحركة الاسلامية لشرق تركمانستان”.

  1. روسيا وتعزيز النفوذ الإقليمي:

تسعى روسيا لتعزيز نفوذها الإقليمي في وسط آسيا، وحرصت على ذلك حتى قبل وصول طالبان للحكم، كما تسعى روسيا إلى محاولة ملء الفراغ الذي خلَّفه خروج الولايات المتحدة من المنطقة بصورة يسعى الجميع لاستغلالها بأنها دليل على فشل القوى العالمية الكبرى، وفشل جهاز الاستخبارات الأمريكي.

كما تسعى أفغانستان إلى حدودٍ آمنةٍ مع جيرانها كما أكَّد سفير روسيا لدى أفغانستان أن حركة “طالبان مهتمة في بقاء الحدود مع دول آسيا الوسطى آمنة، وبإقامة العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي”.

وقال السفير في كلمة له على “يوتيوب” خلال برنامج “سالافيوف لايف”: “أعتقد أن طالبان مهتمة بحدودٍ آمنة مع دول آسيا الوسطى من أجل إقامة التجارة والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك مشاريع في قطاع النقل، والطاقة، وغير ذلك”.

روسيا واستغلال الفرص من صعود طالبان:

تسعى روسيا لاستغلال الانسحاب الأمريكي وصعود طالبان على عدة محاور، أهمها:

الانتشار الأمني، وفرض السيطرة المسلحة في منطقة وسط آسيا؛ وذلك عن طريق تعزيز أمن شركائها المعرضين للخطر في آسيا الوسطى على طول الحدود الشمالية لأفغانستان، وخاصة طاجيكستان؛ إذ يوفِّر الصراع في أفغانستان الفرصة لموسكو لإظهار وتعزيز دورها الضمني كمزود أمني أساسي للجمهوريات السوفيتية السابقة على طول محيطها الجنوبي، ما قد يساعدها في ذلك احتفاظ روسيا بقاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من العاصمة الطاجيكية دوشانبي من أجل تأمين الحدود.

وهذا ما دفع روسيا في 10 سبتمبر من تقديم 12 مركبة استطلاع ودورية مصفحة حديثة من طراز BRDM-2M مع مجموعات، من قطع الغيار لها وأسلحة نارية فردية وأسلحة القتال القريب، ووسائل الوقاية من الإشعاعات والحماية الكيميائية والبيولوجية لطاجيكستان.

وفي احتفالية تسليم هذه الأسلحة تحدث نائب قائد قوات الدائرة العسكرية المركزية في روسيا اللواء يفغيني تسيندياكين: “على خلفية عدم الاستقرار المتزايد بالقرب من الحدود الجنوبية لطاجيكستان، نضمن بشكل مشترك أمن بلادنا”.

تعزيز مكانتها كقوة عظمى:

تسعى روسيا لفرض نشاطاتها الدبلوماسية، فقد بدأت بسوريا، وليبيا وجنوب القوقاز، وفي 2017 بدأت تفاوضًا لتعزيز التعاون بين روسيا والصين وأفغانستان وباكستان وإيران والهند، من أجل تسهيل المصالحة الوطنية في أفغانستان، وها هي تدعو لمؤتمر موسكو في 20 أكتوبر، فهي تسعى للاحتفاظ بمجموعة متنوعة من الشراكات المحلية.

 هل ننتظر حربًا بين روسيا وطالبان؟

من غير المتوقع أن تشارك روسيا في حرب عسكرية في أفغانستان، خاصة بعد التصريحات المتتابعة من قيادات حركة طابلان، ومن المرجَّح أن تقتصر روسيا في دورها العسكري على التدريبات في آسيا الوسطى، وكذلك الاستفادة من المشهد المضطرب في أفغانستان لتعزيز تواجدها الأمني والدبلوماسي في المنطقة.

على الرغم من صعود طالبان على خلاف المتوقع بعد أعوام من الحصار والقتال؛ إلا أن العالم بدأ يتعامل معها على أنها أمر واقع، والسؤال الآن: كيف ستتعامل أفغانستان مع العالم، ومع الأقليات، ومع التنظيمات؛ خاصة تنظيم القاعدة، والذي لم يُخلَّ ببيعته لقائد طالبان حتى الآن؛ إلا أن الإجابة من الممكن أن نأخذها ليس على لسان طالبان، وإنما على لسان الوفد الأمريكي: “إن الحكم على طالبان سيكون من خلال أفعالها، وليس فقط أقوالها”، وهذه الرسالة لا تمثِّل الوفد الأمريكي، وإنما تمثل نظرة كل العالم إلى طالبان.

مراجع:

كيف تستغل روسيا صعود طالبان لتعزيز تواجدها في آسيا الوسطى؟

“المجلس الأعلى لإنقاذ أفغانستان”: “طالبان” مهتمة بإقامة علاقات واسعة مع روسيا

طالبان مهتمة بحدود آمنة مع دول آسيا الوسطى

بعد الصين وروسيا … تركيا تعتزم مواصلة الحوار مع طالبان

وفد طالبان في موسكو: لن نسمح بتواجد تنظيم “داعش” على الأراضي الأفغانية

واشنطن تضيف “حركة طالبان الباكستانية” لقائمة المنظمات الإرهابية

رغم تصنيفها «إرهابية» … لماذا تدافع روسيا عن حركة طالبان؟

لقاءات د. محمد نعيم مع الجزيرة، ومع قناة الغد، ومداخلته مع الإعلامي أحمد موسى. 

لقاء سهيل شاهين مع قناة كان العبرية.

مجلة الصمود الناطقة باسم الحركة، أعداد: 186، 187، 188.

التعليقات مغلقة.