fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ما الذي يمكن أن تفعله الجزائر في أزمة سد النهضة وأوراق الضغط التي لديها؟

160

ما الذي يمكن أن تفعله الجزائر في أزمة سد النهضة وأوراق الضغط التي لديها؟

 

فبينما لا تزال أزمة “سد النهضة” تعاني الانسداد وجمود المواقف في ظل تعنت إثيوبيا؛ نتيجة رفضها إبرام أي اتفاقات قانونية ملزمة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة مع دولتي المصب: (مصر والسودان)، إلى جانب نأي مجلس الأمن الدولي بنفسه عن تبنيها باعتبارها أزمة إقليمية، كما فشل الاتحاد الإفريقي في إرضاء الأطراف المتنازعة، دخلت الجزائر على خط الأزمة، بوصفها وسيطًا بين الأطراف الثلاثة.

ولم تعلن الجزائر عن تفاصيل مبادرتها لحل الأزمة؛ إلا أن الوزير الجزائري رمطان لعمامرة، أجرى جولات مكوكية شملت: أديس أبابا، والخرطوم، والقاهرة؛ ليعرب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن تفاؤله بنجاح مبادرة أطلقتها بلاده فيما يخص ملف سد النهضة الإثيوبي، مؤكدًا ضرورة التجاوب الكبير من الأطراف الثلاثة مع هذه المبادرة.

أطراف الأزمة تقبل الوساطة:

الرئيس الجزائري الذي أبدى ثقة كبيرة في إمكانية نجاح وساطة بلاده في حلحلة الأزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، أكَّد أن المبادرة “جزائرية خالصة لم تملها علينا أية جهة”، وتابع: “طالبنا بعدم وصول الأشقاء بسبب نزاع سد النهضة إلى أمور ساخنة”.

وكانت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي التي التقاها لعمامرة قبل وصوله مصر، قد أكدت أن هناك مبادرة جزائرية تدعو إلى عقد لقاء مباشر بين أطراف السد لحل الخلافات، مؤكِّدة أن بلادها ترحب بها، وَفْق بيان لمجلس السيادة السوداني.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري بعد اجتماع عُقد بينهما فور وصوله إلى القاهرة، قال لعمامرة: إنه من الأهمية بمكان الوصول إلى حلول مرضية في قضية “سد النهضة” الإثيوبي؛ خاصة وأن “علاقات أطراف الأزمة تمر بمرحلة دقيقة”.

الرئيس الجزائري أكَّد تلقيه ردود فعل إيجابية من دولتي المصب – مصر والسودان – مضيفا: “إنه لا بد من تحكيم العقل والمنطق حتى تنعم إفريقيا بالاستقرار وتعود للمحافل الدولية، خاصة وأن مجلس الأمن لم يفصل في القضية وأعادها إلى الاتحاد الإفريقي”.

وأكد تبون: “أن الوساطة الجزائرية في ملف سد النهضة لن تتوقف إلى أن تحل”، وأن بلاده ليس لديها في القضية “لا ناقة ولا جمل إلا المسعى في تقريب وجهات النظر”.

خبرة سابقة في الوساطة الدولية:

يحفل رصيد الجزائر بتجارب غنية في مجال حل النزاعات الدولية سلميًّا؛ إذ نجحت الدبلوماسية الجزائرية على مدى عقود في نزع فتيل عددٍ مِن الأزمات، لعل أبرزها: الدور المحوري الذي لعبته في إنهاء النزاع العراقي – الإيراني وتوقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، وهو الدور الذي لعبه الرئيس الراحل هواري بومدين ووزير خارجيته وقتها عبد العزيز بوتفليقة .

كما لعبت الجزائر دورًا مهمًّا من أجل التوصل إلى إبرام اتفاق للسلم والمصالحة بين الفرقاء في مالي، وغيرها من الملفات الإفريقية الشائكة.

ويرى خبراء ومراقبون أن مهمة لعمامرة تتمثل في “إحياء دور الجزائر كوسيط في الأزمات الدولية”؛ خاصةً في محيطها المباشر.

وكان لعمامرة قد التقى خلال تواجده في إثيوبيا بمفوض الاتحاد الإفريقي المكلَّف بالشؤون السياسية ومسائل السلم والأمن أديوي بانكول، و”استعرض الطرفان حالات النزاعات والأزمات في جميع أنحاء القارة وآفاق حلها”، بحسب ما أعلنت الخارجية الجزائرية التي نقلت عن لعمامرة: أن الجزائر “تدعم العمل الجماعي للقارة الهادف إلى إسكات البنادق، وتكريس مبدأ الحلول الإفريقية لمشاكل القارة”(1).

تفاؤل جزائري:

جاءت تصريحات الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون، حول التعاطي الإيجابي من مصر والسودان وإثيوبيا مع المبادرة الجزائرية، لحلِّ أزمة سد النهضة؛ لتكشف أن الرئيس عبد المجيد تبون، يلقي بثقل الجزائر خلف هذه المبادرة لحل الأزمة التي فشل حتى الآن الاتحاد الإفريقي فى إيجاد حلٍّ لها، وهو ما دفع دولتي المصب لعرض الملف على مجلس الأمن الدولي.

قراءة تفاصيل التصريحات التي أدلى بها الرئيس تبون لوسائل الإعلام الجزائرية تؤكِّد: أن الجزائر ستقوم بدورٍ كبيرٍ في الفترة المقبلة من أجل التوصل لحلٍّ عادلٍ ومنصفٍ، وقانوني وملزم لقضايا الملء والتشغيل للسد الإثيوبي الذي جَرَت حوله مفاوضات منذ 10 سنوات كاملة، ورفضت إثيوبيا كل الحلول المطروحة، ومنها: وثيقة واشنطن التى وضعها البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية فى فبراير 2020، كما رفضت إثيوبيا 15 مقترحًا مصريًّا فى العامين الأخيرين، كان مِن بينها مقترح يدعو لوجود “ميسرين ومسهلين”  للمفاوضات بعد أن رفضت إثيوبيا مقترحًا سودانيًّا بوجود وساطة رباعية من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ووَفْق وسائل إعلام جزائرية، فإن المبادرة التي يعمل عليها الرئيس تبون، ووزير خارجيته رمطان لعمامرة، تقوم على تفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ الموقَّع فى الخرطوم فى 23 مارس 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا، ويدعو هذا البند إلى عقد قمم بين زعماء الدول الثلاث فى حالة إخفاق المستويات السياسية أو الفنية في إيجاد حلول للمشكلات العالقة، ويمكن القول: إن هناك عددًا من الأسباب التي يمكن أن تساعد المبادرة الجزائرية على تحقيق اختراق لأزمة السد، ومنها:

أولًا: العلاقة القوية للغاية بين الجزائر وإثيوبيا، وسبق للجزائر أن نجحت من قبل في تحقيق نتيجة طيبة أدَّت لإنهاء الصراع الإريتري – الإثيوبي، الذي استمر ما يقرب من 20 عامًا، وظلت الجزائر تستضيف الجانبين: الإثيوبي والإريتري حتى توصَّل الطرفان لحلٍّ في عام 2018، حول الحدود ومثلث بادمي، وانتهى الصراع بين البلدين، وهو ما جعل للجزائر ثقة كبيرة لدى الجانب الإثيوبي.

ثانيًا: العلاقة الخاصة التي تجمع شعب مصر بالجزائر، والجميع يعلم أن أول دولة زارها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد توليه المسئولية في 7 يونيو 2014 كانت الجزائر، والتقى الرئيس السيسي، نظيره عبد المجيد تبون على هامش قمة برلين الأولى فى يناير 2020، وتبادل معه التهنئة بعيد الأضحى المبارك في شهر يوليو الماضى، كما أن مجرد طرح الجزائر لهذه المبادرة، سواء نجحت أم فشلت، يعكس الاهتمام الجزائري بأهم قضية تشغل الشعب المصري في هذه المرحلة من التاريخ.

ثالثًا: وجود شخصية مثل الوزير رمطان لعمامرة، صاحب الخبرة الكبيرة فى القارة الإفريقية، وعلاقاته المميزة مع الجميع فى إفريقيا، يؤكد أننا أمام تعامل جدي للتعاطي مع أزمة سد النهضة.

رابعًا: تتوقع الأوساط الجزائرية: أن يكون هناك مرونة إثيوبية في الفترة المقبلة، نتيجة لثلاثة أسباب، وهي:

      السبب الأول: فشل إثيوبيا فى الملء الثاني، وَفْق جميع الخبراء من كل دول العالم، وليس من دولتي المصب فقط، وأنها لم تستطع حتى الآن في المرحلتين الأولى والثانية إلا حجز 10 مليارات متر مكعب من المياه، يمكن أن تنخفض إلى 8 مليارات فى شهر سبتمبر المقبل، وتزايد المخاوف من أن حجز كميات ضخمة خلف السد قد يقود إلى انهياره.

     السبب الثاني: أن عرض ملف سد النهضة على مجلس الأمن جعل القضية تحت بؤرة وأنظار العالم، وبالتالي: ليس أمام إثيوبيا إلا التجاوب مع الأفكار المطروحة للحل، وإلا سوف ستكون عقبة أمام الحل بعد كل المرونة التي قدَّمتها دولتا المصب.

     السبب الثالث: وَفْق الحسابات الجزائرية أنه بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية فى إثيوبيا انتفى السبب الذي كان يدعو الحكومة الإثيوبية للتشدد بغرض جمع الناخبين حولها، ناهيك أن إثيوبيا تتعرض لمشاكل داخلية غير مسبوقة مع الحرب في تيجراي، والإقليم الصومالي، وإقليم عفر، والصراع بين الأمهرة والأورمو، وغيرها من الصراعات التى تدينها بشكلٍ يومي الأمم المتحدة، ومخاوف الحكومة الإثيوبية من الاتهام بجرائم حرب أو بجرائم ضد الإنسانية، كما تدعو الكثير من المنظمات الإنسانية العالمية.

خامسًا: تعامل الجزائر بشكلٍ متدرجٍ مع الأزمة، فلم تعلن الجزائر أي شيء عن المبادرة؛ إلا بعد أن اتصل الرئيس تبون مع الرئيسة الإثيوبية ثم رئيس الوزراء الإثيوبي، وبعد ذلك قام الوزير رمطان لعمامرة بزيارة الدول الثلاث، قبل أن يعلن الرئيس تبون أن المبادرة الجزائرية لحل أزمة سد النهضة، لقيت تجاوبًا كبيرًا من كل الأطراف المعنية، مبديًا ثقته فى نجاحها، حيث قال في مقابلة مع وسائل إعلام جزائرية: “إن المبادرة الجزائرية لحل أزمة سد النهضة، هى جزائرية خالصة لم تملها علينا أي جهة، تكلمت مع رئيسة إثيوبيا ورئيس وزرائها قبل زيارة وزير خارجيتنا هذا البلد، أؤكد أننا وقفنا على ردود فعل إيجابية من الدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر، وأن مجلس الأمن لم يفصل فى القضية وأعادها إلى الاتحاد الإفريقي. نحن واثقون من نجاح الوساطة الجزائرية، لا بد من تحكيم العقل والمنطق حتى تنعم إفريقيا بالاستقرار، وتعود للمحافل الدولية، وأن الوساطة الجزائرية في ملف سد النهضة، لن تتوقف إلى أن تحل”.

وسبق أن قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة: إن موضوع سد النهضة أصبح عالميًّا، ينظر إليه على أنه من القضايا المهمة للمجتمع الدولي.

وأضاف: “نعتقد أن الوضع المتعلق بالعلاقة بين دول حوض النيل يمر بمرحلة دقيقة، ونحن حريصون على ألا تتعرض العلاقة الإستراتيجية بين الجانبين: العربى والإفريقي لمخاطر، ونرغب في أن نكون جزءًا من الحل بكل الملفات الكبيرة التي تهم أشقاءنا حين تكون الظروف ملائمة، ونرى أن تصل إثيوبيا ومصر والسودان إلى حلول مرضية تحقق لكل طرف حقوقه، وأن الجزائر تعتقد أن العلاقة بين دول حوض النيل، خصوصًا مصر والسودان وإثيوبيا، تمر بمرحلة دقيقة ونحن فى حاجة إلى الاطلاع على الأمور، ولا نكتفي بمعرفة سطحية لملف سد النهضة الحيوي”.

وأعرب عن أهمية أن تصل الدول الشقيقة إلى حلول مرضية تحقق لكل طرف ما له من حقوق، وتحفظ كذلك واجبات كل الأطراف، وأن تسود الشفافية المطلقة فى تلك العلاقة لكي تتساوى الفائدة بالثروة المائية الهائلة.

وتابع: “ما زلنا في اهتمام بهذا الموضوع؛ لأنه مهم للدول الشقيقة والصديقة، ونحن حريصون على أن تظل العلاقة بين الدول الإفريقية والعربية متميزة”، مشيرًا إلى استماعه إلى أديس أبابا والخرطوم، كما استمع جزئيًّا إلى معلومات من وزير الخارجية سامح شكري، مع وعد باستكمال الجلسات والتشاور(2).

أساس مبادرة الجزائر إعلان المبادئ:

وتتماشى المبادرة الجزائرية مع المادة 10 من اتفاق إعلان المبادئ الذي وقَّعته الدول المعنية بالخرطوم في 23 مارس / آذار 2015.

وأوضح بيان لمجلس السيادة الانتقالي السوداني صدر في 31 يوليو / تموز: أن المبادرة تتطلب من “الدول الثلاث عقد اجتماع مباشر لحل الخلافات حول سد النهضة”.

وينص إعلان المبادئ على أن أي وساطة أو تحكيم دولي يجب أن يتم بموافقة الأطراف الثلاثة، وهو ما كان ينظر له باعتباره نقطة ضعف كبيرة في إعلان المبادئ.

وبالنظر لاستناد المبادرة الجزائرية لإعلان المبادئ، ونشاط الجزائر الإفريقي فستكون هذه المبادرة الجزائرية على الأغلب بمثابة بديل غير مباشر أو شبه ممثِّلة للاتحاد الإفريقي الذي فشلت رئاسته الدورية ممثلةً بالكونغو الديمقراطية في إنهاء هذه الأزمة، ولقيت انتقادًا؛ خاصة من قِبَل دولتَي مصبِّ نهر النيل، فهي أشبه بوساطة عربية – إفريقية ستكون مقبولة من حيث الشكل من الاتحاد الإفريقي، ولكن اللافت أن إثيوبيا طلبت من الجزائر تصحيح الصورة الخاطئة لدى الجامعة العربية عن موقفها من أزمة سد النهضة، وهو ما اعتبر طلبًا أو موافقة إثيوبية على الوساطة الجزائرية حتى لو كانت موافقة حمالة أوجه.

وفي هذا السياق قال طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع al-monitor  “المونيتور” عبر الهاتف: “إن زيارة لعمامرة للدول الثلاث المتنازع عليها هي جزء من جهود الجزائر لكسر الجمود في مفاوضات سد النهضة في غياب رؤية واضحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية خلال جولة المفاوضات الأخيرة”(3).

الوساطة الجزائرية … لماذا الآن؟

تحركات الجزائر الدبلوماسية في الفترة الأخيرة جاءت بعد ما وُصِفَ بفترة ركود دبلوماسي عانت منها الجزائر، عزاه البعض إلى الأزمة الداخلية التي وقعت في البلاد وما تلاها من حراك وتظاهرات جعل البلاد تمر بفترة من عدم الاستقرار.

ويرى الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر: أن هناك العديد من الظروف المحلية الإقليمية والدولية استدعت تدخل الجزائر على خط الأزمة في هذا التوقيت، “فعلى مستوى القارة تشهد إفريقيا عودة للتوترات على عديدٍ مِن الأصعدة سواء حروب أو نزاعات بينية أو أزمات وتوترات داخلية كما هو الحال في منطقة الساحل، وفي منطقة القرن الإفريقي وفي تونس، ومناطق أخرى”.

ويضيف بوقاعدة في حواره مع DW عربية أن: “غياب الاهتمام الدولي بمثل هكذا نزاعات يستدعي وجود قوى داخل القارة السمراء تعي جيدًا، وتفهم طبيعة المشكلات التي تعرفها إفريقيا بما يساعد في توطين الاستقرار في القارة”.

ويرى أستاذ العلوم السياسية الجزائري أنه: “على مستوى الظروف الإقليمية، فإن الجزائر واحدة من الدول المتضررة للغاية من حالة النزاعات التي تشهدها إفريقيا، وخاصة ما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي وفي ليبيا، وكذلك ما يحدث في تونس؛ لذا فهي تسعى من أجل أن تدرأ هذه المخاطر الأمنية وتعزز من مكانتها السياسية حتى يمكن أن تساهم في عمل استباقي بما يحول دون تحول أزمات من هذا النوع إلى أزمات مستعصية على الحل”.

يرى الخبير السياسي الدكتورتوفيق بوقاعدة: أن بلاده واحدة من الدول المتضررة من حالة النزاعات التي تشهدها إفريقيا.

أما آخر العوامل التي استدعت تدخل الجزائر وَفْق ما يرى الخبير السياسي الجزائري فهو العامل الداخلي، “وذلك بعودة رمطان لعمامرة إلى الدبلوماسية الجزائرية والذي يعد شخصية إفريقية بامتياز بما لديه من اطلاع واسع على الكثير من الملفات في القارة”.

وكان لعمامرة منسقًا للسلم والأمن في منظمة الاتحاد الإفريقي، و”بالتالي لديه نزوع نحو إفريقيا ومشكلاتها؛ بالإضافة إلى وجود ما يجمع كل هذه العوامل هو طبيعة الدبلوماسية الجزائرية التي دائمًا ما كانت تقوم على مبادئ احترام القواعد والقوانين الدولية”، حسب بوقاعدة.

أوراق في يد الجزائر:

لكن أزمة سد النهضة آخذة في التعقيد، خاصة مع استمرار إثيوبيا في مراحل ملء السد دون أي اتفاق مع دولتي المصب على موعدٍ محددٍ لتلك المراحل، ولا على كميات المياه التي تحتجز خصمًا من رصيدهما من مياه النيل.

كذلك الرفض المطلق لأديس أبابا التوقيع على أي اتفاق ملزم بشأن السد أيًّا كانت بنوده، وهو ما أغضب مصر والسودان بشدة؛ لترتفع حِدَّة التصريحات المتبادلة بين الطرفين بما خشي معه البعض من اندلاع مواجهات عسكرية؛ خاصة بعد ما رفع مجلس الأمن يده عن القضية، وأحالها مجددًا للاتحاد الإفريقي.

فما الذي يمكن أن تقدمه الدبلوماسية الجزائرية في مشهدٍ معقدٍ بهذا الشكل؟ يعتقد بوقاعدة أن الجزائر تملك بالفعل رؤية مختلفة للحل تستند بالأساس إلى ضرورة عودة الأطراف إلى طاولة الحوار، “على أن الأهم من ذلك هو عملية تصحيح للمفاهيم الخاطئة التي نشأت نتيجة المشاحنات السابقة بين الأطراف سواء على المستوى الإعلامي أو حتى المستوى الدبلوماسي”.

ويضيف المحلل السياسي الجزائري: “أن وزير الخارجية لعمامرة لديه قناعة بأن الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي تستخدمها الأطراف خلال الأزمة هي مصطلحات متطابقة، لكن الأزمة بحاجة إلى إعادة ضبط للمفاهيم، كما يجب وضع حد لتخوفات الأطراف وتحديد الآمال التي يرجوها كل طرف من الآخر، ونقل موقف كل طرف وتخوفاته بدقة إلى الطرف الآخر”.

ويرى بوقاعدة: أن هذا لا يمكن أن يحدث في ظل أجواء مشاحنات ومناكفات دبلوماسية طبعت المرحلة السابقة”، مضيفًا: “أنه من الأكيد أن لدى لعمامرة خارطة طريق لكيفية الوصول لحلٍّ عادلٍ، ومُرْضٍ للجميع”.

ويختتم أستاذ العلوم السياسية الجزائري حديثه بالقول: “إن الرؤية الجزائرية في تقديري نابعة من أن الأزمة وصلت إلى حد التلويح بالحرب، وهو ما جعل الأطراف تعيد النظر في رؤيتها للأزمة “خشية تطور الأمور للأسوأ وقناعة الدول الثلاث بأن تبعات تمسك كل طرف بموقفه لن تكون أفضل من التنازلات التي سيقدمها الجميع بغية الوصول إلى نقطة التقاء، وهو في اعتقادي ما يعمل عليه لعمامرة الآن”(4).

رأي الخبراء:

طلب إثيوبي: قال الخبير في العلاقات الإفريقية، د. خيري عمر: إن الجزائر يمكن أن تلعب دورًا بالفعل بحلحلة الوضع المتأزم بين أطراف الأزمة؛ خاصة أن هذه المبادرة جاءت بطلب إثيوبي”.

ويرى عمر: أن هذا هو “المتغير الجديد هذه المرة”، حيث كانت إثيوبيا هي التي تتهرب من التفاوض الجاد، ولكن يبدو أن الوضع الداخلي ومؤشرات وجود حرب أهلية ربما فرض عليها قدرًا من المرونة بشأن هذه الأزمة.

وأضاف في حديثه: “المفاوضات التي تقودها الجزائر سوف تنصب على كيفية تشغيل السد والجوانب الفنية، ولن تتناول ما تصرِّح به إثيوبيا حول حصص المياه، فهذه ثوابت لن يتم الاقتراب منها، ولكن الجوانب الفنية سوف تكون القاسم المشترك في هذه المبادرة؛ خاصة أن هناك بالفعل مشاكل فنية بالسد، وهذا ما عكسه البطء الكبير في الملء الأول والثاني، والذي لم يحقق سوى 10% من جملة المؤسسات المستهدفة”.

ضربة عسكرية محدودة:

أما أستاذ العلوم السياسية د. جهاد عودة، فقد أبدى قلقًا كبيرًا بشأن الموقف الإثيوبي تجاه المبادرة ومبادرات سابقة، مشيرًا إلى مواقف إثيوبية سابقة تؤكِّد على عدم جدية أديس أبابا”.

وطالب بمواقف عملية على الأرض من جانب أديس بابا: “للتدليل على جدية التجاوب مع المبادرة الجزائرية”.

وأشاد أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ”عربي٢١” بالمبادرة الجزائرية، لافتًا إلى خبرة الجزائر الدبلوماسية ونجاحها في بعض الملفات السابقة؛ إلا أنه حذَّر من نوايا إثيوبيا، مطالبا مصر “باتخاذ موقف قوي لإرغامها على التفاوض حال إصرارها على ألاعيبها السابقة من قبيل ضربة عسكرية محدودة ونوعية للسد”.

ولدت ميتة:

وحول هذه المبادرة وتوقيتها، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، مصطفى خضري: إن الجزائر كإحدى الدول العربية الكبرى، وذات الثقل تسعى في طرح نفسها كدولة محورية في إفريقيا بتبني مبادرات سياسية، كعرضها التوسط في ملف السد الإثيوبي، وربما لم تكن هذه المبادرة خالصة من المصالح، فالجزائر تريد صناعة محفظة من أوراق الضغط على مصر؛ خاصة بعد تضارب المصالح مع القاهرة في ليبيا وتونس.

وأضاف خضري: “إن أي مبادرة سياسية خاصة بالسد لن تمثِّل إلا المزيد من استهلاك الوقت لتفويت الفرصة على أي قرار يمكن أن تتخذه دولتا المصب بضرب السد عسكريًّا”، مؤكدًا أن: “آبي أحمد ليس إلا متحدثًا وهميًّا باسم الصاحب الحقيقي لمشروع السد، وهو البنك الدولي والشركات العابرة للقارات المشاركة له، وأي قرار خاص بالسد لن يتم اتخاذه من أديس أبابا”.

وحول فرص نجاح هذه المبادرة أكَّد رئيس المركز المصري: أن صانع المبادرة والمشاركين فيها يعرفون جيدًا أنها “ولدت ميتة”، و”ستنتهي بالفشل”، مضيفًا: “مشكلة السد ليست بيت القصيد، بل هي غطاء لتحركات أخرى بين مصر والجزائر حول الصراع في ليبيا وتونس، فالنظام المصري الداعم لحفتر يهدد الأمن القومي الجزائري، ودعم السيسي لقيس سعيد في تونس لإفشال التجربة التونسية ربما يؤثِّر على دول المغرب العربي كلها؛ ولذلك تحركت الجزائر لخلق أوراق لعب جديدة تكون مدخلًا للتفاوض مع القاهرة، ولن تجد الجزائر أفضل من ورقة السد الإثيوبي للعب بها”.

1_ وكالة أنباء الأناضول/ الجزائر تدخل على خط أزمة سد النهضة.. فما أوراقها؟/  عماد حسن

2_ بوابة الأهرام/ الرئيس عبد المجيد تبون واثق من نجاح المبادرة.. الجزائر تلقى بثقلها لحل أزمة السد الإثيوبى/ أيمن سمير

3_ عربي بوست/ بعد تبني تبون المبادرة.. ما الذي يمكن أن تفعله الجزائر في أزمة سد النهضة وأوراق الضغط التي لديها؟

4_ وكالة أنباء الأناضول/ الجزائر تدخل على خط أزمة سد النهضة.. فما أوراقها؟/ عماد حسن

5_ عربي 21/ خبراء يرهنون نجاحها بالموقف الإثيوبي/ مهند العربي

التعليقات مغلقة.